3 – ان الانسحاب الامريكي هو، في احد اهدافه، حماية للقوات الامريكية من رد ايراني على قواتها في العراق، اذا اضطرت لتوجيه ضربات جراحية وانتقائية الى ايران. لقد هددت ايران مرارا بانها اذا تعرضت لهجوم امريكي فانها سترد بضرب القوات الامريكية في العراق، سواء باسلحتها او بادواتها داخل العراق. لذلك فان انسحاب القوات الامريكية الى محيط العراق الاقليمي، او الى مناطق داخل العراق معزولة وبعيدة عن اذرع ايران، هو الرد على تهديدات ايران، وهي خطوة تحرر امريكا من القلق على قواتها في العراق. ويكمل هذه الخطوة اجراء امريكي اخر وهو حماية قواتها في الخليج العربي من ضربات ايرانية محتملة، سواء بتحييد قدرات الرد الايرانية او بنصب منظومات دفاعية متقدمة في الخليج العربي، لتقليل قدرة ايران على الانتقام ومنع تحويل الضربات الانتقائية والجراحية الى حرب شاملة، برية بالأساس، وهو ما تريده ايران، مع ان امريكا تريدها ضربات صاروخية وجوية فقط.
4 – ان توريط ايران في مستنقع العراق هو واحد من اهم اهداف امريكا حاليا، لانها ترى ان حصول فراغ في العراق، بعد الانسحاب، سيغري ايران بدخول العراق مباشرة، بقواتها المسلحة وكل ثقلها، الامر الذي سيعرضها للاشتباك المباشر مع المقاومة العراقية بكافة فصائلها، وهو ما سيؤدي الى استنزاف متبادل للطرفين، فالمقاومة ستنجح في تحديد مناطق الاحتلال الايراني ومنعها من التقدم، وايران ستمنع المقاومة من تحرير مناطق معينة. وبخلق هذه الحالة التشرذمية ستضرب امريكا عصفورين بحجر واحد : فمن جهة اولى ستضعف ايران وتتبلور صورتها كدولة تحتل رسميا وفعليا جزء من العراق، وبذلك يمكن تأليب الراي العام العربي ضدها بقوة ودون تحفظ، ومن جهة ثانية ستوجه ايران ضربات موجعة للمقاومة العراقية وهو ما سيشجع بروز تيارات وعناصر داخل الصف الوطني تدعو للاعتماد على امريكا في طرد ايران من العراق.
ان ما قاله احمدي نجاد رئيس ايران في مؤتمره الصحفي يوم 28 – 8 – 2007 يؤكد ان ايران تريد التدخل المسلح رسميا في العراق، اذ قال ان بلاده مستعدة لملأ الفراغ الذي سيترتب على انسحاب القوات الامريكية من العراق، لكنه اضاف في التفاتة تكتيكية بان بلاده ستنسق مع اطراف اقليمية مثل السعودية لملأ الفراغ في العراق! وخيار التدخل الاقليمي في العراق بعد الانسحاب هو ما تريده امريكا بالضبط، لانه سيحررها من كارثتها في العراق وسيجر دول المنطقة جرا الى التعاون معها لاعادة الامن الى العراق دون ان تدفع امريكا حياة جندي واحد!
5 – في فترة الانسحاب الامريكي، المؤقت والتكتيكي، ستعد امريكا البديل الجديد : حكومة ائتلافية تضم وجوها وتيارات كانت مع القوى الوطنية، او ضمن صفوف المقاومة، لتكون واجهة الاحتلال الجديدة غير المحروقة وتنصبها بعد استنزاف المقاومة والقوى الوطنية، والتي تتوقع امريكا انها ستكون عاجزة عن الحسم بعد معاركها فيما بينها على السلطة وبعد اشتباكها مع ايران. وبذلك ستتمكن الحكومة الجديدة من كسب اوساط عراقية كانت حتى الان ترفض دعم العملية السياسية في ظل الاحتلال، لكنها وبعد ان ترى تمزيق واستنزاف المقاومة، والعشائر ورجال الدين والاحزاب الوطنية، ستكون مضطرة رغم قناعاتها للانضمام الى العملية السياسية، وهي تملك بعض التاثير على قطاعات جماهيرية نضب معين صبرها واصبحت تريد الامن بأي ثمن حتى لو كان التعاون مع الاحتلال الامريكي.
بهذه الخطوات تتوقع امريكا انها ستعود، من شباك التناحر الوطني الشامل والعجز عن التوحد او التحالف، الى العراق منتصرة ومطلوبة من قطاعات عراقية كانت ضدها، بعد ان اجبرتها المقاومة على الخروج الذليل من باب وحدة المقاومين.
