عرض مشاركة واحدة
قديم 21/11/08, (02:56 PM)   المشاركة رقم: 102
المعلومات
الكاتب:
سعود المسعودي
اللقب:
مراقب عام
الرتبة:

البيانات
التسجيل: 26/11/07
العضوية: 2130
الدولة: الرياض
المشاركات: 15,843
بمعدل : 2.46 يوميا
معدل التقييم: 76
نقاط التقييم: 598
سعود المسعودي مـــبــــدع بـــلا حـــدودسعود المسعودي مـــبــــدع بـــلا حـــدودسعود المسعودي مـــبــــدع بـــلا حـــدودسعود المسعودي مـــبــــدع بـــلا حـــدودسعود المسعودي مـــبــــدع بـــلا حـــدودسعود المسعودي مـــبــــدع بـــلا حـــدود


الإتصالات
الحالة:
سعود المسعودي غير متصل
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سعود المسعودي المنتدى : المنتدي العام
افتراضي رد: اخبار( الجمعة 23/11/1429هـ ) 21/ نوفمبر /2008

رعاة بدرجة أدب عالمي وميكانيكا
يقطعـون البـراري بحـثـا عن الكـلأ



كتابة وتصوير: حسين الحجاجي
بحثا عن مرعى شحيح. يقضون وقتا طويلا من عمرهم في مطاردة خاسرة.
مرعى لا وجود له و مطر لا يأتي كما يشتهون.
بعضهم ضاق ذرعا فتحول إلى بائع برسيم أو أعلاف أقلهم قريب من مهنة ربما أحبها
وبعضهم لا مكان له أصلا في تصنيف (الرعاة )
هناك ( ميكانيكي ) يرى أن رعي المواشي لم يصبه إلا بالكسل القاتل
و بعضهم خريج جامعة لا علاقة له بالرعي عدا كونها لقمة عيش متاحة و لا خيار له
خريج أنيق له شغف بالإبداع عموما قصة ورواية و شعرا
يشتكي ضائقة بالابتعاد عن تلك الاجواء وبالذات انقطاعه عن مصدر شغفه، في حين هناك من لا يتمنى العمل إلا في الرعي مزيد من صفاء النفس و مزيد من الابتعاد عن الاحتكاك بالناس كما يبرر .
وهناك.. الكثير مما يضج به صدر راع يقود إبلا أو يتابع ماشية يسير أمامها أو خلفها في صمت.
دعونا نعيش وقتا مستقطعا مع هؤلاء:

كان ( محمد عمر هبة -25 عاما ) يتجهز لتناول طعام الغداء، بوجبة أعدها بنفسه ويقول:كل يوم لابد وأن أستقطع جزءا من الوقت لكي أعد الغداء و العشاء و كذلك الإفطار.
فحياة الراعي و إن كانت تبدو للبعض سهلة إلا أنها متعبة فلقد تركت الدراسة عندما توفي والدي و أنا صغير حيث أصبحت حياة البيت تعتمد علي نتيجة لأنني أكبر الابناء .
أشتغلت راعيا لأنها أول عمل تمكنت من الحصول عليه، و كانت بدايتي مع قطيع يتكون من سبعين رأسا من الغنم ، عملت فيها حتى صار نصف هذا العدد لي أنا فقط.
فعندما عجز صاحبها عن دفع ما اتفقنا عليه من راتب طلب مني أن يعطيني مقابل ذلك عددا من رؤوس الغنم تكاثرت بعد ذلك حتى صارت قطيعا و هذا ما دفعني بعدها للاستقلال بنفسي حيث زاد عددها و قد حصلت منها على خير كثير و هذه حقيقة، فتربية الماشية أيا كانت إذا بارك الله فيها فإنها تصبح باب رزق يأتي منه الخير لكن المشكلة في الرعي،
فالأغنام التي تعتمد على الشعير أو البرسيم هذه الأغنام لا يأتي منها إلا الخسائر ،
فكلفة تعليفها تصبح باهظة ولا ربح فيها أو تعويض عن التعب عليها، فعندما قلت الأمطار في يوم ما وجدت أن القطيع بدأ يتناقص ولا يأتي بقيمة التعب و الجهد الذي أبذله ولهذا قمت ببيعها و التخلص منها وقدمت إلى هنا من أجل العمل بمرتب وهذا و إن كان قليلا إلا أنه أفضل من تربية الأغنام دونما مرعى، ولا أذكر أنني ندمت على عملي في هذه المهنة إلا أنها حرمتني من الدراسة وكنت أتمنى ولا زلت لو أنني أتمكن من أستكمال تعليمي حتى آخذ شهادة عليا.
و لعل أكبر دليل أن هذه المهنة ليست مشجعة طالما لم تأت الأمطار و يكون هناك رعي جيد هو أنني أبلغ من العمر ( 25 ) عاما و مع ذلك لم أتمكن من الزواج حتى الآن.
في كل مرة أقول بأنها هذه هي السنة الأخيرة لي في العزوبية إلا أن الظروف لا تسمح لي بذلك
فأنا لم أتمكن لغاية هذه اللحظة من توفير مستلزمات الزواج ، لكن لعل ذلك يتيسر فيما بعد بإذن الله تعالى، أعيش حاليا في هذا الكوخ الخشبي الذي بنيته بنفسي لكي يكون مستقرا لي ، فحظيرة الأغنام ليست بعيدة وقد فصلت هذا الكوخ بهذه الصورة حتى تسهل لي مهمة الإشراف على الأغنام من هنا و كما تلاحظ هذا باعتباره المطبخ هنا أطبخ و هنا أتناول الطعام وهذا المكان حيث أنام أما ملابسي فأغسلها ثم أقم بوضعها على هذه الشجرة أو تلك ريثما تجف لا وجود للكهرباء هنا فالمكان صحراوي كما ترى و يتعذر وجود الكهرباء في هذه الجهة لدي بطارية سيارة أقوم بين الحين والآخر بشحنها عند البنشري من أجل أن أستخدمها في شحن جهاز الجوال فقط.
تأخذ معي حوالي عشرة أيام ثم أقوم بإرسالها مع أحدهم لكي يذهب لشحنها هناك ثم يعيدها لي.

الرعي فن و أصول
أما عن الراعي الأنيق الشاب (فرح آدم مريخية – 30 عاما) فالأمر مختلف تماما فهو يقول:
عملت في الرعي في فترة ما، وخصوصا في بلدي حيث تعلمت من هذه المهنة الشيء الكثير وأستغرب من أن بعض الرعاة يقوم بهذه المهنة دونما ألاحظ أن هناك فائدة حصلوا عليها و أنا أقصد بهذه الفائدة ما يتعلق بالرعي فللرعي أصول يفترض أن لا يتجاهلها الكثير فمثلا : رعي ( الضأن ) يختلف عن رعي الماعز ففي بلادي يكون رعي ( الضأن ) من الساعة الرابعة عصرا ولغاية الثامنة صباحا.
في حين وجدت أن أسلوب الرعي هنا مختلف تماما عما تعلمته فالرعي دائما يبدأ من الفجر و لغاية المساء و يفعل هذا مع كل الأغنام في حين أن ( الضأن ) تفضل في النهار البقاء في الحظيرة و عدم التحرك إلا ليلا، الجميع هنا لا يفرق بين رعي المواشي فالكل يرعى في وقت واحد والكل ينام في وقت معين وهذا خطأ. ويكمن السبب في قلة المرعى. فوجود المرعى يحل إشكالا كبيرا لكن في هذه البراري كما ترى لايوجد سوى الرمل و من الطبيعي أن يعوض قلة الرعي بإعطاء الماشية من هذا البرسيم و هذا سبب جعلني أترك هذه المهنة في فترة ما والابتعاد عنها للعمل في بيع الأعلاف.

