قمة العشرين : اعتراف بتدويل حل الأزمة المالية العالمية
فتحي حسن عطوة - القاهرة
يجري العمل على قدم وساق على أكثر من تجمع دولي وإقليمي للبحث عن حلول للأزمة المالية العالمية . يأتي انعقاد قمة مجموعة العشرين في واشنطن اليوم "منتصف شهر نوفمبر الجاري " كرابع قمة من نوعها خلال عدة أسابيع .
فبعد قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة ببروكسل يومي 15 و16 أكتوبر 2008 التي جاءت بعد قمة باريس المصغرة يوم الخامس من نفس الشهر ، عقدت قمة للفرانكفونية في كندا يوم 18 أكتوبر ، ثم عقدت يوم 24/10/2008 قمة منتدى آسيا أوروبا asem 7 بمشاركة قادة 45 دولة ومنظمة، لمناقشة سبل تجاوز الأزمة المالية العالمية الراهنة، ومعالجة تداعياتها على اقتصاديات الدول الأعضاء بالمنتدى.
ويأتي انعقاد قمة مجموعة العشرين التي اقترحها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بصفة بلاده كرئيس للاتحاد الأوروبي في الدورة الحالية ، ووافقت عليها الولايات المتحدة ووجهت الدعوات لعقدها منتصف نوفمبر، يأتي كاعتراف أمريكي بضرورة مشاركة كل دول العالم في البحث عن حل للأزمة المالية العالمية التي انطلقت من داخل الولايات المتحدة الأمريكية .
أهداف قمة العشرين
تعتبر القمة التي تعقد في واشنطن -بمشاركة المملكة وحضور خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -اليوم هامة بكل المقاييس خاصة أن العالم بات أكثر اقتناعا بأهمية تكتل كافة دول العالم من أجل أيجاد حل للأزمة المالية العالمية ، وخاصة أنه لم تفلح مئات مليارات الدولارات التي ضخت في أسواق المال العالمية في وضع حد لأزمة الرهون العقارية التي ظلت تعتمل تحت السطح حتى تطورت إلى أزمة مالية عالمية، لم يخف الكثير من المسئولين في العالم خشيتهم من أن تطيح بنظم اقتصادية عالمية وأن تصل تداعياتها إلى الكثير من أنحاء العالم.
وعبرت الدعوة الأمريكية لقادة عشرين دولة كبرى ورئيسية في العالم عن الأهمية التي توليها واشنطن لحل عالمي للأزمة المالية العالمية ، واعترافا منها بأن الأزمة المالية لن تطال الكبار فقط بل ستطال الاقتصاديات الناشئة والبلدان النامية. فهناك اهتمام وقلق لدى الدول المتطورة كاملة النمو مما سيكون للأزمة المالية الحالية من تأثير طويل المدى على الدول النامية وعلى المساعدات المالية الخارجية.
وتركز القمة بالطبع على سبل حل الأزمة المالية العالمية الراهنة ومسبباتها وإيجاد حلول لها من خلال تنظيمات وإصلاحات أكثر فاعلية. ويتطلع المراقبون لأن تكون القمة مناسبة لوضع أسس الإصلاح المالي في الدول المتقدمة ووضع أسس مستقبلية لعمل المؤسسات المالية العالمية بما يحافظ على استقرار اقتصاديات العالم النامي والدول الفقيرة . كما يأمل المراقبون أن توفر القمة أيضا فرصة هامة للقادة كي يعززوا أسس الرأسمالية بدراسة الكيفية التي يمكن لهم من خلالها زيادة التزاماتهم بالنسبة للاقتصاديات المنفتحة التنافسية بالإضافة إلى تحرير التجارة والاستثمار، خاصة مع دعوة كل من مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس، ورئيس البنك الدولي روبرت زوليك والأمين العام للأمم المتحدة بان كي-مون ورئيس منتدى الاستقرار المالي ماريو دراجهي لحضور اجتماع القمة.
وتعد القمة الحالية فرصة أيضا للقادة لكي يتدارسوا ما تم تحقيقه من تقدم في معالجة الأزمة المالية الحالية والاتفاق على فهم مشترك لأسبابها والاتفاق على مجموعة من المبادئ المشتركة لإصلاح نظم الضبط والتنظيم وتنظيم المؤسسات في القطاع المالي العالمي وذلك لكي يتم تجنب تكرار الأزمة. وسيتم وضع تفاصيل المبادئ التي ستتوصل إليها هذه القمة من قبل مجموعات عمل لكي يتم عرضها على اجتماعات قمة لاحقة.
أهمية مشاركة المملكة
وتكتسب مشاركة المملكة في هذه القمة أهمية خاصة لأنها أحد الاقتصادات الناشئة القوية في العالم ، واكبر منتج للنفط ، ومن بين دول مجموعة العشرين التي تكونت عام 1999 م وتضم دول مجموعة الثماني الصناعية الكبرى (الولايات المتحدة والمانيا وكندا وفرنسا وايطاليا واليابان وبريطانيا وروسيا) إضافة إلى الأرجنتين وأستراليا والبرازيل والصين والهند وإندونيسيا والمكسيك وروسيا والمملكة وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية بالإضافة إلى تركيا.
وإذا كانت القمة تستهدف أساسا البحث عن حلول للأزمة المالية العالمية ، فإن مشاركة المملكة كأكبر منتج للنفط بجانب روسيا أحد المنتجين الكبار ، ومشاركة كبار المستهلكين مثل الصين والهند سيضمن حوارا جادا حول ضمان أمن الطاقة والموارد الطبيعية .
وتأتي مشاركة المملكة في القمة انعكاسا لثقة العالم في سياسة المملكة النفطية التي تم تأكيدها أكثر من مرة آخرها في اجتماع مجلس الوزراء يوم الاثنين 27 من أكتوبر الماضي. وتقوم على تأكيد الحاجة إلى تحقيق التوازن في السوق النفطية، وحرص المملكة على استقرار السوق النفطية، وتجنيبها التقلبات الحادة، والوفاء بحاجة الأسواق.
ولم تقتصر سياسة المملكة على القول بضرورة استقرار سوق النفط ، وانما امتدت سياستها إلى خطوات عملية وملموسة حيث بادرت بعقد أول اجتماع بين منتجي ومستهلكي البترول في العالم في جدة يوم الأحد 18 جمادى الآخر 1429هـ -22 يونيو2008م ، بحضور رؤساء ووزراء نفط وكبار مسئولين من 35 دولة منتجة ومستهلكة ، إلى جانب حضور ممثلين عن أكثر من 25 شركة بترولية عالمية، وسبع منظمات دولية من بينها الأمانة العامة لمنتدى الطاقة، منظمة أوبك، وكالة الطاقة الدولية، المفوضية الأوروبية للطاقة، صندوق النقد الدولي، وذلك انطلاقا من حرص المملكة على استقرار السوق النفطية العالمية، وبأمل الخروج بنتائج إيجابية تضمن استقرار الاقتصاد العالمي، وبالذات اقتصاديات الدول النامية. تناول الاجتماع الذي كان الأول من نوعه في العالم أوضاع السوق البترولية الحالية، وناقش الارتفاع الذي حدث في أسعار النفط، وطرح المشاركون خلال الاجتماع، الحلول المناسبة على المديين القصير والبعيد لمواجهة ارتفاع الأسعار .
وكانت مجموعة العشرين أكدت في ختام اجتماعاتها في أكتوبرعام 2005 على أن ارتفاع أسعار النفط هو واحد من العوامل الأكثر خطورة على الاقتصاد العالمي وأن هناك حاجة لجهود أكبر من أجل زيادة الإنتاج النفطي، وقدرة المصافي النفطية، ومضاعفة الاستثمارات في هذا القطاع.
مواقف الدول المشاركة
تعود فكرة تنظيم مثل هذه القمة العالمية الموسعة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي تترأس بلاده الاتحاد الأوروبي حاليا، لكن ربما كان يفضل ساركوزي أن تنعقد القمة في باريس التي تبدو نشيطة أكثر من غيرها خلال الشهور الماضية، ولكن بما أن واشنطن وافقت على عقد القمة عندها فهذا أفضل حتى لساركوزي لكي لا يتحمل أعباء الدفاع عن صديقه الرئيس الأميركي بوش الذي يتوقع أن توجه الانتقادات له.
من جانبها أعلنت روسيا ترحيبها بموافقة الولايات المتحدة على تنظيم القمة على أرضها معتبرة اعترافا من واشنطن بمسؤوليتها الكبيرة عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، ويعد في نفس الوقت اعترافا منها بعدم قدرتها على مواجهة هذه الأزمة وحدها.
وأعلنت روسيا استعدادها للتعاون مع شركائها في هذه القمة بشكل فعال. وترى موسكو أن أهمية عقد مثل هذه القمة في واشنطن لأن مصادر الأزمة المالية العالمية تكمن في النظام المالي للولايات المتحدة الأميركية، وأنه بما أن الأزمة مست العديد من دول العالم، وخاصة الدول ذات الاقتصاديات الكبيرة، فلابد من دعوة هذه الدول لحضور هذه القمة العالمية للمشاركة في وضع الحلول.
وترى موسكو أن إطار مجموعة الدول الثماني الكبرى غير كاف لتحقيق هذا الهدف، و أن إشراك دول أخرى ذات اقتصاديات كبيرة في حل الأزمة المالية التي يواجهها العالم حاليا بات أمرا ضروريا، خاصة وأن هناك دولا أخرى غير الثمانية الكبار أصبح لها مكانة بارزة في الاقتصاد العالمي مثل الصين والهند والبرازيل وغيرها.
من ناحية أخرى، أعلنت الصين أنها ستشارك في قمة الدول الصناعية الكبرى والدول الناشئة الأعضاء في مجموعة العشرين والتي تعقد في واشنطن ورحبت بكين باقتراح الرئيس بوش عقد قمة دولية في الولايات المتحدة في محاولة لتفادي مخاطر ركود الاقتصاد العالمي الناجم عن الأزمة المالية.
أما الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي فقد أكد أن أوروبا ستعمل على صياغة اقتراحات جماعية لحل الأزمة خلال القمة الاقتصادية العالمية في الولايات المتحدة. وأكد الرئيس الفرنسي في الوقت نفسه على حاجة أوروبا لدعم العالم .
ويتوقع البعض أن تتحول هذه القمة إلى ساحة محاكمة للولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها التي تسببت في الأزمات الحالية، ولكن على ما يبدو أن الأمر لن يكون كذلك، خاصة وأن هناك دولا أخرى كبيرة كان لها دور في تصعيد الأزمات، والآن الأزمة العالمية تتفاقم وتمتد بسرعة، واقتصاديات الدول تتداعي وتسقط مثل قطع الدومينو، ولا وقت للحسابات وتوجيه الاتهامات، بل لابد من الإسراع في البحث عن الحلول وتأجيل الحساب فيما بعد.
ماهو المنتظر من القمة
المطلوب من قمة العشرين إذا ايجاد طرق عملية لما نادى به العديد من قادة العالم والخبراء خلال الفترة الماضية ، وما توصلت إليه قمم التجمعات الإقليمية السابق الإشارة إليها على مدى الأسابيع الماضية والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية :
- التعامل بشكل جماعي مع الأزمة لتحقيق نظام "عادل ومفتوح" للتجارة العالمية تحت مظلة منظمة التجارة العالمية واتخاذ قرار سريع بشأن مفاوضات الدوحة المتعثرة لتحرير التجارة العالمية.
- وضع حلول ناجعة لقضية التأرجح الشديد في أسعار المواد الغذائية وأسعار النفط والتي تشكل خطورة على استقرار معدلات النمو، وتعزيز الجهود الرامية لاستقرار أسعار المواد الغذائية.
- تشديد الرقابة على أسواق المال كخطوة تهدف لتجاوز الأزمة المالية العالمية الراهنة. وأهمية قيام صندوق النقد الدولي بدور "المراقب لاستقرار النظام المالي العالمي".
-التصدي" للممساعي الأحادية الرامية لتحقيق نجاح قصير المدى" المصحوبة بمخاطر واسعة وتحقيق المزيد من الشفافية لتفادي حدوث أزمات مستقبلية.
- إشراك الدول الصاعدة مثل الصين والهند في جهود التصدي للازمة.
اتخاذ خطوات فورية لتحقيق الاستقرار في الاسواق ومنع انهيار النظم المصرفية لكن من المهم أيضا على المدى الطويل العمل على زيادة فعالية المؤسسات المالية الدولية. والتأكيد على أن القواعد التنظيمية الوطنية لاتكفي وحدها."