إعادة الاستقرار لأسواق النفط رهن بتنشيط الاقتصاد والخروج من الأزمة العالمية
محمد العبد الله ـ الدمام
اعتبر اقتصاديون أن تخفيض سقف الإنتاج يمثل الخيار المتاح أمام الدول المنتجة من أوبك وخارجها إذ لا يمتلك المنتجون خيارات عديدة في ضوء تداعيات المخاوف من حالة القلق التي تسود العالم حاليا، بسبب دخول الاقتصاد الأمريكي موجة الركود وبالتالي تراجع الطلب العالمي على النفط خلال الفترة القليلة القادمة. وأوضحوا أن اتخاذ قرار خفض جديد لسقف الإنتاج قد يضر باقتصاديات الدول المنتجة، إذ ستتراجع مداخيل تلك الدول من النفط، مشيرين إلى أن العامل النفسي يمثل المحرك الأساسي لما يجري حاليا في الأسواق النفطية، إذ توجد حالة من الخوف والذعر على المستوى العالمي من حدوث تراجع في الطلب على النفط. وتوقعوا أن يحدث تحول شيئا فشيئا في وضع السوق بقدوم الشتاء المقبل، بحيث يتزايد الطلب على النفط ويرجع لمستوياته السابقة، موضحين أن أسعار النفط ستبقى عند مستويات 60 دولارا خلال الفترة القليلة المقبلة. وأشاروا إلى أن إعادة الاستقرار لأسواق النفط رهن بتنشيط الاقتصاد والخروج من الأزمة العالمية. وأوضح الدكتور تيسير الخنيزي أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، أن تراجع أسعار النفط بالرغم من قرار أوبك يوم الجمعة الماضي بخفض سقف الإنتاج بمقدار 1,5 مليون برميل يوميا، مرتبط بالحالة النفسية التي يمر بها السوق العالمي، جراء المخاوف من حدوث ركود اقتصادي، مؤكدا أن الخيار الوحيد أمام أوبك في الوقت الراهن يتمثل في السيطرة على سقف الإنتاج بالإضافة لتعاون العالم بأسره للخروج من الأزمة المالية الحالية، فاستمرار الوضع الحالي قد يقود لانهيار عالمي، الأمر الذي لا يصب في مصلحة العالم، مشيرا إلى أن السعر الحالي 62 دولارا للبرميل يعتبر منخفضا بالقياس إلى القيمة السوقية خلال حقبة السبعينات والثمانينات، فالقيمة الحالية بالمقارنة مع القوة الشرائية خلال تلك الفترة لا يساوي أكثر من 20 دولارا، مضيفا أن تراجع النفط مرتبط بالمشكلة المالية التي تعصف بالاقتصاد العالمي، فحالة القلق والهلع التي تعم العالم شكلت عوامل أساسية في تدهور أسعار النفط في الأسواق العالمية.
وقال إن الطلب على النفط خلال فصل الشتاء يفترض أن يسجل ارتفاعا ملحوظا، بيد أن العوامل الاقتصادية ستكون العامل المؤثر في تحديد مسار الطلب خلال الأشهر القادمة، فإذا استمر الوضع المالي والاقتصادي فإن الطلب سيتأثر بشكل سلبي، فاستخدامات النفط لا تقتصر على التدفئة فقط، بل تشمل الدخول في الصناعة والإنتاج، فإذا استمرت الأوضاع المالية في تدهور فإن المصانع ستواصل تقليص حجم الطلب، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على الأسعار في الأسواق العالمية.
وأكد أن الدول المنتجة من خارج أوبك تعتبر هذه الفترة فرصة ذهبية، حيث تسعى لاقتناص الفرصة في زيادة الإنتاج والاستحواذ على حصة أكبر بعد قرار أوبك بخفض سقف الإنتاج، وبالتالي فإن الدول خارج أوبك تحاول الاستفادة من قرارات وسياسات أوبك بطريقة غير مباشرة، خصوصا أن تلك الدول تتحرك بعيدا عن أوبك، مما يعطي مساحة كبيرة للتحرك والاستفادة من الظروف.
واستبعد الدكتور عبدالوهاب القحطاني أستاذ الإدارة والتسويق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، حصول تنسيق مشترك بين أوبك والدول من خارجها، فإنتاج أوبك لا يمثل سوى 30% من الإنتاج العالمي، كما أن الشركات في الدول خارج المنظمة تسير وفق سياسات حكوماتها، وبالتالي فإنها تحاول إحداث توازن بين احتياجات الشركات والحكومات، بالإضافة إلى أن الدول الصناعية تسعى للحصول على النفط بأسعار تساعدها لتجاوز الركود الاقتصادي المتوقع، الذي بدأ العالم يتلمسه فعليا، مؤكدا عدم قدرة أوبك في التأثير على الدول من خارج أوبك لإيجاد نوع من التنسيق لضبط الأسعار في الأسواق العالمية، نظرا لوجود منافسة قوية بين الطرفين للحصول على حصة أكبر في سوق النفط العالمي، موضحا أن هناك دولا كثيرة لا يوجد لديها احتياطيات نفطية كبيرة، لذلك فإنها تسعى للاستفادة من الوضع الحالي والبيع بسعر السوق بعيدا عن النظرة المستقبلية، مضيفا أن المخاوف من التوصل إلى بدائل للطاقة بأسعار رخيصة خلال الفترة القادمة، يمثل عاملا أساسيا في انعدام مؤشرات التعاون المشترك بين أوبك والدول من خارجها، حيث تعتقد تلك الدول أن استخدام بدائل الطاقة يحرمها من الاستفادة من مخزونها النفطي.
وأشار إلى أن الركود الاقتصادي في أمريكا والتخوف من حدوث كساد اقتصادي، يعتبر أحد الأسباب الرئيسية وراء تراجع الطلب في الأسواق العالمية، وتوقع في الوقت نفسه أن يشهد الربع الأول من عام 2009 تحولا إيجابيا في إجمالي الطلب على الطاقة، حيث سيبدأ الطلب في التزايد أكثر مما هو عليه خلال الشهرين المقبلين، مؤكدا أن دول أوبك لا تمتلك خيارات سوى تقليص كميات النفط، بيد أن مثل هذا الخيار قد يضر باقتصادياتها التي تعتمد على النفط في الحصول على المداخيل.