تحديدا البرسيم
هذه الكميات الكبيرة من البرسيم كما تراها أوقعتني في وضع محرج فمع هطول الأمطار التي كانت غزيرة بعض الشيء و غير متوقعة ساهمت في تلف هذه الكميات من البرسيم و أدت إلى عفونتها لكن و لله الحمد لم تكن هذه الكمية بالكميات الكبيرة و قد تم إبعاد تلك الكميات التي تلفت نتيجة المطر
وقمت بحماية البرسيم الذي لم يصب بالماء وهذ بلا شك تعتبر خسارة نسأل الله أن يعوضنا خيرا عنها.
طبعا أسكن في هذا المكان و الذي يعتبر صندوقا من حديد ، أعاني فيه من الحر الشديد في وقت الحر و تخيل الشمس بكل حرارتها في الظهيرة و أنت قابع في جوف هذه ( الصندقة ) لا مروحة ولا مكيف و لا حتى نسمة غير غبار حار يأتي من البراري و الرمال .
لكن ماذا أفعل و هذه هي حياة الراعي أو بائع البرسيم، الدنيا تحتاج إلى صبر فقط.
والفرق بين الرعي و بيع الأعلاف ينحصر فقط بأن بيع البرسيم يحتاج مني إلى حمل و اعتماد على قوة الجسم في حين الرعي ربما تطلب ذلك لكن في حدود الباقي يعتمد على المتابعة فقط.

رجل الأدب العالمي
ويكاد الراعي ( عمر ادريس عمر – 31 عاما ) متفردا بوضعه كونه خريج جامعة تخصص أدب عالمي إذا يقول :
هي الحاجة والظروف فقط التي ألزمتني للعمل في يوم ما لرعي الأغنام، فقد توقفت عن استكمال دراستي العليا ولولا تلك الظروف لربما أصبحت الآن دكتورا أكاديميا في الجامعة فأنا خريج قسم الآداب و تحديدا أدب عالمي اطلعت خلال دراستي على شتى أنواع الآداب العالمية، ابتداء من الأدب الانجليزي و الفرنسي وأنتهاء بالأدب الكاريبي والافريقي و الهندي و الفارسي و التركي. قرأت للكثير من عمالقة القصة والرواية والشعر و تستهويني جدا الرواية في منطقة البحر الكاريبي و الرواية التركية عموما
ولا أدري لماذا أشعر بأنني أنفصلت حاليا عن هذا الشغف، و لهذا حاولت وحاولت أن أبحث عن شيء من تلك الابداعات لكن المشكلة أن من يقصد المكتبة لكي يشتري لي رواية أو كتاب أبداع لا وجود لهم حولي فأغلب من أتعامل معهم في مهنة الرعي أناس بسطاء لا هم لأحدهم إلا أن يذهب بهذه المواشي صباحا ويعود بها عند المساء و الكثير منهم لم يكن يتحرك أكثر من حدود حظيرة الأغنام هذه . فقط خلال اليومين الماضيين أخذ بعضهم في الانطلاق لظهور بعض الكلأ نتيجة سقوط الامطار.
تسألني لماذا أشعر بشغف كبير للقراءة والبحث فأقول لك: إن مهنة الرعي تتيح لي من الوقت الشيء الكثير، هنا الوقت بكامله لي و هي فرصة لكي أتواصل مع مجال عشقي الجامعي بدلا من البقاء هكذا بلا أي أهتمام.
فالأغنام أو المواشي حين الرعي لا تحتاج منك إلا الحرص على بقائها في جوارك ثم العودة بها للحظيرة و تأمين الماء و الطعام و بعدها لا شيء تعمله .
هذا الفراغ الطويل هو الذي جعلني أحاول أن أجد في من يأتي إلى هنا أن يساعدني بالذهاب لبعض المكتبات و انتقاء بعض الكتب لكي استثمر فيها هذا الوقت الطويل، مر بي قبل عام و نصف العام شاب له اهتمامات و كان يحضر لي الكثير من الروايات و كتب الشعر العالمي لكنه أختفى فجأة ولا أدري ما الذي أصابه ربما يكون قد تم تعيينه معلما في منطقة بعيدة ولهذا لم يأت إليّ بالرغم من أنه كان قد وعدني و ما تعودت منه مثل هذا الغياب الطويل. هذا الشخص كان هو الشخص الوحيد الذي استمتع بالجلوس و الحديث معه وكان لا يبخل علي بكل أنواع الكتب التي كنت أطلبها منه.

