:: المركز الإخباري :: الديوان المقروء :: الديوان المسموع :: قناة ويلان :: مركز التحميل :: للمميزين فقط ::

مركز ويلان الاخباري
بعض قصايدي المسموعه (اخر مشاركة : غازي العايد - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7856 )           »          علمتني الحياة (اخر مشاركة : طلال الفقير - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8709 )           »          جديدي قصايدي غازي العايد (اخر مشاركة : غازي العايد - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7717 )           »          بعض قصائدي المسموعه 2023 (اخر مشاركة : غازي العايد - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6997 )           »          بعض قصائدي المسموعه 2023 (اخر مشاركة : غازي العايد - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6631 )           »          ஐღإهداء عبارات من القلب إلى القلبஐღ (اخر مشاركة : عابر احساس - عددالردود : 7195 - عددالزوار : 1501298 )           »          تفعيل الحساب (اخر مشاركة : أبوجابر - عددالردود : 3 - عددالزوار : 14 )           »          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (اخر مشاركة : جميل السويلمي - عددالردود : 2 - عددالزوار : 13 )           »          صلى على نبينا محمد (اخر مشاركة : مبارك كريم المعيتق - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38914 )           »          بيته المهجور (اخر مشاركة : حمد الوايلي - عددالردود : 1 - عددالزوار : 37483 )           »         
آخر المشاركات




منتدى التاريخ والتراث العربي قصص من الماضي -تاريخ القبائل العربيه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03/07/11, (05:53 AM)   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
جلال الدرعان
اللقب:
مشرف منتدى الخواطر والقصص

البيانات
التسجيل: 17/12/10
العضوية: 6107
الدولة: الجبيل
المشاركات: 1,418
بمعدل : 0.29 يوميا
معدل التقييم: 43
نقاط التقييم: 541
جلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدود


الإتصالات
الحالة:
جلال الدرعان غير متصل
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جلال الدرعان المنتدى : منتدى التاريخ والتراث العربي
افتراضي رد: دراسة عن قبيلة عنزة Anza tribe bin Wael

مورس ورفاقه في مضارب قبيلة السبعة الوائلية




اسم الرحلة : البحث عن الحصان العربي (مأموريّة إلى الشرق) .
تاريخ الرحلة : 1323هـ / 1905م .
ترجمه من الإسبانية وعلّق عليه : د. عبدالله بن ابراهيم العمير.
الناشر : دارة الملك عبدالعزيز، الرياض، 1428هـ.


الرحالة هو : ل. اثبيتيا دي مورس، ضابط في الجيش الإسباني، أرسل من ضمن وفد إلى بلاد الشام، من قبل حكومة إسبانيا؛ لجلب الحصان العربي الأصيل؛ لتحسين السلالات الموجودة عندهم هناك.




قال مورس في ص 159 : أمضينا ليلة التاسع مستقبلين اليوم العاشر من شهر يوليو (تموز) بين أبناء فخذ طوقان وذلك حتى الواحدة صباحاً، حينما حللنا خيمنا وامتطينا الجياد متوجهين صوب مضارب السبعة. وبهذا فقد أصبح من الواضح من خلال تحركاتنا النشيطة أنه إذا لم نعثر على الجياد المقصودة فإن ذلك ليس بسبب تقصيرنا في البحث عنها.


عشيـرة السبعة :

إلى أن قال : في هذه المهمة أمضينا وقتاً طويلاً يتراوح بين ثماني ساعات وتسع، حتى أعمل فينا الحر عمله في الحادية عشرة صباحاً، عندها وصلنا إلى مضارب السبعة الواقعة في منخفض ضيق من الأرض - وإن كان ممتداً في طوله - ويسمى خطأ بالوادي وهو المعروف بمنخفض العويسية Ahuayes، وهو واد لا أودُّ حتى مجرد تذكّر اسمه.


ويضيف في نفس السياق : في ذلك المنخفض أقامت أسر هذه القبيلة العظيمة ما يقرب من أربعة آلاف خيمة (بيت)، شاغلة مساحة تصل إلى مد البصر في هذه المضارب الكثيرة السكان. وحين أصبحنا داخل هذه المنطقة تابعت قافلتنا مسيرتها في طابور عبر الدروب التي تكونت بين تلك الخيام التي نسجت من وبر الجمل وشعر الماعز القاتم دون أن نلحظ أي استغراب أو فضول من جانب السكان لحظة مرورنا بهم.


