عرض مشاركة واحدة
قديم 03/07/11, (06:04 AM)   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
جلال الدرعان
اللقب:
مشرف منتدى الخواطر والقصص

البيانات
التسجيل: 17/12/10
العضوية: 6107
الدولة: الجبيل
المشاركات: 1,418
بمعدل : 0.29 يوميا
معدل التقييم: 43
نقاط التقييم: 541
جلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدود


الإتصالات
الحالة:
جلال الدرعان غير متصل
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جلال الدرعان المنتدى : منتدى التاريخ والتراث العربي
افتراضي رد: دراسة عن قبيلة عنزة Anza tribe bin Wael

ماقاله الرحالة ابتون عن قبيلة السبعة من عنزة


الرحالة روجر أبتون

ضابط في سلاح الفرسان البريطاني كتب مذكرات عن رحلته في البحث عن الخيول العربية عرفت بمذكرات الكبتن ابتون وله كذلك كتاب مشاهدات في بوادي العرب وفي هذا الكتاب كثيرا من أخبار فرسان البادية العربية وذكر في هذا الكتاب كثيرا عن قبيلة السبعة من قبيلة عنزة ومما قاله ابتون :



ومن السبعة القمصة والعبدة والدوام والموايقة والشفيع والمسكا وغيرهم والقمصة بينهم يشكلون مجموعة بدوية رائعة كثيرة الإبل والغنم وكانوا بقيادة الشيخ سليمان ابن مرشد الشيخ الكبير الذي يملك الصدق والصراحة وصاحب النفوذ والمكانة في البادية الشمالية بل أرشحه لأن يكون أقوى شيوخ القبائل هناك فهو الذي كان ينظم حركة وارتحال القبيلة وله علاقة حميمة مع جدعان ابن مهيد أمير الفدعان من عنزة .



ويقول ابتون في وصف الشيخ سليمان ابن مرشد :

كان سليمان ابن مرشد بلباس متواضع يدخن ويشرب القهوة والماء ويتناول التمر باستمرار لم يحلق شعره ولم أجد بدويا يحلق ذقنه أو يقص شعره الا في ظروف خاصة فمن يوم ولادتهم وحتى مماتهم شعورهم تنمو على الطبيعة ويجد الشبان الشعر على شكل ضفائر تتدلى على جانبي الجسم كعرف الفرس الأصيل ولا أجدهم يلبسون طرابيش الأتراك والرسالون من القمصة يشتهرون بتربية الخيول العربية الأصيلة فمنهم نواق صاحب الكحيلة النواقية السلالة المشهورة في ديار العرب .



ولحكمة في سليمان ابن مرشد كان على اتصال دائم مع ولاة الحكومة العثمانية لحل مشاكل قبيلته معها ولتدارس القضايا العامة في البلاد وقد سمعنا ان سليمان ابن مرشد كان من انصار قيام حكومة عربية تكون برئاسة شريف مكة ولصدقه لم يدع السبعة يبرمون أي صفقة مذلة للقبيلة مع الأتراك الا ان الأتراك سمو ابن مرشد عندما كان في ضيافة الوالي التركي حيث قدم له فنجان من القهوة فمات مسموما في الطريق وحصلت القطيعة بين السبعة والحكومة التركية وعين بدل منه الشيخ الفجيجي .



وذكر ابتون :

ان العبدة من السبعة خيامهم اقل من خيام القمصة ولهم نفس القدرة والأهمية والدوم من السبعة عددهم لايستهان به يقودهم الشيخ الفجيجي والفجيجي عقيد حرب معروف ويعتبر من أفضل القادة في بدو السبعة اما المسكة من السبعة فكانوا أغنيا بشكل ملحوظ ومن فرسان السبعة محمد بن كردوش ومحمد بن رجاء ويعد السبعة والعمارات والفدعان من ضنا بشر من قبيلة عنزة .



ووصف الكبتن ابتون كرم وضيافة الشيخ ابن مرشد :

والان علي أن أصف مضافة سليمان بن مرشد فعندما قدمنا الى مضارب السبعة في البادية وجدنا رجالهم يروون الإبل من الآبار تحت حراسة كوكبة من الفرسان بينما وقفت النساء والأطفال يراقبون الغرباء القادمين الى السبعة بدهشة واستغراب فشربنا من ماء الآبار قبل أن نصل المضارب حيث كنا نشاهد على مدى الأفق الخيام السود تتوسطها خيمة الشيخ سليمان ابن مرشد انها خيمة كبيرة أكبر خيمة شاهدناها قد نصبت في البادية يتجمهر حولها خلق كثير وعندما اقتربنا منها استقبلنا في مقدمتها الشاب مشهور ابن مرشد على ظهر جواد ومن خلفه كان يمشي لاستقبالنا الشيخ سليمان ولما وصلنا فرح بنا الشيخ وقادنا الى مكان فسيح في الخيمة كان يجلس فيه الشيخ جدعان ابن فهيد شيخ الفدعان ومجموعة من الشيوخ فاحضرت الوسائد والشداد فورا وقدمت القهوة العربية وفقا لتقاليد ابناء الصحراء .



ولا أبالغ عندما أقول كان يجلس معنا بهدوء أكثر من مائة شخص قدمت لهم القهوة جميعا في خيمة كبيرة طولها مائة وخمسة وستون قدما مقسمة الى ثلاثة أقسام لقد وجدنا أنفسنا نجلس وجها لوجه مع أشهر قائد حربي في الصحراء هو الشيخ جدعان ابن مهيد فتبادلنا الأحاديث عن رحلتنا وعن الوجهة التي نريد الذهاب اليها وعلى الرغم من الجو الحار كانت النار مشتعلة في الموقد المخصص لاعداد القهوة .



وعندما وصلت أمتعتنا الى مضارب السبعة في قافلة منفصلة حدد رجال سليمان بن مرشد مكانا لنصب خيمتنا على أن لاتبعد كثيرا عن خيمة الشيخ .


مر من أمامنا مهر من الخيل لم نشاهد مثله في الجمال والروعة العنق مقوس دقيق الأذنين ممشوق القوام ويستحيل على اي فنان أن يصوره بريشته لجماله وتعدد مواصفاته .


كان المهر للشيخ جدعان ابن مهيد جلب اليه الشعير بنفسه في عليقة دس فمه فيها وعلقها في رأسه وربت على عنقه .


ولم تكن هذه الرحلة دون فائدة لقد شاهدنا الكرم العربي والسلوك العربي وأدب استقبال الضيوف فأداب السلوك وطريقة الاستقبال كانت بمنتهى الأدب والروعة




" نص رحلة البارون ادوارد نولده مبعوث روسيا إلى نجد عام 1893 م / 1310 هـ


(( 1 ) )

"" سرنا إلى كاف عبوراً بقرية أثرى كانت الأرض مرة أخرى تتشكل من نفس الصحراء الموحشة ويغلب عليها الطابع الجبلي الصخري الذي يتغير أحياناً إلى تلال ، وهذه المنطقة كلها تماثل أحد سهول قبيلة الرولة التي تشمل تقريباً نصف كل شمال الجزيرة العربية مابين دمشق وبغداد ، وكصديق شخصي لكبير مشايخ الرولة من عنزة الشيخ صطام ابن شعلان فلم أكن أخشى أي شيء من الجزء الأكبر من هؤلاء البدو ، ويقف صطام في قمة قوته على رأس خمسة عشر ألف مقاتل وهو عدد كبير جداً في الجزيرة العربية ، وللأسف علمت فيما بعد أن هذا العربي القوي والسامي قد قتل في صيف 1893 اثر عودته من رحلة الى القسطنطينية حيث تم استقباله هناك إستقبالاً حافلاً "" إنتهى كلامه .



