عساف دخنان
08/06/08, (07:39 PM)
هجرة بعض قبائل عنزة من نجد والحجاز وأسبابها
الجزء الخامس
هنا نستعرض ما قاله الكولو نيل فردريك بيك في كتاب تاريخ شرق الأردن وقبائلها من بعض صفحات الكتاب بما يخص الهجرة : صفحة 5 :إن أسباب هجرة القبائل العربية في جزيرتهم تكاد تكون واحدة في جميع أدوارها وهو أن ازدياد عدد السكان كان يزيد في حاجتهم إلى أراضٍ يزرعونها صفحة 6 : لم يقف سيل هجرة القبائل حتى يومنا هذا فقد كانت عشائر الرولة تقطن أرض زيزياء منذ ثلاثين سنة وفي صيف 1914 م .
كانت ضاربة خيامها في الصحراء حول ثمد واليوم تسكن البادية السورية.. وفي صفحة 217 : ولما كان الكفاح بين بني صخر والسردية على أشده ظهر في الأفق قبيلة أعظم وأكبر عددا .
كانت هذه القبيلة عنزة وهي بطن من ربيعة العدنانية ولم تزل حتى يومنا هذا أكبر قبيلة في الجزيرة العربية .
نهضت في ديار خيبر بالحجاز في الوقت الذي خرجت فيه قبيلة بني صخر من العلا.. ونزلت طلائع عنزة ، وهم الفدعان في أعالي الفرات ثم تبعهم (ضنا مسلم) بقيادة زعيميهم الكبيرين الطيار وابن سمير. وقد ذكرنا في بحثنا عن السرحان حصار الطيار للسرحان في الجوف ، بينما كان بنو صخر ضاربين خيامهم في جنوبي فلسطين..
أغارت عشائر عنزة على شرقي الأردن وحوران وانتزعت السيادة من السردية وطردت معظمهم وأحلافهم إلى وادي الأردن ، ولعل ذلك حدث في أوائل القرن الثامن عشر ، وذكر لان نيبور في عام 1761 أن عنزة أعظم وأقوى قبيلة في صحراء سوريا..
أغار السرحان في القرن السابع عشر أو قبل ذلك على حوران وبسطوا سيادتهم عليها ، وكانوا على رأس حلف كبير يدعى بأهل الشمال مؤلف من السرحان والعيسى والفحيلي وبعد حين انتقلت زعامة هذا الحلف إلى السردية الذين لم يلبثوا أن ظهر لهم عدو منافس هو بنو صخر ، فتنازع الفريقان السيادة إلى أن جاءت عنزة وأخرجتهما من الديار الأردنية لكنها لم تقض على حلف الشمال قضاءً مبرما لأنه تألف ثانية حوالي عام 1800م (1215هـ) وانضم إليه في هذه المرة بنو صخر ، وكان القصد من تأليفه قتال عنزة وطردها من البلاد..تمكن أهل الشمال في غضون القرن التاسع عشر من الوقوف أمام عنزة ومع ذلك فقد ظلت عنزة قويه عدة وعدداً ، ولما كانت تحشد قواها كانت تتفوق على بني صخر وأحلافهم وتدحرهم..
صفحة235 : كانت هجرة عنزة من الحجاز إلى أطراف الهلال الخصيب طبيعية وهي إحدى الهجرات البدوية العديدة التي لم يقف سيلها ولا بزمن من الأزمان..
وفي طريقها شمالاً مرت بالجوف فاصطدمت وقبيلة السرحان ودحرتها وظلت تتبعها إلى أن طوقتها من جميع الأطراف وحدث أن كان بين السرحان رجل من بني صخر تمكن من الهرب إلى قبيلته التي كانت حينذا في ديار غزة وأعلمها ما حل بالسرحان من القهر والانكسار..
استثمر بنو صخر هذه الفرصة للانتقام من أعدائهم الألداء عنزة فجمعوا جموعهم وسيروها تحت لواء زعيمهم محمد الخريشة لنجدة السرحان وبعد مسير ثلاثين يوماً وصلوا الجوف ونزلوا على عنزة على حين غرة وهزموها ، لكن لم تلبث عنزة أن أغارت عليهم وهزمتهم هزيمة منكرة ، وعطفت على السرحان واخرجتهم من الجوف جميعاً ، عدا نفر قليل شق عليهم هجر مزارعهم وبيوتهم وتخلفوا في الجوف وكان لهم أعقاب لا يزالون يقطنون فيها إلى يومنا هذا.. بعد هذا الانكسار خرج بنو صخر والسرحان إلى البلقاء وتبعهم العنزيون الذين اصطدموا والمحفوظ السردي في معركة حامية قرب المزيريب الواقعة شمالي إربد على الحدود بين سوريا وشرق الأردن ، أسفرت النتيجة عن اندحار المحفوظ وحلفائه أهل الشمال وتفرقهم .