لا الرجال ولا النساء، ولا حتى الأطفال الذين مررنا بهم في طريقنا أبدوا أدنى اهتمام بوجودنا، متابعين طريقهم أو عملهم دونما اكتراث بنا. لا شئ من تلك النظرات العدوانية ولا الاستطلاعية؛ إن تعبيرات وجوههم كانت أشبه بتلك التي تبدو عليهم حين يمر بهم أحد جيرانهم.




استمر بنا المسير عبر دروب تلك المضارب ذات الخيام القاتمة السوداء ما يقرب من ثلاثة أرباع الساعة حتى وصلنا إلى خيمة كبير القوم التي كانت منصوبة في أحد أطراف المخيم.




كان شيخ القبيلة عجوزاً في الخامسة والستين من عمره، يسير بصعوبة، ومع ذلك، فإنه خرج في لطف لاستقبالنا بمجرد أن وطئت أقدامنا التراب وأخذ خوسيه يقدمنا إليه، فصافحنا مباشرة، فسلّم على القائد، ثم عليّ وعلى ضابط الإدارة العسكرية والطبيب البيطري، وذلك على غرار ما يمكن أن يفعله الحاجب الأكبر لبلاط ملكي عظيم.




بعد ذلك جلسنا على يمين الشيخ تحت ظل خيمته المفروشة بالسجاد والوسائد، في الوقت الذي بدأ رجال القبيلة يتوافدون علينا متجهين إلى زعيمهم للسلام عليه بإعزاز وإكبار قبل أن يفترشوا الأرض، في حين أخذ عبدٌ أسود يمعن الدق بطرقة تنم عن مهارة فائقة بيد المهراس (النجر) الذي يطحن فيه القهوة التي سيقدمها لنا. ولقد ذكر لنا خوسيه أن هذه الدقات تطلق على شرف كبار الزوار من الضيوف. ولأنني سبق أن تكلمت مراراً عن هذه القهوة بشيء من الازدراء والجفاء، فلنشاهد كيف يعدها ويقدمها هؤلاء البدو لضيوفهم.


فعلى مقربة من الخيمة وأمام ناظرينا أخذ العبد حفنة من حبوب البن التي ما إن وضعها في محماس من الحديد، حتى بدأت تنبعث منها رائحة ذكية، لولا أن الدخان المنتن الصادر من ذلك الوقود الوحيد في الصحراء يعمل على تعكير تلك الرائحة. ففي هذه الصحراء يصبح بعر الجمل الأكثر صلابة من روث الجواد، البديل الوحيد للخشب أو الفحم اللذين يغيبان عن الساحة تماماً.




وما إن تنتهي عملية حمس البن حتى يُنقل إلى المهراس (النجر) حيث يُظهر هنا العبد مهاراته في إطلاق دقات يد المهراس (النجر) ذات الإيقاع الموسيقي المتعدد، وذلك حسب الدرجة التي يتمتع بها الزوار من الضيوف.




وبعد ذلك يوضع البن في مرجل نحاسي (دلّة) فيه ماء يغلي، ويترك على هذه الحالة مدة عشر دقائق، ثم يقدم بعدها للحاضرين. ولا يضاف السكر إلى القهوة إطلاقاً، بل يوضع بدلاً منه قليل من حبات بذرة مُرّة ولاذعة يسمونها الهيل، أو قليل من الزعفران وذلك لجعل مذاقها أكثر قبولاً. ومما يلحظ أن هذا المشروب المرّ يعجب الأتراك والعرب على حدٍ سواء، وفي الوقت نفسه فإنهم يجهلون الشاي ويحتقرونه، وفي المقابل فإن المغاربة الذين يطلق عليهم الكثير خطأ العرب( ) يشربون الشاي بشكل كبير.