(( 2 ) )

يتكلم عن الحيانية "" أما البئران الموجودتان في الحيانية فماؤهما طيب الطعم جداً ووفير وخاصة البئر الرئيسية الموجودة على بضع خطوات من باب القصر وفي الوقت الحاضر يصل عمقها من 140 إلى 170 متراً ، وهي مبنية بطريقة ممتازة بل بطريقة قوية جداً وذلك بقدر مااستطعت أن أرى بنفسي عن طريق إنزال عيدان كبيرة مشتعلة في سلة إلى عمق البئر ، وقد لاحظت أن أجزاء منها مبنية من الصخور الطبيعية ، وأجزاء أخرى مبنية من الحجار المنحوتة والمسواة في شكل مربعات ، وجدت الحيانية وزدحمة بآلاف الإبل التي يمتلكها الرولة الذين يستخدمون النفود كأرض رعي في فصل الشتاء اذ بإمكانهم سقي قطعان أبلهم من وقت لآخر من آبار الجوف وسكاكا والحيانية وجبة ، وهذا الوضع يجعل من الواضح ان ابن رشيد لم يكن يشعر أنه سيد النفود الوحيد "" إنتهى كلامه




الرحاله الاوروبي لويس موسيل( موسى الرويلي


يعد لويس موسيل من اهم الرحاله العلماء الذين رحلوا وجالوا في مناطق شمال الجزيزه العربيه وكانت مهماته العلميه تاخذ بعض الاحيان جوانب سياسيه ولكنه يعتبر بحق من الرواد الغربيين الاوائل الذين بغض النظر عن اهدافهم ادوا خدمات علميه جديره بالاحترام والتقدير وخصوصا فيما يتعلق بكتاباته التاريخيه وتحقيقاته الرائده فيما يتعلق بشمال الجزيره العربيه وتاريخها القديم .
ولد موسيل عام 1868م في جمهورية التشيك وبدات علاقته بالبلاد العربيه مبكرا حيث تم ارساله في بعثه دراسيه الى القدس في المدرسه التوراتيه ثم انقتل الى جامعه في بيروت التي انتقل منها الى التعرف على البلاد المجاوره مثل دمشق وتدمر وغزه.



تركزت اهداف رحلته الاولى على البحث عن القصور الامويه في صحراء الاردن ورسم الخرائط , اتم موسيل رحلته ونشر نتائجها في مجلدين وبعد ذلك اشتهر اسمه بين المستشرقين مما دعا وزير خارجية بريطانيالطلب موسيل تقديم مذكرة حول مسألة الحدود المصريه الفلسطينيه عام 1906م .



يذكر موسيل ان اكتشافاته مابين عام 1896م – 1902م قادته الى الحدود الشماليه لبلاد العرب والى الحدود الغربيه لبلاد العرب الصحراويه واثارة الرغبه لديه في الاستمرار في دراساته.
لذلك عقد النيه على التغلغل فيها والبقاء لوقت طويل لرسم خريطه جغرافيه لتحقيقاته التاريخيه ودراساته لحياة سكان هذه المنطقه.


وبما ان قبيلة الروله كانت اقوى القبائل في تلك المنطقه فانه حاول الحصول على حماية شيخ القبيله وتحقق مراده بعد ان حصل موسيل على حماية الشيخ النورى الشعلان واعتباره شيخا من شيوخ الروله تسمى باسم موسى الرويلي ورافق القبيله في حلها وترحالها ودرس عاداتها وتقاليدها وتنقل في كافة المناطق الشماليه الصحراويه فقام في عام 1908/1909م بالتجوال في المناطق اصحراويه لاكمال رسم خريطته للمنطقه فزار وادي السرحان والجوف وسجل احداثا مهمه حصلت في المنطقه في هذه الفتره.


وفي عام 1910م دعته الحكومه التركيه الى استنبول وعقدت معه مفاوضات للقيام برحله الى شمال الحجاز لمسح اجزاء اساسيه من خط سكة حديد الحجاز ومعرفة توجهات شيوخ القبائل السياسيه وبعد هذه الرحله توجه موسيل في عام 1912م الى منطقة وسط الفرات وجنوب الهلال الخصيب .


في عام 1914م بعد بدء الحرب العالميه الاولى قررت المانيا ارسال بعثه الى الجزيره العربيه للعمل على توحيد القبائل الموجوده بها والعمل على تكتلها ضد الانجليز واختير لويس موسيل رئسيا للبعثه.


ترأس موسيل بعد ذلك العديد من البعثات الغربيه للبلاد العربيه ونظرا لخدماته المتميزه عين عضوا في المجلس الشورى الامبراطوري واوكلت له مهمة تعليم الطلبه العثمانيين في المؤسسات النمساويه بصفته سكرتيرا عاما للجمعيه النمساويه للشرق وعبر البحار وفي عام 1920م انتقل موسيل الى براغ كأستاذ في جامعتها وتفرغ للعمل العلمي وبدأ بنشر اعماله واخبار رحلاته ( شمال الحجاز – الصحراء العربيه – وسط الفرات – تدمر – شمال نجد – قبيلة الروله ).


وكان محذرا من خطرا الصهيونيه التي كان ضدها خلال الحرب العالميه الاولى وقام بتأليف 13 كتابا ضمن سلسلة ((الشرق الجديد)) في الفتره من عام 1934-1941م ونال الكثير من التكريم وانتخب عضوا في المجلس الاسلامي الاعلى في القدس وتوفي عام 1944م.






يوميات الجزيرة العربية (1) ـ
«بنت الصحراء» تعشق تسلق الجبال الجليدية، «المس بيل» تترك للعالم 1600 رسالة وسبعة آلاف صورة نادرة..
جرترود بيل



وصفت جرترود بيل بأنها بنت الصحراء، وملكة العراق غير المتوجة فقد كانت امرأة من أكثر نساء عصرها نفوذاً في الامبراطورية البريطانية. فهي مغامرة، ومستعربة، وعالمة آثار، ومستشارة للملوك ورؤساء الوزراء، مقربة من السياسي المحنك ونستون تشرشل ورجل الدولة اللامع لويد جورج، والصديقة المخلصة لتي. إي لورانس (أو لورانس العرب) وجون فيلبي، والصديقة المفضلة لدى الكثير من القادة العرب.



لقد كتبت جرترود بيل ذات مرة تقول: «لحظات الابتهاج قليلة، مثل تلك اللحظات التي تأتي وكأنما يقف الانسان على عتبة رحلة غامضة» لقد كانت «المس بيل» كما بقيت دائما تحب الترحال والسفر. ففي سويسرا كانت تتسلق ذرى القمم الجليدية، التي لم يسبق أن اقتحمها أحد من قبلها، وفي تركيا تزور المعالم الأثرية البعيدة، وفي بلاد مابين النهرين تدرس العربية وتتربع علي سنم الجمل عابرة الصحراء. وعرفها العرب بـ «بنت الصحراء» وفي الحرب العالمية الأولى كانت تعد مصدراً حيوياً للمعلومات بالنسبة للانجليز لقد رسمت خرائط لمناطق صحراوية غير مطروحة حددت خلالها معالم آبار المياه وخطوط السكك الحديدية. واكثر من ذلك فقد كانت تخمن من هو الصديق ومن هو العدو بالنسبة للبريطانيين، وفي الخلاصة فقد كانت المرأة الوحيدة التي جندت عميلة للاستخبارات في المكتب العربي في القاهرة.


وظلت المعلومات المهمة التي تقدمها «المس بيل» عن العراق وايران مادة بالغة الاهمية خلال سنوات ما بعد الحرب. وعندما عين ونستون تشرشل وزيراً للمستعمرات في 1921 استدعى كبار مستشاريه في شئون الشرق الاوسط الى مؤتمر عقد في مصر لتحديد مستقبل بلاد الرافدين. ودعا للمؤتمر 39 رجلاً وامرأة واحدة هي «المس بيل» ولعبت دوراً رئيساً في رسم حدود العراق الجديد وفي اختيار حاكمها الأول، وهو الأمير فيصل وطوال سنوات كانت أقرب شخص إليه ومستشارة سياسية له، وهو المنصب الذي منحها لقب «ملكة العراق غير المتوجة».


لقد كتبت في احدى المرات تقول «لا آبه للاقامة في لندن على الاطلاق فأنا احب بغداد والعراق بأسره انه عين الشرق، ويثير فيّ أحاسيس كثيرة كل الاحداث تقع هناك، إن كل أجوائه الرومانسية تلمس شغاف قلبي وتغمرني» ولدت جرترود مارجريت لوثيان بيل في الرابع عشر من يوليو 1868 في واشنطن هول في مقاطعة دورهام بانجلترا بدأت تعليمها في البيت بعدها اخذت تحضر في ليدي مارجريت هول واصبحت أول امرأة تحصل على رتبة الشرف الأولى، وامضت زمناً طويلاً تدرس الظواهر الاجتماعية في لندن ويوركشاير، وأخذت تطوف ارجاء أوروبا، وقامت بزيارة ايران، واستمرت رحلاتها في جولتين حول العالم بين العامين 1897 ـ 1898والعامين 1902 ـ 1903 وكانت تعشق تسلق الجبال، واستغلت زيارتها لسويسرا في تحقيق تلك الهواية.


