عرض مشاركة واحدة
قديم 03/07/11, (06:22 AM)   المشاركة رقم: 11
المعلومات
الكاتب:
جلال الدرعان
اللقب:
مشرف منتدى الخواطر والقصص

البيانات
التسجيل: 17/12/10
العضوية: 6107
الدولة: الجبيل
المشاركات: 1,418
بمعدل : 0.29 يوميا
معدل التقييم: 44
نقاط التقييم: 541
جلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدود


الإتصالات
الحالة:
جلال الدرعان غير متصل
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جلال الدرعان المنتدى : منتدى التاريخ والتراث العربي
افتراضي رد: دراسة عن قبيلة عنزة Anza tribe bin Wael

الحرب.
ومن الناحية الشخصية فقد ارضت حاجتها للعمل وتعرفت على دوافعها ومشاعرها.


ولكن شيئا واحدا لم يتغير.. توقها واشتياقها لديك. ولدى عودتها الى انجلترا في يونيو العام 1914وبينما كان الريف الانجليزي يغط في هدوئه الاخير، نحت مشروع وضع كتاب عن الجزيرة العربية جانبا وكان دوتي ويلي لايزال بعيدا في اديس ابابا. وكتب دوتي في احدى المناسبات يقول: «ماذا افعل لاراك تجلسين قبالتي في هذا البيت الذي تحيط به كله اجواء العزلة».



لم يكن مفاجأة اندلاع الحرب في ذاك الخريف، وسألته «هل تعلم ماذا سيحدث في هذه الحرب؟
اعتقد انه ستحدث نكسة ولا اعتقد ايا من الطرفين المتحاربين سيفوز طريق مسدود، شجاعة عقيمة وجهد خاسر».


لا شك فأن تشاؤمها كانت له مبرراته ففي اكتوبر من عام 1914 اجتاحت القوات الالمانية اراضي بفلاندرز وتم توجيه قوة استطلاعية بريطانية لعرقلة تقدم الالمان في ايبريس لكنها ابيدت بالكامل.


وتراكم عدد المصابين على مراسي السفن وفي محطات القطارات في بولون حيث نشطت بيل وعدد اخر من متطوعي الصليب الاحمر الذين عملوا ليل نهار وهم يسجلون قوائم بأسماء الجرحى والموتى ويعدون تقارير لارسالها الى وزارة الحرب البريطانية. وبينما كانت زوجة ديك في فرنسا ايضا تقوم


بتنظيم المستشفى العسكري كان هو يكتب الى بيل.
في يناير 1915 تلقت بيل برقية تقول ان ديك سيغادر اديس ابابا ويتوقع ان يصل الى مرسيليا في التاسع من فبراير. لقد التقيا وافترقا فدوتي ويلي ذهب الى الحرب تلاحقه رسائل جرترود المترعة بمشاعر الاشتياق التي كتبت على خلفية الانباء المفزعة الاتية من جبهات القتال دون ان تلوح في الافق أية بوادر لنهايتها.


كتبت جرترود يوم السابع من مارس 1915 تقول: اجلس مع وحدتي وحيدة معك ووحيدة على الرغم من ذلك، اجتاحتني هذه المشاعر كأمواج البحر. اغمر نفسي بتأثيراتها لفترة ولكني لا ألبث ان اطفو لأعوام على الذكريات وعلي اصداء جملة واصعد الى السطح لألتقط مشهدا عبر تلك اللحة المريرة ويعلق بصري بأرض فردوسية حيث اوقن انني سأفوز هناك وانني لا شك سأفوز، تلك الارض افكر وافكر بها ولا ادري ماذا سيكون مصيرها عندما اصل اليها.في التاسع من مارس 1915 كتبت بيل تقول وقد ملأها


الشوق اليه «اه يا ديك ارجوك ان تكتب لي. اثق واؤمن انك ستكترث بي دعني اقف وقامتي منتصبة عندئذ سيغفرون لي ولك، كل اولئك الاناس الذين لهم صلة بنا سيغفرون لنا. ولكن انت من ينبغي ان يقول ذلك وينبغي ان تقولها الآن، ولست انا، اما انا فلن اقولها لأحد».


