تبيت بين الموت الأسود والظلام الدامس
غزة الجريحة: مساؤها قصف وموت ونهارها جنازات شهداء

عبد القادر فارس - غزة
وسط حلكة ظلام دامس بسبب انقطاع التيار الكهربائي بشكل كامل , وغياب كل وسائل الحياة وبين الموت الأسود الذي تزرعه الطائرات الحربية الإسرائيلية منذ يوم السبت الأسود , والذي أوقع أكثر من 300 شهيد وأكثر من 1200 جريح , باتت غزة ليلتها الأولى والثانية بعد قرار الهجوم الإسرائيلي , الذي لم تشهد غزة له مثيلا وهمجية منذ حرب يونيو عام 1967 , فرائحة الموت في كل مكان , وعشرات الجثث المقطعة إلى أشلاء لا تجد من يتعرف على أصحابها , وسط نداءات من المستشفيات للأهالي بضرورة الحضور لاستلام جثث أبنائهم , وسرعة دفن الجثث قبل أن تتعفن , لأن ثلاجات الموتى في المستشفيات لا يمكن أن تتسع لهذا العدد الهائل من الجثث. ومن استطاع الوصول إلى المستشفى لأخذ جثة ابنه سارع بدفنها دون مراسم دفن , ودون سرادقات للعزاء , فكل شيء في غزة مستباح بالقصف. القصف وصل إلى مكان ,حتى المساجد والمستشفيات والمدارس والجامعات والأنفاق ووسائل الإعلام. القصف أيضا طال منازل المواطنين , وتكفي مكالمة واحدة من متحدث بلكنة عربية صعبة من وزارة الدفاع الإسرائيلية , تطالب أهل البيت بإخلائه خلال خمس دقائق , قبل أن تقوم قنابل الطائرات بمحوه عن الأرض , ليبيت الأطفال والنساء في الشوارع المظلمة , في برد يناير القارس في غزة المنكوبة بالمجزرة الجديدة .
النداءات من كافة المستشفيات , تدعو المواطنين إلى سرعة التبرع بالدماء , فأعداد الجرحى فاق عدد الأسرة في مستشفيات تفتقد إلى أدنى مقومات العلاج , فلا إمكانيات ولا دواء , والجراح خطيرة تستدعي العلاج العاجل خارج الوطن , لكن طائرات الاحتلال تترصد كل حركة للسيارات , وحتى السيارات التي تنقل الوقود لم تسلم من القصف , مما يؤدي إلى إحداث حرائق هائلة تأتي على عشرات المنازل .
الموت يزرع في كل مكان , ولا عزاء للشهداء , نهار غزة أسود كليلها , فدخان القصف الإسرائيلي الكثيف يغطي سماءها, وطائرات الاحتلال بجميع أنواعها الحربية والعمودية , والتي بدون طيار تصم الآذان وترعب بأصواتها الأطفال والنساء , بينما مآذن المساجد تصدح بآيات القرآن الكريم , أو تدعو إلى المشاركة في جنازات الشهداء , أو تذيع بيانا بين الحين والآخر يعلن عن قصف صاروخي فلسطيني لبلدات العدو المحاذية لغزة .