البحتري
07/08/07, (08:04 PM)
شواهد اللغة العربية وقواعد الإحتجاج بها
العلامة اللغوي / سعيد الأفغاني
1- ليست القاعدة إلا قوانين مستنبطة من طائفة من كلام العرب الذين لم تفسد سلائقهم .
2- أعلى الكلام العربي من حيث صحة الإحتجاج به :
القرآن الكريم بجميع قراءاته الصحيحة السند إلى العرب المحتج بهم .
ثم ماصح أنه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه أو أحد الرواة من الصحابة .
ثم نثر العرب وشعرها في جاهليتها بشرط الاطمئنان إلى أنهم قالوه باللفظ المروى ، ويلى ذلك كلام الإسلاميين
الذين لم يشوه لغتهم الاختلاط .
3- جعلوا منتصف المئة الثانية للهجرة حدا للذين يصح الاستشهاد بشعرهم من الحضريين ، فإبراهيم بن هرمة
المتوفى سنة ( 150 هــ ) آخر من يصح الإستشاهد بشعرهم ، وبشار بن برد أول الشعراء المحدثين الذين لايحتج
بشعرهم على متن اللغة وقواعدها . وعلى هذا يؤتى بشعر المتأخرين من فحول الشعراء للاستئناس و التمثيل
لا للاحتجاج .
أما في البادية فقد امتد الاستشهاد بكلام العرب المنقطعين فيها حتى منتصف المئة الرابعة للهجرة .
4- لايحتج بكلام مجهول القائل :
زعم بعض النحاة أنه يجوز أجتماع ( كي ) و ( أن ) على فعل واحد ، واحتجوا لذلك بقول القائل :
أردت لكيما أن تطير بقربي == فتتركها شنا ببيداء بلقع
وزعم آخر أن لام التوكيد تدخل في خبر ( لكن ) كما تدخل في خبر ( أن ) واستشهد لزعمه بقول القائل :
ولكنني من حبها لعميد
وكلا القولين ساقط لايبنى عليه قاعدة ، فالشاهد الاول مجهول القائل ، والشاهد الثاني لا يعرف له أول
ولا قائل وما بني عليها ساقط .
5- لا يحتج بما له روايتان إحداهما مؤيدة لقاعدة تزعم ، والثانية لا علاقه لها بها ، لاحتمال ان الشاعر قال الثانية
والدليل متى تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال :
ادعى بعضهم أن ( الأرض ) تذكر وتؤنث ، واستشهد للتذكير بقول عامر بن جوين الطائي في أحدى الروايتين :
فلا مزنه ودقت ودفها
ولا أرض أبقل إبقالها
والرواية الثانية : ولا أرض أبقلت ابقالها
فإن لم يكن لتذكير ( الأرض ) غير هذا الشاهد فلا يحتج به ، لان الأكثر أن الشاعر قال ( ابقلت ) اللغة المشهورة
المجمع عليها .
6- ترد الشواهد في كتب النحاة محرفة أحيانا . ويكون موضع التحريف هو موضع الاستشهاد على قاعدة تزعم
ولو حرر الشاهد ماكان للقاعدة مؤيد :
عرفت أن الشاهد على اجتماع ( كي ) و ( أن ) مجهول القائل وبذلك حبطت القاعدة لكن بعضهم احتج بقول
جميل العذري وهو ممن يحتج به :
فقالت أكل الناس اصبحت مانحا === لسانك كيما أن تغر وتخدعا
وبرجوعنا الى الديوان نطلع على الرواية الصحيحة وهي :
.................. لسانك هذا كي تغر وتخدعا
فالرواية الصحيحة التي احتجوا بها محرفة في موضع الاستشهاد نفسه ، وإذا لاصحة للقاعدة المزعومة
فالواجب تحرير الشاهد و التوثق من ضبطه في مظانه السليمة قبل البناء عليه .