ولقد تناولنا أربعة فناجين أو خمسة كانت نصيبنا خلال تلك الدورات الكثيرة التي مرّ بها العبد بيننا حتى يفرغ محتوى الدلّة. وتجدر الإشارة إلى أن أول من كانت تقدم له القهوة هو رئيس الخيمة وذلك حتى يبرهن للجميع أنها لا تحتوي على السم.




وعلى مدى هذا الاستقبال الطويل الذي يحضره كل أشراف القبيلة دارت محادثات أعربوا فيها عن سعادتهم باستقبالنا، وعن حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمه، وعن أن السلام الإلهي يكون مع الملائكة، ونحو ذلك. وعلى أية حال فقد دار الحديث عن الكثير من الأمور عدا ما جئنا نبحث عنه. ومترجمنا حاذق يعرف جيداً هذه العادات، ولن يقبل أي شيء في الدنيا مقابل كسر هذا النظام العرفي.




هؤلاء الناس الذين يبدو عليهم عدم التحضر لا يعدمون تفاصيل المجاملة. فحين أدرك زعيم القبيلة أن القوم ينصبون خيامنا في مكان ناءٍ أصدر أوامره على الفور بأن تزال خيام البدو التي كانت تحيط بخيمته كي تنصب خيامنا بجواره، ولم يسمح لنا بالخروج من خيمته إلا بعد أن قدموا لنا الطعام.




هذا الوقت الطويل أمضيته أسجل انطباعاتي في دفتر الذكريات. الأمر الذي جعلهم يعتقدون - وفقا لما قاله خوسيه - أن زيارتنا كانت تهدف إلى الكتابة عن عاداتهم، وهو أمر لا يروقهم. وهكذا فليس أمامي من حيلة إلا أن أحفظ دفتري وأنتظر.


ها هو ذا الطعام جاهز يا سادة.


أحضر أربعة من البدو صينيتين نحاسيتين كبيرتين يمسكون بكلتيهما من مقابضهما، وتبدو الاثنتان غير عميقتين، ولكن قطرهما يصل إلى المتر. فوق كل واحدة من الصينيتين وضعت كمية من الأرز المطبوخ وخروف مشوي قطع إلى أوصال صغيرة. زعيم القبيلة وابنه – ولي عهده – واثنان أو ثلاثة من علية القبيلة جلسوا معنا متحلقين حول إحدى الصينيتين. كما كانت الصينية الأخرى تلوح لنا وسط ندمائها.




ليس هناك من خوف على المائدة من الحركة، لأنه لا أحد ينتظر أن تقوم زلازل. بعد ذلك ألقى الرئيس العجوز نظرة على الحضور كي يتأكد من أن الجميع كانوا في أماكنهم، فمد يده اليمنى وتناول بها قبضة من الأرز الدسم فكبسها، وأخذ يحركها حتى أصبحت على هيئة كرة ثم رفعها إلى فمه وابتلعها كاملة كما لو كان ديكا رومياً. وبعده شرع بقية البدو يقلدونه فيما يفعل، ويواصلون ابتلاع الكريات بسهولة وسرعة مذهلتين. كان خادمنا أراكيل (Arakil) قد تنبه أن يحضر لنا معه بعض الملاعق، فأخذنا نتناول بها الأرز المطبوخ بالماء المبتل بمرق الخروف. أما قطع اللحم المشوية التي تخرج مدسوسة في الأرز فكان لها طعم طيّب ويمكن أكلها، ولكن الأمر المنفِّر هو أن يعمد البدو إلى إخراج العظم نصف المقروض من أفواههم ثم يلقون به مرة أخرى فوق الصينية حيث تختلط هذه العظام المنهوشة بالبقية التي لم تمس بعد.




بقايا هذه الوليمة سوف تكون بمثابة المائدة الثانية التي تقدم للنساء والأطفال والخدم من أهل علية القوم الذين سيجدونها مأدبة شهية.




وما إن تنتهي الوليمة حتى يحضر أحد العبيد جفنة، وصابوناً، ومنشفة وقدراً فيه ماء يصبه على أيدي الضيوف، فيغسلونها جميعاً بكل عناية ودقة، هذا بالإضافة إلى غسل الفم والأسنان التي يهتمون بها أيما اهتمام.