فلجأ قسم منهم وهم بنو صخر والسرحان إلى فلسطين وبذلك انتقلت سيادة البلاد الممتدة من دمشق وحوران إلى الأردن ووادي السرحان والجوف إلى عنزة . ويقول حيدر الشهابي في تاريخه: إن جموعاً عظيمة من الفدعان والاسبعة والعمارات وأمثالها من عشائر عنزة قدمت من نجد من الجدب والضيق، وانتشرت في شرقي العاصي في براري حماة والمعرة
• وللشيخ ملعب العواجي يذكر في قصيدة له رحيل قبائل ضنا عبيد وهم : الفدعان - والسبعة - ولد سليمان وسأورد لكم القصيدة يذكر ابن عبار في كتابه أصدق الدلائل في أنساب بني وائل ((قبائل عنزة)) ص 83,84)) وارتحل القسم الأعظم من قبائل ضنا عبيد بقيادة زعيمهم ابن غبين فنزلوا في مناطق الجوف وكان قد حفر الفدعان عد صوير المعروف بمنطقة الجوف ثم وصلوا إلى مناطق في أواسط سوريا في عام 1230هـ وكان له أخبار كثيرة في بداية وصولهم ، من الحروب والنزاعات مع سكان البلاد القدامى ، سجّل البعض من أخبارهم الكتاب العرب والمستشرقين وعن رحيلهم قال الشاعر ملعب بن محمد بن شعيل العواجي هذه القصيدة يذكر رحيلهم ويتوجد عليهم وذلك أن قبيلة ولد سليمان والسبعة والفدعان من ضنا عبيد قد ارتحلوا جميعا في بداية الأمر ثم عاد البعض منهم إلى ديارهم لوجود أملاك قديمة في خيبر فقال ملعب العواجي يتوجد على قومه ضنا عبيد ويذكر رحيلهم : حتى إن الشيخ ملعب يقول وعدنا لنجد العذية وهذا يفسر لنا عودة بعض من القبائل الذين هاجروا وهذا دليل على القوة بأنهم يهاجرون ويرجعون كيف ما يشاؤون.. نستنتج أيضاً من هذا الكلام أن عنزة هاجرت قوية وإلا لما صارعت أقوى تحالف في الشمال وتغلبت عليه ، والذي يخرج مطرود من دياره يخرج ضعيف ويهزم من القبائل التي ستواجهه ، ولكن عنزة خرجت برأيها للبحث عن الكلاء.. أما من بقي بنجد هم الدهامشة وبعض العمارات ..
وكانوا متواجدين بعد معركة كير حتى مناخ المربع أي عام 1249هـ وبعد هذا المناخ لم يذكر لعنزة سوى بعض الوقعات لبعض الافخاذ ..
وهذا طبعا منافي حول أن عنزة أجلتها مطير ..
وأٌول هجرة لعنزة هي بسبب البحث عن موارد للكلاء والعيش ولكثرة قبائلها والرغبة في زيادة اتساع ديارها لأن نجد كانت مقفرة وقاحطة والخير كله بالشام والعراق.. فهاجرت تلك القبائل ثم عندما وجدوا بقية العمارات بعد مناخ المربع الخير الذي بالعراق هاجروا إلى بني عمهم ليجتمعوا بهم هذا من ناحية.. ويقول الشيخ مشعان بن هذال في قصيدة الشيخة التي ذكر بها أحداث رجوعه من العراق إلى نجد وأثناء طرده من كان بالقبائل هناك من مطير وحرب:
نجد جفتنا وكل دار لنا دار .... ما هي معافة مير جوع ومداهير
ومشعان عندما رجع لم يرجع من أجل الاستقرار إنما مرار أي أتى لغرض معين وكان ينوي العودة للعراق وقد أتى لأخذ ثأر أبيه مغيلث ولدعوة الشيخ ماجد بن عريعر له وما أرسله له الزناتي التويجري ، وقد ذكرت هذا الموضوع في موضوع مناخ أبانات والعمار التي وقعت بعد مناخ الرضيمة وقبل مناخ الشماسية وما حدث فيه والقصائد موجودة ، وقول مشعان:
لابد ما نأتي لابانات زوار ..... بأسلاف عجلات تعدي المظاهير
فقال هنا (زوار) أي للغرض الذي أتى من أجله فقط ويقول أيضاً من نفس القصيدة:
لولا شفاتي فيك يانجد ماحتار ..... فكري ولأكثرت علي التفاكير
لولا شفاتي فيك ماجيت مرار ..... نادي نذيرات الهواجيس وندير
والبيت الثاني يذكر ماجيت (مرار) ، أي ما أتيت إلا (مرار) وليس (للاستقرار) ، وهنا كان مروره كما أسلفت للأحداث السابقة ولأخذ الثأر وقد فعل ما أراد ولكن القدر أن يموت في نجد ويقتل في الشماسية وهذه إرادة الله ،ولكنه هزم أعداءه ، الله يرحمك يا مشعان يأخو بتلا.. وأيضاً هناك قصائد تدل على ذلك وهنا سأوردها لقصد الدلالة لا لشيء آخر إنه حصل بين مشعان بن هذال و ماجد بن عريعر وبني خالد بعض المغازي غزا بني خالد على جماعة مشعان ثم غزى عليهم مشعان ورد ما سلبوه بالإضافة إلى ماكسب منهم ولكن مشعان رد إليهم ماكسبه واكتفى برد ما أخذ من جماعته عندها أمر ماجد بن عريعر شاعره مهنا أبوعنقا أن يرسل لمشعان قصيدة يقول له ارحل من نجد فقال أبو عنقا:
يا راكبٍ حر إلى صرت مداد ..... تلفي لشيخ باللقا يمدحونه
تلفي على مشعان عريب الأجداد ..... قل ليه عندك صحبنا ماتصونه
خليت ربعك ياخو بتلا لنا اضداد ..... ما ظل صحب وغزونا تذبحونه
من عقب هذا لا يطاريك مسناد ..... هجر هجركم واحذروا تاصلونه
ابعد شحاك بديرة ثميل من غاد ..... واللي يريد اشر يبعد ظعونه
الغل لي منه غشى فوق الاكباد ..... تغيرت عند الرجال النمونه
ورد عليه مشعان بن هذال:
يا راكبٍ حرٍ به الجري يزداد .... من المبارك زايدات متونه
تلفي لاخو شاهة مواريث الأجواد .... زبن الطريح وإن حالوا القوم دونه
يا شيخ همي عندكم دينة الزاد .... وسيوفنا بدياركم ترهنونه
حنا مواردنا على شط بغداد .... وميري شثاثا بيننا يقسمونه
إن كان من قربي بك البغض يزداد .... نبعد مشاحينا ولا لك مهونه
من هيت الوادي إلى حد الاكراد ..... نحيف على عدواننا مايجونه
ربعي بني وايل على الموت ورّاد ..... واللي يلوذ بظلهم يحتمونه
عدونا نأتيه في قصد وعماد ..... نجي على وضح النقا ما نخونه
وأنت تخبر يوم أشهب الملح رعّاد ..... يوم الابيرص طايراتٍ عيونه
ويقول في البيت الرابع حنا مواردنا على شط بغداد أي أنه لم نأت لنجد إلا للفزعة لابن عريعر ولثأر ابيه وللقصائد التي أرسلها أحد حاضرة القصيم ، وقول أحد مشايخ حرب لن ترى مشعان نثيل القهوة .. و مشعان في البيت الأخير يذكر ابن عريعر بما قدمه له من مساعدة عندما نخاه على بعض القبائل المضايقة لابن عريعر مثل حرب ومطير التي هزمهم في معركة أبانات والعمار التي وقعت بعد الرضيمة وقبل الشماسية وليس أبانات (كير) وهنا قول مشعان عن ابن عريعر في قصيدته الشيخة:
لياما نخونا اللي على نجد حضار.... وجانا كتاب من زبن المقاصير
ماجد بن عريعر حر الاوكـــار .... يقول وليت داركم يالمناعيــــــر
الشيخ اللي حيف على البيض بالغار .... يقول حل بداركم(( حرب ومطيـر))
وجيناه مثل السيل طمام الاوعار.... لياما غدت عنها البوادي شعاثيـر
وبعد الرحيل الثاني للعمارات وهو هجرة مشعان بعد مناخ الرضيمة إلى الشمال قال الشيخ عبد الله بن ماجد بن عبد الله الهذال قصيدة يتوجد على نجد وما أصابها من قحط بعد استقراره في الجزيرة بالعراق:
يا نجد لاجاك الحيا نادي لنا .... وشبي لنا برأس المقوقي نار
