قرأت أن رجلا استمع إلى نشرة الأحوال الجوية وكان المذيع يقول ويؤكد أن الأجواء غدا ستكون صافية ودون سحب أو أمطار ...
فلما جاء الغد هم الرجل بالخروج من منزله إلا أن من حوله أرادوا منه ألا يخرج لأن الأجواء كانت عاصفة وممطرة لكنه كذبهم وخرج ...
عندما عاد الرجل بملابس مبللة وعينين متعبتين وأنف أحمر وقد اكتسحت أجواءه موجة عطاس وبرد ظل يردد أن السماء صافية وأن الجو كان صحوا ورائعا ..!
تذكرت تلك القصة حين قرأت بيانات وزارة الصحة التي تصدرها عقب كل خطأ طبي أو تقصير أو إهمال وفوضى ...
لقد أصبحت وزارة الصحة كحال صاحبنا المبلل الذي يذكر أن الأمور كما يجب ..!
ذكر الدكتور عبدالله دحلان عضو مجلس الشورى ووضع يده على الجرح في المقال الهادف الذي نشر في صحيفة الوطن يوم الأحد 25 / 6 / 1429 بعنوان : (( وزارة الصحة نجاح إعلامي وإخفاق ميداني )) ولقد حمل العنوان المميز الكثير من الواقعية التي تصف الورم الكبير الذي ظن الآخرون أنه شحم وعافية !
يقول الدكتور : (( لقد زرت العديد من مناطق المملكة من جنوبها إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها ووجدت هناك إجماعا واتفاقا من مواطنين مخلصين على أن الخدمات الصحية متدنية رغم الوعود الكبيرة ورغم الحملات الإعلامية اليومية للأحلام الوردية في الخدمات الصحية المستقبلية ... ))
لا أنطلق من منطلقات شخصية كما أني لست خصما لوزارة الصحة ولا لأي من أصحاب القرار هناك ولكني مواطن مرت به صعوبات كثيرة وبأسرته فلما اتجه للبحث عن حلها لدى وزارة الصحة تعثر كثيرا في ما لا بد من عرضه أمام أشعة الشمس علها تسهم في شفائه .
اطلعت على البيان الذي نشرته وزارة الصحة عبر كثير من الصحف في تاريخ 12 / 6 / 1429 فيما يخص ما سبق أن عرضته في المقال الأول فعلمت وأيقنت أن الوزارة تعاني الكثير من التخبط على الصعيد الفني المهني وعلى الصعيد الخدمي كما هي تعاني أيضا معاناة إدارية وتنظيمية ...
لم تعد قادرة على إقناع الناس بما تزعم ولن تغطي أشعة الشمس بغربال .. ولذا أصبحت البيانات لديها أشبه ما تكون باستمارة مكررة العبارات والتبريرات خلت من فراغ يكتب فيه اسم الناقد أو المشتكي ثم تأخذ طريقها للنشر لا جديد عندهم فهم وحدهم على صواب ولا يخطئون وهم مثل الدول المتقدمة طبيا وغيرهم مخاطئ ومقصر وصاحب أثارة وبعيد عن الموضوعية .
التميز الإعلامي الذي أشار إليه سعادة عضو مجلس الشورى رغم نجاحه لم يعد يستطيع تمرير الكثير من الضعف والتخبط ولم يعد المواطن يثق في تلك الوعود أو يطمأن إلى تلك التصريحات .
لن تجد الوزارة من يصدقها عندما وصفت معاناتي أنها مجرد إثارة .... لأنها ستواجه قوائم طويلة من معاناة كثير من أبناء هذا الوطن من الذين لم يجدوا طريقة لإيصالها ولكنهم مستعدون إن لزم الأمر في عرضها أمام من يطلبها .
لم تكن الردود في ذلك البيان منطقية ولا مقنعة وإن تعلقت بها وزارة الصحة ... ولم يكن التحقيق الخفي من طرف واحد ليحل المسألة ....
لن يجدي أن تعتذر من مواطن أو تحاول الالتفاف على جراحه بسبب أنه لا يملك ملفاً أو لم يذهب لمستشفى مجاور سيرفضه حتما وهو الغريق الذي يبحث عن قشة .
في كل معاناة مواطن أو مواطنة مع مستشفيات وزارة الصحة ومراكزها المنتشرة عبر هذا الوطن الكبير ستجد أن خلف تلك المعاناة وتلك الأخطاء_ التي تسفر عن موت أو شلل أو ضياع أو زيادة آلام _ ستجد أن خلف كل ذلك الكثير من الفوضى وقلة المراقبة ثم انعدام المحاسبة بل سد الآذان عن شكوى الشاكين ومحاولة ترميم كل هدم وترقيع كل خرق تحت الطاولة لتظهر الوزارة وكل المنتسبين لها بشكل مثالي على حساب الأرواح اللاهثة خلف أساطيل الواقفين على قوائم الانتظار .
لن يجدينا نفعا أن تقارن الوزارة مستوى خدماتها بالدول المتقدمة فيما هي تقصر عن مستوى ما تقدمه مراكز صحية أهلية محلية عوضا عن دول متقدمة !
لن ينفع وزارة الصحة أن تبدو أمام وسائل الإعلام ناصعة كبياض ملاءات الأسرة الخاصة فيما جراحات الناس تزداد يوما بعد يوم .
