غرفة الشرقية تجري دراسة شاملة لمؤشرها
أسعار السلع الغذائية تتحدى ضغوط التراجع والتضخم مرشح للتقهقر 5 %

محمد العبد الله - الدمام
يمثل استقرار أسعار السلع الغذائية في الأسواق المحلية، رغم تراجع أسعار النفط والعديد من السلع في الأسواق العالمية على خلفية الركود الاقتصادي الذي تعيشه اقتصاديات الدول الصناعية، إحدى الإشكاليات القائمة في توتير العلاقة «غير المستقرة دوما» بين المستهلك والتاجر، إذ لا يزال المستوردون يتمسكون بالأسعار السابقة على خلفية مبررات بعدم وجود تراجع حقيقي في الأسواق العالمية، وبالتالي فإن المطالبة بخفض الأسعار لا تنطلق من حقائق على الأرض، فيما ترى جمعية حماية المستهلك أن مبررات التجار ليست واقعية، مطالبة بخفض الأسعار بما يتماشى مع الظروف العالمية الراهنة. وقال عبد العزيز المحروس (مورد) إن عملية هبوط أسعار السلع الغذائية في الأسواق المحلية تتطلب فترة زمنية لا تقل عن 2 ـ 3 أشهر، إذ سيبدأ المستهلك المحلي في تلمس الأسعار الجديدة منتصف الربع الأول من العام المقبل، مبينا أن تراجع الأسعار لن يكون كبيرا، إذ سيكون الانخفاض تدريجيا تبعا للانخفاض الحاصل في الدول المنتجة للسلع الغذائية، مؤكدا أن الصفقات الجديدة التي تم التعاقد عليها مؤخرا لم تشهد انخفاضا كبيرا، وبالتالي فإن الأسعار الجديدة ستكون بمستوى الخفض في الدول المصنعة للسلع الغذائية، متوقعا أن تبدأ الشحنات الجديدة من السلع الغذائية في الوصول إلى موانئ المملكة خلال شهر تقريبا، وبالتالي فإن عملية وصولها إلى المستهلك النهائي تتطلب فترة لا تقل عن 14 ـ 21 يوما في الأغلب، موضحا أن الارتفاع الحاصل في السلع الغذائية لم يكون صاروخيا، بل بدأ بشكل تدريجي، وبالتالي فإن الانخفاض سيسلك ذات المنحى في الفترة المقبلة.
وأضاف أن قيمة الدولار الأمريكي تلعب دورا حيويا في سعر البضائع المستوردة، فالعملة الخضراء تعيش حاليا فترة تذبذب في الارتفاع والانخفاض، الأمر الذي ينعكس سلبا وإيجابا على إجمالي الصفقات المبرمة، فالشركات المنتجة تقيم منتجاتها تبعا لقيمة الدولار خلال فترة إبرام الصفقات التجارية.
تخفيضات متواضعة
وقال أحمد الزاهر (تاجر مواد غذائية) إن أغلب المواد الغذائية لم تشهد تراجعا في مستويات الأسعار، فالتراجع الحاصل في بعض السلع الأساسية لا يزال دون مستوى الارتفاعات الصاروخية التي سجلت خلال عام 2008، مبينا أن العديد من السلع سجلت زيادات تجاوزات حاجز 100%، فيما لا تزال التخفيضات التي «تبشر» بها الشركات الموردة متواضعة للغاية لا تتجاوز نسبة 2% ـ 3، مشيرا إلى أن الضغوط التي يمارسها المستهلكون لفرض سياسة جديدة لإجبار التجار على اتخاذ خطوات تتماشى مع التراجع الكبير في الأسعار على المستوى العالمي، تلك الضغوط لم تسفر عن نتائج ملموسة باستثناء بعض الخطوات الخجولة التي تصدر من التجار، موضحا أن أسعار الأرز التي قفزت لمستوى قياسي خلال فترة قصيرة لم تتراجع للفترة التي كانت عليها خلال الربع الأول من عام 2008، إذ كانت تتراوح بين 120 ـ 145ريالا للكيس (40 كغم) بينما لا تزال الأسعار الحالية تراوح مكانها عند 238 ـ 312 ريالا، فيما بدأ بعض التجار الالتفاف حول التمسك بالأسعار المرتفعة من خلال تقديم عروض خاصة لمدة محدودة، من أجل إيهام المستهلك بوجود اتجاه عملي لخفض الأسعار، وبالنسبة لزيوت الطعام، فإن أسعارها لا تزال عند مستوياتها السابقة، حيث تتراوح بين 90 ـ 122 ريالا للكرتون مقابل 70 ـ 85 ريالا سابقا.
