قصة كتاب ( تاريخ آداب العرب )
بقلم تلميذ المؤلف : محمد سعيد العريان .
مما يشوق القارئ أن يعلم أن مؤلف الكتاب قد ألفه وسنه ثلاثون سنة ، وهي سن قلما يتهيأ فيها لشاب أن يحصل من أبواب العلم باللغة
ما اجتمع للرافعي في هذا الكتاب فضلا عن أن يكون له فيما حصل من ذلك رأي وموازنة واستنباط تهيىء له أن يؤلف ويخرج برأيه لناس
في كتاب ، على أنه كتاب أول كتاب في فنه ، فما رأى قراء العربية كتابا علميا في ( تاريخ آداب العرب ) قبل هذا الكتاب وكتاب جورج
زيدان وإنما كان يكتب الكاتبون من معلمي المدارس في هذا الفن - قبل هذين الكتابين - مذكرات لتلاميذهم على نسق خاص يحدده منهج
التعليم ليحفظوها فيجوزوا بها الامتحان ولم تكن أبواب هذا الفن محدودة الأصول و الفروع ، ولم يكن لرافعي كتاب في الأدب قبل
هذا الكتاب وكان عجب أن يبلغ وهو في أول الطريق ما بلغ بهذا الكتاب .
وأنما لكل شي سبب ، و السبب في هذا التأليف هو إنشاء الجامعة المصرية في سنة 1907م ويعرف القراء أن الرافعي لم يحصل
من الشهادات العلمية غير ( الإبتدائبة ) إذ قطعته بوادر العلة التي في أذنيه عن المدارس فلزم داره يدرس لنفسه ويعلم نفسه حتى
حصل ما حصل وظل يطلب المزيد فلما أنشئت الجامعة المصرية تطلع الى مايقال هناك في دروس الأدب لعله يجد فيه الجديد الذي
يتشوف إليه و يطلبه ومضى على إنشاء الجامعة سنتان و ما استحدث شيئا في الأدب لا يعرفه الرافعي و أيقن الرافعي من يومئذ أنه شي
فلبث يتربص وطال إنتظار الرافعي وما استطاعت الجامعة أن تثبت له أن فيها دروسا للأدب وما استطاع الرافعي أن يقنع نفسه بأن
في الجامعة أساتذة يدرسون الأدب فكتب مقالا في ( الجريدة ) يحمل فيه على الجامعة و على أساتذة الجامعة و على منهج الادب في
الجامعة ورن المقال رنينه و أحدث أثره ، فاجتمعت اللجنة الفنية للجامعة وسبقت بين الأدباء جائزة لتأليف كتاب في ( أدبيات اللغة العربية )
و تعهدت بطبع الكتاب المختار و تأهب الرافعي لتاليف كتابه وانقطع الرافعي لتأليف هذا الكتاب و فرغ منه وأتمه قبل أن يحل الأجل
الذي فرضته الجامعة و لم يكن الرافعي طامعا في جائزة الجامعة ولذلك لم يتقدم لها بكتابه ترفعا عن قبول الحكم فيه لجماعة ليس منهم
من هو أبصر منه بالمحكوم فيه !! وكان أسبق المؤلفات ظهورا لدعوة الجامعة الجزء الأول من كتاب جورج زيدان ثم هذا الكتاب
الذي بين أيدينا سبقه بشهر او شهرين سبقا مطبعيا .
.
دمتم بخير