لن يبخل هذا الوطن الرائع على أطفاله الجدد القادمين حديثا الذين يحتاجون حضانات لو كانت وزارة الصحة لم تفرط ولم تهمل ولم تضيع أمانة فوضها بها خادم الحرمين الشريفين بعد أن منحت هذه الوزارة وعلى مدى عقود ميزانيات هائلة لم نر لها أثرا إلا في بعض المباني الجميلة التي خلت من كوادر مدربة وخدمات راقية .
لن يقف ويرقد ويجلس عشرات المرضى في ممرات مستشفيات الصحة لساعات يستجدون فوضاها وقلة اهتمامها في منظر لا نراه إلا في أخبار الكوارث والحروب التي تمر على دول بعيدة أو قريبة !
لن يجر الكثيرون أذيال الخيبة بعد الوقوف في ساعات طويلة أمام نوافذ صيدليات مستشفيات وزارة الصحة لأنهم اكتشفوا عند الوصول أن الدواء غير موجود وأن على المواطن أن يضيف عبئا على ميزانيته المنهكة للبحث عن دوائه في الصيدليات الخاصة .
لن يتجرع الأبناء غصصاً لأن مستشفيات وزارة الصحة رفضت استقبال أبائهم أو أمهاتهم كبار السن لكونها تستدعي علاجا طويلا ولتوفير أسرة للمرضى الآخرين وكأن هذا الكبير لم يبذل ثمرة عمره في خدمة وطنه الغالي ولا أقل من أن يمنح سريرا نظيفا وعلاجا جيدا في أرذل العمر ...
لقد كذبوا في بيانهم والله ... فلم يطلب مني أن أذهب إلى أي مستشفى ولم أخبر أن هناك حضانات شاغرة ... ولو تم ذلك لما ترددت ..
كما إني لم أسع - ومعاذ الله - إلى إثارة أو طرح غير موضوعي ولكني أصبت في مقتل وأنا أذرع شوارع الرياض بحثا عن معين بعد الله بامرأة أشرفت على الهلاك ...
الذين كتبوا ذلك البيان كتبوه في غرف مخملية تحت نسمات مكيف هادرة ... أما أنا فقد كتبت حروفي وأنا أنظر إلى معاناة الكثيرين وما مر بي لم يكن إلا أنموذجا سريعا ومثالا مختصرا لا يعكس الصورة الكاملة ..
واليوم أكتب مرة أخرى بعد أن اطلعت على مئات الأمثلة التي تفاعل أصحابها مع ما مر بي واستشعرت أنه من الأمانة والمصلحة أن تتوقف وزارة الصحة عن لغة النفي التي لم تعد تمر على الناس .
في كثير من البيوت تجد قصاصا متشابهة ... وعندما يتم طرح موضوع الحديث عن وزارة الصحة في المجالس والمنتديات فإنك لن تجد مدافعا واحدا وأظن أنه في لغة الاقتصاد يعتبر مؤشرا سلبيا يشير إلى الانهيار الخدماتي والتخبط الإداري والخلل الفني .
لن يكون البحث عن البروز الإعلامي هو الحل ... لأن تلك الوسيلة غير مأمونة العواقب وسريعا ما تتكشف عن مآس كثيرة ...
لن تحل مشكلة المستشفيات الكثيرة التي سلمت إلى مؤسسات ثم من مؤسسات إلى مؤسسات في محاولة للاستفادة من الميزانيات وتخفيضها على حساب نوعية الكادر الطبي والخدمات لن تحقق للوزارة بنية تحتية تخدم الأجيال بل ستكون مجرد ( تمشية للأمور على البركة ولا بركة )
عندما سأل ع ع خ مدير أحد مستشفيات المحافظات التابعة لإحدى المناطق الكبيرة الذي تشغله إحدى الشركات عن سبب عدم التعاقد مع استشارية للنساء والولادة عوضا عن طبيب أسرف في كثرة الأخطاء الطبية أخبره مدير المستشفى الحكومي المعين لإدارة مستشفى تشغله تلك الشركة أخبره أنه بحث عن الأرخص لأن البند لا يسمح !
وقل ذلك عن كل الخدمات الأخرى ...
وعندما ذهب بطفله الذي يحتاج لحاضنة بعد بقائه دونها إلى أن أصيب بنزيف في المخ عبر سيارة الإسعاف لمسافة تزيد على 150 كم انتقل إليه فايروس من قسم العناية المركزة للأطفال في مستشفى اليمامة بالرياض ثم مات !
أما أم عبدالرحمن المواطنة السعودية المعلمة التي فقدت طفليها التوأم أمام عينيها وهي ترددالتحسب على من كان السبب حين وقعت تنازلا عن المطالبة بحاضنة لعدم وجودها في مستشفى الشميسي وظل موظفو المستشفى العتيد يحتفظون بتوقيع الأم المكلومة ليحميهم من طائلة أية شكوى محتملة ..!!
هل علمتم ما جرى لأحمد الشهري ؟؟.. زوجته حامل بتوأم ولديها ملف( كما يطلبون ويقولون) و تتابع منذ بداية حملها لدى مستشفى اليمامة.. عند الولادة رفض المستشفى استقبلها لعدم وجود حاضنة ...لم يجد زوجها سوى مستشفى أهلي لدية حاضنة ولكن لم يحسن التعامل مع الحالة .. كانت النتيجة موت مولوده ( عبدالله ) وتعرض
( عائشة ) لأعاقه ولا زالت حتى الآن تعالج من ذلك .