يا نجد لاجاك الحيا وصي لنا .... وان زان وقتك فارسلي عمار
عبدٍ خذاله زوجه من هل القرى .... شارت عليه وطاوع الأشوار
ومن طاوع العذرا على غير صايب .... يصير كما اللي ضاع بالنهار
جلس قليل الفود من شان الغنم .... وخلا بنات الهرش معنا أبكار
حلفت أنا يانجد مارخصك عندي .... مير الدهر والوقت فينا جار
سبعة سنين مالمع فيك بارق .... مات الحلال ويبست الأشجار
جرتي علي وأنا معذي جنابك .... واليوم سكنك شاوي وحمار
حاميك انا يانجد بالرمح والقنا .... في لابة تسقي الخصيم امرار
حنا شبات الحرب صبيان وايل .... ملجأ الضعيف مدلهين الجار
حنا أهل العادات اخوان بتلا .... إلى جفتنا الدار نلقا دار
لاجارت علينا الديرة وامحلت .... نلقا لنا ابدار العدو معبار
نجي على وضح النقا ونرهب العدا .... ما كننا إلا يمهم زوار
يانجد شفي فيك طيرة وعيرة .... وغمر الحطب لاحط فوق النار
أقفيت من عندك بنمرا ضرية .... عسامها يغطي الجبال اغبار
أدنا منازلنا بوادي النعايم .... واقصى منازلنا بغار انشار
هذا ما أحببت أن أوضحه بشأن المفهوم الخاطىء حول إدعاء البعض أن قبائل عنزة خرجت من نجد بسبب معاركها مع قبائل أخرى ،ولكن المشكلة تحتاج شرح للمثل (كل قوم ولا عنزة)،،يجب فهم هذا المثل حتى نفهم من هي قبائل عنزة وأن شأن القبائل الأخرى من شأن عنزة وليس شأن قبائل عنزة من شأن القبائل الأخرى ..
هذا ما أحببت أن أوضحه.. إن انتقال القبائل من مكان لآخر يسمى هجرة أو نزوح ويختلف هذا المسمى عن كلمة طرد أو إزاحة أو دحر فنجد أن الذي يهاجر ، يهاجر لأسباب اقتصادية ومعاشية كجدب الأرض وضيق المكان والبحث عن موارد أكثر للمياه والبحث عن الأراضي الخصبة والبحث عن ديار تتسع لقبيلته أو عشيرته هذه هي أسباب الهجرة أو النزوح..
ونجد أن العديد من القبائل التي هاجرت كقبائل عنزة وشمر أو نزحت من ديارها وأماكنها التي كانت عليها ، هاجرت هجرة طبيعية للبحث عن الكلاء بسبب القحط الذي أصاب ديارها ، وعندما هاجرت فإنها هاجرت قوية وصارعت أقوى القبائل هناك كقبائل حلف الشمال وقبائل الملي وبني صخر وغيرها من القبائل المتواجدة هناك وأصبحت هي القبائل المتسيدة لسلطة المنطقة ونجد أن ذكرها في أحداث المنطقة وتاريخها لا يمكن حصره..
بينما مسمى دحر أو طرد أو إزاحة هو تفكك للقبيلة أو الحلف الذي تم دحره ونجد أن القبيلة التي تم دحرها قد سقطت ولا يوجد لها ذكر في التاريخ وتكون قد سلبت جميع أموالها وحلالها وتخضع بعد ذلك للقبيلة التي دحرتها أو أجبرتها على الطرد كما تضطر هذه القبيلة إلى دفع الخوة إلى القبيلة التي دحرتها بعد المعارك والحروب ...
ونجد كذلك أن القبيلة التي تم دحرها أو طردها لم يرد لها ذكر في التاريخ ولم يعد لها قوة كذلك ولم يذكر لها أحداث بعد أن تم دحرها وذلك بعكس القبائل التي هاجرت بقوتها وطبيعتها وفرضت لنفسها سلطة في المكان الذي هاجرت إليه..
ومن هذا المنطلق نتبين أن قبيلة عنزة هاجرت بطبيعتها وقوتها وصارعت أقوى القبائل المتواجدة هناك وأثبتت قوة سيطرتها وسلطتها في تلك المنطقة وأصبحت تأخذ الخوة من القبائل التي جعلتها ترضخ لقوتها وهذا نظراً لقوة قبائل عنزة وكثرة عددها ولما تمتلكه من الخيل الاصايل والابل الاصيلة..
وسوف نذكر هنا بعض مما ذكره المؤلفون والمؤرخون عن هجرة و قوة قبيلة عنزة وبعض من تاريخها :
يتبع
الجزء الخامس
هنا نستعرض ما قاله الكولو نيل فردريك بيك في كتاب تاريخ شرق الأردن وقبائلها من بعض صفحات الكتاب بما يخص الهجرة : صفحة 5 :إن أسباب هجرة القبائل العربية في جزيرتهم تكاد تكون واحدة في جميع أدوارها وهو أن ازدياد عدد السكان كان يزيد في حاجتهم إلى أراضٍ يزرعونها صفحة 6 : لم يقف سيل هجرة القبائل حتى يومنا هذا فقد كانت عشائر الرولة تقطن أرض زيزياء منذ ثلاثين سنة وفي صيف 1914 م .
كانت ضاربة خيامها في الصحراء حول ثمد واليوم تسكن البادية السورية.. وفي صفحة 217 : ولما كان الكفاح بين بني صخر والسردية على أشده ظهر في الأفق قبيلة أعظم وأكبر عددا .
كانت هذه القبيلة عنزة وهي بطن من ربيعة العدنانية ولم تزل حتى يومنا هذا أكبر قبيلة في الجزيرة العربية .
نهضت في ديار خيبر بالحجاز في الوقت الذي خرجت فيه قبيلة بني صخر من العلا.. ونزلت طلائع عنزة ، وهم الفدعان في أعالي الفرات ثم تبعهم (ضنا مسلم) بقيادة زعيميهم الكبيرين الطيار وابن سمير. وقد ذكرنا في بحثنا عن السرحان حصار الطيار للسرحان في الجوف ، بينما كان بنو صخر ضاربين خيامهم في جنوبي فلسطين..
أغارت عشائر عنزة على شرقي الأردن وحوران وانتزعت السيادة من السردية وطردت معظمهم وأحلافهم إلى وادي الأردن ، ولعل ذلك حدث في أوائل القرن الثامن عشر ، وذكر لان نيبور في عام 1761 أن عنزة أعظم وأقوى قبيلة في صحراء سوريا..
أغار السرحان في القرن السابع عشر أو قبل ذلك على حوران وبسطوا سيادتهم عليها ، وكانوا على رأس حلف كبير يدعى بأهل الشمال مؤلف من السرحان والعيسى والفحيلي وبعد حين انتقلت زعامة هذا الحلف إلى السردية الذين لم يلبثوا أن ظهر لهم عدو منافس هو بنو صخر ، فتنازع الفريقان السيادة إلى أن جاءت عنزة وأخرجتهما من الديار الأردنية لكنها لم تقض على حلف الشمال قضاءً مبرما لأنه تألف ثانية حوالي عام 1800م (1215هـ) وانضم إليه في هذه المرة بنو صخر ، وكان القصد من تأليفه قتال عنزة وطردها من البلاد..تمكن أهل الشمال في غضون القرن التاسع عشر من الوقوف أمام عنزة ومع ذلك فقد ظلت عنزة قويه عدة وعدداً ، ولما كانت تحشد قواها كانت تتفوق على بني صخر وأحلافهم وتدحرهم..
صفحة235 : كانت هجرة عنزة من الحجاز إلى أطراف الهلال الخصيب طبيعية وهي إحدى الهجرات البدوية العديدة التي لم يقف سيلها ولا بزمن من الأزمان..
وفي طريقها شمالاً مرت بالجوف فاصطدمت وقبيلة السرحان ودحرتها وظلت تتبعها إلى أن طوقتها من جميع الأطراف وحدث أن كان بين السرحان رجل من بني صخر تمكن من الهرب إلى قبيلته التي كانت حينذا في ديار غزة وأعلمها ما حل بالسرحان من القهر والانكسار..
استثمر بنو صخر هذه الفرصة للانتقام من أعدائهم الألداء عنزة فجمعوا جموعهم وسيروها تحت لواء زعيمهم محمد الخريشة لنجدة السرحان وبعد مسير ثلاثين يوماً وصلوا الجوف ونزلوا على عنزة على حين غرة وهزموها ، لكن لم تلبث عنزة أن أغارت عليهم وهزمتهم هزيمة منكرة ، وعطفت على السرحان واخرجتهم من الجوف جميعاً ، عدا نفر قليل شق عليهم هجر مزارعهم وبيوتهم وتخلفوا في الجوف وكان لهم أعقاب لا يزالون يقطنون فيها إلى يومنا هذا.. بعد هذا الانكسار خرج بنو صخر والسرحان إلى البلقاء وتبعهم العنزيون الذين اصطدموا والمحفوظ السردي في معركة حامية قرب المزيريب الواقعة شمالي إربد على الحدود بين سوريا وشرق الأردن ، أسفرت النتيجة عن اندحار المحفوظ وحلفائه أهل الشمال وتفرقهم .
فلجأ قسم منهم وهم بنو صخر والسرحان إلى فلسطين وبذلك انتقلت سيادة البلاد الممتدة من دمشق وحوران إلى الأردن ووادي السرحان والجوف إلى عنزة . ويقول حيدر الشهابي في تاريخه: إن جموعاً عظيمة من الفدعان والاسبعة والعمارات وأمثالها من عشائر عنزة قدمت من نجد من الجدب والضيق، وانتشرت في شرقي العاصي في براري حماة والمعرة
• وللشيخ ملعب العواجي يذكر في قصيدة له رحيل قبائل ضنا عبيد وهم : الفدعان - والسبعة - ولد سليمان وسأورد لكم القصيدة يذكر ابن عبار في كتابه أصدق الدلائل في أنساب بني وائل ((قبائل عنزة)) ص 83,84)) وارتحل القسم الأعظم من قبائل ضنا عبيد بقيادة زعيمهم ابن غبين فنزلوا في مناطق الجوف وكان قد حفر الفدعان عد صوير المعروف بمنطقة الجوف ثم وصلوا إلى مناطق في أواسط سوريا في عام 1230هـ وكان له أخبار كثيرة في بداية وصولهم ، من الحروب والنزاعات مع سكان البلاد القدامى ، سجّل البعض من أخبارهم الكتاب العرب والمستشرقين وعن رحيلهم قال الشاعر ملعب بن محمد بن شعيل العواجي هذه القصيدة يذكر رحيلهم ويتوجد عليهم وذلك أن قبيلة ولد سليمان والسبعة والفدعان من ضنا عبيد قد ارتحلوا جميعا في بداية الأمر ثم عاد البعض منهم إلى ديارهم لوجود أملاك قديمة في خيبر فقال ملعب العواجي يتوجد على قومه ضنا عبيد ويذكر رحيلهم : حتى إن الشيخ ملعب يقول وعدنا لنجد العذية وهذا يفسر لنا عودة بعض من القبائل الذين هاجروا وهذا دليل على القوة بأنهم يهاجرون ويرجعون كيف ما يشاؤون.. نستنتج أيضاً من هذا الكلام أن عنزة هاجرت قوية وإلا لما صارعت أقوى تحالف في الشمال وتغلبت عليه ، والذي يخرج مطرود من دياره يخرج ضعيف ويهزم من القبائل التي ستواجهه ، ولكن عنزة خرجت برأيها للبحث عن الكلاء.. أما من بقي بنجد هم الدهامشة وبعض العمارات ..
وكانوا متواجدين بعد معركة كير حتى مناخ المربع أي عام 1249هـ وبعد هذا المناخ لم يذكر لعنزة سوى بعض الوقعات لبعض الافخاذ ..
وهذا طبعا منافي حول أن عنزة أجلتها مطير ..
وأٌول هجرة لعنزة هي بسبب البحث عن موارد للكلاء والعيش ولكثرة قبائلها والرغبة في زيادة اتساع ديارها لأن نجد كانت مقفرة وقاحطة والخير كله بالشام والعراق.. فهاجرت تلك القبائل ثم عندما وجدوا بقية العمارات بعد مناخ المربع الخير الذي بالعراق هاجروا إلى بني عمهم ليجتمعوا بهم هذا من ناحية.. ويقول الشيخ مشعان بن هذال في قصيدة الشيخة التي ذكر بها أحداث رجوعه من العراق إلى نجد وأثناء طرده من كان بالقبائل هناك من مطير وحرب:
نجد جفتنا وكل دار لنا دار .... ما هي معافة مير جوع ومداهير
ومشعان عندما رجع لم يرجع من أجل الاستقرار إنما مرار أي أتى لغرض معين وكان ينوي العودة للعراق وقد أتى لأخذ ثأر أبيه مغيلث ولدعوة الشيخ ماجد بن عريعر له وما أرسله له الزناتي التويجري ، وقد ذكرت هذا الموضوع في موضوع مناخ أبانات والعمار التي وقعت بعد مناخ الرضيمة وقبل مناخ الشماسية وما حدث فيه والقصائد موجودة ، وقول مشعان:
لابد ما نأتي لابانات زوار ..... بأسلاف عجلات تعدي المظاهير
فقال هنا (زوار) أي للغرض الذي أتى من أجله فقط ويقول أيضاً من نفس القصيدة:
لولا شفاتي فيك يانجد ماحتار ..... فكري ولأكثرت علي التفاكير
