أسباب رقة القلب ؟
أعظم الأسباب التي يرق بها قلب العبد لربه تلاوة القرآن ، فلا يلين القلب بشيء مثل كلام الله. هذا الكتاب الذي لا تنتهي عجائبه ، ولا تنقضي غرائبه ، إذا وضعه العبد فتأمله وتدبره وكان من المتعظين بكلام الله عزوجل..
رق قلبه لله : { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} فمن أعظم نعم الله على العبد - مما يعين على رقة قلبه وخشوعه لله .كثرة تلاوة القرآن ، التلاوة مع التدبر والتأثر : { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ} فأرق الناس قلباً من إذا قرأ آيات الكتاب هزت فؤاده ، وأخشعت قلبه ، وشرحت صدره ، يتلو آيات الله-جل وعلا- فتخرجه من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ، تخرجه إلى الوعد فيطير فرحاً بوعد الله- - واستبشاراً برحمته ، وتأخذه إلى الوعيد فكأن زفير جهنم بين أذنيه ، فينكسر لله قلبه ويخشع لله فؤاده ، أسعد الناس في هذه الدنيا من جعل الله-u- القرآن ربيع قلبه ، ونور صدره ، وجلاء حزنه ، وذهاب همه وغمه ، ولذلك تجد أهل القرآن أرق الناس قلوباً ؛ لأن الله كسر قلوبهم بمواعظه : { قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} القسوة مرض ، والله يشهد أن شفاءها في كتابه ، فلا يرق قلب العبد لله بشيء مثل كتاب الله ، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام لعبدالله بن مسعود : (( اتلُ علي القرآن )) قال : " - يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ " قال : (( إني أحب أن اسمعه من غيري )) قال : فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت قول الله : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيداً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} فقال لي : (( حسبك )) فنظرت فإذا عيناه تذرفان عليه الصلاة والسلام . فكان أكمل الناس خشوعاً لكتاب الله ، وكان يقرأ في صلاة الظهر وحتى يسمع لتلاوته كغلي المرجل من بكائه ورقته-عليه الصلاة والسلام- لكتاب الله-جل وعلا- ، وكان السلف الصالح من الصحابة-رضوان الله عليهم- كانوا يخشعون لكتاب الله ، فكان الواحد منهم أرق قلباً وأخشع فؤاداً وأشرح صدراً بكلام الله-جل وعلا- ، ولربما يكون في سَوْرة الغضب فإذا ذكر بالآية من كتاب الله انكسر قلبه ، ولربما تكون الدنيا بين يديه فإذا تلا شيئاً من كتاب الله أنفقها لوجه الله-جل وعلا- ، فالذي يريد السعادة التامة الكاملة برقة قلبه وصلاح حاله فليضع كتاب الله أمامه إماماً له في كل خير وبر . ومن أعظم الأسباب التي ترقق القلب : الدعاء ، أن يسأل الله قلباً خشعاً وأن يستعيذ بالله من قسوة القلب ، وأن يسأل الله أن يصرف عنه الفتن والمحن التي تقسي القلوب . مما يعين على رقة القلب : بر الوالدين ، فمن بر والديه وأحسن إليهما وأدخل السرور عليهما شرح الله صدره ونور قلبه وجعل قلبه رقيقاً ، فيكون من أهل الجنة الذين ترق قلوبهم بكل خير ، وتنشرح صدورهم بكل طاعة وبر ، من هو السعيد ؟! الذي بر والديه ، فبر أُماً لم ينس حقها وفضلها ، وبر أباً كريماً لم ينس حقه وفضله ، فتجده كلما خرج من عند أبيه وأمه رفعت له الأكف من وراء ظهره بصالح الدعوات ، فتتغشى عليه الرحمات ، فتجده أرق الناس قلباً وأصلحهم حالاً ، والعكس بالعكس ، فمن أعظم الأسباب التي تقسي القلوب : عقوق الوالدين-نسأل الله السلامة والعافية- . مما يعين على رقة القلب : زيارة الأرحام وصلتهم ، فيتفقد الأعمام والعمات والأخوال والخالات ، ولو كانوا بعيدين يسافر إليهم يُعرِّف ابناءه كيف يصلون الرحم ، فيدخل على العم والعمة وعلى الخال والخالة يدخل عليهم