809 مليارات ودائع بالمصارف .. وإجراءات «ساما» تصب في التحصين ضد الأزمة
نظام مراقبة البنوك يضمن التوازن بين الإقراض والإيداع
د.عدلي علي حماد *
في ظلال الأزمة العالمية الخانقة لأسواق النقد والأسواق المالية التى طالت معظم الأسواق العالمية مما أدى إلى تخوف البعض من أن تطال شاطئ الخليج العربي، وتساؤلهم عن مصير ودائع المودعين في البنوك السعودية وماهي حقوقهم القانونية في حالة حدوث مالا تحمد عقباه من أزمات مالية لأي بنك سعودي، ففي ظل الأخبار المتواترة عن الاضطرابات المتلاحقة في الأسواق العالمية والإفلاسات المتلاحقة للبنوك الأمريكية والأوربية بل وإفلاس البنك المركزي لجمهورية أيسلاند، والمساعي المحمومة من وزراء المالية للاتحاد الأوروبي لتنفيذ وعود بمواجهة الاضطراب في الأسواق وضمان عدم ضياع أموال المدخرين، فعقب الأزمة المصرفية التي بدأت في "وول ستريت" والتي أغلقت فعليا أسواق الاقتراض بين البنوك وغيرها من أسواق الاقتراض لتقترب الدول الصناعية من حالة من الكساد وهي أسوأ أزمة يتعرض لها النظام المصرفي في 80 عاما، وينتاب المواطنين في جميع أنحاء العالم القلق بشأن حماية مدخراتهم مع انهيار بعض أسس التمويل العالمي، ففي حين اتخذت حكومات خمس دول أوروبية إجراءات جديدة لضمان حماية المودعين بنسبة 100% وهي الخطوة التي قد تجبر سائر الدول الأوروبية على اتخاذ قرارات مماثلة.
وفي هذا الصدد أكد الدكتور محمد الجاسر نائب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) قوة الملاءة المالية وقوة السيولة وتماسك وضع البنوك المحلية إذ كشف أن هناك 350 مليار ريال في متناول البنوك السعودية، وأكد أن المؤسسة تراقب السوق وتتابع التطورات بشكل مستمر ودقيق وأن ودائع القطاع المصرفي قدرها 809 مليارات ريال وأن الإقراض المحلي يتجاوز الودائع المحلية بنسبة 16% فقط وأن البنوك السعودية قامت بتدوير الودائع التي أخذتها وهذا ما يطمئن المواطنين إلى أن أموال البنوك داخل السعودية، واختتم تصريحاته مؤكدا أن حكومة المملكة لن تسمح بأن تتعرض وديعة أي مواطن أو مودع في أي بنك سعودي لأية مخاطر.
في هذا المقال سوف نحاول إلقاء الضوء على القواعد القانونية الخاصة بحقوق المودعين في البنوك السعودية من خلال تناول أحكام نظام مراقبة البنوك السعودي رقم 5 لسنة 1966 الصادر بالمرسوم الملكي رقم 179 وتاريخ 5/2/1386 التي تشترط على البنوك السعودية إيداع فوائضها النقدية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي، وفي البداية سنقوم بتعريف أنواع الودائع وتكييفها من الناحية القانونية، وهي:
1- الودائع بالحساب الجاري: وهي المبالغ التي يودعها أصحابها لدى البنوك التجارية بشرط أن يردوها عليهم كلما أرادوا، فيقوم أصحاب هذه الودائع بسحب ماشاؤوا من كمية النقود ومتى شاؤوا ويلتزم البنك بأدائها إليهم فور الطلب لذا تسمى "ودائع تحت الطلب"، لأن المبالغ المودعة في البنوك بالحسابات الجارية تكيف من الناحية القانونية على أنها قروض قدمها أصحابها إلى البنك وهي مضمونة عليه، وتجري عليها جميع أحكام القرض من الناحية النظامية "القانونية" والشرعية، إذ أن الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية في البنوك التجارية) تعتبر قروضا بالمنظور الفقهي، حيث أن المصرف المستلم لهذه الودائع يده يد ضمان لها، وهو ملزم شرعا بردها عند الطلب، وذلك حسبما قرره مجمع الفقه الإسلامي الدولي بقراره رقم (86/3/9) وتاريخ 1 أبريل 1995م.
2- الودائع الثابتة: وهي الودائع المؤجلة إلى أجل معلوم، ولا يحق لصاحب الوديعة من هذا النوع أن يسحب شيئا منها إلا بعد انقضاء فترة متفق عليها وإخطار البنك قبل مدة معينة، ويدفع البنك للمودع فائدة إذا بقيت مدة معينة دون أن تسحب.
