حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي من كتابه حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الله بن العلاء عن أبي الأزهر المغيرة بن فروة قال
قام معاوية في الناس بدير مسحل الذي على باب حمص فقال أيها الناس إنا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا وأنا متقدم فمن أحب أن يفعله فليفعله قال فقام إليه مالك بن هبيرة السبئي فقال يا معاوية أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شيء من رأيك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صوموا الشهر وسره
حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي في هذا الحديث قال قال الوليد سمعت أبا عمرو يعني الأوزاعي يقول سره أوله حدثنا أحمد بن عبد الواحد حدثنا أبو مسهر قال كان سعيد يعني ابن عبد العزيز يقول سره أوله قال أبو داود وقال بعضهم سره وسطه وقالوا آخره
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
عون المعبود شرح سنن أبي داود
( بدير مسحل )
: قال في القاموس : الدير خان النصارى والخان الحانوت أو صاحبه انتهى . والحانوت الدكان . وقال في تاج العروس : ومسحل اسم رجل وهو أبو الدهناء امرأة العجاج انتهى . ولعل مسحلا كان باني هذا الدير أو مالكه
( على باب حمص )
: قال في مراصد الاطلاع : حمص بالكسر ثم السكون والصاد مهملة بلد مشهور كبير
( فقال )
: معاوية
( قد رأينا الهلال )
: أي هلال شعبان
( وأنا متقدم )
: رمضان ( بالصيام ) : وهو محل الترجمة
( أن يفعله )
: أي تقديم رمضان بالصوم
( قال )
: أبو الأزهر
( فقام إليه )
: أي إلى معاوية
( السبئي )
: بمفتوحة وفتح موحدة فكسر همزة وقصر نسبة إلى سبأ عامر بن سحب قاله المغني
( قال )
: معاوية
( صوموا الشهر وسره )
: قال في النهاية : أراد صوموا أول الشهر وآخره انتهى .
وقال الخطابي : والعرب تسمي الهلال الشهر يقول رأيت الشهر أي الهلال انتهى .
وقال في فتح الودود : صوموا الشهر وسره بكسر فتشديد يقال سر الشهر وسراره وسرره لآخره لاستتار القمر فيه , ويحتمل أن المراد بالشهر رمضان وسره أي آخره لتأكيد الاستيعاب أو المراد بآخره آخر شعبان وإضافته إلى رمضان للاتصال , والخطاب لمن يعتاد أو لبيان الجواز , ويحتمل أن المراد بالشهر كل شهر والمراد صوموا أول كل شهر وآخره , والمقصود بيان الإباحة انتهى .
( يعني الأوزاعي يقول سره أوله )
: قال الخطابي : وأنا أنكر هذا التفسير وأراه غلطا في النقل ولا أعرف له وجها في اللغة والصحيح أن سره آخره هكذا حدثنا أصحابنا عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل حدثنا محمود بن خالد الدمشقي عن الوليد عن الأوزاعي قال سره آخره وهذا هو الصواب , وفيه لغات يقال سر الشهر وسرار الشهر وسمي آخر الشهر سرا لاسترار القمر فيه , وإذا كان أول الشهر مأمورا بصيامه في قوله صوموا الشهر فقد علم أن الأمر بصيام سره هو غيره أوله .
--------------------------------------------------------------------------------
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله :
وقد أشكل هذا على الناس : فحمله طائفة على الاحتياط لدخول رمضان , قالوا وسرر الشهر وسراره - بكسر السين وفتحها , ثلاث لغات - وهو آخره وقت استسرار هلاله , فأمره إذا أفطر أن يصوم يوما أو يومين , عوض ما فاته من صيام سرره احتياطا .
وقالت طائفة منهم الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز : سرره أوله , وسراره أيضا فأخبره أنه لم يصم من أوله , فأمره بقضاء ما أفطر منه . ذكره أبو داود عن الأوزاعي وسعيد . وأنكر جماعة هذا التفسير فرأوه غلطا قالوا : فإن سرار الشهر آخره , سمي بذلك لاستسرار القمر فيه .
وقالت طائفة : سرره هنا وسطه , وسر كل شيء جوفه , وقال البيهقي : فعلى هذا أراد أيام البيض . هذا آخر كلامه . ورجح هذا بأن في بعض الروايات فيه : " أصمت من سرة هذا الشهر ؟ " وسرته : وسطه , كسرة الآدمي .
وقالت طائفة : هذا على سبيل استفهام الإنكار , والمقصود منه الزجر . قال ابن حبان في صحيحه : وقوله : " أصمت من سرر هذا الشهر ؟ " لفظة استخبار عن فعل مرادها الإعلام بنفي جواز استعمال ذلك الفعل منه كالمنكر عليه لو فعله , وهذا كقوله لعائشة : " أتسترين الجدار ؟ " وأراد به الإنكار عليها بلفظ الاستخبار .
وأمره بصوم يومين من شوال أراد به انتهاء السرار , وذلك أن الشهر إذا كان تسعا وعشرين يستسر القمر يوما واحدا , وإذا كان الشهر ثلاثين يستسر القمر يومين , والوقت الذي خاطبه فيه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخطاب يشبه أن يكون عدد شعبان كان ثلاثين , فمن أجله أمر بصوم يومين من شوال . آخر كلامه .
وقالت طائفة : لعل صوم سرر هذا الشهر كان الرجل قد أوجبه على نفسه بنذر , فأمره بالوفاء .
وقالت طائفة : لعل ذلك الرجل كان قد اعتاد صيام آخر الشهر , فترك آخر شعبان لظنه أن صومه يكون استقبالا لرمضان , فيكون منهيا عنه , فاستحب له النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضيه , ورجح هذا بقوله : " إلا صوم كان يصومه أحدكم فليصمه " , والنهي عن التقدم لمن لا عادة له . فيتفق الحديثان . والله أعلم .