 
 
كثيرة هِي الْأَوْقَات الَّتِي أَتَعَطِّش فِيْهَا لَصَوْت 
يُدَمْدِم جُرْح بِدَاخِلِي يَنْزِف وَلَكِن لَا أَحَد سِوَاك يَا وُرْق 
يُعْطِيَنِي حُرِّيَّة وَشْم جَسَدِه بـِ نَدَبَات يَرْشُقُهَا الْوَقْت و يَرْحَل . 
لَا أَعْلَم مَا هِي عُقْدَة الْوَقْت مَعِي ؟! 
حِيْن أَنْتَظِر الْأَشْيَاء لَا تَأْتِي فِي وَقْتِهَا وَحِيْن أَمْقُتُهَا 
تَأْتِي فِي وَقْتِهَا ,كَأَن الْوَقْت يُحَرِّضَهُا عَلَى عِصْيَانِي , 
لَا أَعْلَم قَد أَكُوْن أَنَا لَعْنَة عَلَى الْوَقْت , كَمَا تَقُوْل أُمِّي : 
"أَنْت لَا تَأْتِي إِلَّا فِي الْوَقْت الْضَّائِع" , 
بِالْمُنَاسَبَة : مِن الْضَّائِع أَنَا أَم الْوَقْت ؟! 

بِائِع الْوَرْد لَم يَعُد مَوْجُودَا فِي زَمَانِنَا هَذَا , 
فَفِي زَمَانِي كَثُرُوْا بَاعَة الْشَّوْك فَهُم يَغْرُسُونَهَا فِي 
أَقْدَام الْمَارَّة بِمَحْض غَفْلَة فَانْتَعَلُوا الْطُّرُقَات 
حَتَّى لَا تَشُج أَقْدَامَكُم . 

أَخْبَرَتْنِي سَالِفا : أَنَّهَا تَخَاف (وَأْد الْبَنَات) 
و أَن مُجَرَّد الْحَدِيْث عَن هَذِه الْمُعْضِلَة يَجْعَل 
نَبَضَاتِهَا الْصَّغِيْرَات يَرْكُضْن دُوْن هَوَادَة بِعَكْس اتِّجَاه الرِّيَح . 
و كُنْت أَخْبَرَهَا أَنِّي أَنَا الْأُخَر أَخْشَى (وَأْد الْأُمْنِيَات) 
و أَن الْأُمْنِيَات هُن بَنَاتِي الَّلاتِي لَم أمْنَحِنْهُن اسْمِي . 
فَكَانَت تَرِبَت عَلَى كَتِفِي و تَمَضْي 
بِنِصْف ابْتِسَامَة خَاوِيَة المَلَامِح 

كَانَت تَعْشَق الْبَلَل و تَثِب طَوَيْلَا تَحْت الْمَطَر 
ثُم تَرْكُض وَتَقِف أَمَامِي فَجْأَة و تَحِضْنُنِي دُوْن أَن تَنْبِس بِكَلِمَة . 
كَانَت امْرَأَة غَرِيْبَة الْأَطْوَار , أَرْغَمَتْنِي عَلَى عَادَة الْتَّجَسُّس الْبَغِيض 
أُرَاقِب تَحَرُّكَاتِها أَثْنَاء نَوْمِهَا كَانَت كَثِيْرَة الْتَّقَلُّب أَثْنَاء الْنَّوْم 
و كَأَنَّهَا تُصَارِع الْمَوْت وَلَكِن (سَر الْبَلَل) بَات يُعَشِّش فِي ذَاكِرَتِي 
و ظَل يُشَلَّنِي عَن الْمُضِي فِي نِسْيَانَه ,حَتَّى وَجَدْتُهَا تُكْتَب سَرَّا : 
"أَعْشَق الْبَلَل لِأَنَّه لَا يَجْعَلَنِي أَحْتَاج الْدُّمُوْع فَإِنِّي أَخْشَى الْجَفَاف " 
أَكَانَت تَبْكِي بِعَيْن الْسَّمَاء ! 

اللَّحَظَات الْثَّمِيْنَة نُخَبِّئُهَا فِي ذَاكِرَتِنَا 
خَشْيَة أَن يَبِيْعَهَا الْنِّسْيَان بـ أُبْخِس الْأَثْمَان , 
فَالَحُزْن يَا صَدِيْقِي كَافِر يَزْرَع الْجُوْع بِذَاكِرَتِي 
حَتَّى أَجْتَر كُل قَطْعَة وَجَع و أَتقَيِّئِهَا . 

الثِّقَة كَنْز ثَمِيْن بِالْنِّسْبَة لِي دَفَنْتُه فِي بَعْضِهِم 
وَلَكِنَّهُم اخْتَلَسُوه و هَرَبُوْا ـ غَيْر مَأْسُوف عَلَيْهِم ـ 
أَصْبَحَت فَقِيْر جِدَّا فِي تَعَامُلِي مَع الْآَخِرِين , 
أُعِامِلَهُم بِحَذَر فَلَا شَيْء لَدَي لَأَمْنَحَهُم إِيَّاه فَمَا عُدْت 
أَمْلِك وَجْها يَحْتَمِل صَفَعَات الْخَيْبَة .فَلَم أُبَرِّئ بَعْد 
مِن تِلْك الْثَغَرَات الَّتِي أَحْدَثَتْهَا أَصَابِعَهُم الْكَثِيرَة فِي وَجْهِي. 

قَال لِي أَحَدُهُم "إِن شِفَاء الْأَحْلَام لَا يَكُوْن إِلَّا بِتَحَقُّقِهَا أَو مَوْتِهَا" 
وَلَكِن أَحْلَامِي الْصَّغِيْرَة لَا تَتَحَقَّق و لَا تَمُوْت ! 
حَاوَلْت شَنَقَها , دْهُسِهَا , قَتَلَهَا , وَلَكِنَّهَا كَانَت تَتَشَبَّث بِالْحَيَاة 
تَسْتَقِي الْعِنَاد مِن شَخْصِيَّتَي و تَنْسُج مِن الْنُّوْر شِفَاهِا لِتَتَنَفَّس بِهَا ..ٍ