عرض مشاركة واحدة
قديم 21/11/08, (02:53 PM)   المشاركة رقم: 99
المعلومات
الكاتب:
سعود المسعودي
اللقب:
مراقب عام
الرتبة:

البيانات
التسجيل: 26/11/07
العضوية: 2130
الدولة: الرياض
المشاركات: 15,843
بمعدل : 2.46 يوميا
معدل التقييم: 76
نقاط التقييم: 598
سعود المسعودي مـــبــــدع بـــلا حـــدودسعود المسعودي مـــبــــدع بـــلا حـــدودسعود المسعودي مـــبــــدع بـــلا حـــدودسعود المسعودي مـــبــــدع بـــلا حـــدودسعود المسعودي مـــبــــدع بـــلا حـــدودسعود المسعودي مـــبــــدع بـــلا حـــدود


الإتصالات
الحالة:
سعود المسعودي غير متصل
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سعود المسعودي المنتدى : المنتدي العام
افتراضي رد: اخبار( الجمعة 23/11/1429هـ ) 21/ نوفمبر /2008

باعة برائحة الفل والريحان والحلوى.. ونكهة المندي والخمير
سوق اليمنة.. ذاكرة تختبئ خلــــف الــوجـــوه


حسين الحجاجي - جدة
لا يمكنك أن تعبر ما لم تستوح ذاكرة شعبية، تمتزج رائحة الفل و الريحان فيها برائحة الحلوى ورأس المندي والخمير . كل ينادي على بضاعته. والكل يستحثك بدعوة بسيطة للشراء .
فالشارع القديم ارتبط بهذا المحتوى المتجانس بساطة، والمتقارب قناعة ( الارزاق بيد الله ). فلا يضر أن تكون البضاعة واحدة و على طاولة واحدة.
لا ضغينة و لا مزايدة على أحد .
أنت وحدك تحدد ممن تشتري و لمن تستجيب . وفي النهاية بتلك القناعة الكل يبيع و الكل يحمل بين جنبيه الفرح و الرضى.
هناك من يأتي مبكرا و هناك من تلزمه البضاعة للقدوم مع الظهيرة .
وخلف ذلك الإلحاح بالمجيء و الجلوس هنا حكايات و مفارقات.
حكايات بعضها يستجيب للبوح و بعضها يختبئ خلف تلك الوجوه الباسمة.
فبائع الحلوى لا وقت لديه للدردشة و بائعة ( الخمير ) تخشى من نظرات صويحباتها المجاورات لها. في حين لا يتردد بائع ( المغشات ، وأواني الحجر و الطين ) عن الحديث معك و بإسهاب
فماذا قال الناس هنا في سوق اليمنة ؟:
الشاب ( عبده يعقوب حجري – 22 عاما) قال معاتبا :
لقد تأخرت بالمجيء إلى هنا، لقد فاتتك رؤية السوق أو هذا الشارع في شهر رمضان، حيث يكتظ المكان بالحياة و الحركة.
هذا السوق له شعبية كبيرة و أنا عايشت تاريخة منذ عهد والدي الذي توفي قبل سبعة أعوام، فقد كان متخصصا في بيع ( لحمة الرأس ) و كنت أرافقه منذ أن كنت في السادسة من عمري ، و لهذا تخصصت في بيع لحمة الرأس، واتخذت مكانه.
ولهذا أكاد أعرف مبكرا عدد الرؤوس التي يجب أن أجهزها للبيع، هذا يساعدني على بيع كامل ما أحضره بعد صلاة الظهر بقليل، فما أن يخرج الناس من الصلاة إلا و أكون قد شارفت على النهاية وما هي إلا ساعة بالكثير حتى أكون قد بعت كل الرؤوس التي أحضرتها.
والسبب أن لحمة الرأس لا تحتمل التأجيل أو البيات للغد ، لا بد من إعدادها اليوم و بيعها اليوم أيضا و لعل هذا ما يجعل الكثير ممن هم دخلاء على هذه المهنة يتكبدون الخسائر نتيجة عدم التقدير في حساب الكمية التي يحتملها السوق للبيع، كما أن هذا سبب في أن البعض يقوم بالغش في وضع رؤوس المندي التي لم تبع في الثلاجة ثم يقوم في صباح اليوم التالي بوضعها مرة أخرى في الفرن لكي يتم تسخينها ثم يأتي بها. وهذا غش واضح ينتج عنه تعفن في لحمة الرأس و كثيرا ما يؤدي إلى وجود الدود فيه.
هذا العمل يلجأ اليه الدخلاء على هذه المهنة مما يشوه سمعة السوق و يضر بي كبائع لرأس المندي، معروف من أيام الوالد بالبعد عن غش الناس بهذه الطريقة المؤسفة،
ومن فضل الله تعالى أن رواد السوق باتوا يدركون هذا جيدا و لهذا يعرفون الرأس الطازجة من المبيتة، والسوق يتأرجح في مثل هذه الأيام لكن أكثر الايام رواجا هي خلال شهر رمضان تحديدا حيث يزداد الطلب على لحمة الرأس، لكن في مثل هذه الأيام يقل الطلب مما يعني انخفاض الكمية المعروضة للبيع إلى حوالي النصف لكن البركة فيها. وكما ترى لم يعد لدي سوى القليل أترقب بيعها من أجل أنني قد وعدت صاحب البيت بدفع القسط الشهري لايجار البيت، وأتوقع أنه يتنظرني الآن لكي أحمل له حقة. و هذا هو حالي ففي كل يوم يذهب إيراده هنا أو هنا. ففي ألامس سلمت كل ما جمعته لعامل البقالة والذي تساهل معي و لم يطالبني بحقه منذ الشهر الماضي.

