لارتباك يفضح «المحامي المزيّف» في المحكمة
يوسف حمادي - الرباط
لم يكن إلقاء القبض على النصاب وسط المحكمة الابتدائية بمدينة تارودانت الى الجنوب المغربي, وليد الصدفة بل جاء نتيجة كمين محكم أعده رئيس المحكمة شخصيا للايقاع بالمحامي المزور الذي كان يصطاد ضحاياه بذكاء لسلبهم المال والوثائق الادارية. لقد هاجر المدعو "أحمد" من مدينة طانطان الى مدينة تارودانت, ليرمي شباك حلوله الوهمية على الساذج "رشيد". كانت شوارع مدينة طانطان المغربية في ذلك اليوم هادئة, فالناس منهمكون في مشاغلهم, اما في مكاتب الوظائف الحكومية, او في الاعمال الخاصة في المرسى البحري غير ان شابا في عقده الثالث كان خارج اطار سواعد العمل الحلال, غادر منذ ايام قليلة السجن صاغرا ليعود الى غرفة مهملة فوق السطوح ليجمع ما تبقى بها صالحا من حاجياته. غادر احمد السجن بعد قضائه عامين بتهمة النصب والاحتيال وانتحال صفة "بنكي" ولهذا, وبعد ذيوع شهرته السيئة وسط المدينة الهادئة قرر النصاب الهجرة الى مدينة تارودانت ذات الطبيعة الفلاحية, عاقدا العزم على العمل الجاد وبداية صفحة جديدة في حياته.
النصاب يحيا من جديد
لم يلتزم احمد بما وعد به نفسه من توبة وهو يغادر مدينة طانطان, فقد ظهر فيه النصب من جديد خصوصا عندما شاهد بالسوق الأسبوعي مقدم المنطقة, عون السلطة يسلم رشيد استدعاء الحضور الى المحكمة الابتدائية بالمدينة لأداء ما بذمته لفائدة الدولة عما قام به من تكسير بقناة لمياه السقي بالمدشر, لقد كان احمد يرمق رشيد والمقدم عن بعد, لكنه بعد توديع المقدم لرشيد ناصحا اياه بالالتزام بأمر المحكمة والحضور في الموعد لأداء ما بذمته, تقدم احمد الى رشيد مقدما اليه شخصه بأنه محام بهيئة تارودانت ثم عرض عليه خدماته القانونية لانقاذه من ورطته, مقابل ادائه للمحامي المزعوم نصف مبلغ المخالفة أي 1500 درهم مغربي ما يعادل "725 ريالا".
لقد اثلج مقترح المحامي المزعوم صدر رشيد ولم يتردد في قبول فكرته بالرغم من ان رشيد لم يمر على معرفته بأحمد سوى بضع دقائق لكنهما خلصا بعد تناولهما الشاي في احد المقاهي الشعبية الى ضرب موعد خلال اليوم التالي ليتسلم احمد المبلغ من رشيدو وثائق القضية المتنازع حولها, وافترقا على أمل اللقاء بعد يومين بمقر المحكمة الابتدائية بتارودانت لاتمام الاجراءات الادارية اللازمة والدخول الى القاعة للترافع لتبرئة رشيد من المنسوب اليه.
بعد وصول الضحية الى المحكمة قام بالاتصال هاتفيا بالمحامي المزعوم هذا الاخير الذي استجاب للتو وسلمه رشيد المال المتفق عليه وفي اللحظة التي كان يجلس فيها النصاب الى ضحيته وسط المحكمة, يحكي له عن بطولاته وانقاذه موكليه من احكام محققة, وهو في الحقيقة كما سيصرح للضابطة القضائية بعد ضبطه لم يكن يفعل ذلك سوى للحصول على المزيد من المال الحرام, مرّ بالقرب منهما رجل بلباس محترم ووقف ليسأل الجالسين عن سبب حضورهما المحكمة, ودونما تحفظ او تردد اجاب رشيد انه جاء برفقة محاميه احمد للحصول على البراءة والاعفاء من مبلغ التعويض عن الضرر الصادر عن نفس المحكمة, ونظرا لارتباك المحامي المزور امام استفسار الرجل الأنيق, الذي لم يكن سوى رئيس المحكمة فطلب من الجالسين مرافقته الى مكتبه لايجاد الحل للمشكلة, وفي ردهة المحكمة لم يتجه رئيسها نحو مكتبه, بل اتجه صوب مكتب وكيل الملك, المدعي العام, وفور ولوج الثلاثة المكتب طلب رئيس المحكمة من المدعي العام القيام بالبحث والتحقيق في قضية المواطنين الاثنين, وما هي الا بضع دقائق حتى حضرت الشرطة القضائية لتعميق البحث مع الجاني, والتوصل من خلال البحث الى ان احمد ليس محاميا بل مجرد نصاب منتحل لصفة مهنية ينظمها القانون, معترفا انه سبق له ان قدم امام العدالة بمدينة طانطان من اجل التزوير واستعماله وانتحال صفة , فتم تقديمه في اليوم التالي الى المحاكمة بنفس المحكمة التي ألقي عليه القبض فيها متلبسا.