وادت معرفتها بالمنطقة الى تقديم خدماتها للاستخبارات البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية وخلال اقامتها في القدس في الفترة من 1899 الى 1900 تعلمت اللغة العربية، ودرست مواقع أثرية عربية عديدة، وشاركت في الحملة العسكرية البريطانية الاستطلاعية في البصرة وبغداد.


وعندما واجهت المرض والوحدة قبيل غروب شمس عمرها تناولت جرعة قاتلة من اقراص منومة، ورحلت عن عالمنا في 12 يوليو 1926 في بغداد بالعراق. وبعد مرور عام على وفاتها نشرت رسائلها التي يصل اجماليها الى 1600 رسالة موجهة لوالديها وللصحافة. وقد احتفظت بهذه الرسائل طوال رحلاتها فضلاً عن اغراض متنوعة.


كما التقطت نحو 7000 صورة خلال الفترة ما بين 1900 ـ 1918. وتعود اهمية الصور الخاصة بالمواقع الاثرية الى ان الآثار التي صورتها طرأ عليها منذ ذلك الحين بعض التغييرات، وبعضها اختفى الى الأبد.
على الطريق..


في السادس عشر من يناير 1914 كانت حملة استطلاعية تتجه جنوبا من دمشق نحو الجزيرة العربية وتوقفت ليلا. وانتهزت جرترود بيل آخر شعاع للشمس، وجلست بجوار خيمتها، وبدأت في تسطير مذكرات خاصة بالميجور تشارلز هوتهام مونتاجو دوتي ويلي، وهو شخص متزوج تعلقت به عاطفياً.


وفي صفحاتها رسمت صورة استثنائية وعجيبة لامرأة مستكشفة خلال رحلتها الأعظم. سيدة انجليزية عبرت حاجز النوع والقيود الاجتماعية للوصول الى قمة الشهرة في الشرق الأوسط. كما أنها احترفت علم الآثار، وأصبحت معلقة وخبيرة في الشئون العربية التركية. وغدت في عقد العشرينيات من القرن العشرين وزيرة مفوضة للشئون الشرقية لدى المندوب السامي البريطاني في بغداد. وفي اطار ذلك الدور تركت أثراً مهما في تشكيل العراق الحديث.


لقد احبت جرترود السفر والترحال كثيراً وفي 1913 شرعت في رحلة صعبة وخطيرة الى نجد، وهي منطقة لم يكن لها وجود على خارطة المنطقة الشمالية من الجزيرة العربية. واعتقد انها الى حد ما قادرة على رسم مقاربات جديدة لواحة حائل، في جبل شمر، حيث ستقوم بإجراء لقاء مع حاكم المدينة. لو أنها نجحت لكانت ألفت كتاباً حول المنطقة لدى عودتها الى بريطانيا، لكن حافزاً شخصياً أقوى كان يكمن وراء تلك المذكرات والرسائل التي يضمها الكتاب الذي نناقشه هنا.


لقد اصبح الشرق بالنسبة لجرترود ملاذاً وعشقاً، مفضلته على بريطانيا البرجوازية وعلى اسرتها وأصدقائها هناك. لقد عشقت الحرية وتاقت اليها في الجزيرة العربية. وسافرت عبر الصحارى لاستطلاع الشرق الغامض الذي كان مثيراً بالنسبة لكل اطفال العصر الفيكتوري من خلال اقاصيص ألف ليلة وليلة. لقد واكبها الحظ متمثلاً في قدرتها على الاستفادة من نماذج نساء فاتهن قطار الزواج في العصر الفيكتوري أولئك اللواتي استخدمن طاقتهن وذكاءهن لصياغة حياتهن المستقلة. لقد أمضت جرترود بيل سحابة عمرها في عالم الرجال، لكنها مع ذلك لم تفقد انوثتها واهتمامها بالملابس النسائية والاعتناء بحديقة منزلها.


ولاشك انها كانت تتساءل عن احوال من يعيشون في حائل عندما ظهرت أخيراً وسطهم في شتاء ولاشك ايضا ان المحيط الذي ولدت فيه اسهم في بناء ثقتها بنفسها، ولابد أنها 1914امتدحت جدها اسحق بيل لمكانته الرائعة في الساحة الاجتماعية.


في سن السابعة لم تكن جرترود قادرة على بلورة مشاعر محدودة تجاه زوجة ابيها الباريسية فلورانس أوليف التي انضمت في عام 1877 الى بيت العائلة وكانت تتسم بالصرامة التي تحاكي شدة المشد الذي كانت ترتديه. ولم تكن امرأة جميلة، لكنها كانت متقدة فكريا، واعتزمت ان تغذي عقل تلك الطفلة جرترود بمفاهيم الواجب والعناية بالمظهر، خاصة بعد أن سمعت انها فوضوية. ولم يكن من العدل أبداً أن تشن حربا ضد فلورانس بيل بأن تتهمها بأنها زوجة أب يخلو قلبها من الرحمة. كما تصور ادبيات العصر الفيكتوري امرأة الأب. وتركت فلورانس بصفتها كاتبة قصص اطفال قامت بدراسة عن العمال في مصانع بيل تحت عنوان «في مجالات العمل»، أثراً عميقاً على حياة جرترود الأدبية، وفي حقيقة الأمر فإن فلورانس بيل حملت علامات الكفاح من أجل المرأة منذ بداية حياتها، ولكنها لم تكن تؤثر اصطلاح مناضلة من أجل حقوق المرأة وليس من المبالغة افتراض ان اهتمام جرترود بيل بتعلم المرأة العراقية في العشرينيات من القرن العشرين ينبع من الفترة التي كانت تصطحبها فيها زوجة أبيها في جولاتها في منازل عمال الحديد والصلب، حيث كانت تقوم بإجراء لقاءات مع زوجات العمال. وعندما لاحظت المتاعب التي يعاني منها أفراد الطبقة العاملة كانت تنظم المحاضرات المخصصة للتوعية الصحية ولأساليب ادارة المنزل، فضلاً عن موضوعات عديدة أخرى.


في عام 1884 بعث والدها بها الى كوينز كوليج في لندن، ومن هناك كتبت رسالة تحبب لوالدها، الذي كان منشغلا بإدارة مشروعات بيل، واوضحت في رسائلها انها لم تخش اراء والدها، وبالمقابل كانت تعرب عن اشمئزازها من محاضرات زوجة أبيها الخاصة بسلوكها.
في كامبردج..


خلال هذه الفترة كانت التغيرات تسير بخطى حثيثة في مجال تعليم المرأة. ومنذ أن فتحت كامبردج أبوابها للنساء في 1863 كانت النساء بصورة روتينية يتحدين الافتراضات القائلة ان مستوى ذكائهن أقل من الرجال. ورأى اساتذة بيل في كوينز كوليدج املاً عظيماً في نشاطها المدرسي، وحثوها على مواصلة تعليمها الجامعي، لكن الجانب الخطير في تعليمها لم يكن جزءاً من الخطة التي اعدتها امنا لنا، كما تقول اختها غير الشقيقة مولي. في الحقيقة فإن معظم الفيكتوريين عرف عنهم خشيتهم على صحة الأنثى التي تعلمت، ووصلت لمستويات تعليمية جيدة، واعتقدت انها لن تكون أماً جيدة. ومع ذلك انتقدت مواقف جرترود بيل بلا شك، لان والدها نادراً ما كان يرفض تحقيق أي مطلب لها.
وامتلأت رسائلها الى أهلها بوصف مدهش لحياة الكلية. كتبت في احدى الرسائل تقول ان محاضراً اصيب بارتباك شديد بسبب وجود شابات في فصله «حتى انه وضعنا في مقاعد وظهرنا له .


وقد أكدت رسائل لاحقة تأثير الجامعة وبصورة خاصة النظريات الخاصة بالتطور السياسي باعتبارها عملية استمرار من المؤسسات الاولى الى المرحلة الأعلى للدولة. وهي فكرة كانت مهيمنة على ما يسمى بالمؤرخين المحافظين في العصر الفيكتوري.


وتركت الجامعة في نفسها إرثاً آخر ، وهو التدخين الذي اصبح عادة مستمرة لديها. وكانت تجري حول الحرم الجامعي بملابس رثة غير مهندمة، وهي طفرة سريعة في حياة ارتداء ألبسة الموضة واحدث الازياء. ما كانت فلورنس بيل لتفكر فيها ازاء تظاهرات التمرد هذه.