الدين يرعبني
وما كان ( سعيد عمر الصبياني – 34 عاما ( بائعا في هذا السوق من قبل مثلما قال:
أصلا أنا أعمل حارسا لدى أحدى الشركات، و كنت مكتفيا بالمرتب الضئيل الذي استلمه نهاية كل شهر ميلادي ، لكن سيارتي تعطلت قبل يومين و ذهبت بها إلى الورشة و لم يتوفر معي قيمة قطع الغيار لها، أنا محتاج جدا للسيارة فقط لكي أتمكن من الذهاب لمقر عملي في الخمرة، في الوقت المحدد و لكي أعود منه. منذ أن تعطلت سيارتي تأخرت بسبب وسيلة النقل لكن المسؤول هناك تفهم الموقف نتيجة لأنني منضبط قبلما تتعطل السيارة وهو يعرف أنني جاد و أحب أن أؤدي عملي كما يجب.
لهذا طرح على صديق أن آخذ منه كمية من ( الفل ) و أقوم ببيعه ثم أسدد قيمته و الربح يكون لي
ولقد أعطاني كمية لو تمكنت من بيعها هذا اليوم أكون قد حصلت على جزء كبير من قيمة قطع الغيار تلك. وبإذن الله من الغد و عدني بنفس الكمية سوف أقوم ببيعها لكي يكتمل المبلغ الذي أحتاج إليه و أغادر السوق.
ربما تسألني لماذا لم أستلف فأقول لك بالرغم أن المسؤول في مقر عملي عرض علي سلفة من صندوق الشركة وبالرغم أن صديقي بائع الفل هو الآخر لم يتردد في ذلك إلا أنني رفضت لأنني منذ صغري لا أحب أن أمد يدي إلى أحد و أرتب حياتي على (المتيسر و ما هو في حدودي) أما الدين والاقتراض فهذا ما لم أجربه قط في حياتي و بصراحة يتملكني خوف شديد حتى بمجرد التفكير بأن أطلب من أحد قرشا واحدا .
بائعة الخمير: هذه طبيعتي و هذه حياتي !!
وبعد عدة محاولات اقتنعت ( خديجة علي أمرتي ) من القول بشكل كانت تحاول فيه أن لا تسمعها زميلتها المنهمكة بالحديث مع أخرى قالت وهي تعلم تماما أن كل من في السوق سوف يطلع على حديثها:
في الأساس هم يعرفون ما سوف أقوله و لن أقول لك شيئا جديدا فكل النسوة اللائي يبعن الخبز ( الخمير ) هن جاراتي و بعضهن صديقاتي منذ زمن طويل .. أنا في السوق مثلي مثلهن منذ أكثر من ست سنوات، حيث أقوم بتجهيز هذا الخبز من الذرة الحمراء أو البيضاء في ( ميفا البيت ) و كذلك ( اللحوح ) ثم أقوم بإحضاره إلى هنا في حدود الساعة العاشرة تقريبا،
هذا العمل أستعد له منذ الفجر و أحيانا قبل الفجر بساعة لأنه عمل شاق يحتاج للكثير من الوقت و المحافظة عليه ساخنا قدر الامكان، أعد الكمية التي تعودت دائما على بيعها ولا أزيد عليها ولو قليلا إلا في وقت المواسم كرمضان أو في يومي الخميس والجمعة، و أنا أقوم بهذا العمل منذ فترة كما قلت لك من أجل مساعدة زوجي الذي يعمل سائقا لوايت الماء في التحلية. و لا يكفي ما يأتي به من نقود لحاجات البيت والاولاد لكن مع بيعي لهذا ( الخمير ) و ( اللحوح ) نتمكن من تدبير أمورنا يوميا. و اليوم الذي أتعطل فيه عن المجيء او البيع هنا يحصل إرباك صعب في البيت و أنا لا أغيب عن السوق إلا عند مرضي، فعندما أصاب و لو ( بالزكام ) لا أرضى أن أجهز
(الخمير واللحوح) و أنا بتلك الحالة حرصا مني على سلامة الناس بالرغم أنني استخدم النار والنار تقتل كل شيء لكنني لا أرضى بذلك مخافة الله وخشية أن ربحي لا يبارك فيه و أعتبر هذا نوعا من الغش والخداع.


