الجن تخطف عروس الهضبة
رسومات «حمومة» تحرس أسرار جرش

جولة: سعيد الزهراني - تصوير: خالد آل مريح -الأخيرة
على بعد ثلاثة كيلو مترات من موقع مدينة جرش الأثرية ينتصب جبل حمومة وكأنه يقف حارسا على المدينة من الجهة الشرقية، ولم تخل المصادر التاريخية التي تحدثت عن جرش من ذكر جبل حمومة حتى ارتبط اسم الجبل بالمدينة الأثرية فلا يكاد يذكر أحدهما حتى يتبادر الآخر إلى الذهن، ولا زال الجبل ماثلا للعيان حول المدينة العسكرية بخميس مشيط وبجوار موقع مدينة جرش الأثرية. وجبل حمومة عبارة عن مرتفع مثلث الشكل ويستوي على قاعدة عريضة تضيق شيئا فشيئا صعودا وصولا إلى قمة الجبل التي تبدو كالزاوية الحادة، وتنتشر الصخور البركانية السوداء في كل أجزاء الجبل وتعتبر هذه الصخور علامة مميزة لحمومة من أعلاه حتى سفحه، ويضاف إلى ذلك النقوش والرسوم الصخرية الموجودة في قمة الجبل وتعد أهم المعالم الرئيسة لجبل حمومة وأحد أهم الآثار التاريخية لمدينة جرش.
وتجمع هذه النقوش بين الرموز والرسومات، أما الرموز فقد بدت مبهمة وكأنها كتبت بلغة خاصة بسكان جرش في القدم لاسيما أنها عبارة عن خطوط متداخلة وأخرى متقاطعة يصعب تفسيرها، فيما بدت الرسوم لحيوانات تنتشر في المنطقة حتى الآن كالجمال والماعز إضافة لحيوانات أخرى كالوعول والغزلان.
ويفسر الباحث التاريخي سعيد بن جفشر وجود هذه النقوش في قمة جبل حمومة بأنها قد تعود إلى استخدام قمة الجبل لحراسة مدينة جرش الأثرية وحرص سكانها على مراقبة من يحاول الدخول إلى المدينة من الغرباء والغزاة مشيرا إلى أن المكلفين بالحراسة ربما قاموا بالنقش والرسم أثناء عمليات المراقبة بهدف التسلية وتزجية الوقت، ويبدو أن هذا الهدف الأقرب للتفسير فالرسومات لا تكشف إلا عن حس تصويري لبعض حيوانات المنطقة أما الرموز فلا تتجاوز العبارات التذكارية وربما الأسماء إذ لا يوجد ما يدل على تاريخ معين أو رسومات يمكن الاستناد عليه في الإشارة إلى حروب أو أحداث شهدتها جرش.
ولا تقتصر النقوش والرسومات الصخرية على جبل حمومة حيث تشكل أحد أهم المعالم التي تميز منطقة عسير وتوجد في مختلف أنحائها اليوم آثار كثيرة تتمثل في النقوش والرسوم المحفورة على الصخور وعلى جدران الكهوف وفي أطلال بعض المدن التي تعود تاريخيا إلى عصور متقدمة لمخلاف جرش.
وتفيد الدلائل الأثرية والتاريخية بوجود حضارات كانت قائمة في جميع أرجاء هذه المنطقة، فقد كشفت بعثات المسح الأثري آثارا تعود إلى عصور متعددة ابتداء من العصور الحجرية وحتى العصور الإسلامية المتأخرة إضافة لكون المنطقة تزخر بمواقع الرسوم والنقوش الصخرية القديمة، وتتميز منطقة عسير بطابعها المعماري الذي يلاحظ في الأبراج والحصون والمباني التقليدية المنتشرة في أرجاء المنطقة، ومن أهم المواقع الأثرية التي قامت بعثات المسح والتنقيب بتسجيلها وتوثيقها وادي تثليث ومنطقة تثليث من المناطق المهمة أثرياً لما تحتويه من عشرات المواقع الأثرية المختلفة منها مايعود الى العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث ومواقع حضارات جنوب الجزيرة العربية كما تنتشر فيها مواقع الرسوم والنقوش الصخرية والكتابات ومناجم التعدين، كما يحتوي مواقع من حضارات جنوب الجزيرة العربية.