في نهاية عامين كانا حافلين بالسلوكيات غير التقليدية أو المنافية للعرف، عرفت أنها ستحصل على المركز الأول في التاريخ المعاصر، وهو انتصار للمدرسة ايضاً.
وغادرت جرترود الكلية وسط حفل صاخب يضم الجنسين من الطلبة. لقد كان التباين واضحاً ما بين الامكانات الجامحة للاستقلال، التي استمتعت بها في الكلية والاعمال الروتينية الهادئة التي لاشك انها عقلانية وحكيمة.


والحقيقة ان الحرية التي منحت للطلبة لا يمكن تطبيقها بصورة مماثلة في دار عائلتها ورحلة الى لندن تتطلب مرافقة ترعاها جيداً. فالنزهات في حدائق ومتنزهات لندن مع الرجال غير مسموح بها، حتى وإن كان الرجل والمرأة صديقين، وقد امضت بضع سنوات وهي تدرس الجيل الصغير من عائلة بيل، ولم تكن تريحها سوى الفترات التي كانت تقضيها في الخارج.


وفي صباح يوم حافل بالاحداث العام 1892 حمل البريد رسالة الى فلورانس بيل من شقيقتها ماري لاسل التي كان زوجها قد عين للتو في طهران وتساءلت: هل تسافر شقيقتي جرترود الى طهران للزيارة؟


واقسمت بيل أن هذا هو المكان الذي طالما تمنت رؤيته، وفي الحال طلبت قواميس باللغتين الفارسية والعربية. وفي ابريل صعدت الى قطار الشرق السريع وبصحبتها عمتها وابنة عمها فلورانس وخادمتين وتحرك القطار ببطء شرقاً إلى باريس، والى الضاحية المضاءة، وبعد ذلك الى الظلام.


صور فارسية..

بعد رحلة دامت أسابيع عديدة براً وبحراً لمحت عيناها تلك المدينة المسورة بجوار طيني والواقعة في منطقة شبه صحراوية. وكانت الحدائق تنبثق منها اعداد لا تحصى من الازهار والورود التي تفتحت واضفت على ذلك المشهد الصحراوي مظهراً غير عادي. ومن غرفة نومها كانت تسمع بوضوح الهنادل وهي تصدح. لن تغير هذا العالم رأساً على عقب بالنسبة لصبية لاتتجاوز الرابعة والعشرين ربيعاً وخلال النزهات اليومية التي كانت تقوم بها جرترود هي وابنة عمها كان بصحبتها سكرتير وسيم يدعى جيرالد كادوجان. ولم يمض وقت طويل حتى كانا يقرآن معا الشعر ويتجولان في العثور الصيفية، حيث كانا يأكلان الدراق والتين، ويتحدثان عن المستقبل، وما لبثا أن قررا الزواج.


وكما في السابق، تسرعت جرترود بيل في اتخاذ القرار وبداية تقبلت العرض، وبعدها بعثت ببرقية الى والديها فحواها موضوع عرض الزواج. لكن والديها لم يقبلا الفكرة، فقد علما ان كادوجان ليس سوى مغامر ربما يتطلع الى ثروة زوجته المقبلة. واستدعيت جرترود الى بريطانيا ولم يمض وقت طويل حتى كان القدر يرسم مصيراً ميلودراميا للخطيب. فقد اصيب بالحمى، ولم يلبث ان لفظ انفاسه الاخيرة.وشعرت جيرترود بالعزلة، ولكن حيويتها وعنفوانها الطبيعيين انقذاها في النهاية، واكتشفت ان باستطاعتها الكتابة. وفي 1894 ظهر كتابها بعنوان «صور فارسية» وبعد ثلاث سنوات كان قلبها لايزال يتوق لحدائق الورود الفارسية، ونشرت ترجمة قديرة لقصائد شاعر القرن الرابع عشر الشهير حافظ.وانسجم تمثيلها للحياة الفارسية مع الكثير من التفاصيل ذات المواقف المزدرية للغربيين ما يخص سكان المستعمرات في الخارج. ووصفت في «صور فارسية» طاعوناً اجتاح طهران خلال زيارتها لها في 1892 وكأنه


زائر يطرق كل باب، وقالت ان ابناء البلاد اصيبت حياتهم بشلل كامل. ولم يبذلوا اي جهد لعزل المرض أو دفن الموتى، تاركين المصابين في الشوارع يلغطون انفاسهم ويتسببون في نقل العدوى. وعزت هذا الاهمال الى ما اسمته بالقدرية الشرقية، ورأت انها تمنع الناس من القبض على زمام امورهم بأنفسهم.


وصورت جرترود ايضا الحياة الناهضة للشرق على أنها وجود مختلف تماماً وكثير الغموض وغير واقعي ويصعب فهمه وإدراكه في كل الاحوال. حياة رتيبة ولا يطرأ عليها أي تغيير من جيل لآخر، ولا تمثل اي سمة خاصة بما يكفي لترك انطباع يقتصر على تصور غامض لاسترخاء وكسل تحولا الى حالة ركود ونوم.


لم تكن الكتابة سلواها الوحيدة فقط بعد تجربتها الفارسية لانها في تلك الفترة بدأت سلسلة من حملات تسلق جبال الألب وفي 1902 نجت بشق الأنفس من كارثة خلال عاصفة عنيفة ضربت فينسترا هورن، تشبثت خلالها لجبل يربط رفاقها العديدين من الذين تمسكوا جميعاً بالمنحدر الجليدي. لقد كانت مغامراتها، بالطبع، وسيلة للتخص من الملك، ام تراها كانت مؤشراً لأمنية اخرى؟ ولم يكن بالمستطاع استبعاد فكرة السلوك الانتحاري في موت بيل الناجم عن تناول جرعة اضافية من الاقراص المنومة في بغداد في 1926. وبعيداً عن سلوكها المتهور احياناً والجريء، فمن المحتمل اكتشاف مؤشرات، على الرغم من ندرتها، تدل على حالات اكتئاب، وهو ما يكتشفه القاريء في ثنايا كتاباتها، وستكشف الايام المقبلة من حياتها ايضا، عن عواطف بريطانية تختفي تحت تلك الشخصية الهادئة ذات النمط الانجليزي. والحقيقة هي انها كانت تخفي شخصية ذات وجود انفعالي.
ظلال العنوسة..


في ذروة تلك الاحداث لم تكن العنوسة توفر الكثير من الرضا الانفعالي، وبعيداً عن مغريات وحسرات عطلات نهاية الاسبوع، حيث مداعبات مجموعة ذكية اضفت حرارة على جولات الجسر والصيد وبعض المواعيد العاطفية، وتركت بيل كي تتصرف وكأنها شخصية مصدر ولع بالنسبة لاقاربها الاصغر منها وتعثر على فتات الحياة الاجتماعية بين الاصدقاء المتزوجين، ولذلك فقد سعت الى القيام بمغامرات خارجية بعد أن أيقظت انوثتها في فارس! وبعد تجربة فينسترا هورن لاحظت بسرور «أتي زمن اعتقدت فيه انه كان لابد أن نلقى حتفنا»، وبدت بيل وكأنها ترى في الخطر نوع من الاثارة العاطفية.


وهكذا بينما اطل القرن الجديد على الرفاهية المستمرة لبريطانيا وامبراطوريتها المترامية وصلت جرترود بيل الى عقد الثلاثينيات وهي تبحث عن نفسها.
وبدأ السفر بالنسبة للنساء يشكل منحى جذاباً للثريات منهن لان توسع الامبراطورية البريطانية سهل تلك الرحلات، ومع قدوم عام 1900 اتخذت جيرترود دوراً جديداً، وهو شيء غير متوقع بالنسبة للنساء من طبقتها، ودمجت بين الرحلات المهذبة وشكل ظاهري من جمع المعلومات.
في ذلك الوقت اعتبرت الجاسوسية مهنة خسيسة، ولم يؤسس مكتب للخدمة السرية في لندن الا في 1908 عندما أثارت طموحات المانيا قلق البريطانيين.



