المختصون يجيبون على تساؤل.. ماذا بعد القمة الاقتصادية العالمية؟
تعزيز دور صندوق النقد الدولي وزيادة ضوابط وشفافية القطاع المالي وتعديل نظام المكافآت أبرز نتائج قمة العشرين
حامد عمر العطاس- جدة
دعا اقتصاديون وماليون سعوديون إلى الإسراع بتفعيل ما تم واتفق عليه قادة مجموعة الدول الصناعية في ختام أعمال القمة في واشنطن أمس الأول ، وقالوا : إن تعزيز دور صندوق النقد الدولي وزيادة ضوابط وشفافية القطاع المالي وتعديل نظام المكافآت أبرز النتائج التي توصلت إليها قمة العشرين. ومطلوب تفعيلها بسرعة لتجنيب العالم تبعات الأزمة العالمية.
زيادة ضوابط وشفافية القطاع المالي
بداية يقول مصطفى عبد الله تميريك الكاتب الاقتصادي إن القمة الاقتصادية العالمية التي عقدت في واشنطن واختتمت أعمالها امس الأول أسفرت عن نتائج ملموسة مثل تعزيز دور صندوق النقد الدولي وزيادة الضوابط والشفافية في القطاع المالي وزيادة تنسيق قواعد المحاسبة المالية وتعديل نظام المكافآت المالية من قبل المتعاملين والمصرفيين وهذا طلب محق بالإضافة إلى إخضاع اللاعبين الأساسيين في النظام المالي للمساءلة .
لكنه دعا المجموعة الى الإسراع في تفعيل ما جاء في البيان الختامي للقمة من مقترحات لحل الأزمة العالمية .
وكذلك المقترحات التي تضمنتها الرؤية السعودية لحل الأزمة المالية العالمية التي وردت ضمن الكلمة التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أيده الله.
و تساءل تميريك عن كيفية مساءلة من تسببوا في الأزمة المالية العالمية قائلا: هل من الممكن أن يحاسبوا من أقروا النظام المالي العالمي لمعاهدة بريتون وودس التي أقرت في العام 1944م ؟
أم سيحاسب كل مسوؤل عمل في تلك المصارف منذ السبعينات والثمانينات الميلادية حيث أول ظهور للأزمة المالية كان في العام 87م وتكرر ظهورها عدة مرات ولم تفكر أية دولة بالمطالبة بتعديل النظام المالي المعمول به بل استمروا بالاستثمار وفي أمريكا بالذات وكانت عوائد الاستثمار في العقار كبيرة جداً .
الغريب في الأمر كما يقول تميريك أن تفجير الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته وفريق عمله للمشكلة إعلامياً بشكل مدروس ومنظم تسبب في ذعر العالم بأسره وبالتالي أصبحت المشكلة عالمية وليست أمريكية .
وكان بإمكانه حلها بإعادة جدولة القروض بدون فوائد أخرى مع دعمه للمصارف لدعم الصناعة التي تعاني وهذا يخلق فرص عمل كبيرة مع تخفيض الضرائب على البترول ومشتقاته وعلى متوسطي الدخل وغيرها من الإجراءات الكفيلة بتصحيح الوضع ولو بعد أعوام وكان بإمكانهم الحصول على استثمارات أكبر في ظل ارتفاع سعر النفط ووجود خطة تحرك على المدى القريب والبعيد بهدوء دون اللجوء إلى إحداث زلزال مالي عالمي على الدول والشعوب.
والآن تطالب الدول المشاركة في القمة بواشنطن بالموافقة على خطة التحرك على المدى القريب أي بالدعم المالي والإبقاء على النظام المالي كما هو بعد مرور أكثر من نصف قرن عليه رغم تطور النظام العالمي المالي وأصبح له أدوات يتعامل بها وأصبح معها يكبر وحده ويربح ربحا كبيرا وسريعا مما أضعف الصناعة في العالم بأسره فأصبحت لا تجد من يمولها بسبب المخاطرة كما أنها غير مربحة بشكل كبير وسريع كما العقار.
ويقول تميريك إن السؤال الذي يفرض نفسه على الإتحاد الأوربي والإتحاد العربي (يجب أن يمثل بورقة واحدة تمثلها الجامعة العربية) وباقي الدول (نعم هناك تضارب مصالح ولكن الكل متفق على تعديل الأنظمة المالية وهذا يحتاج إلى أعوام أولاً لإعداده وثانياً لإقراره وثالثاً لتنفيذه حتى تكتمل صورة النظام الجديد فهنا أصبح لأمريكا الحق بوجوب عمل خطة تحرك على المدى القريب والتحرك السريع ضمن ضوابط على أن تلتزم بتعديل المطلوب منها من قبل دول العالم وليس كما تفعل بالشروط المفروضة عليها من بخصوص الاحتباس الحراري وهو أخطر من الاحتباس المالي .
التفاؤل والعمل الايجابي
مـــــــن جـــــــــانــــــــبــه يـــــرى د. عبدالعزيز اسماعيل داغستاني الكاتب الاقتصادي رئيس الدراسات الاقتصادية رئيس تحرير مجلة عالم الاقتصاد أن تداعيات الأزمة المالية العالمية تلقي بظلالها على اقتصادات العالم.