3- ودائع التوفير: وتسمى "ودائع الادخار" وهي الودائع التي ليست مؤجلة إلى أجل معلوم، ولكن حقوق السحب منها تخضع لضوابط لا يمكن معها لصاحب الوديعة أن يسحب كامل رصيده دفعة واحدة، وإنما قد يفرض البنك حدودا للسحب اليومي، أو يشترط الإخطار المسبق في بعض الأحيان.
4- ودائع الاستثمار المشترك: ويطلق عليها أيضا حسابات الاستثمار المشترك، لأن المصرف أو البنك يستثمر الوديعة في أنشطة استثمارية مختلفة مقابل عائد سنوي يدفع لصاحب الوديعة، طيلة مدة بقاء الوديعة، ولا يضع المودع شروطا خاصة للوديعة سوى ما يتعلق بمدة بقاء الوديعة، وفي هذا النوع من الودائع تقع على المودعين مسؤولية النتائج التي يسفر عنها استثمار ودائعهم فلهم الغنم وعليهم الغرم.
5- ودائع الاستثمار المتخصص: يقرر فيها المودع بنفسه المشروع أو القطاع أو البلد الذي يرغب في أن يستثمر فيه أمواله، وهذا يعني أن صاحب الوديعة المتخصصة لا يشارك في المحفظة العامة لاستثمارات البنك، فمصير وديعته وما يتولد عنها من ربح أو خسارة مرتبطة بمصير الاستثمار الذي وجهت إليه الوديعة، دون أدنى مسؤولية على البنك عن أي خسائر تحدث ما لم تكن بسبب إهمال أو تقصير البنك.
ويشكل نظام مراقبة البنوك الإطار الرقابي الذي تعمل البنوك التجارية بموجبه فالعمل المصرفي، بعكس الأعمال الأخرى التي تعتمد بنسب متفاوته على أموال المساهمين أنفسهم، يتناول أموال الناس، ولذا فإن البنوك هي الأمينة على مدخرات المجتمع، وتشكل ودائع الجمهور التي يضعها أمانة لدى البنوك مصدر الأموال التي تقرضها لمن هم في حاجة لها، والهدف الأساسي لنظام مراقبة البنوك هو حماية مصالح المودعين، وتقع المسؤولية على البنك كشركة مساهمة لها شخصية معنوية ذات ذمة مالية مستقلة، وتخول المادة الثانية والعشرون مؤسسة النقد، بموافقة وزير المالية والاقتصاد الوطني، أن تتخذ الإجراءات اللازمة، فيما إذا تبينت أن بنكا خالف أحكام هذا النظام، أو القرارات والقواعد الصادرة تنفيذا له، أو اتبع سياسة من شأنها التأثير بصورة خطيرة على قدرته على الوفاء بالتزاماته أو على سيولة الأموال لديه، وتشمل الإجراءات التي يحق للمؤسسة اتخاذها في هذا الصدد عزل أو إيقاف أي عضو من أعضاء مجلس إدارة البنك أو أي من موظفيه.
ومن ناحية النصوص القانونية التي تضمنها نظام مراقبة البنوك نجد أن الحماية للمودعين تتمثل في فرض قواعد للاحتياطيات النظامية نصت المادة 6 من النظام على أنه لا يجوز أن تزيد التزامات البنك من الودائع على خمسة عشر مثلا من مجموع احتياطاته ورأس ماله المدفوع أو المستثمر فإذا زادت التزامات الودائع على هذا القدر وجب على البنك- في خلال شهر من تاريخ تقديم بياناته- أن يزيد رأس ماله واحتياطاته إلى الحد المقرر أو أن يودع لدى المؤسسة (50%) خمسين في المئة من المبلغ الزائد.
أما المادة 7 فقد أوجبت على كل بنك أن يحتفظ لدى المؤسسة في جميع الأوقاف بوديعة نظامية لا تقل عن (15%) خمسة عشر في المئة من التزامات ودائعه، ويجوز للمؤسسة تعديل هذه النسبة وفقا لمقتضيات الصالح العام بشرط ألا تقل عن عشرة في المئة ولا تزيد على (17.5%). ومع ذلك فللمؤسسة أن تتجاوز هذين الحدين بعد موافقة وزير المالية والاقتصاد الوطني، وعلى كل بنك كذلك أن يحتفظ علاوة على الوديعة المنصوص عليها في الفقرة السابقة (باحتياطي) سيولة، لا يقل عن (15%) من التزامات ودائعه، ويكون هذا الاحتياطي من النقد أو الذهب أو الأصول التي يمكن تحويلها إلى نقود في أجل قصير لا يزيد على ثلاثين يوما، ويجوز للمؤسسة متى رأت ذلك ضروريا أن ترفع هذه النسبة بحيث لا تزيد على (20%).
