تركي بن حمد التركي البريدي
ذلك الإنسان الذي حاربه الكثير..
وإنتقده النقاد حتى قالوا عنه العدو الأول للإسلام والمسلمين لمجرد أنه تكلم من خلال رواياته الشهيره
" أطياف الأزقة المهجورة "
تلك الرواية ذات الأجزاء الثلاثة عام 1997وحمل كل جزء منها اسماً مستقلاً ، وهي على التوالي " العدامة " و"الشميسي " و"الكراديب " ، والثلاثية باختصار تروي حكاية شاب سعودي في الفترة من عام 1967م إلى 1975م نشأ هذا الشاب في منطقة العدامة بالدمام ونتيجة ظروف متعددة انخرط في تنظيم سري محظور يدعوا إلى القومية العربية ويرفع شعاراتها الصارخة إلى أن اكتشف الطالب الصغير هشاشة ذلك الطرح وسقطت المثل التي تربى عليها وتواكب ذلك الاكتشاف مع انتقاله إلى الرياض لإكمال الدراسة الجامعية لدراسة السياسة في كلية التجارة بالرياض ولينتقل إلى العيش في منزل خاله في حي الشميسي وتبدأ رحلة ألم مغموسة بلذة واهية وليتحول إلى الشك في كل ما كان يعتبره يقيناً ثم يتم القبض عليه ونقله إلى سجن الكراديب بجدة وهناك يعيش مرحلة الأزمة المعقده بعيداً عن مثاليات الدمام واندفاعات الرياض وتنتهي هذه التجربة، بالافراج عنه والعودة إلى الرياض لإكمال دراسته ...
كان رد الفعل الأول تجاه الرواية هو منعها من الدخول إلى الأسواق السعودية ومع ذلك فإن العدامة طبعت أربع مرات حتى الآن والجزئين الآخرين بلغا الطبعة الثالثة ، وهي ظاهرة ملفتة للنظر على مستوى الإنتاج الروائي السعودي ، وكان رد الفعل الثاني، سخط أخلاقي حاد، واجه الرواية وكاتبها بسبب التجاوز الواضح على المستويات الثلاثة ، الدين والسياسة والجنس ، وكان رد الفعل الثالث هو عدم اعتراف الغالبية من النقاد السعوديين بأن هذا العمل هو عمل أدبي على المستوى الفني ، بل هو مجرد سيرة ذاتية مكتوبة بلغة أقرب إلى المباشرة .
أما الرواية الثانية في العام 1999م رواية " شرق الوادي ..أسفار من أيام الانتظار "
تلك الرواية التي تناولت حكاية شاب نجدي في قرية نجدية ، هو " جابر السدرة " الذي يمضي في عموم الرواية للبحث عن " سميح الذاهل " صديق طفولته ، الذي كان يظهر بين الفينة والفينة ، ويلقي كلاماً مبهماً ، كاشفاً عن الحقائق ، ثم يختفي مجدداً ، وتقود رحلة البحث جابر إلى واحات نجد وقراها ومدن الحجاز وضفاف الخليج ، وفلسطين والاردن وسوريا ، وتمر أحداث كثيرة فيتزوج عدة نساء وينجب منهن ، ويموت جابر دون أن يجد صديقه ، لكنه يترك مخطوطاً يصف فيه ما رآه في رحلة البحث ، ويقع المخطوط في يد أحد احفاده ، الذي يبدأ بدوره رحلة بحث طويلة عن سميح الذاهل ... والرواية تمثل محاولة لطرح أسئلة فكرية مباشرة ، مثل : "... هل بالعقل وحده يحيا الإنسان ؟ وهل ما لا يمكن عقله يمكن تصديقه ؟ وهل بالعقل وحده تتحدد الحقيقة ؟ " ، وهذه الأسئلة وردت بالنص على غلاف الرواية .
ثم أخيراً وفي العام 2001م صدرت روايته الثالثة " جروح الذاكرة "
تروي حكاية أسرة خليجية تتعرض للطفرة الاقتصادية في الخليج بما يؤثر عليها اجتماعياً فكانت الرواية بشكل واضح تحاول أن تشرح الخلل الاجتماعي الذي أصاب المجتمع الخليجي بعد الطفرة الاقتصادية طبعاً كل هذا من وجهة نظر الكاتب ..
ايضاً لم تختلف ردود الفعل تجاه الرواية ، ولكن الملاحظ أن هذه الردود كانت أقل حدة من الإنتقادات التي واجهها في الروايتين الأولى والثانية ..
بالإضافة الى الإنتقادات التي واجهها من خلال كتاباته الصحفية عموماً ..