جرس تنبيه
بعد تأكيد الملاحظات السابقة، وفي ضوءها، من الضروري لفت النظر الى ان المرحلة الحالية هي اخطر مراحل نضال الشعب العراقي من اجل التحرير الكامل، ولذلك فان المستقبل القريب، والاهم المستقبل البعيد، يتوقفان الان على الخيار الذي ستتبناه القوى الوطنية وفصائل المقاومة المسلحة الان منفردة او مجتمعة. وفي مقدمة ما يجب ان يتم حسمه، الان وليس غدا، هو الموقف من الاخر في الحركة الوطنية العراقية وفي فصائل المقاومة المسلحة، فما لم يعبّر الوعي الستراتيجي، لدى كافة الوطنيين لما يجري في العراق والوطن العربي، عن نفسه بصورة متكاملة وليس انتقائة او ذاتية انانية، فان كارثة تحويل الاحتلال الامريكي والايراني لهزيمتهما الى نصر وتحويل انتصار المقاومة الباهر الى هزيمة ستقع حتما.
والسؤال الحاسم هو : هل هناك بين فصائل المقاومة المسلحة والحركة الوطنية العراقية الداعمة لها من يريد القضاء على الثورة المسلحة؟ ان الجواب لن يكون بالقول (كلا) فقط، فهذه ال(كلا) تقليدية لدى الحمقى، الذين يقدمون على أيذاء انفسهم وتدمير غيرهم لكنهم يصرون على القول انهم يتصرفون بوعي وحكمة وصواب! اننا نقرع جرس الانذار الان للجميع، للانتباه الى ما تخطط له امريكا في العراق، ونعيد التاكيد على ان امريكا تريد تقسيم العراق ولكن بعد الذبح الكامل لكافة فصائل المقاومة المسلحة ودون استثناء، ومعها ستذبح الحركة الوطنية العراقية. فهل من بيننا من يريد تقسيم العراق وإنهاءه وتغيير الهوية العربية لما يتبقى منه الى الابد؟ وهل بيننا من يضع مصلحة الحزب او التنظيم او الفرضيات النظرية فوق مصلحة العراق والامة العربية؟ من هنا علينا جميعا ان نعيد النظر في اساليب عملنا الكفاحية وان نركز على هدف واحد لاغير وهو كيفية ضمان وحدة فصائل المقاومة ومنع تشرذمها.
ما العمل للرد على هذا المخطط؟
ان الرد الوحيد القادر على احباط المخطط الامريكي يتلخص في كلمة سر واحدة، وهي وحدة المقاومة ووحدة درعها الجماهيري : الجبهة الوطنية الشاملة. فمن دون هذه الوحدة وتلك الجبهة ستنجح امريكا في اجهاض الثورة العراقية المسلحة، لذلك فان معيار الوطنية الحاسم الان هو اقامة الوحدة المقاتلة والجبهة المساندة لها.
وفي هذا الاطار يجب ان يكون واضحا بان من يظن انه قادر لوحده كتنظيم مسلح او سياسي، او كمجموعة عسكر، على السيطرة المنفردة على العراق مع اهمال وعزل الاخرين، هو ضحية وهم قاتل ويعيدنا الى المربع الاول من كارثة العراق، حينما ظن جنرال عراقي، بعد ان اكتسب شعبية كبيرة واحترام واسع النطاق في البداية في عامي 1958 و1959، انه قادر على الغاء دور القوى الوطنية واقامة نظام ديكتاتوري، بالاعتماد على حزبين فقط (الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكردي)، وباستخدام لغة الدم والتصفيات الدموية للاخرين، فكان مصيره هو الاعدام، ولكن بعد ان اطلق شرارة حريق التناحر الدموي العراقي – العراقي. اننا نذكر بان العراق هو نسيج خاص جدا ومهما بلغت شعبية الفرد او التنظيم فانه في النهاية سيصطدم بقوى اخرى ستبقى قادرة على التحشيد ضده، اذا انفرد او اراد الانفراد بالسلطة.
واذا كان الجنرال المرحوم المشار اليه، ورغم شعبيته وعسكريته الراقية، اصطدم بجدار الاخرين الذين تم اقصائهم، فهل يستطيع (جنرالات اليوم) داخل المقاومة، مثل أبو عمر البغدادي، او خارجها، مثل ضباط يحلمون بتكرار تجربة ذلك الجنرال وهم يتعمدون تجاهل مصيره، واغلبهم نكرات مقارنة بذلك الجنرال، نقول : هل يستطيع هؤلاء ان يبقوا في السلطة مع ان الحركة الوطنية والمقاومة المسلحة تملك اليوم امكانات هائلة وحاسمة لم تكن موجودة في زمن الجنرال المذكور؟
ان القانون المطلق لنجاة الجميع الان، وبالاخص نجاة الوطن، هو الذي يقول بان العمل المنفرد لتنظيم واحد او لجماعة واحدة ما هو الا انتحار حقيقي له او لها، لكنه سيسبب للشعب ومقاومته مشاكل كثيرة ومعقدة، لذلك فان الجبهة المقاتلة والجبهة السياسية الداعمة للمقاتلين هما ضمانة النصر للعراق والاستقرار والامن لشعبه.