وحتى ذلك الحين كانت وزارة الخارجية البريطانية تستخدم هواة يقدمون خدمات مجانية أو مغامرين يسعون للارتزاق، وهؤلاء جميعاً كانوا يبعثون بمشاهداتهم التي رصدوها في الخارج. وأفلح هذا النظام في الاقطار الاستوائية، حيث كان يتم تكليف ضباط انجليز بمهام عديدة الا ان اماكن معزولة قليلة السكان، مثل صحاري الشرق الاوسط، كانت تمثل بالنسبة إليهم صعوبات خطيرة. واستدعت المكانة التجارية لبريطانيا في الخليج، الذي كانت تندر فيه مكاتب ارسال البرقيات واستقبالها وكانت تستخدم فيه معابر الجمال بدلاً من الطرقات الممهدة، ولم يكن يتحدث العربية سوى النذر القليل من المسافرين الأجانب، الاستفادة من اهتمامات جرترود وقدراتها اللغوية.
ويرجح ان بيل كانت تدين بمكانتها كعميلة سرية، غير رسمية، للاصدقاء المخلصين للامبراطورية، مثل وزير الخارجية البريطاني ادوارد جيراي.



وتؤكد الوثائق الموجودة قبل 1915 عندما انضمت رسمياً الى الاستخبارات البريطانية في المكتب العربي في القاهرة انها كانت تعمل بلا مقابل في قسم الاستخبارات التابع للادميرالية.
ولا يهم هنا سوى النذر القليل اذا كان هناك ميل لاطلاق صفة جاسوسة فعليه على جرترود ومنذ العام 1900 وحتى الحرب العظمى كانت تراقب نبض ما يسمى بـ «تركيا العربية» في خيام الشيوخ العرب النافذين وفي دواوين العثمانيين، حيث قضت هناك ساعات طويلة، وهي تحتسي القهوة، وتطرح الاسئلة، وتنظر بعين ثاقبة الى شئون الدولة. ووفقا للافكار الاجتماعية لذاك الوقت، لم يكن احد يشتبه في أن ضيفتهم الموقرة لم تكن سوى عميلة لحساب مكاتب الجاسوسية البريطانية.



وخلال حفل شاي لعلماء آثار من جامعة بريستول في دمشق في العام 1956 لم تثر اي شبهات حول امكانية تورطها في التجسس. بل على العكس فقد تركت انطباعاً لدى مضيفتها بأن سلوكها لا يتوفر الا لدى النساء المنحدرات من ارقى الفئات الاجتماعية.


الآثار والجاسوسية..
لقد اكتشفت ان اهتماهما بالآثار يوفر لها غطاء لوجودها في جنوبي مابين النهرين (العراق الحديث) حيث كان يتوافر مكتشفو آثار المان يقومون بأعمال الاكتشافات وطورت معرفة وخبرات جيدة في الهندسة المعمارية الاسلامية الاولى ونشرت نتائجها في كتب ومجلات تقنية.



في 1909 استفادت من اساليب الحفر الالمانية لدراسة موقع في الصحراء غربي الفرات بالقرب من بابل، ووصفت المكان بأنه ممتع، وطوال عدة سنوات انشغلت برسوماتها وصورها الفوتوغرافية وبذلت جهدها لترميم الموقع الذي اعتقدت انه من المساجد التي شيدت في اوائل مرحلة دخول الاسلام الى بلاد الرافدين.



وبالتأكيد فان الاحساس الرومانسي بالطبيعة المتحولة للزمان والعالم ايقظ فضولها ازاء الماضي المنسي، وكتبت في 1911 تقول «معظمنا كانت لديه فرصة كي نتعرف جيداً على موقع كان في الماضي مسرحاً لحضارة بادت، ومررنا بساعات من التخيل الذي لا طائل تحته، ولاستعادة مشهد الشارع والسوق والكنيسة والمعبد التي تقف دليلاً على الارض، وحتى انبعاث الألوف من المعضلات من دون حل، كنت اجد نفسي تواقة لساعة مجتزأة من التاريخ القديم، وقد يكون اشباعي في تلك الجدران التي هوت، وأطأ بقدمي صورة عالم ميت لا تمحى من الذاكرة ابداً.ودعت الصورة المتخيلة رومانسياً الى المقارنة بين الحاضر المؤسف، خاصة سلبيات ونواقص الادارة التركية في البلدان التابعة لها من الوطن العربي. فليست هناك حكومة مركزية في الصحراء ومن هنا ليست هناك سلطة مركزية للحفاظ على النظام. بل كانت الحروب بين العشائر هي أسلوب عيش وطريقة سفك دماء وفوضى لا تتوقف. اما السكان فهم يعيشون في فقر وجهل، وكتبت تقول ان موقف السلطان هو موقف اي غريب يحكم بحفنة من الجنود وبكيس خاو من المال وبتشكيلة من الرعية المعادية له والمعادية بدورها بعضها للبعض الآخر.



وبعيداً عن تحسين الوضع، فقد ضاعفت الاطاحة بالبيروقراطية الفاسدة في اسطنبول 1908، عن طريق النخبة المثقفة ذات العقلية الاصلاحية والضباط الأتراك الشبان. غضب العرب. وقد أكدت في كتابها على الحاجة الى ادارة بريطانية مماثلة لتلك القائمة في مصر.
وخلال رحلاتها في الشرق الأوسط، التقت بيل انجليزيين نشيطين سيؤدي مصيرهما الى حدوث تحول في حياة بيل. الاول سيقوم بتمهيد الطريق لها للارتقاء كنفوذ سياسي في العراق قبل أن يحقق شهرة بنفسه كظاهرة امبريالية في الشرق الأوسط وكأنموذج للقدرة على إثار الحيرة والفضول هذا الرجل هو توماس ادوارد لورانس، الابن الثاني غير الشرعي لبارون ايرلندي فقير ومربيه كانت ترعى اطفاله وقد هرب الاثنان الى اكسفورد، واتخذا لقب لورانس اسماً لعائلتهما وهكذا فقد منحا هذا اللقب لابنهما، الذي اصبح اسمه فيما بعد «تل» و«لورانس العرب» والطيار «روس» والجندي «شو» وهو ارباك مؤثر في الهويات واصبح تل وجرترود صديقين بعد لقائهما الاول في موقع اثري في جنوبي تركيا العام 1911 وتلاقيا في اطار يقين مشترك حول مصير الامبريالية البريطانية في الشرق الاوسط.



اما العلاقة القدرية بالشخص الثاني فقد بدأت في قونية، حيث توقفت هناك لجمع رسائلها في طريق العودة الى بريطانيا آتية من سوريا في 1906. وحدث ان كانت تلك الفترة غير مستقرة، بالنسبة لحظوظ بريطانيا في الامبراطورية العثمانية وقونية عاصمة سلجوقية قديمة كانت مفصلاً مهما لخط سكة حديد بغداد برلين وكان الاتراك منحوا شركة نقل السكة الحديد العمومية الارض على طول امتداد الخط الحديدي وحقوق التنقيب عن الآثار.
وبهذه الطريقة شدد السلطان قبضته على الريف العربي واحكم سلطته على الجيش المتمركز بعيداً عن اسطنبول.
واستخدمت المانيا بدورها التنقيب عن الآثار، بين امور اخرى، لادخال النفوذ الالماني والثقافة الالمانية الى المنطقة والمنقبين عن الآثار كوسيلة لتوفير المعلومات لألمانيا.



وقامت بيل بزيارة القنصل البريطاني في قونية ونظر اليها بحاجبيه البارزين اللذين شعرت انهما مفتاح للطبيعة الغامضة. كان الرجل ويدعى تشارلز (ديك) دوني ويلي اصلع وبشارب مسترسل وفي عمرها بالضبط، وهو حصيلة تعليم من وينشستر وساند هيرست، وكانت اسرته من ريف سافولك، وكان عمه هو الرحالة العظيم تشارلز دوتي. وكان كل منهما يعرف الاخر حسب شهرته. فقد عرفها من خلال كتبها. اما هي فقد سمعت بالأوسمة التي حصل عليها نتيجة لجولاته في الصين وجنوب افريقيا. وفي قونية استقبلا لفيفاً من الضيوف على مائدتهما، وكانت بيل بينهم وفشلت في ملاحظة تحكم مضيفتها بزوجها.