وأكد أن المؤشرات الحالية لا توحي باتجاه قوي لدى التجار لإعادة الأسعار لمستوياتها السابقة، فالخفض المتوقع سيكون متواضعا للغاية، نظرا لتمسك الشركات المستوردة بالمكاسب التي حققتها خلال الأشهر الماضية من العام الماضي، موضحا أن المخاوف من حدوث انعطافة كبيرة في مستويات أسعار المواد الغذائية دون سابق إنذار، فتقليص حجم المشتريات بدأ تدريجيا بعد الانعطافة الكبيرة الحاصلة في الأسواق العالمية وتراجع أسعار النفط بصورة كبيرة خلال الأسابيع الماضية، الأمر الذي أعطى مبررات واقعية للتجار بإيجاد حلول سريعة للتعامل مع المعطيات المستجدة في الأسواق العالمية، مشيرا إلى أن نسبة تقليص المشتريات تختلف باختلاف حجم ونوعية السلع من جانب، وحجم القدرة التسويقة للتجار ومراكز التسويق من جانب آخر، حيث تراوحت نسبة المشتريات لدى المحروس: وصول الشحنات الجديدة للسلع الغذائية إلى الموانئ السعودية خلال شهر
الغامدي: انخفاض أسعار النفط وتخبط الأسواق العالمية تدفع السلع للتراجع
د. الحمد: تجار الجملة والتجزئة مطالبون بالاستجابة لتراجع الأسعار عالميا
د. العلق: تراجع التضخم لا يعني انخفاض أسعار السلع الغذائية البعض بين 50% ـ 60، فيما حاول البعض اللآخر إيجاد نوع من التوازن من خلال الخفض التدريجي تبعا للتطورات والمستجدات.
تراجع المشتريات
وذكر علي أحمد الغامدي (تاجر مواد غذائية) إن التخوف من التعرض لخسائر فادحة مع احتمال تراجع الأسعار خلال الفترة المقبلة، يعتبر المحرك الأساس وراء رسم السياسية التسويقية الجديدة، لاسيما بعد انخفاض أسعار السلع الغذائية في مختلف الأسواق العالمية على خلفية هبوط أسعار النفط وتفاقم الأزمة المالية التي تشهدها الاقتصاديات العالمية في الوقت الراهن، موضحا أن الشركات بدأت تتلمس تراجع المشتريات خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، بيد أنها تدرك الأسباب الحقيقة، الأمر الذي يجعلها تتحفظ كثيرا في الضغط على التجار لمواصلة الطلبات السابقة، مشيرا إلى أن الصورة القاتمة وغير الواضحة بالنسبة لاتجاهات الأسعار وعدم وجود معلومات دقيقة بشأن الموعد الرسمي لتراجع الأسعار، أوجد حالة من الترقب والحذر لدى تجار الجملة في الوقت الراهن، مشيرا إلى أن العديد من التجار يسعون جاهدين للتخلص من البضائع المكدسة في المخازن، خصوصا أن تراجع السعر بصورة مفاجئة وسريعة سيخلق مشكلة حقيقية للتجار، وبالتالي فإن السبيل الوحيد للخروج بأقل الخسائر تصريف المخزون خلال الأسابيع القادمة من جانب وتقليل حجم الطلب والاكتفاء بكميات محدودة للغاية من جانب آخر، مؤكدا أن انخفاض أسعار النفط والتخبط الحاصل في الأسواق العالمية ودخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود، تدفع الأسعار نحو التراجع بشكل متسارع، بخلاف الأشهر الثلاثة الماضية التي كانت الأسعار تسجل ارتفاعا متواصلا، معتبرا أن التضخم المستورد الذي سجلته الأسواق المحلية خلال الفترة الماضية ينعكس رأسا على عقب خلال الأشهر المقبلة.