لكنه قال : إن النظرة التشاؤمية ما زالت تسيطر على الأذهان والأفكار، وهو ما ترجمته تصريحات المسؤولين وتحليلات المختصين، بل وصل الأمر إلى التنبؤ بسقوط النظام الاقتصادي الرأسمالي، وأن العالم قد دخل في مرحلة كساد عظيم.
ومن الطبيعي أن يكون هناك ضحايا تلقى عليهم مسؤولية انهيار أسواق المال وتداعيات الأزمة المالية العالمية، وإذا أحسن البعض الظن بالآخرين، فهم يتمسكون بمقولة أن طريق الدمار مفروش بالنيات الحسنة، وهم بذلك يضيفون إلى بناء التشاؤم لبنة جديدة وإن كانت من طينة مختلفة.
والاختلاف هنا لا يخلق، بالضرورة، فكراَ مضاداً ولكنه قد يعزز نظرة التشاؤم.
والاقتصاديون، كغيرهم من العلماء، يختلفون في أفكارهم، واختلاف العلماء يثري العلم، ويفجر الإبداع. وكثير من الاقتصاديين يرفضون نزعة التشاؤم، وهم يعتقدون أن التشاؤم يضر الاقتصاد، فإذا توقع الناس ارتفاع الأسعار، فهم يتصرفون، بالضرورة، وفق ذلك التوقع، فيزداد الطلب المحفز، وبالتالي ترتفع الأسعار عندما لا يكون هناك مبرر حقيقي لزيادة العرض، خاصة في الأجل القصير. وهذه إحدى الصور السلبية لنزعة التشاؤم، وهي قد تكون أكثر تأثيراً في الدول النامية عندما تغيب الشفافية وتترعرع الشائعات وينقص الوعي العام.
وإنني من الذين يميلون إلى التفاؤل في الحياة، وديننا الحنيف يدعونا للتفاؤل، تفاءلوا بالخير تجدوه.
والتفاؤل فطرة فكرية سوية، تغذي الروح، فتسمو العبادات فلا تكون طقوساً شكلية لا تكاد تنهي عن المنكر، فكيف تحث على الخير؟ ونحن في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية، وبعض أسبابها أخلاقية، نحتاج إلى أن نسمو بأفكارنا، فترتقي أعمالنا إلى مستوى المسؤولية، خاصة للنخبة في المجتمع، ولمن تسلم مسؤولية الاقتصاد، ولمن تصدى للتحليل ونزل إلى ساحة الرأي العام، فالكلمة أمانة.
ولا تتساوى اقتصادات الدول أمام تداعيات وآثار الأزمة المالية العالمية، ولا تتساوى، بالضرورة، في الاقتصاد الواحد الآثار من قطاع لآخر.
وعلينا قراءة الأحداث بحكمة والتصرف على ضوء ذلك، وعدم الركون إلى العموميات في القول والعمل.
وتأسيساً على هذه الرؤية النظرية، يمكن القول إن الاقتصاد السعودي يعد من أقل الاقتصادات الناشئة في العالم تأثراً من الأزمة المالية العالمية، واستطاعت المنظومة البنكية في الاقتصاد السعودي أن تحافظ على سلامة وضعها المالي، وأن أداء البنوك التجارية السعودية ما زال جيداً، وهو ما يتسق مع مستوى الفوائض النقدية الحكومية في ظل توقعات أن لا يقل متوسط سعر برميل البترول عن مستوى 70 إلى 80 دولاراً أمريكياً خلال الفترة القادمة، وهو ما يتيح للمملكة العربية السعودية فرصة استمرار وتيرة النمو الاقتصادي الذي تعيشه خلال السنوات القليلة الماضية.
ولعل السياسات المالية والنقدية التحفظية التي حرصت كل من وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي على الأخذ بها،
رغم ما واجهته من انتقادات، خاصة فيما يخص سياسة استثمار الفوائض النقدية وإصرارها على الاستثمار في الداخل، هو ما جنبها ما تعرضت له الصناديق السيادية من خسائر جراء الأزمة المالية العالمية.
إن ما يمكن الاستفادة منه من تداعيات وآثار الأزمة المالية العالمية بالنسبة لمستقبل الاقتصاد السعودي، هو التأكيد على الاستثمار في الداخل، وتعزيز القدرة الاستيعابية للاقتصاد، واستخدام جزء من الفوائض النقدية الحكومية المتراكمة لإعادة الثقة إلى سوق الأسهم السعودية ولعب دور صانع السوق وخلق التوازن ورفع أداء السوق بحيث يكون أداة استثمارية جيدة للمواطن السعودي، إضافة إلى ما يمكن أن يسهم به ذلك في تعميق السوق ودفع عجلة الاستثمارات الوطنية بشكل عام.
ومن المأمول أن يتم التركيز على الاستثمار في القطاعات الاقتصادية التي تتحقق فيها الميزة النسبية، خاصة قطاع الصناعات البتروكيماوية. فهناك فرصة سانحة لأن توجه هذه الفوائض النقدية إلى تنمية وتطوير قطاع الصناعات البتروكيماوية، فهو من القطاعات الاقتصادية الواعدة التي يمكنها أن تستوعب الطلب المحلي، إضافة إلى قدرتها على اختراق الأسواق العالمية، خاصة وأن كثيراً من دول العالم تعاني من تناقص الموارد الطبيعية، وتتجه إلى قطاع الصناعات البتروكيماوية ومنتجاتها، وهي الميزة النسبية التي يحظى بها الاقتصاد السعودي في الحاضر والمستقبل.