ومع اندلاع حرب البلقان في العام 1912 ارسلت عائلة دوتي ويلي الى اسطنبول لمساعدة الصليب الاحمر البريطاني على تنظيم الوحدات الطبية للعناية بالمصابين الاتراك. وفي اوائل العام 1913 عاد ديك وحيداً الى شقة العزوبية في شارع هاف مون في لندن انتظاراً لتكليفه بمهام اخرى وجدد هو وجرترود تعارضهما. ولو كانت بيل روائية لاستطاعت اكتشاف حبكة مألوفة تصلح لقصة ميلودرامية اثناء غرامها بديك، وسرعان ما انجذبا الى بعضهما بسبب شعور كل منهما بالوحدة وايماناً منها بأنه يمكن ان يكون شريك حياتها المثالي. ومرة ثانية كما حدث معها قبل 20 عاماً اصبحت متيمة حتى النخاع. وكما حدث في السابق فإن الوضع كان مستحيلاً. وكتبت بيل لصديقة قبل مغادرتها الى البلاد العربية في نوفمبر 1913 تظنين ان الاصح بالنسبة لي ان اجرب وأجد المخرج» ولا شك فإنها ستجد في الصحراء مواساة لها. وكذلك فإن تزايد رفض العرب للحكم التركي كان اغراء جديداً يضاف لحياتها.ومرة ثانية فإن الاندماج مع الحياة السياسية العربية برحلة الى حائل عرضت عليها طريقة مثالية للخروج من الازمة. وعملت من كل النصائح


واصرت على تنفيذ خططها الخاصة. وقال صديقها وزميلها في التنقيب عن الآثار ديفيد هوجارت: كانت لها اسبابها لتعرف بأن مشروعها لن يلقى دعماً من كل من السلطات العثمانية او الممثل الرئيسي لبريطانيا العظمى في تركيا. وشكل ذاك الحافز الاضافي للمحظور جاذبية اكبر للرحلة».


في خريف ذاك العام كتب ديك قائلاً «عزيزتي .. اريد رؤيتك لكن ذلك لن يتحقق مالم يشأ الله. عزيزتي.. اتمنى لك اسعد الحظ في مغامرتك، واتمنى ان تكون الامور سهلة.. ربما نلتقي يوماً ما».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ

يوميات الجزيرة العربية (2) ـ
جيرترود تبدأ أولى مغامراتها في أعماق الجزيرة العربية، أسيرة حائل تقطع رحلتها وتعود لبغداد بوسام ذهبي..


كانت برودة الطبع جزءا لا يتجزأ من الثقافة البريطانية الأدواردية لفترة ما قبل الحرب العالمية الاولى وفي الحقيقة فقد كانت تتجه جرترود الى عالم تكتنفه الحرب القبلية ومكان تجرأت على الدخول اليه حفنة من الغربيين وحدث ذلك فقط عندما كانت المهام المهمة تفرض عليهم ذلك.


الحرب القبلية المتأججة في نجد كانت حربا بالنيابة تخوضها قبيلتان رئيسيتان نيابة عن تركيا وبريطانيا في العام 1913. وكانت تركيا تخلت منذ امد بعيد عن هيمنتها على نجد، واحد الاسباب لذلك كانت المناوشات الدائمة بين البدو للهيمنة على المنطقة. ونجحت عائلة آل سعود في بسط نفوذها على أجزاء واسعة من المنطقة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر ونجح آل سعود في تأسيس عاصمة دولتهم في الرياض.


في الوقت الذي طلب من بيل اختراق نجد كان آل سعود قد سيطروا على الجزيرة العربية وهرع الكابتن وليم شكسبير من قاعدته في الكويت الى الرياض لمناقشة مضاعفة الدعم البريطاني. وكان يأمل في الحيلولة دون اندلاع حرب قبلية واسعة. وما يدعو الى السخرية ان شكسبير قتل بعد 15 شهرا خلال معركة كان يخوضها فرسان آل سعود. وفي خريف العام 1913 كان الوقت عصيبا بالنسبة لامرأة حزمت امتعتها واستعدت الى رحلة لعبور اعماق الجزيرة العربية.


والحقيقة ان الليدي آن بلنت كانت المرأة الوحيدة التي قامت بزيارة حائل قبل بيل بثلاثين سنة. وكانت قد جاءت الى الجزيرة العربية لشراء خيول عربية.


وكان تشارلز دوتي عم ديك دوتي العالم الجيولوجي قد غادر دمشق في اوائل سبعينيات القرن التاسع عشر في قافلة حج في جولة استغرقت عامين بين سوريا وصحراء الجزيرة العربية وقام خلالها بزيارتين لحائل وكتبت الليدي بلنت ودوتي عن تجربتهما في الجزيرة العربية وعكفت بيل على قراءتهما بالحماس نفسه الذي اظهرته في استطلاع الاثار الاسلامية القديمة.


واتسم كتاب دوتي «الصحراء العربية» بالاسلوب الغريب ووصف تي اي لورانس اللغة بأنها شديدة جدا في كلماتها وجملها حتى انها ارادت قارئا نزيها» اما بالنسبة لبيل فقد تحول الكتاب الى مصدر لايحاءاتها ومرشدا، وفي احدى الفقرات لم يكن دوتي واثقا في انه سيلقى الترحيب المناسب. ويقول في هذه الفقرة «جلست.. في وسط حائل.. وفي غضون ذلك كانوا يتناقشون ربما حول حياتي هناك وراء الجدران الطينية للحصن».


وافترضت الليدي بلنت انها وزوجها سيحظيان بالاحترام المناسب بسبب وضعهما المرموق وانتمائهما لطبقة نبيلة بريطانية. ولكن بعد سوء فهم صغير مع حاكم حائل لاحظت في كتابها الحج الى نجد» انه «كان درسا وتحذيرا، درسا بأننا ـ الاوروبيين ـ لا نزال بين الاسيويين وهو تحذير بأن حائل لاتزال عرينا للاسود، على اننا لحسن الحظ كلنا اصدقاء للاسود». جرترود بيل من جهتها لم تعترف قط بأنها تخشى من أي اسد.


رهينة في حائل..
اكتست دمشق بحلة الخريف وبدت بلون واحد واستدعت بيل اصدقاءها وتجولت في اسواق المدينة لشراء اغراضها ولابتياع الجمال من اجل الرحلة المهمة.
لقد كان تنظيم القافلة فناً بحد ذاته وعرضا مكلفا ايضا. ونصحت جرترود باصطحاب 16 جملا في رحلتها وكان الجمل الواحد يكلف 16 جنيها استرلينيا بما في ذلك المحمل وكان لابد ان تحسب انها بحاجة الى الطعام وخصصت 50 جنيها استرلينيا لذلك و50 جنيها للهدايا مثل العباءات والكوفيات والقماش القطني.


كانت القافلة صغيرة بالمقارنة مع قوافل التقليديين او قوافل الحجاج، وحزمت بيل ايضا وسط حاجات السفر طقما من الصحون ومشغولات فضية واقمشة كتانية وأعمال شكبير الكاملة وكتبا اخرى. وحملت معها ايضا خيمة ومغطسا للاستحمام وعدستي تصوير ومنظارا ومساحيق تجميل وادوية لكل الحالات الطارئة وحملت معها كرسيا يمكن طيه ومقعدا ومسدسات واجهزة مسح زودتها بها الجمعية الجغرافية الملكية.


كان هناك عنصران حيويان لنجاح اي رحلة استطلاعية. اولهما وجود قائد للقافلة وطاقمه. واحتاجت جرترود بيل لاستئجار نحو سبعة رجال، ولسوء الحظ فان خادمها فتوح الذي جاء من حلب لاصطحابها في الصحراء اصيب بالحمى، وخشية التأجيل قررت ان تغادر بدونه على ان تلقاه لاحقا في عمان.


وانتهى بحث بيل عن مرشد ذي خبرة بعشاء في احد مطاعم دمشق في اوائل ديسمبر عندما التقت برجل يدعى محمد المعراوي واستأجرته.


وجاء محملا بأرفع التوصيات وأكثر من ذلك فقد كان يعرف أمير آل رشيد التي كانت تأمل ان تلتقيه. واصبح المعراوي جزءا حيويا من طاقمها باعتباره قائدا للقافلة.


وتأكد من ان الرجال يعرفون اتيكيت الشرطة الشخصية وادب السلوك والمجاملة عند البدو وكانت لديه كل اصناف الخبرة في مواجهة المخاطر وقاد القافلة على دروب الصحراء الرملية، واراضي الحماد في البادية السورية وصحراء النفوذ التي لم توضع لها اي خرائط والحواجز الجبلية المكونة من الكثبان الرملية الحمراء العالية التي يصعب المرور عبرها وهي التي تفصل نجد عن سوريا.
والماء كان يوازي ذلك اهمية لبقاء القافلة على قيد الحياة والحقيقة ان صحراء نجد، مقارنة ببيئة جنوب سوريا ذات البيئة المعتدلة، لم تكن تنبئ بوجود اي مياه او خضرة باستثناء تلك الاعشاب التي تنمو بعد هطول الامطار وبالكاد توجد اي تجمعات بشرية حيث يمكن العثور على الغذاء والعلف. ومن الارث الذي خلفه الرومان في سوريا التي كانت تابعة للامبراطورية الرومانية تلك الحصون العسكرية عند مصادر المياه المهمة في الصحراء.


