عرض مشاركة واحدة
قديم 03/07/11, (05:40 AM)   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
جلال الدرعان
اللقب:
مشرف منتدى الخواطر والقصص

البيانات
التسجيل: 17/12/10
العضوية: 6107
الدولة: الجبيل
المشاركات: 1,418
بمعدل : 0.29 يوميا
معدل التقييم: 43
نقاط التقييم: 541
جلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدود


الإتصالات
الحالة:
جلال الدرعان غير متصل
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جلال الدرعان المنتدى : منتدى التاريخ والتراث العربي
افتراضي رد: دراسة عن قبيلة عنزة Anza tribe bin Wael

رولة
بعد أن غادر الرولة خيبراً ، إتخذوا من الطرف الشمالي لصحراء النفوذ الرملية ، الممتد من تيماء في الغرب مروراً بواحة الجوف إلى بئر لين في الشرق ، قاعدة انتشار لهم ، شملت وادي السرحان وجنوب الصحراء السورية . وفي حين بقيت سورية مقفلة في وجههم أول الأمر ، إنفردت قبائل محلف الثلاث ( السوالمة ، والعبدالله والأشاجعة ) ، المرتبطة بصلة نسب معهم ، في الدخول إلى الحماد الشمالي . غير أن الحروب الوهابية دفعت بالرولة من جديد إلى الشمال . ومع أنهم اعتنقوا المذهب الوهابي




حوالى عام 1800م ، شأن قبائل عنزة الأخرى ، فقد حاولوا الفرار من جباة ضرائبهم ، بأن جاؤوا المنطقة التركية أو عبروا الفرات . إصطدمت الرولة عام 1809م ، بينما كانت تعبر النهر ، بقوة مسلحة تابعة لباشا بغداد وأبادتها عند مصب الخابور ، ثم أرسلت الغنائم التي وقعت في أيديها إلى الدرعية ، عاصمة الوهابيين ، مما جعلهم يسارعون إلى قبولها من جديد بين رعاياهم . وفي العام ، رافق الرولة آل سعود في غارة على حوران .



في العقود التالية ، تزايدت حاجة القبيلة إلى مراعٍ جديدة ، نتيجة تزايد قطعانها ، خاصة بعد أن حالت هجرة العمارات بينها وبين الفرات . فأين يمكن العثور على مراع كهذه ؟ . كانت أقرب المراعي تقع في النقرة ، التي كانت الرولة تشتري مؤونتها الشتوية منها ، حين كانت تنزل فيها فترة قصيرة من كل عام ضيفاً على ولد علي . بما أن بقية سورية كانت موزعة منذ وقت طويل : " البلقاء ممتلئة بأهل الشمال ، وحوران بالزبيد ، والمرج ينتشر فيه أكثر فأكثر النعيم والعقيدات ، وأسعار الحبوب المرتفعة تؤدي إلى عمران القرى القاحلة ،



وقبائل ديرة الشنبل تحمي مراعيها بالرشاشات " ، وبما أن ولد علي كانوا يرفضون منح الرولة حقوقاً إضافية ، وأبوا تقاسم منطقتهم معها ، فقد نشبت بينهما حرب طويلة إنتهت بفوز الرولة بما سعت إليه . حققت الرولة بعض التقدم في سورية بهذا الأسلوب ، ونجحت في حماية حدودها من شمّر داخل جزيرة العرب ، حيث تفاقمت تناقضات القبائل بتفاقم التنافس بين أسرتي شيوخ أبناء شعلان وأبناء رشيد ، الذين أجبروا واحات الجوف على دفع الضرائب ، بمجرد أن أقاموا إمارتهم في حائل ( 1838م) ، ثم ضموها إليهم عام 1853م ، وعينوا عليها حاكماً من



قبلهم . إعتبر أبناء الشعلان هذا الوضع انتقاصاً من حقوقهم القديمة ، رغم أنهم ظلوا كما في السابق يتلقون الخوّة من هناك . في الستينات حاولوا استعادة الجوف ولكنهم لم يحققوا نجاحات أعلاه الإمكانية لشنّ هجوم جديد .


