بشاير
15/12/06, (01:39 AM)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ماذا سيحدث ياترى لو تكلم الموتىى ؟؟؟
تتصور حال الموتى فهذا نوع من التذكر المحمود لموتٍ موعود، كما قرر ذلك ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - في صيد
الخاطر حين قال: من أظرف الأشياء إفاقة المحتظر عند موته، فإنه ينتبه إنتباهاً لا يوصف، ويقلق قلقاً لا يحد، ويتلهف على
زمانه الماضي، ويود لو تُرك كي يتدارك ما فاته، ويصدق في توبته على مقدار يقينه بالموت، ويكاد يقتل نفسه قبل موتها
بالأسف، ولو وجد ذرة من تلك الأحوال في أوان العافية حصل له كل مقصود من العمل بالتقوى، فالعاقل من مثّل تلك الساعة
وعمل بمقتضى ذلك، فإن لم يتهيأ له تصوير ذلك على حقيقته تخايله على قدر يقظته، فإنه يكف الهوى ويبعث على الجد؛ لنعش
لحظات مع هذا التذكر على منهج ابن الجوزي - رحمه الله - لحقيقة الموت في وقفات تسع.
- الوقفة الأولى: يا ليت قومي يعلمون.
- الوقفة الثانية: جار غير عزيز.
- الوقفة الثالثة: ولقد جئتمونا فرادى.
- الوقفة الرابعة: رفيقة الدرب.
- الوقفة الخامسة: ذبول وردة.
- الوقفة السادسة: في الاستراحة.
- الوقفة السابعة: ألا لله الدين الخالص.
- الوقفة الثامنة: هذه أموالي تقسم.
- الوقفة التاسعة: معالم النجاة.
تصور لو أن أهل القبور خرجوا من قبورهم، خرجوا بأكفان بالية، ووجوه مغبرة، خرجوا من سكون القبور وظلمتها إلى
ضجيج الأرض وأضوائها، فركوا عيونهم، عركوا آذانهم، ثم انطلقوا في أنحاء المدينة أشباحاً مهيبة ليحدثونا عن هول ما رأوا،
فماذا عساهم أن يقولوا بعد هول المطلع، وسؤال منكر ونكير، وحساب عسير، وكيف يا ترى سيكون حديث الأموات للأحياء.
هذا فتى مات في ريعان شبابه، اختطفه الموت وهو أوسع الناس أملاً في العيش، وأكثرهم رجاءً في متاع الحياة الدنيا، مات
على إسراف منه بالمعاصي، فماذا عساه أن يقول لأبيه المفرّط في تربيته لو لقيه في هذه الدنيا لعله أن يقول:
.
يا أبت لقد رأيت ثمار ذنوبي وهي آثار تربيتك، رأيت هذه الثمار ناراً تلظى، وجحيماً لا يطاق، يا أبت لقد كنت في حياتي تُعنى
كثيراً بلباسي ومأكلي ومشربي ولكنك لم تكن تُعنى بقلبي وروحي، لقد أهملتني في بداية مراهقتي فلم توجهني إلى أصدقاء
صالحين، لم تكن تهتم بمن أصاحب من أقاربي وجيراني وزملاء دراستي، لقد كانت فترة التأثير المثالي هي ما بين سن السابعة
إلى سن الخامسة عشر، وكنت تعلم وقتها يا أبت أن هذه المرحلة هي مرحلة تصويب الولد نحو الهدف الصحيح، كنتُ أنا
السهم وكنتَ أنت اليد والقوس والوتر، في هذه المرحلة كنا يا أبت نتلقن كل شيء، ونحب كل شيء، ونستطلع كل شيء، في
هذه المرحلة كنا نقلب أنواع الأصدقاء في معرض الدنيا العريض، أيهم ننتقي، وأيهم نقتني، وأيهم نصاحب، كنا في هذه المرحلة
العجيبة عجينةً غضةً طيـّعة تستطيع توجيهنا الوجهة الصالحة، يا أبت لكنك كنت وقتها تقضي أكثر أيام أسبوعك في
الاستراحة مع الأصدقاء أو مع الزملاء أو مع الأقارب، وفي مرات كنت تتابع تجاراتك التي لم تزد من سعادتك بل أحالت
وجهك البشوش إلى صحراء من العبوس والغبرة والتشاؤم، لم تكن يا أبت تهتم باهتمامات مباحة، لذلك كُنت أبحث عنها عند
أيّ أحد مهما كان مقصده في توفيرها لي، ثم إنك جعلت علاقتي بك كعلاقة مدير مؤسسة فاشل بمرؤوسيه، كانت علاقة
الغطرسة والرسمية حتى أصاب علاقتي معك جفافاً وجفاءً وفجوة فلم أعد أقبل منك توجيهاً ولا نصيحة بسبب هذا الجفاء،
ياأبت لو أنك جعلتني صديقاً من أصدقائك لكان تأثيرك فيّ أكبر، ولكنك كنت تعتبر هذه الصداقة مع أولادك ضرباً من التنازل
الذي لا يليق برئيس مؤسسة محترمةٍ على حد زعمك، يا أبت لو كنت أستطيع أن أقول غفر الله لك إهمالك في تربيتي لفعلت،
ولكنني حينما فارقت هذه الدنيا بذنوب ثقيلة فإنني لا أملك أن أستغفر لنفسي من ذنب واحد من ذنوبي فكيف بذنوب غيري،
ولكنك أنت الذي لازلت في دار المُهلة وتستطيع أن تستغفر لي ولنفسك، يا أبت: إن تسببك في انحرافي لن يخفف عني شيئاً
من العذاب الذي لقيته، ولكنني أدعوك إلى التوبة من إهمالك لي، وأدعوك إلى أن تتدارك الأمر مع بقية أخوتي قبل فوات
الأوان، يا أبت تدارك نفسك بالتوبة، وتدارك إخواني بحسن التربية، فلعل صلاحهم أن يكون سبباً في نجاتي يوم الدين.