الإبل ولا غيرها
( محمد العبد الله – 57 عاما ) يعتقد أن مهنة الرعي هي المهنة المحببة إلى نفسه قائلا : كان والدي يمتهن هذا العمل و كنت شغوفا بها منذ الصغر و كنت أغبط كل من يعمل فيها و السبب لأنها مهنة لا علاقة لها بالناس ، بمعني أنها تجنبني أن يغضب مني أحد فأنا من طبيعتي إنسان مسالم أحب الناس و اتمنى للجميع الخير بهذا العمل أتجنب أي احتكاك و لهذا تجدني أنطلق من الصباح مع هذه الإبل التي أعتني بها و أحرص عليها لأنها أمانة في عنقي، قد ائتمني صاحبها عليها ، و لهذا لا أغفل عنها و أتابعها من الصباح الباكر ولغاية المساء حيث أعيدها إلى الحظيرة والأمر لا يتطلب أكثر من أن تظل عين الراعي مفتوحة ويكون يقظا لالشيء فقط حتى لا تتوجه هذه الإبل إلى الطريق الرئيسي و تتسبب في حادث لاسمح الله.
و حياة الراعي صعبة نتيجة لأنه يعتمد على نفسه في عمل كل ما يحتاجه، فأنا من يطبخ و أنا من يغسل و أنا من أدير شؤون نفسي بنفسي و هذه هي المشكلة أحيانا حيث لا يتسنى لي فعل هذا إلا عند العودة في المساء.

ميكانيكي يرفض الكسل
( سعيد رزق الله دوم – 44 عاما ) لم يجد نفسه في هذه المهنة التي يقول عنها : هذه مهنة بالنسبة لي لا أجد فيها إلا الإحساس ( بالكسل ).
فقد مارست الرعي و بصراحة لم أخلق للرعي فأنا لا أجيده و أشعر أنه يصيبني بالملل، أنا أصلا ( ميكانيكي ) سيارات .
أتقن و بجدارة العمل مع السيارات وليس مع المواشي هذه، و هذا ما جعل صاحب هذه الأغنام يقتنع أخيرا بضرورة أن يأتي بشخص آخر غيري للعمل كراع بينما يحولني أنا للعمل في مؤسسته بالعمل ( ميكانيكي ) و لهذا ليست سوى أيام وأتحول للعمل هناك بعد حوالي أكثر من أربع سنوات قضيتها هنا لكن لم أحب هذا العمل. فالراعي ينبغي عليه أن يكون محبا لهذه المهنة وإلا لن يتقنها، في حين لم أكن سوى إنسانا أتضايق تماما من العمل مع المواشي هناك من يعتبرها مهنة محببة له لكنني لم أحبها. يتدخل رفيقة و الراعي البديل قائلا :
أنا اعرف هذا الرجل من مدة وقبل حضوري هنا لم أجده يردد سوى هذه الاسطوانة ( أنا ميكانيكي ) وفعلا هو كذلك لكن صاحب العمل لم يكن لديه عامل يقوم مكانه و لهذا كان مضطرا لإبقائه هنا، أما الآن و بعدما أحضرني صاحب هذه المواشي للعمل مكانه أصبحت مسألة نقله للعمل في مكان آخر قريبة جدا فقط مجرد أن يطلعني على طبيعة العمل هنا ثم يجب عليه أن يرحل لمقر عمله الذي يرتاح فيه و خصوصا بعد ما أدرك صاحب العمل أنه يمكن الاستفادة من سعيد ( ميكانيكا ) افضل منه راعيا هذا الرجل خلق للميكانيكا و ليس للأغنام.


















توقيع : سعود المسعودي

-----------------------------
-------------------------
-----------------------
--------------------
----------------
-----------
---------

عرض البوم صور سعود المسعودي   رد مع اقتباس