عندما وصل نبأ مقتل الأمير سعود بن حمد بن رشيد في أيلول من عام 1908م إلى الجوف ، فر حاكمها إلى الرياض ، وأعلن أحد أكثر أعيان الواحة نفوذاً تأييد نوري ابن شعلان ، شيخ مشايخ الرولة . رفض نوري التدخل ، فما كان من ابنه نواف إلا أن لبى النداء ، وذهب مع زمرة قليلة من الرجال إلى الجوف ، ليحاصر حامية ابن رشيد التي تمترست في أحد الحصون . كان نوري لا يزال ينأى بنفسه عن التدخل ، ولم يعلن الحرب على شمّر ، وعندما احتل نواف المكان ، كان الرولة قد غادروه منذ وقت طويل إلى مناطق انتشارهم الصيفية .



عانت الرولة كثيراً من غزوات شمّر خلال الشتاء التالي ، فقرر نوري ابن شعلان القيام بإجراء حاسم ، بعد أن ضمن مساعدة فهد بن هذّال . وقد وضع خطة قانت على التقاء الرولة والعمارات عند ماء الجميمه ، في منتصف الطريق بين النجف وحائل زامل السبهان ، أخباراً عن الخطة ، فانقض دون إبطاء على مجنبة عنزة المتقدمة ، وغنم قطعان جمال عديدة انتزعها من قبيلتي الصقور والكواكبة ، اللتين كانتا جناح الحملة الخارجي .



بدأت عنزة عندئذ مطاردتها له . وحين أبلغها رجال الإستطلاع في وقت متأخر من بعد الظهر أنه في وادي الفيحان ، إقترح فهد شن هجوم ليلي ، وقرر نوري الإنتظار إلى اليوم التالي ، كي لا يتمكن العدو من الفرار . من جانبه ، سحب ابن رشيد قواته من الوادي ونشرها في التلال . حين شنت هجومها مع الفجر ، جوبهت عنزة بمقاومة شديدة من مواقع شمّر الجديدة واضطرت إلى التقهقر بعد تكبدها بعض الخسائر .



تمسك نوري وابن هذال بخطة الحرب الأصلية وأصروا على تنفيذها ، رغم كل شيء . يصف الجاسوس الانجليزي ليجمان ، الذي رأى جيش عنزة يوم 12 شباط من عام 1910م ، إنطباعاته بالكلمات التالية : كانت الصحراء تعج بكتل متموجة من البدو تترامى على مرمى البصر . وقد روى له الشيوخ أنهم لا يستطيعون تذكر مناسبة أخرى خرجت فيها عنزة بقوة مماثلة إلى الحرب . وصل الجيش إلى بركة الجميمة في الخامس عشر من الشهر . بما أن قادته خشوا أن لا يكون الماء كافياً ، فقد سمحوا باستسقاء الناس وجمال الركوب فقط ، ومنعوا تقديم الماء إلى حيوانات الحمل . حين بلغهم أن ابن رشيد يقف على مسيرة يومين إلى جنوبهم ، أعدوا معسكرهم للحرب . إنضمت إلى الجيش مجموعات قوية حسنة التسليح من المعدان ، قدمت من وادي الفرات ، فاستقبلوها بهجمات وهمية وطلقات البنادق .



أما النيران الكثيفة ، التي سمعت أصواتها بعد أيام قليلة من بلوغ الجميمه ، وعزيت إلى وصول قوات جديدة ، فقد أطلقها في حقيقة الأمر جيش ابن رشيد ، الذي كان يقترب وعلى ظهر كل واحد من جماله رجلان . فوجيء العنزة ، ووجدوا بالكاد الوقت لجمع جمالهم . وبعد أن فروا جماعات جماعات من المعسكر مخلفين وراءهم نساءهم وأطفالهم ، تقدم العدو من الجهة الأخرى مقتحماً الممرات بين الخيام ، وأحجم عن ملاحقة مقاتلي القبيلة ، بسبب هبوط الظلام . نهبت شمّر المعسكر صبيحة اليوم التالي ، وسقط عدد كبير من الأسرى في يديها ، بينها كانت تركية أرملة شيخ المشايخ السابق سطام باشا ، التي أرسلها الوصي ، زامل



السبهان ، مع كلمات استهزاء من نوري ، إلى الجوف ، مع النساء الأخريات اللواتي أعادهن إلى أزواجهن .
لم يغير انتصار ابن رشيد الوضع على الحدود . واستمرت غزوات السلب والنهب المتبادلة بين الرولة والشمّر ، إلى أن بلغت الحرب العالمية شمال الجزيرة العربية .


وقد وصفت في الصفحة 134من هذا الكتاب الوضع السياسي وموقف الرولة خلال الحرب . فبعد استيلاء الوهابيين على حائل ( تشرين الثاني 1921م ) ، إختفت مملكة شمّر التي تزعمها أبناء رشيد . وصارت جزيرة العرب ، التي توحدت من الآن فصاعداً تحت حكم آل سعود ، جار الرولة الجنوبي . في هذه الظروف المتغيرة ، إنقلبت علاقة الصداقة بين الجارين إلى نقيضها ، وبما أن



الشعلان لم يرضخوا عن طيب خاطر لآل سعود ، صارت الحرب بينهما حتمية . باغت غزو وهابي ، اجتاز في أيام قليلة مئات كثيرة من الكيلومترات تفصل مناطق جزيرة العرب الداخلية عن وادي السرحان ، الرولة قرب واحة كاف صباح 16 أيار من عام 1922م ، غير أنها صدته وكبدته خسائر فادحة . ذلك كان انتصاراً عابراً لم يمنع ضياع الجوف نهائياً في تموز من العام ذاته ، سقوط كاف ، والتنازل في اتفاقية حدّا ( 2-11-1925م ) عن كامل أراضي قبيلة ابن الشعلان الجنوبية لآل سعود .



تتمتع الرولة بتماسك تفتقر إليه قبيلة أخر ى من عنزة ، يرجع إلى الشخصيات القوية التي أنجبتها أسرة شيوخها . لكن هذا التماسك تراخى في العقود الأخيرة ، بسبب الدعاية الوهابية ، التي أثرت على الرولة أيضاً وأدت إلى تمزقها السياسي . عام 1916م ، إنضم الشيخ درزي ابن دغمي إلى آل سعود ، وتبعته قبيلته ، الدغمان ، عام 1922، حين احتل الوهابيون الجوف . ومع أن الرولة إعتنقت جميعها الوهابية بعد عام 1926م ،


فإنها لم تستطع وضع حد لانقساماتها . منذ ذلك الوقت ، لم يعد الدغمان إلى سورية من جديد . ولم يقصد الكواكبة الشمال أبداً بعد عام 1925م ، رغم المكانة الخاصة التي كانت لهم هناك ـــ ولأسباب أخرى .


يبداً ارتحال الرولة في شهر آذار من كل عام ، ويتم بصورة بطيئة جداً . وقد درجت على بلوغ مناطقها الصيفية خلال شهر حزيران ، ومغادرتها من جديد نحو الجنوب في شهر أيلول ، حيث تبقى من تشرين الثاني إلى آذار من العام التالي .



تستخدم القبيلة طريقتين في ترحالها : واحدة يستخدمها في الآونة الأخيرة عدد قليل من أفخاذها ، تقود إلى النقرة عبر وادي السرحان ، وأخرى تمر بالحماد ثم تنقسم بمحاذاة دمشق وتذهب إما إلى الشمال نحو تدمر ومن هناك إلى القريتين ـــ الضمير ، من هناك النقرة والجولان ( الشيخ مروراً بالفرقلس ، ويتوغل من حين لآخر إلى داخل البقاع .



تراجعت تربية الجمال تراجعاً شديداً منذ نهاية الحرب لدى الرولة ، لأن الطلب عليها تناقص بشدة . في السابق ، كان الرولة يبيعون من ثلاثين إلى خمسة وثلاثين ألف جمل في الجولان . بينما باعوا عام 1927م قرابة اثني عشر ألفاً منها ، قبل أن ينزل العدد إلى حوالي ثمانية الآف فقط . أما الضرائب التي كانت تجبيها ، فلدينا عنها رقمان هما : 3500 ليرة تركية عام 1907م ، و 2000 ليرة عام 1908م .



تسلحت الرولة في أعقاب الإنسحاب التركي ( 1918م ) ، ويمكن القول إنه يوجد في كل واحدة من خيامها بندقية حديثة الطراز ، فضلاً عن ثلاث رشاشات تمتلكها القبيلة ذاتها .
ثمة عروة وثقى تشد المحلف ، ( السوالمة ، والعبدالله ، والأشاجعة ) إلى الرولة . بل إن القبيلتين شكلتا إلى بداية القرن التاسع عشر قبيلة واحدة هي الجلاس . يخيم المخلف عادة إلى الشمال من الرولة .



الشيخ سطام بن حمد الشعلان يستضيف المستشرق الالماني في مضاربه 1899 م


الشيخ النوري بن هزاع بن نايف الشعلان شيخ الروله لمدة طويلة


الشيخ سطام بن حمد النايف الشعلان تصوير المسشتر الالماني أوبنهايم 1899 م



أسرة شيوخ الرولة

غدت أسرة ابن الشعلان أكثر أسر الشيوخ شمال جزيرة العرب أهمية ، وهي مكانة لا تعود إلى نبالة موروثة ، بل ترجع إلى السمعة التي اكتسبها شيوخها فيصل ، وسطام باشا ،و النوري ، خلال حكمهم الطويل .



هناك حكاية طويلة تقول : كان شعلان راعياً فقيراً يعمل في خدمة المرعض ( ب lll1 ) . وبينما كانت الرولة تنصب خيامها ذات مرة قرب واحة في نجد تركت جمالها تلتهم الزرع ثم سرقوا خراف ومعز السكان ، ولكن سكان الواحة إستولوا على الجمال وهددوا بتركها تموت جوعاً . أراد شيخ البدو تسوية الموضوع بالحسنى ، لكن شيخ القرية رفض مفاوضة أحد غير شعلان ، الذي كان معارفه .



وافق الأول على طلب الثاني وأعطى ختمه للراعي ، الذي طلب ضمانات من الفرجة والربشان ( ب lll 3، 4ح ) بتنفيذ ما قد يتم الوصول إليه من اتفاق ، وحصل عليها بعد وقت قصير. عندئذ ، تم تبادل القطعان المسروقة ،و تخلى الفلاحون عن التعويضات التي كانوا قد طلبوها عن حقولهم المخربة . لكن شعلان احتفظ بالختم ، ثم تخلص بعد أربعة أعوام من الشيخ بمساعدة الفرجة والربشان وأهل الواحة ، وتولى قيادة الرولة . بهذة الطريقة ، إنتقلت المشيخة من القعقاع ( ب lll 4 ) إلى الشعلان .



تنقسم عشيرة الشعلان إلى خطين رئيسين : المشهور والعبدالله . وقد أزاح العبد الله المشهور في مطلع القرن التاسع عشر . ومع اننا لا نمتلك معطيات أكثر حول هذا الحادث ، فإننا نعرف انه سبب جفاءً عميقاً بين الأسرتين استمر إلى أيامنا ، وتحول في منتصف القرن التاسع إلى حرب دامية حسمتها موقعة تل الجو خدار ( 1858م ) ، التي أعقبها تخلي المشهور عن شيخهم الأكبر فيصل بن نايف ابن عبدالله ، وانضمامهم في اليوم التالي إلى ولد علي . وفي هذه الأجواء ، أمر فيصل بقتل برجس المشهور ، ثم سقط هو نفسه عام 1864م ضحية عمل ثأري .



لم يعرف الشعلان تعاقباً وراثياً ثابتاً : فقد أعقب فيصلا ابنه طلال ، ثم أخوه هزاع ، وأخيراً ابن أخيه سطام ، الذي كان والده حاكماً قبل فيصل . عرف سطام ، الذي حكم منذ أواسط السبعينات ، كيف يستخدم طريقته الرصينة للحفاظ على مصالح الرولة رغم تعاظم نفوذ الحكومة على البدو . وقد تلقى لقب الباشوية وبعض القرى هدية من السلطان عبدالحميد ، وقد زرته شخصياً عام 1899م في النقرة . مات سطام باشا في شتاء عام 1901م في فروع الوديان ، في منتصف الطريق بين دمشق ونجد ، تاركاً وراءه أربعة أبناء هم : مشعل ـــ أمه ثقلا بنت فايز بن تركي ابن مهيد ، وطراد ـــ أمه من قبيلة السرحان ـــ . تولى مشعل ، الابن الأكبر ، الحكم بموافقة الحكومة ، رغم أنه تخطى أبناء هزاع ، سلف سطام : فهد والنوري .



كان مشعل يخيم حتئذ مع فهد ونوري ، فانفصل الآن عنهما ولازم زيد والمجول ، فخذي الشعلان ، اللذين دعما ترشيحه بقوة . وقد أخفقت جميع مساعي فهد ونوري لا جتذابه من جديد إليهما .
ذهب مشعل ، ذات يوم ، إلى دمشق لأمر يخص القبيلة ، يصحبه خمسة فرسان من الرويشدات ، فتبعه نوري برفقة اثني عشر


محارباً إلى أن أدركه في اليوم الرابع عند الصيقل ، على مسير ست ساعات من الضمير . سقط مشعل في تبادل إطلاق النار الذي تم بين الجانبين ( 1902م ) ، فسارع نوري إلى العودة كي يستولي على المركب ، علامة المشيخة . لكن تركية ، أرملة سطام ، عارضته ، بدعم من زيد ومجول ، وأجبرته على الأنسحاب من المكان ، ثم سافرت إلى دمشق كي تعين ابنها خالد في منصب الشيخ . من جانبهما ، ذهب نوري وفهد إلى هناك لتمرير



مطالبهما . فرض الوالي ـــ ناظم باشا ـــ متصرف حوران ـــ إبراهيم فوزي باشا ـــ البتّ في الأمر ، لأن الرولة كانت آنذاك في مقاطعته ، فنظم استفتاءاً بين قادتها في الجوخدار ، قرر تعين فهد شيخ المشايخ وألزمه بدفع 300 ليرة تركية سنوياً كتعويض إلى منافسه خالد .



بقي فهد أعواماً ثلاثة سيداً أوحداً للقبيلة . لكنه تشاجر عام 1904/1905م مع نوري ، الذي سعى بدوره إلى الحصول على تعويض مرتفع منه . إتجه الرجلان ، بمجرد أن قادهما الصيف من جديد إلى ضواحي دمشق ، إلى الحكومة ، حيث حاول كل منهما تقديم عرض ضريبي يغريها بمبالغ أكبر ، علّه يكسب بذلك دعم الوالي ، الذي حدد من جانبه عائداً ضرائبياً إجمالياً قدره ثلاثة آلاف


ليرة تركية ، جعلهما مسؤولين كلاهما عن دفعه مناصفة ، وترك لهما اقتسام ما يفيض عنه من مدفوعات الرولة . بعد عودتهما إلى مضارب القبيلة ، دعا نوري أخاه فهد ، الذي كان قد أرسل أبناءه لجباية الضرائب ، وأمر رميح ابن المعبهل بقتل فهد خارج الخيمة عقب تناول طعام الغداء . وكان نوري قد استولى في الليلة ذاتها على المركب ووضع يده على قطعان فهد ، التي ضمت ثلاثة الآف جمل وأحد عشر حصاناً . فر أبناء القتيل إلى



رشيد ابن سُمير ، شيخ ولد علي في عين ذكر ، وذهبوا من هناك إلى دمشق لإقامة دعوى قضائية . أجبر الوالي نوري على رد قسم من الممتلكات ، لكن السلام لم يستتب بين أسرتي الأخوين ، قد حاول أبناء فهد مرات كثيرة الثأر من نوري ، لكن محاولاتهم أخفقت أول الأمر ، ثم أدت إلى هزيمته بعد بضعة أعوام .
إنفجرت عام 1909م اتفاضة درزية قمعها سامي باشا ، الذي ألزم الدروز بتسليم أسلحتهم ، ومنع ، في الوقت نفسه ، البدو من الإنقضاض عليهم ، لأنهم أصبحوا شعباً أعزل . عندما اختطفت


الرولة في شباط من عام 1910م عدداً من قطعان الدروز ، وتعرض نوري للمساءلة ، رغم أن برد الشتاء أودى بالقسم الأكبر من المواشي ، وأنه لا يستطيع ، لهذا السبب ، رد القطعان المسروقة . عندئذ ، أمر سامي باشا باعتقاله وتسليم قطعانه إلى الدروز ، وعين فارس ، الابن البكر لفهد شيخ مشايخ الرولة .