باراً رضياً واصلاً لرحمه ، متقياً لربه فيصله الله بصلته ، فهو الرحمن خلق الرحم واشتق لها اسماً من اسمه ، فمن وصلها وصله ، ومن قطعها قطعه ، فإذا وصل رحمه وصله الله فكان أرق الناس قلباً ، وقل أن تجد قاطعاً للرحم رقيق القلب-نسأل الله السلامة والعافية- . كذلك - أيضاً - مما يعين على رقة القلب : حب العلماء والصالحين ، والدعاء لهم بخير أحياءهم وأمواتهم ، فيحبهم ويحب مجالسهم ويحب سماع كلامهم ؛ لأنهم هم أهل الله وأهل ولايته وطاعته الذين يأمرون بأمره ، وينهون عن نهيه وزجره ، فضلهم الله على عباده ، فجعلهم أمناء على وحيه - خاصة أئمة السلف ودواوين العلم من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان ، لا يذكرون إلا بكل خير ، يترحم عليهم ويذكر مآثرهم ويشيد بفضلهم ، وأما الأحياء يزورهم ويدعو لهم ويسأل الله لهم الخير كما يحبه لنفسه ؛ لأنه يعلم مايكون للأمة من النفع والخير . كذلك - أيضاً - مما يعين على رقة القلب : الإحسان إلى المسكين : { فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} انظر كيف ؟ بعد ما جاءت الآيات قال : { ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} فالرقيق هو الذي يوصي بالمرحمة ؛ لكن متى ؟ لما : اقتحم ما العقبة والعقبة شيء صعب ما يستطيع أن يصل إليه الإنسان إلا : { فَكُّ رَقَبَةٍ} وهذا من أعظم من فك الرقاب وعتق الأماء والأرقاء لما فيه من عظيم إدخال السرور عليهم ، { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ}. تصور أرملة من أرامل المسلمين تراها وهي وافقة على مزبلة أو وافقة تستطعم لأولادها تجمع فتقف عليها وتعطيها ما تيسر من المال وهي تكدح لأولددها وفلذة كبدها قد يكونوا أيتاماً ، فإذا جئت وأعطيتها ذلك المال ، كم يدخل على قلبك من السرور والرحمة ! والله قل أن تجد من الأمور التي يوصي بها العلماء ، ومجربة عند الصالحين والأخيار ، من أعجب ما تكون في حسن العاقبة للعبد : الإحسان للنساء الضعفة ، فإنك تجد الأرملة من أرامل المسلمين في حالة من الضيق والكرب في دين أو حاجة ، فتقف عليها وتقضي حاجتها ، ما تبرح قدمك من المكان الذي أنت فيه ، بل بعض الأحيان قبل أن تغادر إلا وجدت من رقة القلب وخشوع القلب ما الله به عليم ! والناس على درجات ، وكم من عبدٍ أسعده الله بدعاء أرملة في ظلمة ليل أو ضياء نهار ! قال عليه الصلاة والسلام : (( الساعي على الأرملة واليتيم كالقائم الذي لا يفتر ، والصائم الذي لا يفطر )) . نسأل الله العظيم ، رب العرش الكريم ، أن يرزقنا رقة القلب وصلاحه . وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمَـْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَميْنَ. وصلَّى اللَّهُ وسلَّم وبارك على عبده ونبيّه محمد وعلى آله وصحبه أجمعيــــــــــن . كتبه الشيخ د. محمد محمد المختار الشنقيطي حفظه الله |
جزاك الله خير اخي عبدالكريم
{... ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد. ألا وهي القلب }. واسأل الله ان يجعلنا وإياكم ممن ترق قلوبهم لذكر الله وشكر الله لك الموضوع الرائع ودمت بخير |
اخوي \عبد الكريم العنزي
جزاك الله عنا خير الجزا وكتب لك الاجر وثواب موضوع مهم جداً واسأل الله ان يجعلنا وإياكم ممن ترق قلوبهم لذكر الله |
جزاك الله خير
واسأل الله ان يجعلنا وإياكم ممن ترق قلوبهم لذكر الله |
الساعة الآن (08:31 PM) |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
شركة استضافة:
استضافة
رواد التطوير
مايكتب في هذا المنتدى لايعبر بالضروره عن وجهة نظر ادارة الموقع وانما يعبر عن وجهة نظر كاتبه