وحتى وان كانت اثار متفتتة فانها لا تزال تقوم بوظيفتها كمراكز للتجمع لأي شخص يعاني العطش، وتمثل طرق القوافل سلسلة مترابطة من الطرق التي تربط بئرا بالبئر الذي يليه على الدرب وهي نسخ مبكرة للطرق الرئيسية المعاصرة، ومع الاتجاه لمسافات ابعد جنوبا تنتهي تلك الدروب الى لا شيء او الى العدم.


وأخذا بالاشاعات المتناقضة حول حالة الحرب القبلية قررت بيل الخروج من دمشق في صبيحة يوم الثلاثاء السادس عشر من ديسمبر العام 1913. ووضعت اخر رسائل ديك دوتي في سلتها. وحتى وان احرق جميع رسائلها فانها اثرت الاحتفاظ برسائله. يتساءل دوتي في احدى رسائله يا ليتنا نكون رجلا وامرأة كما خلقنا الله ونكون سعداء، اعلم ما تشعرين به وماذا ستفعلين ولماذا لا تفعلين ولكنك مع ذلك لا تزالين لا تعلمين وفي ذاك الطريق يكمن شيء عظيم ورائع، ولكن بالنسبة لك فان ذلك يشكل كل انواع المخاطر».
وما ان خرجت من دمشق للقاء مجموعتها عند نقطة الانطلاق رأت «المشمش ملفوفا بالورق الذهبي والذرة يخرج من بين الاكمام الورقية الخضراء تحت اشجار الزيتون الوارفة الظلال بينما المزارعون يجنون موسم الزيتون». كانت الايام الاولى للرحلة الشتوية مضطربة. وغذت القافلة سيرها على طول الارض البركانية الباردة ونادرا ما التقت بأي انسان او شيء يتنفس.



ولكن سماع حركة او رؤية سحابة دخان عند خط الافق كان سببا لاثارة الاهتمام او القلق اذ ان اي عابر للصحراء يخشى الآخر.
وعزز توقعها طلق ناري مر من فوق رأسها في صبيحة ذات يوم وجاء رجل ممتطيا فرسا من وراء كثب رملي ودار حول فريقها وكأنه رجل مسه جنون، مجردا سيفه من غمده محاولا ان يسلب رجالها من مسدساتهم وذخيرتهم.



ولولا ظهور اثنين من الشيوخ الودودين لكانت عادت ادراجها من حيث اتت. وافادت هذه البداية التي كان طالعها السوء فقط كتذكير بأن البدو ورغم كل التزامهم بقواعد النبل والشرف ينشأون وهم يعتبرون ان الغزو هو نشاط طبيعي. لكن في العموم فان الفضل يعود الى توظيف وسطاء قبليين جعلوا المسافرين يأمنون الكمائن او حتى القتل.



وتابعت القافلة سيرها في منتصف ديسمبر تحت المطر والضباب..
وأمضت المجموعة مساء اعياد الميلاد في حلقة مهجورة وهي قصر بوركو وهو موقع مجهول يمكن ان تكون اثاره رومانية، وتحولت الآن الى ركام من الصخور الداكنة المصطفة على طول حافة حفرة مائية، وكانت تلك الليلة ذات جمال خاص، فضوء النجوم يغسل اثار برج داكن ويحوله الى مصدر لراحة النفس وكان مخيمها يلفه الهدوء.
وفي صبيحة اليوم التالي نهضت بيل باكرا دون اسف على ضياع فرصة الاحتفال بعيد الميلاد في موطنها وطفقت تتجول بين الاثار وتقيس وتصور..



بدأ العام الجديد بتوجسات جديدة، استدارت نحو الشرق حيث تقع محطة زازا لسكة حديد الحجاز، حيث خططت للقاء فتوح. وأملت ان تتجنب الالتقاء بالجنود الاتراك يقومون بدوريات في المنطقة وكان موقف البدو تجاه الاجانب وديا بصورة عامة اذا كانوا بصحبة ادلاء او مرشدين ولكن لم يكن المسئولون الاتراك ليوافقوا على مرورهم دون تحقيق.
في المقام الأول كان السلطان زعيما دينيا لكل المسلمين. ولم يكن الاتراك يسهلون النفاذ والمرور عبر الاقاليم الصحراوية. وكان الحاكم العام للمدن المستقرة يتمتع بامتياز حرمان المسافرين من أي حق في المرور، واما بيل فقد كانت كلها أمل بأن تزحزح اي احد عن موقفه اذا ألح في طلبه ان يرى اوراقا لا تحملها او ليست بحيازتها ولسوء الحظ، فلدى عودتها الى مخيمها بعد ان احضرت فتوح وجدت ثلاثة جنود في انتظارهما وما لبثت ان احصت عددا اخر من الجنود الخيالة الذين كانوا يتجهون اليها.



كان مشهدا محيرا فقد طارت البرقيات الى اسطنبول فيما يخص المرأة الاجنبية. وتعامل معها المسئولون الاتراك المحليون برفق وهم لا يعلمون ما اذا كانوا سيرجعونها من حيث اتت ام يسمحون لها بمواصلة طريقها. واما هي فقد كانت واثقة انه لو غادرت بدون ان يؤذن لها فان الجنود الاتراك لن يوغلوا وراءها عندما تواصل السير في عمق الصحراء.



وفي عصر ذات اليوم وخلال فترة توقف حضرت بيل عرسا وشاهدت وكلها دهشة الضيفات يرتدين الالبسة المزركشة ويرقصن على انغام الموسيقى التي كانت تصدر عن جهاز الاوكورديون بينما كان اخر يقيس الوقت بحركات نظامية مستخدما عصاتين. بعد ذلك اخذت الى بيت اخر حيث كانت العروس مغطاة وبقيت قابعة في الداخل بعيدا عن الاحتفالات اذ حسب العادات فان العروس لم تكن لتظهر الا عندما يهبط الظلام.



في تلك الليلة بالذات وقعت بيل وثيقة يتبرأ فيها كل شخص من مسئولية سلامتها وفي صبيحة اليوم التالي غادرت عمان وهي تشعر بأنها طليقة حرة. وكتبت تقول انها شعرت بالراحة لأنها اصبحت الآن خارج نطاق القانون.
وكانت الصحراء تمتد امامها متثائبة وعلى امتداد البصر لا عوائق فيها لكنها تحمل في طياتها اشياء قد تثير الفزع في النفس. وفتحت بيل دفتر ملاحظاتها، وهي غير قادرة حينها على الاتصال بدوتي وبيلي وبعد ان بعثت برسائلها الاخيرة الى بقية العالم، وبدأت ملاحظاتها اليومية الخاصة بديك عن الليالي المختلفة.



واستخدمت ملاحظاتها اليومية المختصرة لانعاش ذاكرتها بأحداث الرحلة العادية وكأصوات طلقات الرصاص التي قد تعكس نوايا خبيثة لقبيلة معادية او شجيرة صحراوية مزهرة او بركة مليئة بالماء. او تصف له السماء الصافية ليلا والمتلألئة بالنجوم. وقد حولت هذه الصور الدقيقة الى حكايات ترقى لأعظم ما كتب في ادبيات الرحلات والسفر.في الليل وبعد نصب الخيام وربط الجمال وتناول طعام العشاء كانت تنضم الى الرجال فتجلس أمام نار تحضير القهوة لسماع الحكايات والسير الماضية عن المعارك او الاحداث المشهورة في التاريخ وقصص ابطال العرب الذين يقدمون صورة صادقة عن العرب.



ولا شك ان بيل كانت تفضل صحبة الرجال اينما كانت. فقد كانت تقاسم اهتماماتهم وافكارهم ولم تدع ان النساء كن يلفتن انتباهها في العادة. ولا غرابة، في ضوء طبيعتها المغايرة، ان تنضم الى الحملة المناهضة لحق المرأة في الانتخابات في انجلترا. وفي الجزيرة العربية كانت تجلس لفترات طويلة في ركن الحريم البدو وهو المكان المخصص للنساء. وخلال الاسبوع الاخير من يناير عام 1914 عندما حلت ضيفة على مخيم عشيرة الحويطات سجلت بعض الاحاديث مع نساء العشيرة.