لولا شفاتي فيك ماجيت مرار ..... نادي نذيرات الهواجيس وندير
والبيت الثاني يذكر ماجيت (مرار) ، أي ما أتيت إلا (مرار) وليس (للاستقرار) ، وهنا كان مروره كما أسلفت للأحداث السابقة ولأخذ الثأر وقد فعل ما أراد ولكن القدر أن يموت في نجد ويقتل في الشماسية وهذه إرادة الله ،ولكنه هزم أعداءه ، الله يرحمك يا مشعان يأخو بتلا.. وأيضاً هناك قصائد تدل على ذلك وهنا سأوردها لقصد الدلالة لا لشيء آخر إنه حصل بين مشعان بن هذال و ماجد بن عريعر وبني خالد بعض المغازي غزا بني خالد على جماعة مشعان ثم غزى عليهم مشعان ورد ما سلبوه بالإضافة إلى ماكسب منهم ولكن مشعان رد إليهم ماكسبه واكتفى برد ما أخذ من جماعته عندها أمر ماجد بن عريعر شاعره مهنا أبوعنقا أن يرسل لمشعان قصيدة يقول له ارحل من نجد فقال أبو عنقا:
يا راكبٍ حر إلى صرت مداد ..... تلفي لشيخ باللقا يمدحونه
تلفي على مشعان عريب الأجداد ..... قل ليه عندك صحبنا ماتصونه
خليت ربعك ياخو بتلا لنا اضداد ..... ما ظل صحب وغزونا تذبحونه
من عقب هذا لا يطاريك مسناد ..... هجر هجركم واحذروا تاصلونه
ابعد شحاك بديرة ثميل من غاد ..... واللي يريد اشر يبعد ظعونه
الغل لي منه غشى فوق الاكباد ..... تغيرت عند الرجال النمونه
ورد عليه مشعان بن هذال:
يا راكبٍ حرٍ به الجري يزداد .... من المبارك زايدات متونه
تلفي لاخو شاهة مواريث الأجواد .... زبن الطريح وإن حالوا القوم دونه
يا شيخ همي عندكم دينة الزاد .... وسيوفنا بدياركم ترهنونه
حنا مواردنا على شط بغداد .... وميري شثاثا بيننا يقسمونه
إن كان من قربي بك البغض يزداد .... نبعد مشاحينا ولا لك مهونه
من هيت الوادي إلى حد الاكراد ..... نحيف على عدواننا مايجونه
ربعي بني وايل على الموت ورّاد ..... واللي يلوذ بظلهم يحتمونه
عدونا نأتيه في قصد وعماد ..... نجي على وضح النقا ما نخونه
وأنت تخبر يوم أشهب الملح رعّاد ..... يوم الابيرص طايراتٍ عيونه
ويقول في البيت الرابع حنا مواردنا على شط بغداد أي أنه لم نأت لنجد إلا للفزعة لابن عريعر ولثأر ابيه وللقصائد التي أرسلها أحد حاضرة القصيم ، وقول أحد مشايخ حرب لن ترى مشعان نثيل القهوة .. و مشعان في البيت الأخير يذكر ابن عريعر بما قدمه له من مساعدة عندما نخاه على بعض القبائل المضايقة لابن عريعر مثل حرب ومطير التي هزمهم في معركة أبانات والعمار التي وقعت بعد الرضيمة وقبل الشماسية وليس أبانات (كير) وهنا قول مشعان عن ابن عريعر في قصيدته الشيخة:
لياما نخونا اللي على نجد حضار.... وجانا كتاب من زبن المقاصير
ماجد بن عريعر حر الاوكـــار .... يقول وليت داركم يالمناعيــــــر
الشيخ اللي حيف على البيض بالغار .... يقول حل بداركم(( حرب ومطيـر))
وجيناه مثل السيل طمام الاوعار.... لياما غدت عنها البوادي شعاثيـر
وبعد الرحيل الثاني للعمارات وهو هجرة مشعان بعد مناخ الرضيمة إلى الشمال قال الشيخ عبد الله بن ماجد بن عبد الله الهذال قصيدة يتوجد على نجد وما أصابها من قحط بعد استقراره في الجزيرة بالعراق:
يا نجد لاجاك الحيا نادي لنا .... وشبي لنا برأس المقوقي نار
يا نجد لاجاك الحيا وصي لنا .... وان زان وقتك فارسلي عمار
عبدٍ خذاله زوجه من هل القرى .... شارت عليه وطاوع الأشوار