ثم يوم العاشر من مارس 1915 خاطبته قائلة: «ابلغك اقدس واعمق اسرار حياتي، وهي ما تكشفت لي اخيرا بعشوائية، اصغ الي، اقول لك باجلال بأن الثمن لم يكن كبيرا بالنسبة لتلك الساعات التي قضيتها معك، نقول ان العاطفة المتأججة ستأكل نفسها. ستنام ولكن بين جوانحي سيخفق لك القلب. هو شعوري الحالي الذي اعيشه في كل لحظة.


ثم في 12 مارس 1915 قالت له «لقد عشت ساعات عظيمة يمكنني ان اموت عليها وانا سعيدة ولكنك انت، لم تحصل على ما كنت تتمناه».
وما لبث ديك ان اجابها على تلك الفورة العاطفية بما لا تتمنى: «اما بالنسبة للأمور التي ذكرتها عن المستقبل في اماكن بعيدة، فهي ضرب من الحلم، حلم امرأة لا غير، ينبغي ان نسير على طول


الطريق، ان ذاك الجنون هو للشعراء والحالمين ليس لنا الا بما يقاس وفقا لاحلام المحبين. تلك امور لا يستطيع الانسان ان يتناولها بالجدل. فهي مشاعر تنمو كالليل ولا تلبث ان تغمرنا.
واحسب انك لا تعجبين بمنطق الفلسفة او ان تكوني فيلسوفة، واعني ان اللذة هي اللذة وليس الخوف والشك والتردد ليست سوى طريق شائكة تقفز منها السعادة واللذة.


جاءتها هذه الرسالة ردا على خطابها المفعم بالحيوية في الخامس عشر من ابريل ورجاها ان تكف عن تلك المشاعر المنغمسة بالاشتياق لأن روحه ستكون في ذاك العالم البعيد اشد حزنا. ولكن ما يثير السخرية ان زوجته هددت بطريقة مماثلة انها ستلجأ الى فورة المشاعر تلك ان هو غادر هذه


الحياة.وفي العشرين من ابريل كتب لها يقول «غدا سأستقل سفينة انزال من الناحية السياسية، وحتى من الوجهة العسكرية، اعتقد ان هناك فرصا عديدة جدا، فاذا فشلنا ستكون هناك كارثة سياسية».
وفي السادس والعشرين وبعد ان قاد كتيبة انزال على الشاطئ اصيب دوتي برصاصة في رأسه ولفظ انفاسه على الفور على مرتفعات مطلة على


جاليبولي، ومنح وسام فكتوريا ولم تكن جرترود تعرف انها تكتب رسائلها للريح وواصلت الكتابة حتى تلقت نبأ مصرعه.




يوميات الجزيرة العربية (3) ـ
الحكومة العثمانية تخلي مسئوليتها والإنجليز ينفضون أيديهم، مغامرة خارجة على القانون تعبر الرمال وصولاً إلى صحراء النفوذ..


لم يمض وقت طويل حتى تلقت جرترود رسائل ديك الذي لقي مصرعه في جاليبولي. ولاسدال الستار على ذلك الفصل في حياتها تأكد لها انه من الضروري ايجاد وسيلة كي تنسى الماضي.في نوفمبر عام 1915 تم تعيينها في المكتب العربي في القاهرة، وهي وكالها تم تأسيسها لجمع وتوزيع المعلومات الاستخبارية عن الشرق الاوسط.



وفي غضون ذلك كانت القوات البريطانية تحارب على جبهتين صحراويتين، وقد تزعزعت خطوط الاتصالات على جبهة دجلة من قبل عشائر آل رشيد وتعرضت للتهديد أيضاً على جهة قناة السويس حيث كانت القوات التركية مكونة من مجندين عرب. في مارس 1916 ونتيجة لتدخل لورانس انضمت لهيئة موظفي السير بيرسي كوكس المسئول السياسي الاول في العراق. وفي العام نفسه اصبحت سكرتيرة كوكس للشئون


الآسيوية، وهي اول امرأة تعمل في خدمة التاج البريطاني. واصبح الشرق منزلها وموطنها الدائم لتصهر جاذبيتها العميقة للجمال الخشن، للارض واناسها، باهتمامها بالسياسة.