وفي منطقة المخمسة الصخرية التي تقع الى الجنوب من الطريق الذي يربط خميس مشيط بالفرعاء في منطقة صخرية من الجرانيت الذي يغلب عليه اللون البني، عثر فيها على مجموعة كبيرة من الأدوات الحجرية وعدد من الكسر الفخارية إضافة إلى أسس مبان قديمة شيدت بالكتل الحجرية ذات الأشكال والأحجام المختلفة، ويمتد تاريخ موقع المخمسة من الألف الثالث قبل الميلاد إلى الألف الثاني قبل الميلاد.
النقوش الصخرية
كما تعتبر منطقة بادية بني عمرو بمحافظة النماص من المناطق الغنية بالنقوش الصخرية القديمة وتقع هذه المنطقة شرق حلباء حيث عثر على عدة كتابات وبعضها يعود لفترة ما قبل الإسلام وكثير منها يوجد بجانب بعض الرسوم مما يعطي للمعنى المقصود ايضاحاً أكبر، أما الكتابات الإسلامية فقد مثلت بالخط الكوفي منذ بدايته، وتحتوي النصوص المنقوشة على الواجهات الصخرية أدعية بطلب الرحمة والمغفرة للشخصيات المذكورة في النصوص، وقد عثر على ثلاثة نقوش إسلامية مؤرخة في (125هـ - 127هـ 155هـ).
إلى جانب ذلك انتشرت الرسوم الصخرية القديمة بصورة ملحوظة وهي تمثل رسوماً لحيوانات مختلفة كانت تعيش في المنطقة مثل الوعول، الجمال، الأبقار، النعام، وغيرها بالإضافة الى صور لرسوم آدمية توضح مشاهد لمعارك حربية أو مناظر لصيد الحيوانات.
وتقع قرية مجمع آل حيان في الجهة الشرقية من منطقة عسير، الموقع عبارة عن صخرة كبيرة مرتفعة جداً عليها رسوم تمثل معركة حربية تظهر فيها الخيول وعلى ظهورها الفرسان الذين يحمل كل منهم رمحاً قصيراً في يده، وتنتشر حول هذه الصخرة أحجار متناثرة تحمل رسوماً آدمية وحيوانية، والى الشمال الشرقي من الموقع على بعد 2 كيلو متر منه توجد صخور متفرقة أخرى عليها نقوش مختلفة من أهمها تلك الصخور المعروفة باسم ( خور آل مانع ) التي تصور قافلة يظهر فيها الهودج.
هضبة العروس
وتبعد عن قرية الدارة الواقعة على بعد خمسة كيلو مترات شرق مدينة أبها بنحو 800 متر وهي عبارة عن هضبة صخرية مستطيلة الشكل بارتفاع نحو 250 مترا وبها نقوش وكتابات ثمودية ورسوم أبرزها عروس على هودج إضافة إلى بعض القلاع والحصون والمساجد المنتشرة في المنطقة منذ عهد العثمانيين.
وارتبطت النقوش والرسومات الموجودة في هضبة العروس بأسطورة لا يزال بعض سكان المنطقة يرويها وتفيد بأن عروسا فائقة الجمال كانت في طريقها إلى زوجها يوم زفافها وعندما وصلت إلى موقع الهضبة اختفت العروس والهودج الذي كانت بداخله إضافة إلى الجمل الذي كان يحملهما وفسر الأمر حينها بأنه الهضبة ابتلعتها بفعل الجن فما كان من عريسها الذي كان ينتظر قدومها إلا تخليد ذكراها ونقش صورتها والهودج والجمل على الهضبة التي أصبحت معروفة باسم (هضبة العروس).