وكان رده في أحد لقاءاته حول مثل تلك الإنتقادات رد الإنسان الواثق من نفسه ومما يقوله بــ :-
أنا لاأكتب للنقاد ، وهم لايحتلون ذهني حينما أكتب ، فالناقد يحتاج للمبدع كي يجدد مقولاته ، أما المبدع فلا يحتاج للناقد على كل الأحوال .
أخي الفاضل ..
لعلي هنا سأتطرق الى موضوع تركي الحمد من خلال فكره الواضح بالروايات الثلاثة والكتابات الصحفية واللقاءات الإعلامية ..
فلك ان تقنع أو لا تقنع أن الدين والجنس و السياسة قضايا حياتية لا بد ان تُطرق مهما كانت قوة الإطار المحيط بها وما لها من سلبيات أو إيجابيات لنبتعد عن السلبي منها والأخذ بالإيجابي وهذا كله اذا كان الهدف الوصول الى الحقيقة ومن الحقيقة الى الفاعلية في عالم مثل عالم اليوم وانت تعلم ماهو عالم اليوم بجميع فئاته .. فمنهم من نخالطه ومنهم من نصاحبه ومنهم من نؤمن على أنفسنا منه ..
أي اننا في خيار العاقل لا غيره بالأخذ بالمناسب لمجتمعنا وتطوراته الثقافية والبعد عما يعيبه من الظواهر الدخيلة والغير محترمة ..والبعد عن التزمتات والإنغلاقات الفكرية المضره بنا ..فكريا وإجتماعياً مقارنةً بالمجتمعات الأخرى وخاصة المحافظة ..
مع العلم انه لا يوجد لتركي شاهد نصاً أو كلاماً يمكن من خلاله ان ننعته بصفة من صفات الانغلاق أو التزمت أو الانحباس العقائدي أو التقوقع الثقافي في أي مرحلة من حياته الثقافية والأيديولوجية ..
وكلنا يعلم ماهية الأيديولوجية وكيفية تجليها من خلال النظرة الموضوعية في إنعكاس نظرتك لنفسك وللمحيطين بك بشكل مدرك أو العكس ..
أما بالنسبة لتركي الحمد فكلنا يعلم أنه يجادل التيارات الفكرية كــ .. :
تيار الإسلام السياسي والتيار القومي والتيار الماركسي ..
ونجده لايدعو إلى مصادرة حقها في الوجود أو حقها في المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في أي مجتمع من المجتمعات التي هي موجودة فيها ...!!
لكن وأنت تجادل أي تياراً وانت تستندا إلى منطلقاته الداخلية .. ليس بالضرورة أن تنتقل بالكامل إلى مربعه السياسي والفكري والأيديولوجي .. والاستناد إلى المنطلقات الداخلية في مجادلة التيارات الفكرية لدى تركي ليس استناداً صورياً ولا شكلياً وإنما لأنه ينطلق من مجادلته لها بإيمان بحقائق تحملها تلك التيارات ...!
- فنجد ان مجادلته للتيار الإسلامي جاءت من إيمانه بالحقيقة الدينية الإسلامية..
وإيمانه بالثقافة والحضارة الإسلامية وهو إيمان يرتكز إليه التيار الإسلامي في بنائه السياسي والفكري ..
لكنه يختلف مع التيار الإسلامي في تصوره للكيفية الإيمانية بالإسلام وثقافته وحضارته وذلك لأسباب روحية وسياسية واجتماعية وثقافية وفكرية ..
- أما مجادلته للتيار القومي فمعلوم انها تنطلق من إيمانه بهذا التيار أيضاً ..
فهذا التيار هو الذي آمن به روحياً واعتقد به سياسيا وأيديولوجيا منذ نعومة أفكاره
واختلافه مع هذا التيار مر بمرحلتين :
مرحلة ما قبل حرب الخليج الثانية .. :
وكان الاختلاف ينطلق من موقع إصلاحي داخلي في إعادة النظر في بعض أساسيات النظرة الأيديولوجية للفكر القومي وكان من بينها محاولته التنظير التاريخي الأيديولوجي الخجول للشروع في الدولة القُطرية.. وكانت الدولة السعودية هي الحالة الدراسية لذلك .
وفي المعتقد القومي السياسي إن تنظر لشرعنة الدولة القُطرية , تعتبر هذه الفعلة (حشفاً)، وإن تكن السعودية هي الحالة الدراسية لذلك، فتلك –وفق هذا المعتقد- (سوء كيلة) ...