بعض الحاضرين من البدو تبدو على ملامحهم العظمة والوجاهة. كما تبدو فيها وفي شخصيتهم الخطوط الصحيحة للسلالة القوقازية النبيلة التي هي أصل الأوربيين المنتمين إلى هذا العرق. وهؤلاء يبدون طوال القامة، وجهاء، يمشون مشية هادئة، ولكنها سهلة، أساريرهم تحرقها الشمس، ولكن جلودهم صافية، لا تجعدات فيها. لحاهم الحريرية السوداء أو الكستنائية، وأنوفهم الحادة، وشفاههم الرقيقة، وعيونهم السوداء أو المائلة إلى الخضرة، كلها تكمل المجموع الظريف لهؤلاء البدو الرحل الذين يفدون في تواضع وأدب إلى الزيارة دون أن يكون هناك مجال يظهرون فيه ما بهم من غرائز لخيانة همجية هم على استعداد لها في كل لحظة. هنا نحن أولاء نتعرفهم تباعاً بناء على أعمالهم حتى نُكوِّن انطباعاً يكاد يكاد يكون قريباً من تحديدنا لذكائهم وأخلاقياتهم .





ذاك المساء أعاد الزيارة إلينا زعيم القبيلة فرحان باشا، يصحبه ابنه الأكبر الذي سوف يخلفه في قيادة القبيلة. هذا الوريث الذي كان في السادسة والعشرين من عمره، وذا قامة قصيرة، وبنية جسمانية ضعيفة، سبق أن أمضى وقتاً في القسطنطينية بدعوة من السلطان الذي أجزل له العطاء والمكافأة، وخلع عليه اسم قائد الجيوش السلطانية، كما خلع على أبيه لقب الباشا، وهي منح شرفية عادة ما كان يمنحها السلطان عبدالحميد لرؤساء قبائل البدو حتى يجعلهم مؤيدين له، ويدخل عليهم السعادة والغبطة.



حينما دلف الشاب الوريث إلينا وعرف منصبي نادي مترجمنا حتى يخبرني بأننا زملاء له، فقد كان هو الآخر يشغل منصب القائد. وهنا قبلت مرحباً بهذا الأمر من قبل هذا الزميل غير المعصوم، مُذكّراً إياي بأنه لا يصدر بين الأصدقاء أي نوع من المضايقة حتى ولو في الجحيم، وتعمدت أن أظهر مزيداً من الاهتمام به فجلست إلى جواره.



وشيئاً فشيئاً توافد علينا علية القوم، فجلسوا القرفصاء حول الميدان الذي تكوّن منه مخيمنا، ثم بدأ عرض أفراس هؤلاء الحضور بنظام وهدوء.



لا أدري كم كان عدد الجياد التي عايناهان لقد كانت كثيرة، ومعظمها رديء بكل صراحة، ولكن بعضها كان يستحق أن يفحص بدقة وعناية أكثر. ولكنهم بلا شك لحظوا أن اللجنة لم تظهر ذلك الاهتمام الذي ينشدونهن فانصرفوا بالجياد مباشرة بمجرد أن أنتهينا من مشاهدتها.


وهكذا انتهى العرض عند غروب الشمس، وحينما تمكنت من الاستمتاع برؤية ذلك المنظر العظيم الذي رسمته الطبيعة في عمق أفق الصحراء.



إن أذواد الجمال الكثيرة، والقَدْر الغفير من قطعان الأغنام والماعز قد بدأت تعود إلى المخيم من مراعيها البعيدة، تلفها سحابة من الغبار، وتلونها أشعة الشمس الملونة عند غروبها. وشيئاً فشيئاً بدأ الضجيج يتزايد جرّاء حركة كل هذه القطعان، فجعلنا نميز الأصوات الموزعة والملحنة التي كان الرعاة يحدون مواشيهم. كما كنا نلحظ ظلال الإبل التي كانت ترتسم بالآلاف في صفاء الشفق الغائب؛ وفي ذلك الوقت كان الرعاة يطلقون بين الحين والآخر طلقات نارية وهمية كي يُفزعوا الضباع وبنات آوى التي تختبيء بين المواشي.