ولعل رجلاً من أهل هذه القبور أخذ يتهادى حتى وقف بباب جاره فلعله أن يعاتبه فيقول: جاري العزيز لقد كنت تطرق بابي
فزعاً إذا رأيت الماء قد تسرب من الخزان العلوي حرصاً منك على مصلحتي، ولكنك لم تكن تنبهني على بعض أصدقاء السوء
الذين يخالطون أبنائي، لم تكن تذكرني بإهمالي لصلاة الجماعة، لم تكن تنبهني على إدخالي لأجهزة الفساد إلى منزلي، لقد كان
حقيّ عليك أكثر من حقوق سائر الناس عليك، فلو علمت يا جاري العزيز أن احتفاظك لنفسك بالصلاح لا ينجيك يوم الدين لمَا
أهملتني، ولو علمت أن استثقالي لنصيحتك لا يسوّغ لك ترك نصيحتي، ولبادرت إلى هذه النصيحة
دمتم بحفظ الله ورعايته
ماذا سيحدث ياترى لو تكلم الموتىى ؟؟؟
تتصور حال الموتى فهذا نوع من التذكر المحمود لموتٍ موعود، كما قرر ذلك ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - في صيد
الخاطر حين قال: من أظرف الأشياء إفاقة المحتظر عند موته، فإنه ينتبه إنتباهاً لا يوصف، ويقلق قلقاً لا يحد، ويتلهف على
زمانه الماضي، ويود لو تُرك كي يتدارك ما فاته، ويصدق في توبته على مقدار يقينه بالموت، ويكاد يقتل نفسه قبل موتها
بالأسف، ولو وجد ذرة من تلك الأحوال في أوان العافية حصل له كل مقصود من العمل بالتقوى، فالعاقل من مثّل تلك الساعة
وعمل بمقتضى ذلك، فإن لم يتهيأ له تصوير ذلك على حقيقته تخايله على قدر يقظته، فإنه يكف الهوى ويبعث على الجد؛ لنعش
لحظات مع هذا التذكر على منهج ابن الجوزي - رحمه الله - لحقيقة الموت في وقفات تسع.
- الوقفة الأولى: يا ليت قومي يعلمون.
- الوقفة الثانية: جار غير عزيز.
- الوقفة الثالثة: ولقد جئتمونا فرادى.
- الوقفة الرابعة: رفيقة الدرب.
- الوقفة الخامسة: ذبول وردة.
- الوقفة السادسة: في الاستراحة.
- الوقفة السابعة: ألا لله الدين الخالص.
- الوقفة الثامنة: هذه أموالي تقسم.
- الوقفة التاسعة: معالم النجاة.
تصور لو أن أهل القبور خرجوا من قبورهم، خرجوا بأكفان بالية، ووجوه مغبرة، خرجوا من سكون القبور وظلمتها إلى
ضجيج الأرض وأضوائها، فركوا عيونهم، عركوا آذانهم، ثم انطلقوا في أنحاء المدينة أشباحاً مهيبة ليحدثونا عن هول ما رأوا،
فماذا عساهم أن يقولوا بعد هول المطلع، وسؤال منكر ونكير، وحساب عسير، وكيف يا ترى سيكون حديث الأموات للأحياء.
