المجلس الرمضاني الحادي عشر
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر,,
إنّ الاِسلام ليس مجرد تفكير وتدبّر وخشوع يتحرك في داخل العقول والقلوب ، وإنّما هو منهج حياة واقعي ، يدعو إلى استنهاض الهمم والعزائم وتقوية الارادة ؛ لتنطلق في الواقع مجسدة للمفاهيم والقيم الالهية بصورة عملية
وبما أن النفوس البشرية فيها الخير و الشر , و فيها الصحيح و الخطأ , وفيها التذكر والغفلة و النسيان, وفيها المغريات و المثيرات في هذه الحياة, شرّع الاِسلام الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليقوم به الاِنسان المسلم إيقاظاً للقلوب البشرية الغافلة ، وتحريكاً للارادات الضعيفة لتستقيم على أساس المفاهيم والموازين الالهية .
فأوجب سبحانه وتعالى الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وجعله من التكاليف الاَساسية ؛ لاَنّه غاية الدين كما عبّر عنه الاِمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
وقال تعالى: " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " التوبة71
وقال تعالى: " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ " آل عمران 110
فجعلنا خير أمة , و وصفنا بصفة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر, في كل المواقف وقدم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على الإيمان في هذه الآية الكريمة؛ وذلك لعظمها
ولما فرط بنو إسرائيل فيها قال الله تعالى: " ُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ" ثم فسرها بقوله: " كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ" فلعنهم الله عز وجل
فقال صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم "
وجعل له مراتب حتى لا يتعذر مسلم بعذر فإن لم يستطع الأولى فبالثانية وإن عجز عن الثانية فبالثالثة فقال: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"
قال العلماء: والمعروف يدخل فيه كل ما أمر الله به ورسوله من الأمور الظاهرة والباطنة ، مثل: شرائع الإسلام والإيمان بالله والصلوات الخمس والزكاة والحج، والإحسان في عبادة الله وإخلاص الدين لله، والتوكل عليه ومحبته ورجائه، وغيرها من أعمال القلوب، وصدق الحديث والوفاء بالعهود وأداء الأمانات وبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجار واليتيم، ومكارم الأخلاق.
والمنكر يدخل فيه كل ما نهى الله عنه ورسوله مثل: الشرك بالله صغيره وكبيره، وكبائر الذنوب: كالزنا والقتل والسحر وأكل أموال الناس بالباطل، والمعاملات المحرمة: كالربا والميسر والقمار، وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين، وسائر البدع الاعتقادية والعملية، وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله.
ونحن أحبائي نستهون الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ونضائل من قيمته في أنفسنا ونظن أننا مادمنا نعمل الصالحات فلا يهم
ونتناسى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم أسفلها وبعضهم أعلاها، وكان الذين في أسفلها يخرجون ويستقون الماء، ويصبون على الذين أعلاها فيؤذونهم، فقالوا: لا ندعكم تمرون علينا فتؤذوننا، فقال الذين في أسفلها: أما إذا منعتمونا فننقب السفينة من أسفلها فنستقي. قال: فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعا، وإن تركوهم هلكوا جميعا"
فنحن جميعا في نفس الركب , بل إن أول من يأخذهم الله بالعذاب إذا عم أهل المعاصي هم الصالحين الذين لم يأمرون بالمعروف ولم ينهون عن المنكر
فيالهذا الدين الذي جعل منا أسرة واحدة , نحرص على بعضنا البعض ونرحم بعضنا البعض , فنأخذ بيد من عصى لنريه طريق النور و الهداية , خوفا عليه من الهلاك ورغبة له في الخير فيما عند الله .. فهل فهمنا مقصد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أحبائي ؟
فمابالنا اليوم نخجل أن نأمر بالمعروف و ننهى عن المنكر , وما بالنا نستهزئ بمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر , وما بالنا نستهزأ بمن يحرضنا على الخيرات ونلقبه بـ " الهيئة " نسبة إلى هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر استهزاء ونكاية !!
أحبائي .. الإسلام دين مكارم الأخلاق , فالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر له أساليب وطرق , لا يكون بالجفوة والغلظة , قال تعالى: " لا إكراه في الدين " البقرة , وقال في سورة النحل: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " , و قال سفيان الثوري: "ينبغي للآمر الناهي أن يكون رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، عدلاً فيما يأمر به، عدلاً فيما ينهى عنه، عالماً بما يأمر به، عالماً بما ينهى عنه"
أسأل الله أن يهدينا جميعا لما فيه الخير و الصواب
وأن يرزقنا الهدى و التقى
محبتكم
الشهيدة
حدث في مثل هذا اليوم " الحادي عشر من رمضان " :
*ظهور دعوة بني العباس في خراسان عام129هـ/477م بقيادة أبي مسلم الخرساني.