المختصون طالبوا باتخاذ مبادرات لدعم اقتصادياتها
الدول الناشئة تنتظر من «العشرين» حمايتها من الأزمة المالية.. وإخضاع اللاعبين الأساسيين للمساءلة والمحاسبة
وليد العمير ، صالح الزهراني - جدة
في ظل الخلاف القائم بين الولايات المتحدة وأوروبا حول أولويات أجندة قمة العشرين، تطرح عدد من الأسئلة عن الاقتصاديات الناشئة أبرزها: ماذا تريد الدول ذات الاقتصاديات الناشئة من هذه القمة؟ ما الأهداف التي يجب أن تتبناها هذه الدول لمشاركتها في القمة؟ ما المكاسب التي ينبغي أن تجنيها مقابل مشاركتها في القمة وفي تعزيز وإصلاح النظام المالي العالمي؟ كيف يمكن إعادة تأهيل النظام المالي العالمي يما يضمن استقرار الأسواق المالية؟
هذه الأسئلة طرحناها على عدد من المختصين وأكدوا أن الدول الناشئة تطالب هذه القمة وضع أسس فعالة لرقابة المؤسسات المالية العالمية وتعزيز مشاركتها في إدارة النظام المالي العالمي، وإخضاع المؤسسات المالية العالمية لضوابط تنظيمية لمنعها من المغامرة والتلاعب باقتصاديات مختلف الدول، وطالبوا القمة بإخضاع اللاعبين الأساسيين في النظام المالي العالمي للمساءلة والمحاسبة، مشيرين إلى أن الدول الناشئة تبحث عن العدالة في الطرح والتوازن في علاج الأزمة بعيدا عن التحيز الغربي، وطالبوا باتخاذ مبادرات لاستقرار الأوضاع المالية العالمية ومعالجة الاضطرابات الناجمة عن الأزمة العالمية مع وضع سياسات تستهدف إعادة الثقة وتعزيز مصداقية السياسات المالية والنقدية وتسهيل الخروج بالنشاط الاقتصادي من دائرة الركود إلى دائرة الانتعاش.
أسس لرقابة المؤسسات المالية
الدكتور مقبل الذكير أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز قال: في تصوري أن الإدارة الأمريكية الحالية ستركز في هذا الاجتماع على حلول عاجلة للمرحلة الحالية، بينما ستطالب الدول الناشئة بأمرين: الأول وضع أسس جديدة وفعالة لضمان رقابة أفضل على المؤسسات المالية، والثاني هو إعطاؤها دورا للمشاركة في إدارة النظام المالي العالمي.
أما عن الأهداف فأعتقد أنه لو تم التركيز في هذا الاجتماع على إصلاح النظام المالي العالمي برمته، ووضع أسس وضوابط جديدة تأخذ في الاعتبار التغير الواسع الذي جرى في العالم منذ تبني اتفاقية بريتن وودز بعد الحرب العالمية الثانية، ويستوعب في الوقت ذاته الدروس المستفادة من الأزمة الحالية، فسيكون هذا إنجازا طيبا، مبينا أن العالم اليوم أصبح مترابطا في علاقاته التجارية والمالية، ويظل الاتفاق على ما يحقق الاستقرار في الأسواق والمعاملات والعلاقات الاقتصادية الدولية هو مكسب للجميع، وبالطبع فإن الدول التي سيطلب منها المساهمة المالية في أية خطة إصلاح ستطلب مقابل ذلك أن يكون لها كلمة وصوت مسموع في هذه الترتيبات الدولية بما يخدم مصالحها.
ضوابط صارمة
واستطرد قائلا: يجب أولا: إخضاع الأسواق والمؤسسات المالية في جميع دول العالم وخاصة في الولايات المتحدة لضوابط أكثر تنظيما وصرامة من قبل الهيئات التنظيمية مما هو معمول به الآن، فالمؤسسات المالية كبنوك الاستثمار بحاجة لضوابط تمنعها من الشطط والمغامرة في عملياتها شأنها شأن المؤسسات المصرفية، ذلك أن طبيعة عمل البنوك سواء التجارية الخاضعة للبنوك المركزية، أو بنوك الاستثمار الخاضعة لهيئات أسواق المال، يجعل سوء أداء أي بنك قابلا لأن يمتد لبقية المؤسسات المالية والمصرفية وهو الأمر الذي يعرض مجمل النظام المصرفي لمخاطر جسيمة، وفي عالم اليوم حيث اشتد ترابط المصارف عبر القارات، فإن الخلل في أي سوق سوف ينتقل لبقية الأسواق العالمية، تماما كما هو حادث اليوم.
باختصار أعتقد أن الحاجة ماسة لإعادة هيبة الرقابة على الأسواق المالية لضمان الاستقرار.
يضاف إلى ذلك -والحديث للذكير- لا بد من وضع ضوابط لزيادة شفافية عمل بنوك الاستثمار ومراقبة طريقة إدارتها للمخاطر لجعلها أكثر تماسكا وانضباطا في ما يتعلق بالنواحي المحاسبية وجوانب الرسملة، وإزاء هذا الترابط العالمي وكون ما يجري في مكان يؤثر على بقية أنحاء العالم، فإني أرى أن على الدول الأوروبية والدول الناشئة المطالبة بإخضاع المؤسسات الرئيسة المؤثرة في النظام المالي للمساءلة والمحاسبة، بما فيها مكاتب المحاسبة ومؤسسات التصنيف الدولي التي ربما تجامل المؤسسات المالية الكبرى التي تتعامل معها على حساب الصالح العام المتعلق باستقرار الأسواق وسلامة عمل المؤسسات ودقة تصنيف وضعها المالي.
باختصار العالم بحاجة لإخضاع اللاعبين الأساسيين في النظام المالي الدولي كالولايات المتحدة للمساءلة والمحاسبة، كما يجب زيادة درجة الشفافية في عمل المؤسسات المالية، ووضع ضوابط لمنعها من المبالغة في الانخراط في مخاطر مفرطة.
حماية الاقتصاديات الناشئة
أما الاقتصادي فضل بن سعد البوعينين فيرى أن الدول ذات الاقتصادات الناشئة تحتاج لحماية اقتصاداتها من انعكاسات الأزمة المالية الاقتصادية العالمية، والمحافظة على مكتسباتها من خلال ضمان سلامة النظام المالي العالمي، وإخراج الاقتصاد العالمي من خطر الركود الذي إن طالت مدته فستكون آثاره وتبعاته مؤثرة في اقتصادات الدول الناشئة، هذا من جانب ومن جانب آخر فبعض الدول الناشئة تستثمر فوائضها المالية في اقتصادت الدول الكبرى، ما يجعلها أكثر حرصا على سلامة استثماراتها وحمايتها من تبعات الأزمة العالمية، لذا فهي في حاجة إلى تطمينات وتأكيدات موثوقة بحماية هذه الاستثمارات من تبعات الأزمة.
وأضاف: الدول الناشئة تبحث عن طرح وجهة نظرها حيال الأزمة، وتريد أن تضمن عدم تحميلها أخطاء الآخرين، وإن كانت لديها القناعة بالمساهمة في إصلاح الوضع العالمي، إلا أن المساهمة يفترض أن تكون محسوبة ومحدودة وأن لا تحمل فوق ما تحتمل لمجرد أن لديها فوائض مالية يمكن استغلالها، بجانب ذلك تعتقد الدول الناشئة أن ما حدث لا يمكن فصله عن ضعف الرقابة، وتمادي القطاع المصرفي الأمريكي في سياسته الائتمانية التوسعية المنفلتة، واعتماده على المشتقات الخطرة البعيدة عن الرقابة التي لا يمكن لها ضمان الاستقرار خاصة إذا ما استخدمت بشكل واسع وبأسلوب غير منضبط بعيدا عن الرقابة والمتابعة، لذا فهي تطالب بفرض الرقابة الصارمة، وتطبيق الأنظمة العالمية ذات العلاقة بالقطاعات المالية.
منع التأثير السلبي على النفط
وأردف يقول: بعض الدول ذات الاقتصادات الناشئة تعتمد في اقتصاداتها على عائدات النفط، لذا فهي حريصة كل الحرص على عدم استغلال الأزمة الحالية للتأثير السلبي على صناعة النفط، أو تحميلها تبعات أخطاء الآخرين، يمكن أن نضيف أن الدول الناشئة تبحث عن العدالة في الطرح، والمناقشة، والتوازن المنطقي في المساهمة بمعالجة الأزمة، بعيدا عن التحيز الغربي ضد الدول النفطية، والدول خارج المحيط الغربي.
وفي ما يتعلق بالأهداف التي يجب أن تتبناها لمشاركتها في القمة يقول البوعينين يجب أن تتبنى هذه الدول مصلحتها ومصلحة شعوبها واقتصاداتها بمعزل عن مصالح الآخرين، لا بد من المساهمة في علاج الأزمة المالية العالمية ولكن يجب أن تكون مساهمة الدول الناشئة محسوبة ومتناسبة مع حجم اقتصاداتها لا أرصدتها، الدول الغربية تنظر لأموال النفط بمعزل عن حاجة شعوب المنطقة، وحاجة اقتصادات الدول، لذا يجب أن تتبنى الدول الناشئة أهدافها الخاصة، وأن تقاتل من أجلها، وأن تكون لها وقفة حازمة مع كل من ينظر لهذه الدول على أنها خزائن مالية مفتوحة يمكن استنزافها لمعالجة أخطاء الآخرين.
وبالنسبة للمكاسب فسلامة النظام المالي، والاقتصادي العالميين، وخروجه من عنق الزجاجة يمكن أن يكون أهم المكاسب على الإطلاق التي يمكن للدول ذات الاقتصادات الناشئة أن تجنيها، ففي سلامتهما سلامة للاقتصادات الناشئة ولخطط التنمية فيها، ثم يأتي بعد ذلك أهمية خروجها بضمانات لاستثماراتها العالمية، وعوائد لمساهماتها المالية، وتجنيب صناعة إنتاج النفط أية قوانين أو قرارات يمكن أن تؤثر سلبا عليها.
وأخيرا يمكن القول إن النظام المالي العالمي يحتاج إلى الرقابة الصارمة على القطاعات المصرفية، ثم إلى السيولة، التي يمكن أن تساعد في تحريك قطاعاته المتأثرة، خصوصا القطاع المالي، وهذه السيولة لن تتوفر بغياب الثقة في النظام العالمي، والتأكد من تطبيق الأنظمة والقوانين على الجميع بحيادية وتجرد، إضافة إلى المسؤولية التي تضمن سلامة التعاملات المالية، وتطبق أخلاقيات التعامل بعدالة ونزاهة على جميع الأطراف، يضاف إلى ذلك أن السيولة لن تكون متاحة دون أن يكون هناك خفض مستمر للفائدة، خاصة على اليورو والجنيه الإسترليني، لتسهيل دوران السيولة في القطاعات الاقتصادية والمالية المختلفة، وربما أحتاج الدولار الأمريكي إلى خفض إضافي يصل بالفائدة إلى نصف في المئة، مع ربط ذلك بإشاعة الثقة بين الناس، وزيادة معدلات الرقابة، وتنفيذ خطط المعالجة بأسرع مدة زمنية. إذا ما تم تنفيذ مثل ذلك فنعتقد بإمكانية تأهيل النظام المالي العالمي ما سينعكس إيجابا على الأسواق المالية وسيؤدي دون أدنى شك إلى استقرارها.
عدم المواكبة وراء الأزمة
أما الدكتور أنور عشقي فقال إن الأزمة المالية التي يعيشها العالم اليوم هي نتيجة عدم مواكبة الولايات المتحدة الأمريكية للمتغيرات في ما يتعلق بالجانب المالي، والدليل على ذلك أن محافظ البنك المركز الأمريكي كان مصرا على اعتماد مبدأ السوق الحر بشكل مطلق وأن السوق يصحح نفسه ذاتيا، ولكن المفاجأة حدثت عند وقوع مشكلة الرهن العقاري.
وأضاف: عند تصادم نظريتي الشيوعية والرأسمالية وسقوط الأولى استطاعت الرأسمالية قيادة سوق المال خلال فترة طويلة، ولكن اليوم وبما يعيشه العالم من ثورة معلوماتية غيرت من الأوضاع العالمية، كان يتطلب من أمريكا عدم الإصرار على نظريتها خاصة أن دول الاتحاد الأوروبي قدمت تحذيرات في هذا الجانب.
وفي قمة العشرين تحضر المملكة ممثلة عن الدول العربية والإسلامية والدول المصدرة للنفط، وفي أجندتها عدد من المحاور التي ستطرحها للحفاظ على حقوق الدول الفقيرة التي ستتأذى من جراء حلول الأزمة المالية وخاصة الدول التي عليها ديون للاتحاد الأوروبي ولأمريكا.
وكما هو معلن فإن دول أوروبا تريد من دول الخليج المصدرة للنفط أن تستثمر فوائضها المالية في دعم سيولة البنوك المتعثرة، لكن في تصوري أن دول الخليج لن تضخ أموالها مجانا وإنما يمكن أن تستثمرها في سندات حكومية مضمونة وقليلة المخاطر.
وستكون قمة العشرين حاسمة بالنسبة للدول الفقيرة، وستحرص المملكة على طرح مطالبهم والمتمثلة في دعم مشاريع البنية التحيتة ونقل كثير من المصانع لهذه الدول ذات الأيدي العاملة الرخيصة وهذا الإجراء يرفع مستوى الاستهلاك في العالم.