من جهته، أوضح سالم القحطاني (تاجر مواد غذائية) أن انخفاض أسعار النفط وتزايد المؤشرات بتراجع أسعار السلع الغذائية المستوردة خلال الفترة المقبلة، أوجد حالة من القلق لدى التجار من الاستمرار في شراء كميات كبيرة بالأسعار الحالية، خصوصا أن الأشهر المقبلة ستشهد تحولا كبيرا في مستويات الأسعار، وبالتالي تعرض التجار لخسائر كبيرة، لاسيما أن إمكانية البيع بالأسعار المرتفعة مع طرح الشحنات الرخيصة من الصعوبة بمكان، مؤكدا أن السياسة الحالية المتبعة لدى الغالبية العظمى من تجار الجملة تتمحور في الاكتفاء بالمخزون الموجود في المستودعات، من أجل التخلص منه خلال الفترة المقبلة على أمل تعويضه ببضائع جديدة بأسعار منخفضة.
استجابة التجار مطلوبة
وطالب الدكتور محمد الحمد، الرئيس التنفيذي لجمعية حماية المستهلك، بضرورة استجابة تجار الجملة والتجزئة في المملكة للانخفاض العالمي الذي تشهده معظم أسعار السلع والخدمات. وشدد على ضرورة الضغط على التجار رسميا للتماشي مع الظروف العالمية، مضيفا أنه نظرا لأن التجار كانوا قد أعلنوا من قبل أن زيادة الأسعار جاءت تماشيا مع الظروف العالمية آنذاك، فإنه من المنطقي أن تنخفض الأسعار الآن تماشيا مع الظروف العالمية نفسها. وأوضح أن أجهزة الدولة والمجتمع تفهموا أن ارتفاع أسعار بعض السلع في الفترة الماضية كان بسبب الارتفاع العالمي وانخفاض سعر صرف الدولار وتقبلوا زيادات الأسعار في حينه، إلا أنه مع انخفاض أسعار تلك السلع على مستوى العالم منذ عدة أشهر ما زال بعض التجار يتجاهل الانخفاض العالمي ويصر على غلاء الأسعار غير عابئ بتراجعها عالميا.
وأكد أن الانخفاضات التي شهدتها السلع التموينية في الأسواق لم تتماش مع الانخفاضات العالمية. مضيفا أن تجار جملة أرجعوا عدم نزول أسعار السلع الاستهلاكية إلى وجود مخزون تمويني قبل انخفاض الأسعار، لكنه قال إن أغلب السلع التموينية والمواد الأولية شهدت انخفاضات متتالية في الأسواق العالمية، وإن الانخفاضات العالمية بدأت منذ عدة أشهر، وهو وقت كاف لتصريف المخزن التمويني الذي تم احتسابه بتكلفة عالية على التجار، مطالبا في الوقت ذاته التجار بتخفيض أسعار السلع انسجاما مع التراجعات العالمية ومراعاة ظروف المستهلكين.
وطالب أجهزة الدولة المعنية، وفي مقدمتها وزارة التجارة والصناعة ومجلس حماية المنافسة، ممارسة مسؤولياتها والطلب من التجار رسميا تخفيض الأسعار والبعد عن الجشع، وتقدير ظروف المواطنين والتماشي مع رغبة الدولة في المحافظة على حقوق المواطنين من الاستغلال ومنع الاحتكار والتكتلات التي تضر بالمواطن وتبخس حقوقه، ودعا رئيس جمعية حماية المستهلك المواطنين إلى ممارسة حقهم في الضغط على الجشعين بالبحث عن البدائل الأخرى وعدم الرضوخ للاحتكار.
وقال إن الجمعية لاحظت استقرار أسعار السلع التموينية، رغم الانخفاضات التي تسجلها السلع عالميا، ما دعاها إلى مطالبة الجهات الرسمية في البلاد بالتحرك لخفض الأسعار. وكان تجار الجملة والتجزئة قد عمدوا إلى رفع أسعار السلع الاستهلاكية بنسب عالية، في وقت شهدت فيه السلع التموينية كافة، ارتفاعا في الأسعار، وأرجع التجار المحليون والمستوردون القفزات التي شهدتها الأسواق المحلية إلى التماشي مع الظروف العالمية، لكن التجار تجاهلوا الانخفاضات المتتالية التي شهدتها معظم السلع التموينية عالميا خلال الشهرين الماضيين، بعد أن ارتفع صرف الدولار أمام العملات الأجنبية وسجل النفط انخفاضا في الأسعار، وكبدت القفزات المتتالية التي شهدتها السلع الاستهلاكية كافة، الأهالي مبالغ عالية جدا، وأثقلت كاهل محدودي الدخل، الذين لجأوا إلى بدائل لم تسلم هي الأخرى من لهيب الأسعار.