رحلة الفخار
ومن الخوبة و اليمن يتردد ( ناصر حسين العلي – 35 عاما ) من أجل قدور الحجر و الفخار قائلا :
تأتي هذه الأواني من الخوبة أو اليمن حيث يتم شراؤها من هناك و تباع بأسعار تتراوح ما بين 150 إلى 200 ريال ربما يرتفع السعر أحيانا أكثر و ذلك بحسب قيمتها المشتراة .
أما هذه المشغولات التي تستخدم كسفرة طعام أو ( زنابيل ) أو حتى ( طاقية ) فهي من التراث الذي يستخدم فيه سعف النخيل أو الدوم، أنا أحببت هذه المهنة من سنوات طويلة وما يعجبني فيها أنها مهنة لا توتر فيها فالزبون هنا إما أن يشتري أو لا يشتري إذا ما رضي بالسعر المعروض و لا يتطلب الأمر منه أن يدخل معي في أي أستفزاز، لكن خسائر هذه البضاعة تنحصر فيما يحدث لبعض هذه ألاواني الحجرية أو الفخارية من تهشم. أما عن تعبي فيها فالحمد الله يأتي منها خير كاف.

سمك و دخان
ومثلما هو الحال مع بائعة الخمير واللحوح يستيقظ الشاب ( ابراهيم عبد الله الزبيدي ) من الصباح لكي يجلس قرابة الساعة أمام ( الميفا أو الفرن ) لكي يقوم بإعداد سمك العربي و البياض يقول : لماذا سمك البياض و العربي السبب لأن الناس المرتادين للسوق لا ترغب إلا في هذه النوعية من السمك تحديدا و أنا هنا يهمني ما يطلبه الناس و يقبلون عليه، اشتري هذا السمك من البنقلة دائما بعدما اتضح لي أن الشراء من الباعة خارج البنقلة لا يعتبر خطوة مأمونة حيث كثيرا ما يكون السمك لديهم ليس طازجا، أعرف هذا حالما أنظر للسمك المعروض، وكما ترى هذه الطريقة التي يتم فيها شواء السمك في الميفا لا تكون إلا بهذه الطريقة التي تراها أما عن قطعة الخشب التي أغرسها في فم السمكة فهي ليس إلا من أجل أن يسهل الإمساك بالسمكة وتقليبها في الفرن فقط، والسمك بهذه الطريقة له نكهة خاصة يتذوقها الزبون و يعرفها جيدا وهي الطريقة الجيزانية المحببة للكثيرين.

