القمة الخليجية تعزز خطوات الاتحاد النقدي الخليجي
فتحي عطوة -القاهرة
يفرض الملف الاقتصادي نفسه بقوة على القمة الخليجية التي بدأت أعمالها في مسقط أمس في ظل الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على أسواق النفط . وفي ضوء الانخفاض الحاد في أسعار البترول من 147 دولارا للبرميل في يوليو الماضي إلى ما دون 40 دولارا فإن الاجتماع يكتسب أهميته للوقوف على الجهود المبذولة لاستكمال جهود إطلاق العملة الخليجية الموحدة في موعدها المحدد عام 2010. ورغم مايثار عن الغموض الذي يحيط بإطلاق هذه العملة فإن الظروف الاقتصادية العالمية تسهم في تقوية الإرادة السياسية والاقتصادية للدول الأعضاء واستجابة عدد منها لبعض متطلبات الوحدة النقدية، وأهمها التغلب على أبرز هذه الصعوبات المتمثلة في تنامي التضخم الذي يعد العائق الأكبر في الاتفاق على طرح العملة.
البداية والتطور
بدأت فكرة إصدار عملة موحدة لدول الخليج مع نشأة مجلس التعاون . وأشارت الوثيقتان الرئيسيتان للمجلس ، النظام الأساسي والاتفاقية الاقتصادية الموحدة لعام 1981م ، إلى الخطوط العريضة والمعالم الأساسية والعامة لبرنامج تعاون وتكامل اقتصادي لدول مجلس التعاون . ومنذ ذلك الوقت بدأ العمل لتحقيق التكامل بين دول المجلس ، فقد أنشئت عام 1983م لجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية بهدف تنفيذ مانصت عليه هذه المـادة وتنسيق السياسات النقدية والمصرفية ، وتفرع عن لجنة المحافظين لجان متخصصة لدراسة الجوانب الفنية للتعاون والتكامل في مجالات الإشراف والرقابة والتدريب المصرفي ونظم المدفوعات . وفي عام 2002م أنشئت لجنة الاتحاد النقدي.
وبنهاية عقد التسعينات ، ونظرا لتحقيق تقدم فيما يتعلق بالاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون ونجاح الاتحاد الأوربي في موضوع اليورو أعيد بحث موضوع العملة الخليجية الموحدة ، وقرر المجلس الأعلى في قمته التي عقدت في مملكة البحرين عام 2000م تبني الدولار الأمريكي مثبتا مشتركا لعملات دول المجلس في المرحلة الحالية ، ووجه وزراء المالية والمحافظين بإعداد برنامج زمني لإقامة الاتحاد النقدي وإصدار العملة الخليجية الموحدة.
معايير التقارب الاقتصادي
وأقـرّ المجلس الأعلى في دورته السادسة والعشرين (أبوظبي ، ديسمبر 2005) المعايير التالية لتحقيق تقارب الأداء الاقتصادي والاسـتقرار المالي والنقدي:
(1) معايير التقارب النقدي ، وتتمثل في معدلات التضخم ومعدلات الفائدة ومدى كفاية احتياطات السلطة النقدية من النقد الأجنبي.
(2) معايير التقارب المالي وتتمثل في نسبة العجز السنوي في المالية الحكومية إلى الناتج المحلي الإجمالي ، ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.
وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد النقدي والاقتصادي بين دول المجلس مر بعدة مراحل، منذ إقرار المجلس الأعلى في دورته 22 للاتفاقية الاقتصادية الموحدة في ديسمبر 2001، بدءاً من اعتماد الدولار الأمريكي مثبتاً مشتركاً للعملات، واستكمال بحث معايير الأداء الاقتصادي اللازمة لنجاح الاتحاد النقدي.
وفي خطوة هامة تجاه تحقيق الاتحاد النقدي الخليجي أقر محافظو البنوك المركزية الخليجية في اجتماعهم ال46 في الدوحة يونيو 2008 مسودة اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي التي تتضمن الأسس التنظيمية والمؤسسية والتشريعية اللازمة لإقامة هذا الاتحاد.
كما كان موضوع الاتحاد النقدي أبرز القضايا التي طرحت أمام الاجتماع الثامن والسبعين للجنة التعاون المالي والاقتصادي بدول مجلس التعاون في نوفمبر 2008 ، في مسقط وفي مقدمتها مقترحات اللجان المعنية بتنفيذ توجيهات المجلس الأعلى لتسريع الأداء وإزالة المعوقات التي تعترض مسيرة العمل المشترك . واتفاقية الاتحاد النقدي والنظام الأساسي للمجلس النقدي وهما وثيقتان تشكلان انطلاقة نوعية لتطبيق الاتحاد النقدي المنصوص عليه في الاتفاقية الاقتصادية .
الآثار الإيجابية للعملة الموحدة
ولاشك أن إصدار العملة الخليجية الموحدة يكتسب أهمية خاصة لدورها الإيجابي في تعزيز التكامل الاقتصادي، اذ تعد رمزا للوحدة الخليجية مثلما أصبح (اليورو) رمزا للاتحاد الأوروبي فضلا عن دورها في تقديم مجالات أوسع وأرحب للمستثمرين الخليجيين ودعم أسواق المال الخليجية.
وتعد الوحدة النقدية أبرز متطلبات السوق الخليجية المشتركة لتحقيق الاستفادة من حجم النتائج الإيجابية التي حققها المجلس ومنها ارتفاع حجم التجارة البينية بين دوله من 12.215 مليار دولار في العام 1980 إلى نحو 33.943 مليار دولار في العام 2005، وكبر حجم الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء 725 مليار دولار حسب إحصاءات 2006, بينما تمتلك 45% من احتياطيات العالم من النفط ويبلغ عدد سكانها 38 مليون نسمة, ما يؤهلها لتكوين سوق استراتيجية هامة.
وحسب رأي الخبراء فإن التوصل إلى عملة خليجية موحدة يظل أحد أهم عناصر استكمال السوق الذي اكتمل بنسبة 80% وينقصه التوصل إلى العملة خاصة بعد أن اتخذ مجلس التعاون في السنوات الماضية العديد من التدابير والخطوات لتهيئة الأمور من أجل إنشاء السوق المشتركة. ومن أبرز الخطوات التي تمت السماح لجميع مواطني الدول الأعضاء في المجلس بتملك العقار والأسهم ومزاولة الأنشطة التجارية واتباع الدول الأعضاء السياسات والأنظمة الموحدة في المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية والمالية . ثم إقامة منطقة التجارة الحرة في عام 1983، والاتحاد الجمركي في الأول من يناير 2003.
ويعد الوصول إلى العملة الموحدة وإقامة الاتحاد النقدي لدول المجلس تتويجا لما تم إنجازه من مراحل التكامل الاقتصادي وسيزيد من إيجابياتها ويقوي مكاسب الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة حيث سيترتب على قيام هذا الاتحاد وإصدار العملة الخليجية الموحدة آثار متعددة على مختلف القطاعات الاقتصادية لاسيما التجارة البينية والسياحة والاستثمارات. وستلاحظ آثاره بشكل أكبر على قطاع الخدمات المالية والأسواق المالية والتي ستشهد نموا مطردا وتطورات متسارعة.