تضخم متواضع في عام 2009
أما الدكتور علي العلق، استاذ الاقتصاد والمالية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، فقال: إن التضخم في عام 2009 سيكون متواضعا بالقياس لنسبته في عام 2008، إذ سيعود للمستويات التي كانت سائدة قبل عام 2006، إذ لن يتجاوز حاجز 5%، بسبب التطورات الاقتصادية العالمية ودخول الاقتصاديات العالمية مرحلة الكساد وكذلك بسبب تراجع الطلب على مختلف السلع بالمقارنة مع الحركة التجارية التي كانت سائدة قبل الربع الأخير من عام 2008، مشيرا إلى أن تراجع نسبة التضخم لا يعني انخفاض أسعار السلع الغذائية، اذ ستبقى الأسعار عند مستوياتها الحالية، فالجهات المستفيدة من استمرار الأسعار الحالية ستحاول بكل ما أوتيت من قوة إبقائها دون تغيير، دون النظر لما يجري في الأسواق العالمية، موضحا أن أغلب الأسعار التي ارتفعت خلال الفترة الماضية لم تشهد تراجعا، بل على العكس تحاول بعض الشركات زيادة الأسعار بطرق ملتوية، من خلال تقليص حجم العبوات مع إبقاء الأسعار دون تغيير، كما هو الحال بالنسبة لشركات الألبان والمنظفات وغيرها من الشركات الأخرى.
وأضاف أن تراجع الأسعار مرهون بالمنافسة القوية بين التجار، فإذا غابت المنافسة أو وجد اتفاق غير معلن لإبقاء الأسعار، فإن الأوضاع ستبقى تراوح مكانها، رغم الصيحات المدوية التي يطلقها المستهلكون في وجه التجار لإعادة الأمور لنصابها مجددا، داعيا في الوقت نفسه وزارة التجارة والصناعة لوضع خطة مدروسة لتناول الوضع الراهن، بالإضافة لممارسة دور رقابي أكثر فاعلية، من خلال تفعيل أنظمة حماية المستهلك وتكثيف الجولات الميدانية للتعرف إلى مستويات الأسعار.
دراسة شاملة لمستويات الأسعار
وذكر عدنان النعيم، الأمين العام للغرفة التجارية الصناعية للمنطقة الشرقية، أن الغرفة تجري حاليا دراسة شاملة تتناول مستويات أسعار السلع الغذائية ومقارنتها بين عام 2008 - 2009، مؤكدا أن نتائج تلك الدراسة سيتم الإعلان عنها قريبا، إذ لا تزال الغرفة تنتظر بعض البيانات والإحصاءات المتعلقة بالسلع الغذائية، بحيث تكون شاملة لعام 2008 وعدم الاقتصار على فترة محددة، من أجل إعطاء صورة واضحة لمستقبل الأسعار خلال عام 2009، متوقعا في الوقت نفسه، أن يشهد الربع الأول من العام الجاري حدوث تغيير إيجابي في مستويات الأسعار، مضيفا أن المستهلك لاحظ خلال الفترة الماضية تراجع بعض السلع، فيما لا تزال العديد من السلع الاستهلاكية عند مستويات الأسعار السابقة، موضحا أن الدراسة التي تجريها الغرفة تعتمد في رصدها على الواقع من الأسواق وكذلك البيانات المتعلقة بأسعار السلع من المنشأ وكميات دخولها عبر الموانئ، فضلا عن قراءة مستويات الأسعار في الأسواق العالمية، معتبرا أن الغرفة التجارية تتفهم الأسباب التي ساهمت في الارتفاع خلال الفترة الماضية، مما يدفعها لوضع بيانات شاملة عن فترة الأشهر الثلاثة الماضية من عام 2008، للوصول إلى نتائج دقيقة، لاسيما أن الجميع يعرف أن عام 2008 كان (سنة مختلطة) فقد شهدت ارتفاعات كبيرة وانخفاضات كبيرة، وبالتالي فمن الصعوبة بمكان قياس الأسعار بصورة دقيقة دون الحصول على معلومات واضحة وشاملة، من خلال القراءة المتأنية لمستويات الأسعار الفصلية لعام 2008.