هذا فتى مات في ريعان شبابه، اختطفه الموت وهو أوسع الناس أملاً في العيش، وأكثرهم رجاءً في متاع الحياة الدنيا، مات
على إسراف منه بالمعاصي، فماذا عساه أن يقول لأبيه المفرّط في تربيته لو لقيه في هذه الدنيا لعله أن يقول:
.
يا أبت لقد رأيت ثمار ذنوبي وهي آثار تربيتك، رأيت هذه الثمار ناراً تلظى، وجحيماً لا يطاق، يا أبت لقد كنت في حياتي تُعنى
كثيراً بلباسي ومأكلي ومشربي ولكنك لم تكن تُعنى بقلبي وروحي، لقد أهملتني في بداية مراهقتي فلم توجهني إلى أصدقاء
صالحين، لم تكن تهتم بمن أصاحب من أقاربي وجيراني وزملاء دراستي، لقد كانت فترة التأثير المثالي هي ما بين سن السابعة
إلى سن الخامسة عشر، وكنت تعلم وقتها يا أبت أن هذه المرحلة هي مرحلة تصويب الولد نحو الهدف الصحيح، كنتُ أنا
السهم وكنتَ أنت اليد والقوس والوتر، في هذه المرحلة كنا يا أبت نتلقن كل شيء، ونحب كل شيء، ونستطلع كل شيء، في
هذه المرحلة كنا نقلب أنواع الأصدقاء في معرض الدنيا العريض، أيهم ننتقي، وأيهم نقتني، وأيهم نصاحب، كنا في هذه المرحلة
العجيبة عجينةً غضةً طيـّعة تستطيع توجيهنا الوجهة الصالحة، يا أبت لكنك كنت وقتها تقضي أكثر أيام أسبوعك في
الاستراحة مع الأصدقاء أو مع الزملاء أو مع الأقارب، وفي مرات كنت تتابع تجاراتك التي لم تزد من سعادتك بل أحالت
وجهك البشوش إلى صحراء من العبوس والغبرة والتشاؤم، لم تكن يا أبت تهتم باهتمامات مباحة، لذلك كُنت أبحث عنها عند
أيّ أحد مهما كان مقصده في توفيرها لي، ثم إنك جعلت علاقتي بك كعلاقة مدير مؤسسة فاشل بمرؤوسيه، كانت علاقة
الغطرسة والرسمية حتى أصاب علاقتي معك جفافاً وجفاءً وفجوة فلم أعد أقبل منك توجيهاً ولا نصيحة بسبب هذا الجفاء،
ياأبت لو أنك جعلتني صديقاً من أصدقائك لكان تأثيرك فيّ أكبر، ولكنك كنت تعتبر هذه الصداقة مع أولادك ضرباً من التنازل
الذي لا يليق برئيس مؤسسة محترمةٍ على حد زعمك، يا أبت لو كنت أستطيع أن أقول غفر الله لك إهمالك في تربيتي لفعلت،
ولكنني حينما فارقت هذه الدنيا بذنوب ثقيلة فإنني لا أملك أن أستغفر لنفسي من ذنب واحد من ذنوبي فكيف بذنوب غيري،
ولكنك أنت الذي لازلت في دار المُهلة وتستطيع أن تستغفر لي ولنفسك، يا أبت: إن تسببك في انحرافي لن يخفف عني شيئاً
من العذاب الذي لقيته، ولكنني أدعوك إلى التوبة من إهمالك لي، وأدعوك إلى أن تتدارك الأمر مع بقية أخوتي قبل فوات
الأوان، يا أبت تدارك نفسك بالتوبة، وتدارك إخواني بحسن التربية، فلعل صلاحهم أن يكون سبباً في نجاتي يوم الدين.
ولعل رجلاً من أهل هذه القبور أخذ يتهادى حتى وقف بباب جاره فلعله أن يعاتبه فيقول: جاري العزيز لقد كنت تطرق بابي
فزعاً إذا رأيت الماء قد تسرب من الخزان العلوي حرصاً منك على مصلحتي، ولكنك لم تكن تنبهني على بعض أصدقاء السوء
الذين يخالطون أبنائي، لم تكن تذكرني بإهمالي لصلاة الجماعة، لم تكن تنبهني على إدخالي لأجهزة الفساد إلى منزلي، لقد كان
حقيّ عليك أكثر من حقوق سائر الناس عليك، فلو علمت يا جاري العزيز أن احتفاظك لنفسك بالصلاح لا ينجيك يوم الدين لمَا
أهملتني، ولو علمت أن استثقالي لنصيحتك لا يسوّغ لك ترك نصيحتي، ولبادرت إلى هذه النصيحة
دمتم بحفظ الله ورعايته