حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول
إن كان ليكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه حتى يأتي شعبان
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
عون المعبود شرح سنن أبي داود
( إن كان )
: هي مخففة من المثقلة أي أن الشأن واحدا لكونين زائد , قاله السندي
( فما أستطيع أن أقضيه حتى يأتي شعبان )
لشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في رواية للبخاري . قال النووي : وقد اتفق العلماء على أن المرأة لا يحل لها صوم التطوع وزوجها حاضر إلا بإذنه بحديث أبي هريرة المروي في صحيح مسلم , وإنما كانت تصومه في شعبان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم معظم شعبان فلا حاجة له فيهن حينئذ في النهار , ولأنه إذا جاء شعبان يضيق قضاء رمضان , فإنه لا يجوز تأخيره عنه . ومذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وجماهير السلف والخلف أن قضاء رمضان في حق من أفطر بعذر كحيض وسفر يجب على التراخي ولا يشترط المبادرة به في أول الإمكان , لكن قالوا : لا يجوز تأخيره عن شعبان الآتي لأنه يؤخره حينئذ إلى زمان لا يقبله وهو رمضان الآتي فصار كمن أخره إلى الموت .
وقال داود : تجب المبادرة في أول يوم بعد العيد من شوال , وحديث عائشة هذا يرد عليه . قال الجمهور : ويستحب المبادرة به للاحتياط فيه , فإن أخره فالصحيح عند المحققين أنه يجب العزم على فعله , وكذلك القول في جميع الواجب الموسع , إنما يجوز تأخيره بشرط العزم على فعله , حتى لو أخره بلا عزم عصى . وقيل لا يشترط العزم .
وأجمعوا على أنه لو مات قبل خروج شعبان لزمه الفدية في تركته عن كل يوم مد من طعام , هذا إذا كان تمكن القضاء فلم يقض . فأما من أفطر في رمضان بعذر ثم اتصل عجزه فلم يتمكن من الصوم حتى مات فلا صوم عليه ولا يطعم عنه ولا يصام عنه .
ومن أراد قضاء صوم رمضان ندب مرتبا متواليا , فلو قضاه غير مرتب أو مفرقا جاز عندنا وعند الجمهور ; لأن اسم الصوم يقع على الجميع . وقال جماعة من الصحابة والتابعين وأهل الظاهر : يجب تتابعه كما يجب الأداء انتهى .
قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه . وفيه حجة أن قضاء رمضان ليس واجبا على الفور خلافا لداود في إيجابه ثاني شوال , وأنه آثم متى لم يقضه . وقال بعضهم : فيه دليل على أن من أخر القضاء إلى أن يدخل رمضان من قابل وهو مستطيع له فإن عليه الكفارة , قال : ولولا ذلك لم يكن في ذكرها شعبان وحصرها موضع القضاء فيه فائدة من بين سائر الشهور . وذهب إلى إيجاب ذلك جماعة من الصحابة والتابعين والفقهاء . وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي : يقضي وليس عليه فدية , وإليه ذهب أصحاب الرأي . وقال سعيد بن جبير وقتادة : يطعم ولا يقضي , وأخرجه الترمذي من حديث عبد الله البهي عن عائشة وقال حسن صحيح .
--------------------------------------------------------------------------------
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله :
قال المنذري : واختلف فيما لو أخره عن رمضان آخر : فقال جماعة من الصحابة والتابعين : يقضي ويطعم كل يوم مسكينا . قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله : وهذا قول ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة ومجاهد وسعيد بن جبير والثوري والأوزاعي والإمام أحمد والشافعي ومالك وإسحاق . وقال جماعة : يقضي ولا فدية عليه , وهذا يروى عن الحسن وإبراهيم النخعي , وهو مذهب أبي حنيفة . وقالت طائفة , منهم قتادة : يطعم ولا يقضي .
ووقع في الصحيحين في هذا الحديث : " الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم " , ولكن هذه اللفظة مدرجة في الحديث من كلام يحيى بن سعيد , قد بين ذلك البخاري في صحيحه , قال : وقال يحيى " الشغل من النبي صلى الله عليه وسلم أو بالنبي صلى الله عليه وسلم " وفي لفظ : " قال يحيى : فظننت أن ذلك لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفي الصحيحين عن عائشة أيضا قالت : " إن كانت إحدانا لتفطر في رمضان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم , فما تقدر أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان " .