السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
بارك الله فيك أخانا الفاضل : السلفي العنزي , وجعل ماخطته يداك في موازين حسناتك
وأجزل لك الأجر والمثوبة حتى تلقاه عز وجل وقد أعطاك بكل حرف ملء مابين السموات
والأرض من الحسنات , آمين .
وإن سمحت لي بإضافة بعض الأمور التي أرى أنها تزيد الموضوع وضوحاً وتعري الخوارج
وتظهرهم على حقيقتهم - وإن كان ماكتبته وافياً وشافياً - وليزداد الذين آمنوا إيماناً
ولتندحر بعض الشبهات التي قد تكون لازالت تختلج في صدور بعض الإخوة الراغبين في
اعتقاد مايسلمون به من العذاب ويستحقون به رضا الرحمن ورحمته ويفوزوا بجنته ونعيمه .
فأقول مستعيناً بالله تبارك وتعالى :
قد يخفى أمر الخوارج على كثير من العامة الذين يثقون بكل من أطال لحيته وقصر ثوبه
والحقيقة أن هذه الأفعال من سنة النبي صلى الله عليه وسلم لاشك , لكننا أحياناً نرتاب
في بعض الأشخاص المستقيمين على السنة نتيجة بعض تصرفاتهم وسلوكياتهم الخاطئة
وهذه التصرفات والسلوكيات تنقسم إلى قسمين :
1 - تصرفات وسلوكيات تتعلق بأمور الدنيا وحقوق الناس : وهذه مسألة خطيرة لكنها
تبقى أقل خطراً من الصنف الثاني لأسباب :
أ - أنها نتيجة طبيعية للنفس البشرية الطماعة الجشعة والناس في غالبهم على هذا الحال
إلا من رحم الله .
ب - أنها من الأعمال التي يمكن لصاحبها العودة عنها وارجاع الحقوق لأهلها واستغفار
الله تعالى وهذه كفارتها إن شاءالله تعالى .
ج - أن الحدود التي شرعها الله تعالى في كتابه وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
فيها إيقاف للمتعدي على حرمات الله تعالى وردع له وتخويف من الوقوع فيها .
د - أنها لاتشكل خطراً على اعتقاد المسلمين فهي خاصة بصاحبها نقصها عليه ومن أجره
وزيادتها له وعلى سيئاته .
أما النوع الثاني :
وهو الأخطاءالاعتقادية : فهذه هي الداهية الدهياء والمصيبة الكبرى :
إذ الاعتقاد هو مناط قبول الأعمال , وهو الحد الفاصل بين الإيمان والنفاق والكفر والعياذ
بالله تعالى من الكفر والنفاق .
وخطر الزلل في العقيدة خطر عظيم : إذ أنه يتعدى صاحبه ليؤثر في عقائد الآخرين ولو نظرتم
بارك الله فيكم إلى الفرق الضالة وبداية نشأتها لوجدتم أن سببهاالرئيس هو ضياع رجل من
الناس في مسألةاعتقادية نتيجة اتباعه لهواه أو قلة علمه وتصديه للمسائل العظيمة أو اشغاله
لنفسه في التفكير فيما لاطائل من وراء التفكير فيه من المسائل الاعتقادية , أو إعماله لعقله
في مسائل وردت فيها نصوص صريحة أو أمور سكت عنها المشرع الحكيم سبحانه لحكمة
لا يعلمها إلا هو جل وعلا , فيتردى هذا المسكين إلى مهاوي الردى نتيجة عثوره ( كمايظن)
على تعارض بين عقله وبين النصوص ولو رد الأمر إلى أهل العلم الراسخين فيه لزال شره
واللبس الذي لبسه عليه الشيطان لعنه الله , وهنا يجب أنندرك مكانة العلماء العظيمة في هذا
الدين الحنيف الذي هو دين الإسلام , والذي جعلللعلماء مكانة ليست لغيرهم ولا تنبغي لغيرهم
من أهل الدنيا ألا وهي( وراثة الأنبياء ) وإرث الأنبياء هو العلم , وأما العبَّـاد والزهاد الذين
انقطعوا للعبادة وتركوا العلم فليس لهم نصيب من هذا الإرث العظيم , والله عز وجل سمى
النصارى بالضالين لأنهم عبدوا الله بلا علم حتى انحرفوا عن مقاصد الشريعة , وهنا يظهر لنا
سبب انحراف بعض العباد والزهاد الذين حذر منهم أئمة أهل السنة والجماعة مثل الزاهد
العابد الشهير الحسن بن صالح بن حي حيث كان لانظير له في التعبد حتى أنه قسم الليل
ثلاثة أثلاث بينه وبين أمه وأخيه فلما ماتت أمه تناصفا الليل بينهما , ثم لما مات أخوه قام
هو كل الليل ومع ذلك حذر منه الأئمة وبينوا للناس أن لايغتروا به وبعبادته وزهده لأنه كان
يرى رأي الخوارج في الخروج على ولي الأمر بالسيف .