واعتبارا من 15/5/2008 تحتفظ البنوك العاملة لدى المؤسسة بنسبة 13% من مجموع الودائع تحت الطلب في الوقت الحاضر و4% من الودائع الادخارية والآجلة كوديعة نظامية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي.
كما حظرت المادة 8 على أي بنك أن يعطي قرضا أو أن يمنح تسهيلات ائتمانية أو أن يقدم كفالة أو ضمانا أو أن يتحمل أي التزام مالي آخر لصالح أي شخص طبيعي أو اعتباري بمبالغ يتجاوز مجموعها (25%) من مجموع احتياطات البنك ورأس ماله المدفوع أو المستثمر، ويجوز للمؤسسة لمقتضيات المصلحة العامة وبالشروط التي تحددها أن تزيد هذه النسبة إلى (50%)، ولا تسري أحكام الفقرة السابقة على المعاملات التي تتم بين البنوك أو بين المراكز الرئيسية للبنوك وفروعها أو بين هذه الفروع.
أما المادة 13 المعدلة بالمرسوم الملكي رقم م/2 تاريخ 6/1/1391 فقد أوجبت على كل بنك قبل الإعلان عن توزيع أية أرباح أن يرحل إلى الاحتياطي النظامي مبلغا لا يقل عن 25% من أرباحه السنوية الصافية إلى أن يصبح الاحتياطي المذكور مساويا على الأقل لرأس مال البنك المدفوع، ويحظر على أي بنك أن يدفع أرباحا أو أن يحول أي جزء من أرباحه إلى الخارج إلا بعد استهلاك جميع مصروفات التأسيس وأية خسارة يتكبدها وبعد اقتطاع ما لا يقل عن 10% من قيمة المصروفات الرأسمالية إلى أن يتم استهلاك جميع المصروفات، ويقع باطلا كل اعلان عن توزيع ارباح او دفع ارباح على خلاف احكام هذه المادة.
ويجب على إدارة البنك مراعاة عدم تضخم محفظة القروض ففي العادة لا يجب أن تتعدى القروض والسلف معدل 60% من مجموع الودائع، ولكن كما ظهر من تصريح سعادة نائب محافظ مؤسسة النقد أن الاقراض المحلي يتجاوز الودائع المحلية بنسبة 16% فقط، ولكن في واقع الأمر ليست هناك معايير محددة وثابتة يحددها نظام مراقبة البنوك، بيد أن ما يهم بهذا الصدد إذا ارتؤي في وقت ما أنه من الضرورة والمفيد للبنك تجاوز العرف المقترح، هو وجوب قيام الإدارة مراقبة الوضع بدقة وبصفة مستمرة، والإدراك بوجوب عدم السماح باستمرار هذا التجاوز لمدة زمنية غير محددة.
ويجب على إدارة البنك إيجاد توازن معقول بين القروض والمطلوبات فكثيرا ما تستسلم البنوك لإغراءات الاقتراض القصير الأجل والاقراض الطويل الأجل، وكثيرا ما أدت هذه السياسة إلى عواقب وخيمة، ولذا فإن الإدارة المصرفية الحكيمة تدرك على الدوام المخاطر التي ينطوي عليها إهمال التوازن بين الموجودات والمطلوبات، وتسعى لتنظيم حقيبة قروضها آخذة باعتبارها أنماط أعمار مطلوباتها.
ونستنتج من هذا العرض لأحكام نظام مراقبة البنوك السعودي أن الضمانة لحماية حقوق المودعين في البنوك السعودية هي الوديعة النظامية التى يجب أن تودعها البنوك لدى مؤسسة النقد العربي السعودي التي توفر للبنك الدعم المالي عند وجود حالة ارتفاع كبير على طلب الودائع بسبب أي أزمة مالية قد يتعرض لها السوق، وبهذا يختلف النظام السعودي عن أنظمة بعض الدول التي توجب على البنوك شراء تغطية تأمينية تمنح تغطية لحقوق صغار المودعين بحد أقصى 100,000 دولار للوديعة والتي تسمى في الولايات المتحدة بنظام fdic وهي المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع.
* محام وخبير في المصرفية الاسلامية