تلك الموجة الحية التي تتقدم عبر بحر من الرمال كانت مهمة في تأمل تلك اللوحة الجميلة التي رسمها ظلام الليل. وحين بدأت أسرح بأفكاري، لا أدري شيئاً عن الزمان أو المكان الذي كنت فيه آنذاك، ظننت للحظة أنني حلَّقتُ في الأزمنة السحيقة ليعقوب، وانتهى بي الأمر إلى التمتمة ببعض الأدعية.
لقد قرأت ذات مرة لكاتب فرنسي على اطلاع على هذه المواقع قوله: إن الذي لا يضع أملاً في العناية الإلهية عليه أن يمضي ليلة في الصحراء.



عندما وصلت قطعان من آلاف الإبل وأسراب لا تحصى من الماعز والخراف إلى المخيم توزعت كقطعة أرض لمجلس البلدية، هنا وهناك حول خيام أصحابها بحيث تستقبلها النساء أو الأولاد الذين يداعبونها ثم يبركونها على الأرض، وهو عمل ينفذونه بكل وداعة وألفة لا تصدق. في حين يربطون واحداً أو اثنين أو ثلاثة من الجياد قرب باب الخيمة، وعدداً مماثلاً من الرماح الطويلة المغروسة في الأرض دليلاً على استعداد المحاربين من أبناء الأسرة للدفاع عن ممتلكاتها.



وقد وعدنا الباشا (زعيم) القبيلة بأنه سوف يرسل لنا مبعوثين إلى مضارب أخرى موالية له حتى نتمكن من رؤية ما لديهم من جياد. ولكن بدأت بين أعضاء اللجنة حالة من الشك (لم أكن مشاركاً فيها) في أنهم يخفون عنا السلالات الجيدة. وحتى نخرج من حالة الشك هذه اقترحت أن يقولوا لزميلي البدوي: إنني أرغب في القيام بجولة على ظهر الحصان عبر خيام قبيلته القوية، ولم يمانعنا ابن زعيم القبيلة هذا المطلب، وعرض أن نترافق في الصباح الباكر من اليوم التالي، والذي سوف نتجول فيه وبصحبتنا المترجم والطبيب البيطري عبر كل مكان.



وحين عزمنا على الانصراف طلباً للراحة في خيامنا، تقدم إلى خوسيه ثمانية من محاربي القبيلة مدججين بالسلاح، وهم يحملون سيوفاً طويلة ومحدبة، أنصالها لامعة وتتدلى من احزمة علقت على أكتافهم اليمنى؛ وتنبئ هذه السيوف بكل وضوح عن القرون الكثيرة التي مضت عليها منذ صنعها إلى اليوم. وهناك كذلك خنجران أو ثلاثة كنا نرى مقابضها فوق الزنار الذي يشدون به أوساطهم، وفوقها الكنانات الطويلة المعترضة على صدورهم وتعج بخراطيش الطلقات الخاصة بالسلاح الناري الذي كان يحمله هؤلاء المحاربون المدافعون عنا. كانوا يُمثلون الحرس الليلي الذي بعثه باشا القبيلة للمحافظة على أمننا. وعندما قدموا لنا أنفسهم توجهوا إلى أماكن حراستهم منقسمين إلى اربعة أزواج بحيث أحاطوا بخيامنا. ولقد جلسوا على الطريقة العربية قابعين على الأرض بحث تكاد تصل ركبة كل منهم إلى مستوى لحيته.



إن هذه الضيافة التي يستقبلنا بها هؤلاء البدو تعد أسطورية، فهم يُقدِّسون ضيوفهم (حسب قولهم). أما أنا فقد شعرت هنا بالأمان أكثر مما لو كنت في بيتي، وكنت على استعداد لأن أنام في هدوء (أمر كان ينقصني بحق)، في الوقت نفسه الذي بدأ فيه زوج الحرس القريب من الخيمة التي أشغلها أنا والقائد تعلو أصواتهما قليلاً بالغناء. وبشكل متواصل، بدأ رجال الحراسة القريبة منها بالغناء الذي يشبه الأناشيد الأندلسية بطريقة تحمّلتها على مضض، وهذا اضطرني لتأجيل ما انتويت غناءه لمورفيو (Morfeo) لوقت آخر.



