خامساً : الصدقة :
إن رمضانَ شهرُ الجود، وشهر السخاء؛ فالنفوس في هذا الشهر تقترب من مولاها، وتنبعث إلى ما يزكيها ويطهرها من شحها، {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
ولقد جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل في كل ليلة، فيدارسه القرآن، فلَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة».
هكذا وصف حال النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا ينبغي للمسلم أن يكون {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
أيها الصائمون الكرام: للصدقة والسخاء فضائلُ، لا تُحصى كثرة؛ فالصدقة تطفئ غضبَ الرب، وتدفعُ ميتةَ السوء، وتدل على الإيمان بالله، والثقة به، وإحسان الظن به عز وجل.
والصدقة دليل على الرحمة، والشعور بالآخرين، كما أنها سبب لتيسير الأمور، وتفريج الكربات، وإعانة الرب جل وعلا فالله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه.
والصدقة مدعاة لزيادة المال، ونـزول الخيرات، وحلول البركات، وهي سبب للاستظلال في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، كما أن لها تأثيراً في دفع البلايا.
قال ابن القيم رحمه الله: "وللصدقة تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر، أو ظالم، بل من كافر، وهذا أمر معلوم عند الناس، وأهل الأرض مُقِرُّون بذلك "ا.هـ.
والصدقة تشرح الصدر، وتفرح النفس.
قال ابن القيم رحمه الله: "المتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه، وانفسح لهـا صدره، وقوي فرحه، وعظم سروره. ولو لم يكن في الصدقة إلا هـذه الفائدة لكان العبد حقيقاً بالاستكثار منها، والمبادرة إليها ".
أيها الصائمون الكرام: ومن فضائل الصدقة: أنها سبب للخلف من الله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح فيه العباد، إلا وملكان ينـزلان، فيقول أحدهما: تلفاًاللهم أعط منفقاً خلفاً،ويقول الآخر:اللهم أعط ممسكاً » متفق عليه.
ثم إن للسخاء أثراً في صيانة الأعراض، ونباهة الذكر، وائتلاف القلوب، وتأكيد رابطة الإخاء.
وللسخاء أثرٌ في القضاء على كثير من الأخلاق المرذولة، كالحسد من الفقراء للأغنياء، وكالكبر من الأغنياء على الفقراء.
وللسخاء أثرٌ في ستر العيوب، قال الشافعي رحمه الله:
وإنْ كثرت عيوبُكَ في البرايا**********وَسرَّك أن يكـون لهـا غطــاءُ
تَسَتَّرْ بالسخاء فكـــلُّ عيــبٍ **********يُغَطِّيه كما قيـــــل السخــــاءُ
ثم إن السخي قريبٌ من الله، ومن خلق الله، ومن الجنةِ، والبخيلُ بعكس ذلك.
والسخاءُ مُتَّصِل بفضائلَ أخرى؛ فالسخيُّ في أغلب أحواله يأخـذ بالعفو، ويتحلى بالحلم، ويجري في معاملاته على الإنصاف، ويؤدي حقوقَ الناسِ من تلقاء نفسه.
ولتجدنّ السخيَّ بحق متواضعاً، لا يطيش به كبر، ولا تستخفه خيلاء، ولتجدنَّه أقربَ الناس إلى الشجاعة وعزة النفس؛ وإنما يخسر الإنسانُ الشجاعةَ والعزةَ بشدة حرصه على متاع الحياة الدنيا.
ولقد جَرَتْ سُنةُ اللهِ بأن السخيَّ بحقٍّ يفوز بالحياة الطيبة، ولا تكون عاقبتُه إلا الرعايةَ من الله والكرامة؛ فلما كان رحيماً بالفقراء، والمساكين، والمحتاجين، حريصاً على إسعادهم، وإدخال السرور والبهجة على نفوسهم كان جزاؤه من جنس عمله.
هذا وإن السخاء ليس مقتصراً على بذل المال فحسب، بل إن مفهومَه أوسعُ، وصورَهُ أعمُّ وأشمل.
فمن صور السخاء: أن يكونَ للإنسان دَيْنٌ على آخر فيطرحَه عنه، و يُخْلِيَ ذمته منه، وهو يستطيع الوصول إليه، دون عناء ولا تعب.
كان قيسُ بنُ سعدِ بنِ عبادة رضي الله عنهما من الأجواد المعروفين، حتى إنه مرض مرة، فاستبطأ إخوانه في العيادة، فسأل عنهم، فقيل له: إنهم كانوا يستحيون مما لك عليهم من الدَّين، فقال: أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة، ثم أمر منادياً ينادي: من كان لقيس عليه مالٌ فهو منه في حِل؛ فما أمسى حتى كُسِرتْ عتبةُ بابِه من كثرة من عاده.
ويدخل في قبيل الأسخياء مَنْ يستحق على عمل أجراً فيترك الأجر من تلقاء نفسه.
ويدخل في قبيلهم مَنْ يسعى في قضاء حوائج الناس، وتفريج كرباتهـم، فعـن الحسن رحمه الله قال: "لئن أقضيَ حاجةَ أخٍ لي أحبُّ إلي من أن أعتكفَ سنة".
وقيل لابن المنكدر رحمه الله: "أي الأعمال أحب إليك؟ قال: إدخال السرور على المؤمن، وقيل: أي الدنيا أحب إليك؟ قال: الإفضال على الإخوان".
وقال الشافعي رحمه الله:
وأفضلُ الناسِ ما بينَ الورى رجلٌ ********** تُقضى على يدهِ للناسِ حاجاتُ
ويدخل في السخاء سخاوة الإنسان بجاهه؛ بحيث يبذله في سبيل الخير، والشفاعات الحسنة: من إحقاق حق، ونُصْرِة مظلوم، وإعانة ضعيف، ومَشْيٍ مع الرجل إلى ذي سلطان، قال تعإلى: {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا}. وقال صلى الله عليه وسلم: «اشفعوا تؤجروا» رواه البخاري ومسلم.
ومن السخاءِ سخاءُ الإنسان برياسته؛ فيحمله سخاؤه على امتهانها، والإيثار في قضاء حاجات الملتمس.
ومن السخاءِ سخاءُ الإنسانِ براحته، ووقته، ونصحه في سبيل نفع الناس.
ومن أعلى مراتبِ السخاء سخاءُ الإنسان بالعلم، فذلك أشرف من السخاء بالمال.
ومن السخاءِ سخاءُ الإنسانِ بِعرِضه؛ بحيث يعفو ويصفح عمن ناله بسوء، مر الشعبيُّ رحمه الله بقوم يذكرونه بسوء .
وفي هذا السخاءِ من سلامة الصدر، وراحة القلب، والتخلّص من معاداة الخلق ما فيه.
ومن السخاءِ السخاءُ بالصبر، والاحتمال، والإغضاء، وهي مرتبةٌ شريفةٌ لا يقدر عليها إلا النفوسُ الكبار.
ومن السخاءِ السخاءُ بالخلق، والبشر، والتبسم، والبشاشة، والبسطة، ومقابلة الناس بالطلاقة؛ فذلك فوق السخاء بالصبر، والاحتمال، والعفو، وهذا هو الذي بلغ بصاحبه درجةَ الصائم القائم، وهو أثقلُ ما يوضع في الميزان، وفيه من أنواع المسارّ والمنافع والمصالح ما فيه.
ويدخل في السخاء حَضُّ الناس على الخير، ودِلالتهم على وجوهه، وشُكْرُ الأسخياءِ، والدعاءُ لهم.
ومن صور السخاء الخفية المحمودة سخاء النفس بترفّعها عن الحسد، وحبِّ الاستئثار بخصال الحمد، وذلك بأن يحب المرء لإخوانه ما يحبه لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، فيفتح لهم المجالات، ويعطيهم فرصة للإبداع والحديث والمشاركة، ونحو ذلك؛ فيفرح لنجاحهم، ويحزن لإخفاقهم؛ فهذه من الصور الخفية للسخاء، وقلَّ من يتفطن لها، ويأخذ نفسه بها.
ومن جميل السخاءِ سخاءُ المرء عما في أيدي الناس، فلا يلتفت إليه، ولا يستشرف له بقلبه، ولا يتعرض له بحاله ولسانه.
وأروع ما في السخاء، سخاء المرء بنفسه، وأروع ما في ذلك ما كان في سبيل الله _عز وجل_.
سادساً : بعض النصائح :
1 - احرص على أن يكون هذا الشهر المبارك نقطة محاسبة وتقويم لأعمالك ومراجعة وتصحيح لحياتك.
2 - احرص على المحافظة على صلاة التراويح جماعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: « من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة».
3 - احذر من الإسراف في المال وغيره فالإسراف محرم ويقلل من حظك في الصدقات التي تؤجر عليها.
4 - اعقد العزم على الاستمرار بعد رمضان على ما اعتدت عليه فيه.
5 - اعتبر بمضي الزمان وتتابع الأحوال على انقضاء العمر.
6 - إن هذا الشهر هو شهر عبادة وعمل وليس نوم وكسل.
7 - عود لسانك على دوام الذكر ولا تكن من الذين لا يذكرون الله إلا قليلا.
8 - عند شعورك بالجوع تذكر أنك ضعيف ولا تستغني عن الطعام وغيره من نعم الله.
9 - انتهز فرصة هذا الشهر للامتناع الدائم عن تعاطي مالا ينفعك بل يضرك.
10 - اعلم أن العمل أمانة فحاسب نفسك هل أداءه كما ينبغي.
11 - سارع إلى طلب العفو ممن ظلمته قبل أن يأخذ من حسناتك.
12 - احرص على أن تفطر صائما فيصير لك مثل أجره.
13 - اعلم أن الله أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين ويقبل التوبة من التائبين وهو سبحانه شديد العقاب يمهل ولا يهمل.
14 - إذا فعلت معصية وسترك الله سبحانه وتعالى فأعلم أنه إنذار لك لتتوب فسارع للتوبة واعقد العزم على عدم العودة لتلك المعصية.
15 - اعلم أن الله سبحانه تعالى أباح لنا الترويح عن النفس بغير الحرام ولكن التمادي وجعل الوقت كله ترويحا يفوت فرصة الاستزادة من الخير.
16 - احرص على الاستزادة من معرفة تفسير القرآن، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والسيرة العطرة، وعلوم الدين. فطلب العلم عبادة.
17 - ابتعد عن جلساء السوء واحرص على مصاحبة الأخيار الصالحين.
18 - إن الاعتياد على التبكير إلى المساجد يدل على عظيم الشوق والأنس بالعبادة ومناجاة الخالق.
19 - احرص على توجيه من تحت إدارتك إلى ما ينفعهم في دينهم فإنهم يقبلون منك أكثر من غيرك.
20 - لا تكثر من أصناف الطعام في وجبة الإفطار فهذا يشغل أهل البيت عن الاستفادة من نهار رمضان في قراءة القرآن وغيره من العبادات.
21 - قلل من الذهاب إلى الأسواق في ليالي رمضان وخصوصا في آخر الشهر لئلا تضيع عليك تلك الأوقات الثمينة.
22 - اعلم أن هذا الشهر المبارك ضيف راحل فأحسن ضيافته فما أسرع ما تذكره إذا ولى.
23 - احرص على قيام ليالي العشر الأواخر فهي ليالي فاضلة وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
24 - اعلم أن يوم العيد يوم شكر للرب فلا تجعله يوم انطلاق مما حبست عنه نفسك في هذا الشهر.
25 - تذكر وأنت فرح مسرور بيوم العيد إخوانك اليتامى والثكالى والمعدمين واعلم أن من فضلك عليهم قادر على أن يبدل هذا الحال فسارع إلى شكر النعم ومواساتهم.
26 - احذر من الفطر دون عذر فإن من أفطر يوما من رمضان لم يقضه صوم الدهر كله ولو صامه.
27 - اجعل لنفسك نصيبا ولو يسيرا من الاعتكاف.
28 - يحسن الجهر بالتكبير ليلة العيد ويومه إلى أداء الصلاة.
29 - اجعل لنفسك نصيبا من صوم التطوع ولا يكن عهدك بالصيام في رمضان فقط.
30 - حاسب نفسك في جميع أمورك ومنها :
المحافظة على الصلاة جماعة - الزكاة - صلة الأرحام - بر الو الدين - تفقد الجيران - الصفح عمن بينك وبينه شحناء - عدم الإسراف - تربية من تحت يديك - الاهتمام بأمور إخوانك المسلمين - عدم صرف شيء مما وليت عليه لفائدة نفسك - استجابتك وفرحك بالنصح - الحذر من الرياء - حبك لأخيك ما تحب لنفسك - سعيك بالإصلاح - عدم غيبة إخوانك - تلاوة القرآن وتدبر معانيه - الخشوع عند سماعه.
================
الدعاء ... فقط الدعاء
أخوكمـ
ظاميـ