7- كما يفيد جدا الرجوع إلى الشاهد في ديوان صاحبه إن كان شعرا ، يفيد الرجوع الى المصادر الأولى إن
كان نثرا لمعرفة ما قبله ومابعده ، فكثيرا ما يكون الشاهد الأبتر داعية الخطأ في المعنى و المبنى :
زعم بعضهم جواز مطابقة الفعل المتقدم لفاعله المتأخر في الإفراد و التثنية و الجمع فأجاز قول
(( جاؤوا الطلاب )) واحتج بحديث في موطأ مالك :
(( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة في النهار ....... )) ولا غبار على الاحتجاج بالحديث البته ، ولكننا
حين رجعنا إلى موطأ مالك وجدنا للحديث أولا وهو :
(( إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم : ملائكة في الليل وملائكة في النهار ..... )) وإذا لا شاهد صحيحا على قاعدتهم
المزعومة .
8- ينغبي التفريق بين ما يرتكب للضرورة الشعرية وما يؤتى به على السعة و الاختيار ، فإذا اطمأنت النفس
إلى بناء القواعد على الصنف الثاني ففي جعل الضرورة الشعرية قانونا عاما للكلام نثره ونظمه الخطأ كل
الخطأ : ادعى بعضهم جواز الرفع ب ( لم ) مستشهدا بقول قيس بن زهير :
ألم يأتيك و الأنباء تنمى ==== بما لاقت لبون بني زياد
فإذا فرضنا أن الشاعر قال ( يأتيك ) ولم يقل مثلا ( يبلغك ) يكون قد ارتكب ضرورة شعرية قبيحة
لايجوز البتة أن تبنى قاعدة على الضرورات .
9- المعول في امتحان أوجه الإعراب و الترجيح بين أقوال النحاة على المعنى قبل كل شيء .
فهو الذي يجب ان يكون الحكم في كل مناقشة وموازنه وترجيح ، وإذا دار الأمر بين مقتضيات المعنى
ومقتضيات الصناعة النحوية التزمت الاولى دون الثانية .
في تعليق إذا و الظروف الشرطية قولان : الجمهور أن تعلق بفعل الشرط وقول غيرهم بتعليقها بجواب الشرط
( إذا حضرت أكرمك ) فالجمهور يجعل الظرف متعلقا بـ ( حضرت ) وغيرهم يعلقه بــ ( أكرم ) والمعنى ينص
على أن الإكرام يقع عند الحضور ، لا أن الحضور يقع عند الإكرام وإذا فقول الجمهور لايؤيد المعنى
والصحيح تعليقه بجواب الشرط .
10 - يفضل في كل مقام فيه إعرابان ، الإعراب الذي لايجنح الى تقدير محذوف :
في جملة المدح ( نعم الرجل خالد ) يجعل البصريون ( خالد ) خبرا لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره هو أو الممدوح
فيكون التركيب جملتين ، جملة نعم الرجل و جملة خالد .
أما الكوفيون فيجعلون ( خالد ) مبتدأ مؤخرا وجملة ( نعم الرجل ) خبرا مقدما من غير تقدير محذوف وهذا القول صواب
لإعنائنا عن تقدير محذوف أولا ولأن العرب تقول ( خالد نعم الرجل ) ثانيا .
11- إذا ألجأت أحكام الصناعة إلى تقدير محذوف ، قبل هذا التقدير بشرطين :
1- ألا يلجىء إلى إخلال بالمعنى .
2- وأن يسوغ التلفظ به دون ركة أو خروج عن الأسلوب العربي المشهور :
يجعلون لهمزة الاستفهام تمام الصدارة حتى على حروف العطف فلاتقول : أذهبت ؟ كما نقول ( وهل ذهبت ) ؟
وإنما نقول ( أو ذهبت ) ؟ لكن الزمخشري زعم في مثل قوله تعالى :
(( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ... )) أن الفاء العاطفة في صدر جملتها
وأن الهمزة داخلة على جملة محذوفة وأن التقدير : أقعدوا فلم يسيروا .
والطبع السليم يجد ركة في هذا التقدير وبعدا عن البلاغة و وجوب إهمال هذا المذهب لسخفه .
هذه أهم الأمور عند دراسة الشواهد وما يبنى عليها من قواعد .
ودمتم بخير
العلامة اللغوي / سعيد الأفغاني
1- ليست القاعدة إلا قوانين مستنبطة من طائفة من كلام العرب الذين لم تفسد سلائقهم .
2- أعلى الكلام العربي من حيث صحة الإحتجاج به :
القرآن الكريم بجميع قراءاته الصحيحة السند إلى العرب المحتج بهم .
ثم ماصح أنه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه أو أحد الرواة من الصحابة .
ثم نثر العرب وشعرها في جاهليتها بشرط الاطمئنان إلى أنهم قالوه باللفظ المروى ، ويلى ذلك كلام الإسلاميين
الذين لم يشوه لغتهم الاختلاط .
3- جعلوا منتصف المئة الثانية للهجرة حدا للذين يصح الاستشهاد بشعرهم من الحضريين ، فإبراهيم بن هرمة
المتوفى سنة ( 150 هــ ) آخر من يصح الإستشاهد بشعرهم ، وبشار بن برد أول الشعراء المحدثين الذين لايحتج
بشعرهم على متن اللغة وقواعدها . وعلى هذا يؤتى بشعر المتأخرين من فحول الشعراء للاستئناس و التمثيل
لا للاحتجاج .
أما في البادية فقد امتد الاستشهاد بكلام العرب المنقطعين فيها حتى منتصف المئة الرابعة للهجرة .
4- لايحتج بكلام مجهول القائل :
زعم بعض النحاة أنه يجوز أجتماع ( كي ) و ( أن ) على فعل واحد ، واحتجوا لذلك بقول القائل :
أردت لكيما أن تطير بقربي == فتتركها شنا ببيداء بلقع
وزعم آخر أن لام التوكيد تدخل في خبر ( لكن ) كما تدخل في خبر ( أن ) واستشهد لزعمه بقول القائل :
ولكنني من حبها لعميد
وكلا القولين ساقط لايبنى عليه قاعدة ، فالشاهد الاول مجهول القائل ، والشاهد الثاني لا يعرف له أول
ولا قائل وما بني عليها ساقط .
5- لا يحتج بما له روايتان إحداهما مؤيدة لقاعدة تزعم ، والثانية لا علاقه لها بها ، لاحتمال ان الشاعر قال الثانية
والدليل متى تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال :
ادعى بعضهم أن ( الأرض ) تذكر وتؤنث ، واستشهد للتذكير بقول عامر بن جوين الطائي في أحدى الروايتين :
فلا مزنه ودقت ودفها
ولا أرض أبقل إبقالها
والرواية الثانية : ولا أرض أبقلت ابقالها
فإن لم يكن لتذكير ( الأرض ) غير هذا الشاهد فلا يحتج به ، لان الأكثر أن الشاعر قال ( ابقلت ) اللغة المشهورة
المجمع عليها .
6- ترد الشواهد في كتب النحاة محرفة أحيانا . ويكون موضع التحريف هو موضع الاستشهاد على قاعدة تزعم
ولو حرر الشاهد ماكان للقاعدة مؤيد :
عرفت أن الشاهد على اجتماع ( كي ) و ( أن ) مجهول القائل وبذلك حبطت القاعدة لكن بعضهم احتج بقول
جميل العذري وهو ممن يحتج به :
فقالت أكل الناس اصبحت مانحا === لسانك كيما أن تغر وتخدعا
وبرجوعنا الى الديوان نطلع على الرواية الصحيحة وهي :
.................. لسانك هذا كي تغر وتخدعا
فالرواية الصحيحة التي احتجوا بها محرفة في موضع الاستشهاد نفسه ، وإذا لاصحة للقاعدة المزعومة
فالواجب تحرير الشاهد و التوثق من ضبطه في مظانه السليمة قبل البناء عليه .