وتبرز انشطة عدة تأثير بيل ونفوذها في العراق. ففي عام 1920 تم تأسيس اول مجلس عربي برئاسة نقيب جيلاني وحسب رأيها فإن ذلك كان نموذجاً لقدرتها على ممارسة سلطتها من خلال تقديم الاقتراحات.


وفي صيف العام 1921 ساعدت على تنفيذ السياسة البريطانية عن طريق اقناع القبائل العربية بضرورة التصويت لفيصل رفيق لورانس في سنوات الحرب وعندما بات ملكاً للعراق وعد العرب بالحصول على الاستقلال.


ثالثاً، بصفتها الصلة الاستخبارية بين بغداد ولندن، فقد كان صوتها هو الذي تحدث لحكومتها حول التطورات السياسية في العراق. وبأوامر من السير كوكس قامت بترسيم الحدود المتنازع عليها بين العراق والسعودية والكويت. واخيراً قامت بانشاء المتحف الوطني للآثار واختارت افضل القطع الاثرية من مواقع اثرية مختلفة وافتتح بعد الحرب العالمية الاولى ومنحت العراقيين سياقاً جديداً لفهم ماضيهم. وضم المتحف ايضاً مجموعتها الشخصية التي تضم آلافاً عدة من الكتب، وهي اداة لا تقدر بثمن من أجل اعمال البحث في الادب والتاريخ العربي.



والواقع ان التاريخ ليس لطيفاً مع اولئك الذين تفشل تجاربهم وفي العام 1923 بدأت بيل بالتشكك في النوايا البريطانية في العراق. وكانت المشاعر القومية العربية اخذة في النمو في تلك الفترة. وباتت من حقائق الحياة في العراق. ولم يكن الملك يحظى بأي شعبية كما لم تول القبائل العربية اهتماماً كبيراً في المؤسسات الاجنبية. وبذلت بيل جهداً كبيراً لاقناع الوفود العراقية


للموافقة على تصويت عصبة الامم على منح بريطانيا حق الانتداب على العراق. ولكن مملكة العراق لم تعمر طويلاً فقد سقط النظام الملكي على اثر انقلاب عسكري في العام 1958، ربما للافتقار إلى نموذج افضل للحكم. واستمر الحكم الملكي سبعة وثلاثين عاماً قبل ان يتقوض وسط ألسنة اللهب.


لقد تجمعت الموضوعات الرئيسية في حياة جرترود وهي الانجذاب إلى رجال غير عاديين والمخاطر وحبها وعشقها للحاية السياسية ومواهبها الادبية الذكية في كتاب مذكراتها العربية. لم تسرد هذه المذكرات توقها للحرية الشخصية وتصميمها القوي في التغلب على العقبات بل تحيي إلى درجة غير عادية معبراً إلى العالم المجهول.ولو ان روح بيل ترفرف فوق أي مكان فلا شك انها قد تشعر بالراحة عندما تعلم ان كتابها حول الجزيرة العربية قد نشر في النهاية.


يوميات دوتي ـ 1914
عدت اليوم إلى الصحراء واثناء توجهي مررت بمحطة (جيزة) زيزا توقفت وسألت ما اذا كانت رسائلك المفقودة قد وصلت هناك بمحض الصدفة. لكن لم توجد هناك اي رسالة وعبرت خط السكة الحديد الصيفي الذي يربطني هنا بالعالم الخارجي، قطعت ذلك الخط الضيق ومن الآن لن استطيع ان اسمع منك ولا من اي شخص آخر واكثر من ذلك هل تعلم أنني خارجة على القانون.


لقد ابلغني السفير لويس موليت انني اذا مضيت في طريقي إلى نجد فإن حكومتي تغسل يديها مني وقد قدمت اخلاء مسئولية للدولة العثمانية قائلة انني سأواصل طريقي متحملة المخاطر ذاك هو الثمن الذي دفعته لانني احتجزت في الجيزة (زيزا). ونظراً لانني أسافر بدون حارس فإن الحماية البريطانية ليس لها قيمة كبيرة في هذه الاراضي الكاحلة.
ولا اعتقد، اذا ما تعرضت للسلب وسرقت مني حوائجي الخاصة، ان ويلي تيريل سيسير جيشاً لاستعادة حاجياتي الشخصية.



لم ابتعد كثيراً عن عمان حتى وصلت إلى مزرعة فيها بعض المسيحيين، وهي لا تبعد سوى 3 ساعات عن محطة جيزة إلى الشمال في ذاك المكان الذي احتجزت فيه وخرج جميع اصدقائي الذين عرفتهم قبل 9 سنوات لاستقبالي وقضيت الليل معهم. لقد كان مضيفي رجال عراض المناكب ضخام الاجسام وخشنو الاصوات مستعدين لتحدي جميع الصعاب التي تعترض طريقهم.في صبيحة اليوم التالي ارسلوا معي فارسين لرفقتي وعادا إلى المزرعة وأكملت طريقي حيث امضيت ساعتين قبل الوصول إلى مخيمي. وما إن جاء صباح اليوم التالي حتى بدأت الرحلة إلى نجد.



يناير18
امضينا يومين رائعين ونحن نغذ السير في اراضي شمر وبدأت حقيقة اجد متعة في الرحلة. ولابد ان اقول لك الآن ان الجزء الاول في الرحلة لم يرق لي سوى بصورة ضيئلة حتى انني كنت على وشك ان اعود. فهناك البرد الشديد القارس وغياب فتوح ويجتمع امر على آخر ليكون جبل من الآفات والشرور. لم اكن افعل شيئاً سوى التفكير بينما كانت عنياي تستديران دائماً إلى الخلف. ولكن بعد ان مضى يومان على الرحلة فصلت نفسي عن المدنية ولكنني شعرت انني القيت عن كاهلي كل الاعباء. ولم اعد افعل شيئاً الآن سوى النظر إلى الامام حتى الغد وحتى اليوم الذي يليه.



وفوق كل شيء استمتع في كل لحظة وهي تمر ولابد ان توثق معرفتك بأعضاء الرحلة. وبداية هناك محمد المعراوي الكبير في السن رفيق السيد كاروثر. ففي شبابه كان يركب الخيل مع الرجاجيل من امثال محمد آل رشيد وفي الايام الأكثر حكمة كان يشتري ويبيع الجمال من نجد لكنه الآن يعيش سنوات عجافاً ويتقبل اية اعمال وضيعة يمكن ان تعرض عليه. وهو يعرف العرب في اي مكان حط فيه. الآباء والاجداد لجميع الشيوخ، الاصدقاء منهم والاعداء.



وكانت حكاياته حول الحرب والمغامرات لا تنتهي سواء اثناء الركوب او الاستراحة حول موقد النار في الليل. وكان الشخص الثاني في القافلة سليم ابن شقيقه، الرجل الثاني الذي اعتمد عليه. كان يعتني بي ويساعد فتوح وهو ابن العاصمة. لقد كان خادماً ممتازاً، متعلماً وحسن السلوك.



ويأتي بعده علي وهو شاب شجاع كالأسد وفي ساعات الخطر كان يبدو رابط الجأش لا ترتعش فرائصه. لم يغادرنا قط على عكس ثلاثة من العجيلات استأجرتهم لقيادة الجمال. كان هؤلاء مترددين في الذهاب معي او العودة. واخيراً قرروا العودة ولحسن الحظ فقد جاء شخص آخر هنا، وهو من دمشق وابن شقيق محمد وكان كنزاً فعلياً وهو سعيد وكان على رأس قيادة الجمال. ولم يبد عليه انه يبالي وقام بعمله كرجل.


ومن ثم فقد كان هناك زنجي رافقني منذ البداية ويدعى فلاح. وبداية كان مسئولا عن الرعي فقط لكنه يعمل الآن في خيمة الرجال وهو دمث الاخلاق يحبه الجميع واخيراً هناك فتوح وهو البداية والنهاية لكل من معي وكانت عيناه تراقب الجميع على الرغم من انه لم يرفعهما عني.


وفي الوقت الراهن لدينا رفيقان شيراري وهو لم اره كثيراً والضحاري وصياح وهو الاكثر عذوبة بين جميع رفاق السفر. فقد كانت لغة هؤلاء عذبة وواضحة وينتمي هؤلاء إلى قبيلة الصخور وكان هذا الاخير يوفر لي كل المعلومات حول القبائل.
واخيراً حل برفقتنا الليلة الماضية ضيف شاب


ينتمي إلى الصخور وهو ابن عم هثمل الذي نحن بصدد الذهاب اليه وانضم الينا هو وعبد له واقام معنا الليلة الماضية. وابدى رغبة قوية في صحبتنا حتى نهاية العالم. وفي صبيحة اليوم التالي مضى لحاله. واليوم عبرنا منطقة تفصل البحر الميت عن مياه سرحان. وهي منطقة صخرية كانت تمتليء بالنوق وهي ترعي وتملكها قبيلتا الجبور والصخور ووصلنا إلى وادي جداف وإلى القصر الاموي في طوبة الذي التقطت له صوراً كثيرة.


وتناولت اول طعام لي في الهواء الطلق. خيمنا في الواقع داخل اطلال القصر واليوم نحن في ضيافة الملوك وشعرت بالفرحة كوني متلقية لهذا الكرم. بعد ثلاثة ايام غيرنا طريقنا لانه على ما يبدو ان هذه البقعة في البلاد لا تتلقى اي مطر وقررنا ان هثمال لابد انه تحرك شرفاً وخشيناً اننا لو تحركنا إلى مضاربة في هلبة الا يكون هناك والا نجده ولا شك اننا سنقاسي لو ابتعدنا عن آبار مياه الهوسة دائمة المياه، خاصة واننا بدأنا منذ الليلة نشعر ان مياه الشرب بدأت تنضب ولا مياه دائمة طوال العام سوى مياه الهوسة.


واحمد الله اننا تخلصنا من هضبة تمتليء بحجارة الصوان. ونظرت عبر منظاري المكبر ورأيت جروف ثور الطبيق إلى الجنوب (جبل طبيق) وانحدرنا إلى واد فسيح وانطلقنا نحو الجنوب الشرقي.
ورأينا على الرمال آثاراً لجمال وعرفنا ان العرب لابد انهم من حولنا وقال: «الليلة سوف نسمع كلامهم». ويبنما لم نعرف من هؤلاء فعلاً قمنا بالاتجاه إلى كتف الوادي وعسكرنا في منخفض من الارض بحيث لا يرى احد نيران موقدنا وعندما استقربنا الحال صعدت انا وعلى وصياح إلى هضبة مجاورة لاستطلاع المناطق المحيطة بنا ودفعتنا الجرأة إلى صعود مرتفع اعلى حيث اطل على مشهد عظيم.



في الاسفل كانت تقع منحدرات رملية في منخفض «الجارة» ويتفرع إلى الجنوب والغرب فيما تتناثر التلال والجروف المتفتتة وكانت الرمال التي تتقاذفها الرياح تصعد إلى سفوحها.


واخذت اتعجب عن الاسباب التي تجعل الانسان يعجب ويمتليء قلبه بالسرور لرؤية هذه المشاهد. وتبقى الحقيقة ان الانسان يسر لهذه المشاهد. فلو كنت هنا لاعجبت بهذا المشهد مثلي تماما.


في اليوم التالي ما لبث صياح ان صرخ على علي: «يا علي هناك دخان». وما ان قطعنا شوطاً حتى قال احد سائقي الجمال: «حظها حلو» وشمت الجمال رطوبة الارض وما لبثت ان عثرت على الماء حتى ارتوت بينما تركنا الرجال يملؤون القرب الجلدية وما ان ارتوت الجمال حتى شرعنا انا ومحمد وعلي وصياح ثانية سعياً للعثور على مصدر النار. وانتهى بنا الامر إلى عدد قليل من الرعاة وتأكد لنا اننا وصلنا مراعي الحويطات وشعرنا ان مضاربهم لن تكون بعيدة عناً.


وتقدم الينا الرعاة ليزفوا لنا النبأ والحقيقة ان الصخور كانوا قد اتجهوا شرقاً. اذن لن يكون باستطاعتنا رؤية هثمل ولاناسه.
وجاءت مغادرتهم على عجل بعد حادث مؤسف ادى إلى مصرع احد رجال الحويطات ويبدو ان صياح احس بالقلق خاصة وانه ينتمي إلى الصخور. واتجهنا جنوباً حيث هناك احد شيوخ الحويطات ويدعى حارب وغطت السهل، بدءاً من الخبرة حيث ارتوت الجمال وسقينا، نباتات قصيرة وفي جهات كثيرة كانت خضراء. وكانت خضرتها التي لم تعتد عليها أعيننا لفترة طويلة مذهلة وبراقة وفشلنا في العثور على حارب في تلك الليلة، بل عثرنا فقط على آثار اقدام.


في ذلك اليوم تحركت مضاربه لكن كان هناك بعض الحويطات بالجوار وقاموا بزيارتنا. وبالامس لحقنا بحارب ووجدناه يخيم في منطقة التلال. واستقبلنا بود وترحاب كبير حتى انه رحب بصياح على الرغم من ان ضيوفا من الضمور قاموا الليلة الماضية بمهاجمة مضارب الحويطات وقتلوا نحو 3 رجال وفقد احد رجالهم ولجأوا إلى هثمل.
حدث كل ذلك ليس بعيدا عن المكان الذي خيمنا فيه. ونحر حارب خروفاً من اجلي وفي الليل كنا نتناول العشاء ووصل عندئذ ضيف آخر هو محمد ابوتايه ابن عم الشيخ «العود» وهو شخص يتسم بضخامة جسمه الصلب كالحجارة واوضح ما فيه عيناه الثاقبتان على نقيض شخصية البدوي نحيل الجسم. بدت عيناه قلقتان لا تعرفان الاستقرار وبداية تحلى بالادب الجم ولكن الحديث اتخذ منحى غريباً عما اذا كنت حصلت على اذن من الحكومة، ام لا وما اذا كان البدو يحبون رؤية الاجانب في ديرتهم.
عند هذا الحد نهضت وتوجهت إلى سريري تاركة الأمر لمحمد المعراوي ليهديء الامور. وهو ما فعله


بنجاح كبير. ولكن العرب انخرطوا في نزاع وصياح حول شأن يخصهم هم والقيت بنفسي في السرير وانا اصغي وكلي قلق وخشيت انهم يتعاركون مع صياح الرجل الطيب. ولكن هذا القلق تبدد في الصباح. فلم يكن ذاك الصياح سوى امر عادي على الرغم من الضجيج الهائل الذي كان يصدر عنهم في


الليل.امضيت اليوم مع الشيخ حارب ولم يكن هناك ماء سوى تلك البركة اسفل منا وتبعد 3 ساعات سيراً وكان علينا ملء قربنا الجلدية قبل ان نواصل الطريق. وتحدثت إلى حارب وشربنا القهوة وتحدثنا ثانية والتقطنا صوراً وبدا النهار طويلاً ومنحت ريشاً وبيضة نعام كهدية.


اريدك ان تعلم ان السمات التي تتطلبها الحاجة عند السفر بين العرب ليست الشجاعة بل الصبر وهو ما افتقر اليه كما تعلم. ولكنني تعلمت هذه السمة من قبل انتهاء هذه الرحلة وفي هذا الصباح تجمع رفيق جديد لنا والشيخ حارب وشقيقه وابن عمه ابوتايه، وهو الشخص نفسه الذي جلب لي بيضة النعامة، في خيمة الرجال وحذروني من ان الطريق محفوف بالمخاطر.



غادر الحويطات الديرة وتوجهوا غرباً لقد كانت صحراء قاحلة ولكنها ملك للغزاة من امثال الهيثم والغجر والعطية. وكانت نصيحة الجميع ان اتجه شرقاً إلى وادي سرحان وبعدها شرقاً. ولو انني وافقت شقيق حارب فإن عواد سيراني آمنة وفي سلام في الوادي. واكثر من ذلك فإن رجالي كانوا يتوجسون ضيفة من الاتجاه على الطريق الجنوبي حتى علي لم يخف توجسه ولم لم اتبع تلك النصيحة لكان ذلك ضرباً في الجنون.