واسرت اليها النساء بمشاق الحياة بعد ان لمسن فيها تعاطفا واذنا مصيغة لهن. فهن كن يعشن حياة الترحال ويتناولن وجبات طعام تقتصر في الغالب على التمر والحليب ويعانين من الجوع في ايام الشتاء القارصة وكانت مهامهن تقتصر على رفع الخيام ونصبها وملء الماء واعداد الطعام. ويجمعن روث الجمال لاستخدامها في اشعال النار ودائما يتحملن مشاق ومعاناة تربية الاولاد.
وسجلت بيل بعضا من اللقطات للنساء للاحتفاظ بالصور في ارشيفها الخاص. وعلى الرغم من حقيقة ان صورها كانت بصورة عامة وصفية وليست مركبة كما يمكن ان يتوقع الانسان ازاء الوثائق المعدة بالمقام الاول لاغراض الاثار، الا انها كانت تمتلك عينين ثاقبتين للتكوين وامكانات جمالية لتفعيل الانسجام ما بين الابيض والاسود.



وفي احدى صور حريم شيخ الحويطات في طور الطبق كان هناك توازن ما بين ألبسة النساء الداكنة وبقع الضياء ويقف ثقب في اقصى وسط الخيمة مقابل الاشرطة المنخفضة للنسيج الخاص بقطع الخيمة الداكنة. وكان على اليسار يتوارى رأس شيخ القبيلة وتظهر ثيابه المتطورة مختلفة عن زي الحريم ويقف الشيخ دافعا بعباءته جانبا ليكشف حزامه المشغول بالوانه الجميلة. وتظهر هذه الصورة الحياة الضيقة للمرأة البدوية. اما الشيخ فقد بدا غير مقيد بحدود عبر الابعاد الضئيلة للخيمة بينما تجلس النساء القرفصاء على جانب واحد يحملقن بالعدسة الى ما لا نهاية.



مضى على بيل الآن ثلاثة اشهر وهي في رحلتها، ولا تزال تسجل مذكراتها اليومية حول الاراضي التي تعبرها والعشائر التي تلتقيها. ولا شك ان تلك الملاحظات كانت مهمة جدا بالنسبة للجغرافيين مسئولي الحكومة الذين لم يطأوا هذه الارض قط وقد ملأت مياه الامطار الحفر الارضية بالمياه على طول الطريق، وهو مشهد لابد انه فتنها وملأ قلبها سعادة. لكن بدلا من ذلك بدأ اكتئاب يحدق بروحها لانها شعرت بوحدة سريعة واحست في اعماقها بأن اللعبة لا تستحق تلك الجهود. ودعتها واقعيتها الى التفكير بأن اليأس في تلك اللحظات لم يكن فقط بدون جدوى بل خطرا ايضا.



لو انها تلقت رسائل من ديك وواكبتها في الصحراء فلا شك ان مزاجها الكئيب كان تلاشى وارتفعت معنوياتها. لقد كتب لها ديك في نهاية ديسمبر يقول «لقد منحتني حياة جديدة لقد اعطيتني المفتاح الى قلب» على الرغم من ان لدي اصدقاء بعضهم من النساء وحتى زوجتي فقد خرجوا من الحديقة التي تجولنا فيها لقد تنبهت الى العالم وشعرت بالوحدة ولجأت الى الاحلام والفلسفة وعشق الموت الصامت».


ووعد ديك بيل، وهو يتأمل اثناء وحدته، التي كان يقضيها عشية عيد رأس السنة مع والده في الريف، في خيالاته، ان «اجلس معك في خيمتك وعندما تجلسين على صهوة الجمل وترحلين سأترك قلبي بجوارك».


في اواسط فبراير دخلت بيل ذلك الجزء المعزول وغير الوارد على الخريطة في منطقة النفوذ حيث قامت باجراء بعض القياسات الطبوغرافية المهمة، وعند الظهيرة في التاسع عشر من فبراير قررت حرف طريقها قليلا نحو الاتجاه الجنوبي الشرقي وعندئذ واجهت اول اختبار للتحمل وهي في مواجهة رياح عاتية. ورأت مشهدا مفزعا مجسدا بالعزلة وارض ايباب تتناثر فيها الصخور الداكنة وتنساب على جانب دربها. وصرخ احد الرجال قائلا «يا الهي ان هذه جهنم بعينها».



ولعبت هذه الجغرافية الكابوسية دور المقدمة لاحتجازها في حائل والذي دام نحو احد عشر يوما.
في الخامس والعشرين من فبراير قادها احد المضيفين ويدعى ابراهيم الى مساكن في العقد الصيفي عند السور الجنوبي للبلدة. ولم يتجاوز عمر الامير السادسة عشرة ويعد الحلقة الاخيرة الضعيفة في سلسلة من الامراء الذين لقوا حتفهم.


وكان غائبا في احدى حملات الغزو ضد جيرانه رفض ابراهيم تقديم اي تطمينات حول الموعد الذي يمكن للضيفة ان تغادر المكان فيه.


ومضى اسبوع وكانت صديقاتها الوحيدات هن الحريم التي اصبحت واحدة منهن صديقة حميمة لها. كان اسمها تركية لانها تنحدر من اصول تركية، واتسم حديثها بنوعية قريبة الشبه بأحاديث شهرزاد، لقد روت وبمناسبات عدة قصة حياتها. لقد اختطفت عندما كانت صبية صغيرة وبيعت في سوق النخاسة وما لبث الحاكم ان زوجها من رجل طيب. وكان من مهامها ان تنقل الى فاطمة جدة الامير كل ما كان من الممكن ان تعرفه عن بيل. وبقيت تلك العجوز الغامضة مختبئة في مكان ما وسط الحريم ولكن جرترود شكت، كما شك احد العبيد ويدعى سعيد، بأنها كانت السلطة القوية وراء الأمير.



في احدى الليالي الحالكة الظلام غادرت بيل برفقة العديد من العبيد عبر ازقة حائل الضيقة لزيارة القصر. واستقبلها ابراهيم في قاعة فسيحة تمتلئ بالسجاد وتتناثر فيها الارائك هنا وهناك.


وكانت جرترود منشغلة بالاستمتاع في الاصغاء الى قصصه حول تأسيس امارة «آل رشيد» واخيرا وبعد تدخل اثنين من الزوار وتوصية تركية بها عند فاطمة ابلغها سعيد بأن قافلتها حرة في المغادرة. وما لبث ابراهيم ان قضى نحبه طعنا نجنجر فيما يبدو ان السبب هو خلاف بينه وبين فاطمة حول مصير السجينة. لقد بقي سؤال يعذبها وظل بدون اي اجابة: هل حياة بيل في خطر؟ في بغداد في نهاية مارس


حزمت مذكراتها الخاصة بديك وبعثت بها اليه في اديس ابابا حيث كان يمثل بريطانيا في لجنة ترسيم الحدود الجنوبية لاثيوبيا. ورد على تلك المذكرات بحماس شديد فقال: «عزيزتي لقد قرأت مذكراتك عن الرحلة باهتمام شديد وبالطبع ستكتبين عن هذه الرحلة النادرة لانها تمثل بطولة عظيمة. بالنسبة لي فهي عمل رائع وتم تأديته بصورة ممتازة وتم التغلب على المصاعب والمخاطر».



وعلى الرغم من مديح ديك فقد وجدت ان بقية الرحلة كانت مملة وتحملت الرحلة غربي بغداد بفارغ الصبر، وعندما وصلت في النهاية إلى دمشق في مايو لم تكن بعد واثقة من الانجازات التي حققتها بل كانت منهكة بالكامل. وحتى بعد ان نشدت الراحة في منزل صديقاتها ازعجتها احلام صور جمال مضطربة وهي تجري على غير هدى في الصحراء.
على الرغم من منح الجمعية الجغرافية الملكية


البريطانية لبيل ميدالية ذهبية بسبب الانجازات التي حققتها فان اي معيار للنجاح في اي نوع من الرحلات كان ينطبق فقط على الرجال. ولم تكن هناك اي ميداليات مخصصة للنساء على أنهن بطلات. ولكن وفقا لأي معيار حازت بيل على هذا اللقب. فقد سافرت الى اماكن بعيدة ومعزولة ومجهولة وحافظت ظاهريا على اعصابها في لحظات حالكة وفي المواقف العصيبة. وحظيت باحترام فريقها وحصلت على معلومات حول الجزيرة العربية اثبتت انها ذات قيمة بالنسبة لبلادها في وقت



















عرض البوم صور جلال الدرعان   رد مع اقتباس