بعد موت سامي باشا ، في العام ذاته ، شعر فارس أنه لم يعد آمناً ، ففر إلى رشيد ابن سُمير ، الذي كان يتعاطف علناً مع أبناء نوري ، الذي كانوا في هذه الأثناء قد تقربوا من أبناء سطام أيضاً ، وجد فارس نفسه معزولاً كلياً . وأخيراً هرب وتخلى عن المركب " المشيخة " ، لتعود قيادة القبيلة من جديد إلى نوري ، الذي صالحه عندئذ .



وكان قد صدر عفو عن نوري عام 1912م ، قبل فترة قصيرة من نشوب حر البلقان ، توطدت مكانة نوري منذ ذلك الوقت ولم تتعرض لأي اهتزاز ، بل إنه منح لقب الباشوية فيما بعد ، ودأب في الآونة الأخيرة على أن يكنى بـ " الأمير " .


جمع نوري ثروة خاصة كبيرة ، رغم ضياع واحتي الجوف والكاف ، فهو يمتلك بيتاً في دمشق وأراضي وسيارات عديدة . وقد قدم موزيل في مواضع كثيرة من كتابه الجديد حول رحلاته ، وخاصة في البند الخاص بالرولة معلومات دقيقة عن أوضاعه المالية قبل الحرب ، تخبرنا أن مصادر دخله الرئيسة كانت واحة كاف ، حيث يوجد وكيل ينوب عنه ( هو من العبيد بطبيعة الحال ) ، يقدم له كل عام ضرائب تبلغ خمسمائة مجيدي ، مع أنه ـــ نوري ـــ لا يملك ، على ما يبدو ، أرضاً في الواحة ، بعكس أبناء عائلات



الشعلان الأخرى كعائلة سطام وطلال . وعادت الإضافة التي فرضها على ضرائب الحكومة بربح هائل عليه ، قدرته مصادر رسمية بـ 12% لكنه رفعه إلى أن بلغ قرابة خمسين بالمائة من قيمتها ، كما يقال ، وهو سلوك يقال إن الشيوخ المحليين احتذوه فيما يتعلق بالضرائب التي تؤديها قبائلهم . تلقى نوري أيضاً بعض المال من الأتراك ، الذين ما لبثوا أن زادوه كثيراً إبان حكم الملك فيصل . بالإضافة إلى ذلك ، يجب أن لا ننسى الخوّة المفروضة على المرور في وادي السرحان ، ونصيبه من الغنائم ، عائدات قطعانه ، التي كان يبيع منها كل عام من عشرين إلى ثلاثين جملاً ، ومن أربعة إلى خمسة خيول . هذه الواردات



قابلتها نفقات تصل إلى حوالي 1200 ليرة تركية ، صرفت من أجل شراء مواد غذائية وعلف خيول وثياب وخيام وذخيرة ، دون حساب نفقات الهدايا والضيوف . أخيراً ، كان نوري يدفع حصصاً من الإضافات الضريبية تذهب إلى زعماء عائلات سطام ( 150ليرة تركية ) ومجول ( 20 ليرة تركية ) ومشهور ( 50 ليرة تركية ) .



رغم دخله المرتفع ، عاش نوري حياة غير مريحة في الصحراء . ذلك أنه فقد سلطته على عائلته ، بينما انهمكت نساؤه وعبيده في سرقته ، فلم يبق لديه بالكاد أية فرصة لقضاء لحظة هانئة في خيمته ، أو لتناول طعامه بهدوء .


إستقر نوري بعد الحرب العالمية في دمشق ، حيث تعرضت صحة الشيخ الذي تخطى الثمانين إلى متاعب شديدة في سنواته الأخيرة ، حتى أن المرض كان قد فتك به عام 1929م ، عندما قابلته في بيته الدمشقي ، الذي امتنع تماماً عن الخروج منه.



لم يبق من أخلاف نوري المذكور غير حفيده فواز ، الذي كان شبابه بدوياً حقيقياً ، ثم تعلم عادات أوروبا الحسنة والقبيحة ، بعد أن زارها مرتين . وهو اليوم نائب الرولة في البرلمان .



-------------( يتبع 7)


















عرض البوم صور جلال الدرعان   رد مع اقتباس