انطلقنا اليوم مع شقيق حارب عواد كرفيق درب وسرنا فوق التلال الرملية ووصلنا إلى خيمة ابوتاية الضخمة. وعلمنا انه غير موجود لانه يقوم بغزو الشمر. ولكنني توقفت مدة نصف ساعة حيث شربت القهوة والتقطت بعض الصور لخيمته ونسائه خاصة شقيقته الحسناء علياء وتلقينا النبأ بأن قبيلة الرولة يخيمون في غرب سرحان.


ولم يكن يعنيني نبأ أين يقيمون مضاربهم ولكن كان يعني ذلك الكثير بالنسبة لعواد لان اي رجل في الرولة سنلتقي به سيقوم بذبحه دون تردد ولو للحظة. وبات رفيقنا عديم الفائدة واسقط بأيدينا.


واتجهنا إلى طريقنا وتناقشنا حول ما يمكننا عمله وفي النهاية ارسلناه إلى خيام محمد التي كانت قريبة منا حتى يرسل لنا بديلاً.

وما لبث محمد ان جاءنا نفسه ومعه عواد وآخرون من بيت الشيخ وحملوا لي حملاً صغيراً مرقطاً بالابيض والاسود وكان علامة على الصداقة الحميمة لكنني لم اكن اتحمل فكرة نحره وفي الوقت ذاته لا يمكنني حمله مثل اوزة بايرون. كما جلبوا لي جلد نعامة جميلاً ملوناً بالابيض والاسود ايضاً. وكان يرغب محمد في البقاء حتى اليوم التالي لكنني آثرت الانطلاق لانني اقمت ما يكفي هنا.



لم تكن تلك الايام التي قضيتها في مضارب الحويطات مضيعة للوقت. لقد تعلمت الكثير عن الصحراء وقاطنيها وكان محمد يحتفظ ببعض الظباء الصغيرة في خيمته، تلك المخلوقات الصغيرة والجميلة الفاتنة. وكان محمد يمثل قبيلته لدى الحكومة فهو شيخ «الذويلة» ويسلم ضريبة الجمال إلى قائمقام معان.



لقد ادى خط السكة الحديد (خط الحجاز) إلى وصول الحكومة إلى كل القبائل. لكن قبيلة الرولة بقيت مستقلة، وسأرى هؤلاء عما قريب بدون ادنى شك في طريق العودة وكذلك نجد. وما ان حل الصباح حتى انطلقنا ثانية ومعنا رفيق جديد. ولا شك اننا كنا نبعد عن حائل مسيرة عشرين ليلة.



تخطينا التلال ووصلنا إلى حافتها الجنوبية حيث تنحدر سريعاً لتصل إلى تلال صغيرة حمراء تبدو بلا نهاية وتتبعها امتدادات لا حدود لها من الرمال تنتشر امامنا بلا نهاية. وعند سفح جبل طبيق قمنا بضرب خيامنا وبدا النهار قصيراً. وعند العصر تسلقت تلالا رملية وكانت السماء مغطاة بالسحب وداكنة ولكن عن بعد كانت الكثبان الرملية الصفراء تتلألأ تحت وهج الشمس بينما تضفي التلال الحمراء لوناً ودفئاً على المشهد.وبدت مناطق مهجورة واعتقد ان احداً لن يستطيع العبور هنا والعودة كما اتى. ولم تكن تلك الامتدادات


الصفراء صحراء بل كانت مليئة بالاعشاب. ففي هذا الفصل من السنة تزدهر بالنباتات وتصبح جنة بالنسبة للقبائل التي تقوم بنصب خيامها فيها، وهي ممتازة ايضاً بالنسبة لجمالنا وحملنا مياه لمسيرة ثلاثة ايام وشربنا ايضاً عند آبار حيزان (بئر حيزان).


















عرض البوم صور جلال الدرعان   رد مع اقتباس