ان امريكا وهي تنسحب تكتيكيا تريد استنزاف الجميع، دون استثناء، تمهيدا لاخضاع الجميع، دون استثناء ايضا، وأقامة نظام استعماري في العراق لا صديق له فيه سوى الدولار، لذلك فان محاولة الانفراد بالسلطة بعد الانسحاب سيوقع صاحبها في فخ انتحاره هو، بعد نحره لامل التحرير، كما فعل المرحوم الجنرال العراقي في عامي 58 - 1959.
وعلينا جميعا ان نتذكر دائما، ونأخذ في كل حساباتنا، حقيقة ان محاولات الشرذمة والانشقاقات التي حدثت او فشلت لم تكن صدفة ولا نزوة فردية بل كانت عملا مدبرا ومدروسا بدقة، خصوصا منذ تفجير مرقد الامام علي الهادي، وإشهار التكفيريين موقفهم الحقيقي من كافة القوى الوطنية والفصائل العروبية، وهو تكفيرها وتحليل دمها وبدء حملة دموية لتحقيق ذلك، ومن دبر وخطط لذلك العمل هما امريكا وايران، وكان هدفهما ومازال هو شرذمة المقاومة والقوى الوطنية لاجل تحويل هزيمة امريكا الى نصر ونصر المقاومة المسلحة الى هزيمة.
إن من حقنا ان نتهم من لم يستوعب الدرس حتى الان، رغم وضوح اللعبتين الامريكية والايرانية، بانه مطية للاحتلال، وعندها لن يشفع له ماضيه الجهادي، مهما كان، لان المهم ليس ان تجاهد وتضحي بل ان تواصل الجهاد بالمحافظة على وحدة المجاهدين، بصفتها كلمة سر الانتصار الحاسم. ان مثل المجاهد الذي يجاهد ويضحي لكنه في ذروة الجهاد يدمر اهم مصادر قوته، وهو وحدة المجاهدين، كمثل من يحاول انقاذ الناس من الغرق بعد طوفان هائل فيضعهم في زورقه ويأخذ في عبور النهر الى ضفة الامان، لكنه ما ان يصل منتصف النهر، وهو اعمق نقطة فيه، حتى يثقبه وعندها لا يكون من خيار للناس سوى الغرق! اذن السؤال الذي يطرحه حتى اكثر الناس سذاجة هو : ما قيمه العمل الجيد، حينما حاول شخص ما الانقاذ، اذا كانت النتيجة هي انه ثقب الزورق واغرق الناس في منتصف النهر؟
ان المعيار الحقيقي والوحيد للجهاد والمجاهدين، الان في العراق، هو التمسك بعدم اغراق الزورق في منتصف النهر والمحافظة على سلامته ومتانته لكي يوصل الناس الى الضفة الاخرى سالمين. ان الحكم على من يثقب الزورق في منتصف النهر اقسى من الحكم على من حاول اغراق الناس اصلا، لان الثاني عدو مكشوف، اما الاول فهو عدو متستر اراد، بالتظاهر بانقاذ الناس، احياء الامل في نفوسهم القلقة، ولكنه وهو يقودهم الى اعمق واخطر نقطة في النهر يثقب الزورق هناك، لذلك فهو لا يقتل الجميع فقط بل انه يقتل أيضا الامل في نفوس الاخرين، الذين يقفون ناظرين الى من يعبر ومنتظرين بأمل كبير دورهم في العبور!
ان التكفير والاقصاء هما سرطان الحركة الوطنية العراقية واللغم الملوث الذي دس داخل المقاومة العراقية، وعلينا ان نركز كل الجهود لازالة الورم السرطاني ونزع فتيل اللغم.
ليكن شعارنا المركزي الاول هو بوحدة البندقية المقاتلة سنهزم الاحتلال وخططه الخبيثة نهائيا، اما شعارنا المركزي الثاني فيجب ان يكون : بقيام الدرع الجماهيري للمقاومة، وهو الجبهة الوطنية الشاملة، نعزز قدرتها على الحسم ونمتن القاعدة التي تستند عليها ونحوّل انسحاب امريكا من انسحاب تكتيكي الى انسحاب نهائي لا رجعة فيه.
النصر او النصر ولا شيء غير النصر