المرحلة الثانية
وهي مابعد حرب الخليج الثانية وكان اختلافه مع هذا التيار وصل إلى انتماء واضح وصريح للدولة القطرية في اصطدامها بالدولة القومية وهذا الاصطدام لم يكن على مستوى النظر أو النظرية وإنما كان على مستوى الفعل والعمل عندما التهمت دولة (الكويت) وهددت دولة أخرى بالالتهام (السعودية) ..
وأما مجادلته للتيار الماركسي فهي لا تنطلق من موقع قومي يميني محض وإنما تنطلق من موقع قومي يساري فهو لا يتنكر حتى الآن لبعض المصادرات الفلسفية والاجتماعية والتاريخية في المنهج الماركسي بوصفه منهجاً من مناهج العلوم الاجتماعية والانسانية .
أما بأنه يتبنى أفكاراً محددة ويعيد إنتاجها الخ ... فأقول نعم هو يتبنى أفكاراً معينة وله مواقف واضحة من قضايا أساسية ، في السياسة والاجتماع والثقافة والفكر ، تنسجم وخطّه الأيديولوجي الوطني الليبرالي ذي الميسم الإسلامي المستنير بشكل عام .
وهذا أمر طبيعي ومنطقي ولو فعل غير ذلك لكان هو الأمر غير الطبيعي وغير المنطقي !
لكن حرب الخليج الثانية حملت معها بالنسبة لتركي تغيرين في موقفه من النظام السياسي ومن الإسلام الحركي .
فموقفه من النظام السياسي تطور إلى موالاة كاملة غير مشروطة ، وهذا الموقف لم يكن طفروياً ، وإنما كانت له إرهاصات ضمنية وخجولة قبل حرب الخليج الثانية ، احتوتها أبحاثه ، ولم يكن يعبر عنها في مقالات صحافية .
تطور موقفه هذا، له أسباب نفسية وروحية وفكرية
فما أقسى وأمرّ أن ترى وطنك وبلدك وناسك وأهلك بين غمضة عين والتفاتتها على كف عفريت .
في تلك اللحظة القاسية والمريرة عليك أن تختار ، إما أن تضحي بالأيديولوجيا في سبيل الوطن ! وإما إن تضحي بالوطن في سبيل الأيديولوجيا !!
تركي اختار أن يضحي بالأيديولوجيا في سبيل الوطن، وكان اختياره نعم الاختيار .
وأنا هنا أتحدث عن الأيديولوجيا القومية والأممية العابرة للأوطان وللأمم وللثقافات ، وهي في هذا الموضع قد تكون عروبية أو إسلامية أو يسارية .
أما تغير موقفه من الإسلام الحركي من طور المتفهم إلى طور الخصم اللدود ، فكانت له أسباب سياسية وأيديولوجية عدة ، منها أن الإسلام الحركي داخل السعودية وخارجها- بشكل عام وأساسي- طرح نفسه خصماً واضحاً ومباشراً للنظام السياسي السعودي منذ حرب الخليج الثانية ، وهي الحرب التي أشرتُ مسبقاً إلى أنها حملت معها التغير السياسي الجذري في موقفه، من النظام السياسي في بلده، وهو الموقف الذي انتقل من موالاة ضمنية إلى موالاة صريحة ...!
وعلى هذا فالمواجهة بينه وبين الإسلام الحركي كانت محتومة وكانت لا بد أن تقع ...
وقبل تلك الحادثة الكبرى – أي حرب الخليج الثانية – وفي أثنائها كانت الصحوة الإسلامية ليست في السعودية فحسب ، قد أغرقت المجتمع العربي بموجة من التعصب الديني والطائفي والاجتماعي والثقافي ، لا يفيد الاعتذار معها لتجليها المؤذي نفسياً وروحياً وعقلياً بأسباب أنثروبولوجية واثنوغرافية واثنولوجية !
أخي الفاضل ..
لكل منا سلبياته وإيجابياته في حياته الخاصة والعامة بما فينا تركي بن حمد البريدي
وأتمنى أن يفهم ما كتبته أو نقلته بالشكل المطلوب ..
فأنا لا أدافع عن تركي الحمد أو أدينه بفاحشه فقد كان خير مثال على حب الوطن من خلال المجابهه ..
ووطنيتي ووطنيتك تفرض علينا التضحية بكل ما نملكه من الغالي والنفيس في سبيل مصلحة الوطن ..
إنسان بلا وطن إنسان بلا هوية ووجهته نحو المجهوووووووووووول
حفظ الله لنا وطننا وقادته المخلصين بقيادة حبيب الشعب ابو متعب ..
تقبل فائق شكري وتقديري..
أخوك ،،