ضمانات اقتصادية
ويرى الدكتور حبيب الله تركستاني أن الدول ذات الاقتصاديات الناشئة تريد من قمة العشرين أن توفر لها ضمانات اقتصادية تحول دون تعرضها إلى أزمات مالية مستقبلية كما هو واقع الآن فى الاقتصاد الدولي وبالتحديد الاقتصاد الأمريكي. كما أنها تريد أن تشارك الدول العشرين خاصة الدول الصناعية في تدعيم الاستراتيجيات التنموية التي تساعدها على تحقيق أهدافها التنموية ودعم اقتصادياتها بالمال والخبرة والمعرفة. ويجب أن تتبنى القمة يقول تركستاني أهدافا اقتصادية تنصب في مصلحتها وذلك من خلال المطالبة بالمزيد من الاهتمام بالدعم الاقتصادى المستمر لاقتصادها على المستوى الكلي والمستوى الجزئي، وأما المكاسب التي يجب أن تجنيها فتتمثل في الحصول على التزامات بالمشاركة في التنمية وتفعيل ذلك من خلال خطة استراتيجية واضحة المعالم ومحددة بالوقت خلال المرحلة القادمة.
أما بالنسبة لتأهيل النظام المالي فيجب على الدول الصناعية وأمريكا بالتحديد إعادة النظر في النظام المالي وإعادة تقييم النظام بما يخدم المصلحة الاقتصادية وعلى رأس ذلك التجارب المتاحة مثل الاقتصاد الإسلامي الذي يمتلك العديد من الحلول للمشكلات الحالية ويساهم في توفير الوقاية من هزات اقتصادية مستقبلية.
ملفات صعبة ومعقدة
ويقول الاقتصادي عصام مصطفى خليفة : يواجه قادة الدول العشرين ملفات اقتصادية صعبة ومعقدة تتمثل في الأزمة المالية العالمية وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي الذي اجتاح معظم دول العالم، لذا فإن قادة قمة العشرين بحاجة إلى الاتفاق على مجموعة من المبادئ واتخاذ مبادرات تساهم في تحقيق أوضاع مالية واقتصادية مستقرة تعالج اضطرابات الأزمة العالمية، وتخفف درجة الضيق التي بلغتها أسواق العقار والسلع والمال.
وبين أن الاقتصادات الناشئة تحتاج من قمة العشرين مساندتها في تخفيف آثار الأزمة العالمية عليها وعدم تحميلها فاتورة باهظة نتيجة أخطاء مالية لم تساهم فيها. كذلك يحتاج قادة قمة العشرين إلى الاتفاق على سياسات اقتصادية تستهدف إعادة التقة وتعزيز مصداقية السياسات المالية والنقدية كأدوات فعالة للإصلاح المالي والاقتصادي وتساهم في الحد من آثار الأزمة المالية العالمية.
تشديد الرقابة على أسواق المال
واستطرد فقال: إن القمة بحاجة إلى مراجعة النظام النقدي العالمي واتخاذ خطوات تساهم في تشديد الرقابة على أسواق المال خصوصا في أمريكا، ومراجعة أسلوب المراقبة على البنوك الدولية ومعالجة رؤوس الأموال المصرفية واستعادة السيولة في أسواق التمويل ودعم النشاط الاقتصادي والخروج به من دائرة الركود إلى دائرة الانتعاش. مبينا أن قادة القمة في حاجة لاتخاذ خطوات واضحة وملموسة تجنب تكرار الأزمة وذلك من خلال اعتماد شفافية أكبر ووضع معايير محاسبية وضوابط رقابية على أسواق المال ومراجعة أسلوب المراقبة على المصارف الدولية وإعادة هيكلة المؤسسات المالية العالمية بما يعكس واقع الاقتصاد العالمي الآن.
حلول عاجلة للأزمة
من جانبه قال محمد حسن يوسف الاقتصاديات الناشئة تريد من قمة العشرين حلولا عاجلة للأزمة الحالية لأنها ستتأثر وبشكل كبير من أزمة ليس لها دخل فيها، وإنما الذي سينالها هو الآثار السلبية رغم أنها لم تستفد من المعطيات التي أوجدت هذه الأزمة، والأمر الآخر هو إيجاد ضمانات بعدم تكرر الأزمة لأن هذه الأزمات يمكن أن تنهي الاقتصاديات الناشئة التي تعاني في الأساس من مشكلات عدة قبل وقوع الأزمة. وفي تصوري أن الاقتصاديات الناشئة بحاجة إلى دعم طلب الاتحاد الأوروبي المتمثل في تغير النظام المالي، لأن النظام الحالي ينصب في مصلحة الاقتصاديات القوية فقط ويهمل غيرها.