7- كما يفيد جدا الرجوع إلى الشاهد في ديوان صاحبه إن كان شعرا ، يفيد الرجوع الى المصادر الأولى إن
كان نثرا لمعرفة ما قبله ومابعده ، فكثيرا ما يكون الشاهد الأبتر داعية الخطأ في المعنى و المبنى :
زعم بعضهم جواز مطابقة الفعل المتقدم لفاعله المتأخر في الإفراد و التثنية و الجمع فأجاز قول
(( جاؤوا الطلاب )) واحتج بحديث في موطأ مالك :
(( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة في النهار ....... )) ولا غبار على الاحتجاج بالحديث البته ، ولكننا
حين رجعنا إلى موطأ مالك وجدنا للحديث أولا وهو :
(( إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم : ملائكة في الليل وملائكة في النهار ..... )) وإذا لا شاهد صحيحا على قاعدتهم
المزعومة .
8- ينغبي التفريق بين ما يرتكب للضرورة الشعرية وما يؤتى به على السعة و الاختيار ، فإذا اطمأنت النفس
إلى بناء القواعد على الصنف الثاني ففي جعل الضرورة الشعرية قانونا عاما للكلام نثره ونظمه الخطأ كل
الخطأ : ادعى بعضهم جواز الرفع ب ( لم ) مستشهدا بقول قيس بن زهير :
ألم يأتيك و الأنباء تنمى ==== بما لاقت لبون بني زياد
فإذا فرضنا أن الشاعر قال ( يأتيك ) ولم يقل مثلا ( يبلغك ) يكون قد ارتكب ضرورة شعرية قبيحة
لايجوز البتة أن تبنى قاعدة على الضرورات .
9- المعول في امتحان أوجه الإعراب و الترجيح بين أقوال النحاة على المعنى قبل كل شيء .
فهو الذي يجب ان يكون الحكم في كل مناقشة وموازنه وترجيح ، وإذا دار الأمر بين مقتضيات المعنى
ومقتضيات الصناعة النحوية التزمت الاولى دون الثانية .
في تعليق إذا و الظروف الشرطية قولان : الجمهور أن تعلق بفعل الشرط وقول غيرهم بتعليقها بجواب الشرط
( إذا حضرت أكرمك ) فالجمهور يجعل الظرف متعلقا بـ ( حضرت ) وغيرهم يعلقه بــ ( أكرم ) والمعنى ينص
على أن الإكرام يقع عند الحضور ، لا أن الحضور يقع عند الإكرام وإذا فقول الجمهور لايؤيد المعنى
والصحيح تعليقه بجواب الشرط .
10 - يفضل في كل مقام فيه إعرابان ، الإعراب الذي لايجنح الى تقدير محذوف :
في جملة المدح ( نعم الرجل خالد ) يجعل البصريون ( خالد ) خبرا لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره هو أو الممدوح
فيكون التركيب جملتين ، جملة نعم الرجل و جملة خالد .
أما الكوفيون فيجعلون ( خالد ) مبتدأ مؤخرا وجملة ( نعم الرجل ) خبرا مقدما من غير تقدير محذوف وهذا القول صواب
لإعنائنا عن تقدير محذوف أولا ولأن العرب تقول ( خالد نعم الرجل ) ثانيا .
11- إذا ألجأت أحكام الصناعة إلى تقدير محذوف ، قبل هذا التقدير بشرطين :
1- ألا يلجىء إلى إخلال بالمعنى .
2- وأن يسوغ التلفظ به دون ركة أو خروج عن الأسلوب العربي المشهور :
يجعلون لهمزة الاستفهام تمام الصدارة حتى على حروف العطف فلاتقول : أذهبت ؟ كما نقول ( وهل ذهبت ) ؟
وإنما نقول ( أو ذهبت ) ؟ لكن الزمخشري زعم في مثل قوله تعالى :
(( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ... )) أن الفاء العاطفة في صدر جملتها
وأن الهمزة داخلة على جملة محذوفة وأن التقدير : أقعدوا فلم يسيروا .
والطبع السليم يجد ركة في هذا التقدير وبعدا عن البلاغة و وجوب إهمال هذا المذهب لسخفه .
هذه أهم الأمور عند دراسة الشواهد وما يبنى عليها من قواعد .
ودمتم بخير