ومن طاوع العذرا على غير صايب .... يصير كما اللي ضاع بالنهار
جلس قليل الفود من شان الغنم .... وخلا بنات الهرش معنا أبكار
حلفت أنا يانجد مارخصك عندي .... مير الدهر والوقت فينا جار
سبعة سنين مالمع فيك بارق .... مات الحلال ويبست الأشجار
جرتي علي وأنا معذي جنابك .... واليوم سكنك شاوي وحمار
حاميك انا يانجد بالرمح والقنا .... في لابة تسقي الخصيم امرار
حنا شبات الحرب صبيان وايل .... ملجأ الضعيف مدلهين الجار
حنا أهل العادات اخوان بتلا .... إلى جفتنا الدار نلقا دار
لاجارت علينا الديرة وامحلت .... نلقا لنا ابدار العدو معبار
نجي على وضح النقا ونرهب العدا .... ما كننا إلا يمهم زوار
يانجد شفي فيك طيرة وعيرة .... وغمر الحطب لاحط فوق النار
أقفيت من عندك بنمرا ضرية .... عسامها يغطي الجبال اغبار
أدنا منازلنا بوادي النعايم .... واقصى منازلنا بغار انشار
هذا ما أحببت أن أوضحه بشأن المفهوم الخاطىء حول إدعاء البعض أن قبائل عنزة خرجت من نجد بسبب معاركها مع قبائل أخرى ،ولكن المشكلة تحتاج شرح للمثل (كل قوم ولا عنزة)،،يجب فهم هذا المثل حتى نفهم من هي قبائل عنزة وأن شأن القبائل الأخرى من شأن عنزة وليس شأن قبائل عنزة من شأن القبائل الأخرى ..
هذا ما أحببت أن أوضحه.. إن انتقال القبائل من مكان لآخر يسمى هجرة أو نزوح ويختلف هذا المسمى عن كلمة طرد أو إزاحة أو دحر فنجد أن الذي يهاجر ، يهاجر لأسباب اقتصادية ومعاشية كجدب الأرض وضيق المكان والبحث عن موارد أكثر للمياه والبحث عن الأراضي الخصبة والبحث عن ديار تتسع لقبيلته أو عشيرته هذه هي أسباب الهجرة أو النزوح..
ونجد أن العديد من القبائل التي هاجرت كقبائل عنزة وشمر أو نزحت من ديارها وأماكنها التي كانت عليها ، هاجرت هجرة طبيعية للبحث عن الكلاء بسبب القحط الذي أصاب ديارها ، وعندما هاجرت فإنها هاجرت قوية وصارعت أقوى القبائل هناك كقبائل حلف الشمال وقبائل الملي وبني صخر وغيرها من القبائل المتواجدة هناك وأصبحت هي القبائل المتسيدة لسلطة المنطقة ونجد أن ذكرها في أحداث المنطقة وتاريخها لا يمكن حصره..
بينما مسمى دحر أو طرد أو إزاحة هو تفكك للقبيلة أو الحلف الذي تم دحره ونجد أن القبيلة التي تم دحرها قد سقطت ولا يوجد لها ذكر في التاريخ وتكون قد سلبت جميع أموالها وحلالها وتخضع بعد ذلك للقبيلة التي دحرتها أو أجبرتها على الطرد كما تضطر هذه القبيلة إلى دفع الخوة إلى القبيلة التي دحرتها بعد المعارك والحروب ...
ونجد كذلك أن القبيلة التي تم دحرها أو طردها لم يرد لها ذكر في التاريخ ولم يعد لها قوة كذلك ولم يذكر لها أحداث بعد أن تم دحرها وذلك بعكس القبائل التي هاجرت بقوتها وطبيعتها وفرضت لنفسها سلطة في المكان الذي هاجرت إليه..
ومن هذا المنطلق نتبين أن قبيلة عنزة هاجرت بطبيعتها وقوتها وصارعت أقوى القبائل المتواجدة هناك وأثبتت قوة سيطرتها وسلطتها في تلك المنطقة وأصبحت تأخذ الخوة من القبائل التي جعلتها ترضخ لقوتها وهذا نظراً لقوة قبائل عنزة وكثرة عددها ولما تمتلكه من الخيل الاصايل والابل الاصيلة..
وسوف نذكر هنا بعض مما ذكره المؤلفون والمؤرخون عن هجرة و قوة قبيلة عنزة وبعض من تاريخها :
يتبع