لذلك يجب علينا أن لانتساهل مع أهل المعاصي بل نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر
ونهجرهم لمنكراتهم ولا أن نكفرهم بمعاصيهم إلا بالضوابط التي قررها أئمة الإسلام من
أهل العلم المتبعين لسنة محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته وتابعيهم بإحسان .
أما أهل البدع وعلى رأسهم الخوارج فيجب أن نحذرهم ولا نخالطهم البتة وأن نبغضهم
لافترائهم على الله تعالى مالم ينزل به سلطاناً , وأن نحاربهم بكل مانملك من وسائل وتحت
راية ولي الأمر ومع جماعة المسلمين ولا نعتذرلهم بقولنا ( اجتهدوا فأخطؤا ) كما قال شيخ
الإسلام رحمه الله تعالى :
{ من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا فى ذلك
بل مبتدعا وإن كان مجتهداً مغفوراً له خطؤه } .
وأخيراً وليس آخراً :
أسوق إليكم إخوتي وأخواتي الكرام قولين لشيخ الإسلام رحمه الله تعالى يبينان مفاسد
الخروج على ولي الأمر وإن كان جائراً , لعل الله تعالىأن ينفع بهما من لايزال مرتاباً في
مسألة ( حرمة الخروج على ولي الأمر إلا بضوابط شرعية يقررها أهل العلم الراسخون فيه )
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى :
{ وقلَّ مَن خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضا وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة وأمثال هؤلاء .
وغاية هؤلاء إما أن يَغلبوا وإما أن يُغلبوا ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقا كثيرا وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور. وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم فهزموا وهزم أصحابهم فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين ومن أهل الجنة فليسوا أفضل من علي وعائشة وطلحة والزبير وغيرهم ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه من القتال وهم أعظم قدرا عند الله وأحسن نية من غيرهم.
وكذلك أهل الحرة كان فيهم من أهل العلم والدين خلق. } من كتاب منهاج السنة الجزء الرابع
ص 527-528
وقالرحمه الله تعالى :
{ وكثير ممن خرج على ولاة الأمور أو أكثرهم إنما خرج لينازعهم مع استئثارهم عليه ولم يصبروا على الاستئثار ثم إنه يكون لولي الأمر ذنوب أخرى فيبقى بغضه لاستئثاره يعظم تلك السيئات ويبقى المقاتل له ظانا أنه يقاتله لئلا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ومن أعظم ما حركه عليه طلب غرضه إما ولاية وإما مال
كما قال تعالى {فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل على فضل ماء يمنعه من ابن السبيل يقول الله له يوم القيامة اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدينا إن أعطاه منها رضى وإن منعه سخط ورجل حلف على سلعة بعد العصر كاذبا لقد أعطى بها أكثر مما أعطي".
فإذا اتفق من هذه الجهة شبهة وشهوة ومن هذه الجهة شهوة وشبهة قامت الفتنة والشارع أمر كل إنسان بما هو المصلحة له وللمسلمين فأمر الولاة بالعدل والنصح لرعيتهم حتى قال:" ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه رائحة الجنة ". وأمر الرعية بالطاعة والنصح كما ثبت في الحديث الصحيح "الدين النصيحة ثلاثا قالوا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
وأمر بالصبر على استئثارهم ونهى عن مقاتلتهم ومنازعتهم الأمر مع ظلمهم لأن الفساد الناشىء من القتال في الفتنة أعظم من فساد ظلم ولاة الأمر فلا يزال أخف الفسادين بأعظمهما.} نفس المصدر السابق ص 540-541
هذا والله تعالى أعلم , وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآل بيته الطاهرين وصحابته
أجمعين .
ولي عودة إن شاءالله تعالى في رد آخر أسوق فيه بعضاً من جرائم الخوارج المارقين
عبر العصور الإسلامية والدول المتتابعة .
حفظ الله الجميع ووفقهم لما يحب ويرضى وجمعنا بهم في مستقر رحمته , آمين .