تركت الدراسة
ويضطر ( عبدالله عبده الهندي – 16 عاما ) لترك مقاعد الدراسة لكي يغطي احتياجات أسرته بالعمل في تقشير البطاطس و تقطيعها، يقول: هذا هو عملي، حيث تتكدس أمامي أكياس البطاطس كما ترى من الصباح حيث أبدأ بالجلوس بهذه الوضعية و أقوم بتنظيف السكين وبسم الله تقشير و تقطيع إلى صلاة العشاء كل هذا مقابل ( 30 ) ريالا كأجرة يومية.
فأنا أجلس كل هذا الوقت منكفئا على البطاطس مقابل ( 30 ) ريالا هي كل طموحي وكل مطلبي، هي لا تكفي شيئا لكنها أفضل بكثير على الأقل في الوقت الراهن فأنا مطالب من قبل أسرتي بالكثير من الاحتياجات التي لا يمكن توفيرها لو لم أقم بهذا العمل، أتمنى لو تتاح لي فرصة العمل في مهنة ذات أجرة أحسن لكن هذا هو المتاح أمامي كما أنني قد تأقلمت معها و أصبحت أمارسها بصورة عادية لا تشعرني بالتذمر و لماذا أتذمر وهذه هي الحياة تحتاج للكثير من الصبر وإلا ما تناولت لقمة عيشي؟!


عجوز غاضبة
ويكاد الشاب المتوقد مرحا ( احمد علي علوي – 21 عاما ) أن يكون زبونا دائما لهذا السوق نتيجة لولعه الشديد بالأكلات الشعبية حيث يقول: لا يمكن أن يمر يومي دونما أعرج على هذا السوق بصورة يومية، هذا العشق قديم منذ أيام والدي فقد كنت أرافقه للشراء من هنا، واستمر الوضع معي الآن فأنا أحب الكثير من الطعام الشعبي والذي لا تجده بتلك المواصفات التي أحبها إلا هنا ولدي باعة معينون، والجميل في باعة هذا السوق أنهم لا يطالبون بأسعار تفوق قدرات الزبائن، فالأسعار هنا معقولة و يمكنك أن تشتري و أنت مرتاح البال، و هذا ما يعجبني.. أشترى العيش الخمير، و أحيانا البرم و المغشات كما أنني أفضل شراء الخضروات أيضا.
صديقه الذي لا يقل عنه مرحا و دعابة ( علي عبده آل حيدر – 26 عاما ) قاطعه قائلا : يوميا يمكنك أن تجدنا في هذا المكان، كل شيء متوفر و لله الحمد و البيع الشعبي و بهذه الصورة له نكهة خاصة، نحب دائما أن نقوم بجولة سريعة على السوق لأننا نحب مشاهدة حركة السوق حيث نعيش بساطة لا نجدها إلا في هذا المكان، ثم و بعدما نقوم بتلك الجولة نقرر شراء ما نريده، يشدني التنوع في الأطعمة و أعشق الأكل الجيزاني عموما و يحتل ( المغش ) مكانة خاصة في نفسي
يعود ( احمد ) للقول :
أكثر لحظات تجوالي في السوق هي خلال شهر رمضان وخصوصا بعد العصر، فالنشاط التجاري في هذا المكان جدا ممتع و يتيح لك فرصة معايشة الناس هنا بكل وضوح،
شخصيا تمنيت لو أنني أجيد استخدام الريشة والألوان أقصد لو أنني رسام صدقني لما ترددت في رسم الوجوه و حركة هذا الشارع بكل ما فيه من ضجيج لكن مع الأسف و لهذا استغرب غياب المبدعين في الرسم عن تصوير هذا الجمال بألوانهم. (علي آل حيدر) يرد عليه مستنكرا: ولماذا تستغرب أصلا؟! هؤلاء المبدعين كما تصفهم يا ( أحمد ) يحملون ريشة فخمة ألوانها باذخة لا ترى مثل هذا الجمال، وكاد يكون حوار نقد فنيا لولا تدخل تلك العجوز التي ظلت تركض خلفي وزميلي المصور لأن لديها صراخا تريد أن تبوح بما يشبه الحراج :
فسبق كما يبدو لأحد زملاء المهنة في احدى الصحف أن رصد حركة السوق تشريحا و تأليبا على باعته و هذا جعلها تمتلئ استفزازا بظنها أنني قادم لنفس الهدف و ما استوعبت أن لا علاقة لي بكل ذلك و أن مهمتي أنسانية لكن كيف أفهمها وهي تصرخ ..
قررت الابتعاد عنها بهدوء فانسحبت معتذرا.


















توقيع : سعود المسعودي

-----------------------------
-------------------------
-----------------------
--------------------
----------------
-----------
---------

عرض البوم صور سعود المسعودي   رد مع اقتباس