وها هو ذا الظريف خوسيه الذي يسهر على راحتنا يأمرهما بالصمت، وأخذ يترجم لنا المعاني التي انطوت عليها تلك الأغاني التي تقول: اليقظة أيها الرفاق، اعتنوا براحتهم! السلام من عند الله وعباده يحفظونه... إلخ.



وقبل أن يطلع النهار استيقظنا حتى لا نجعل رفيق الصحراء ينتظر كثيراً. ولقد كان خادمنا يواكين (Yoaquin) (الأرمني الأصل مثل أراكيب) يظهر لي دائماً عاطفة فريدة، وذلك دون شك نوع من الامتنان لما قدمته في حلب من إكرامية يسيرة إلى والده العجوز. إذ أعدَّ لي في ذلك الصباح - مكافأة من عنده - قدحاً لذيذاً من حليب الناقة. وحين لحظ حيرتي وارتباكي ألح في إطرائه لطعم الحليب الذي - في الواقع - أعجبني كثيراً، إنه أكثر سيولة وأحلى من لبن البقر، وأكثر كثافة من لبن الأتان. وربما يكون لبن الفرس الذي ذقته في العام التالي في روسيا هو أكثر أنواع الحليب شبهاً في الكثافة والطعم بلبن الناقة، الذي بات مقبولاً من قبل جميع أعضاء اللجنة منذ ذلك اليوم.



وقبل طلوع الشمس كنا نمتطي الجياد مع ولي العهد صاحب القلب الجريء، والطبيب البيطري بييدما والمترجم خوسيه.


أمضينا حوالي خمس ساعات نجوب الطرقات التي تُكوِّنها خيام القبيلة، كانت دروباً متقاطعة ومتشابكة، وكنا نتوقف حينما نشاهد أحد الجياد المميزة هنا أو هناك. فقد كانت الأمهار والأفراس لا تذهب إلى المراعي مع بقية قطعان الماشية، بل تبقى ليل نهار مربوطة أمام أبواب الخيام حيث تأكل علف الشعير والتبن أو الحشائش، يلقونه إليها في بطانية أو على الأرض. إنه لمن المحزن والمثير للعاطفة أن يرى الإنسان هذا الحيوان النبيل مكبلاً بالحديد ومربوطاً في عمود حديدي كما لو كانت قيوداً ثقيلة، مادّةً أعناقها وثانية سيقانها في أوضاع متوازنة حتى تتمكن من الوصول إلى موضع العلف الذي تلوكه. وإذا ما كان ذلك أمراً يسيراً، فإنها تربط من إحدى أرجلها إلى وتد من الخشب أو الحديد مغروس في الأرض. أما ذلك المهر الرضيع الذي لا ينفصل عن امه فإنه يظل حراً طليقاً، ولكنه حين ينهي أمد الفطام فإنه سيلاقي هو الآخر هذا الأسر القاسي الذي تعانيه أمه. وهنا تبدو بشكل واضح وغير غريب عيوب التكوين التي نلحظها دائماً في الجياد البالغة، التي تبدو على كثير منها ملامح النبل من اصل أرستقراطي عريق؛ ولكننا أصبحنا مقتنعين بأن هذا لا يكفي. فعند رؤية أيسر العيوب في أطراف تلك الجياد كانت تُرفض بشكل قاطع من قبل لجنتنا، يا للحسرة!



إن مؤلفاً عريق التخصص في هذا المجال مثل كونت كومينخس يذكر في كتابه خيل الركوب الحكمة الآتية: إذا كنت تبحث عن حصان دون عيوب، وعن امرأة تتصف بالجمال، فإنك لن تمتلك لا حصاناً مفيداً في إصطبلاتك، ولا ملاكاً في سرير نومك .



وباختصار، فخلال هذه الجولة لم نعثر سوى على ثمانية أفراس أو تسعة يمكن عرضها هذا المساء أمام القائد للمعاينة بعد أن تأكدنا واقتنعنا بأنهم لا يخفون عنا شيئاً أفضل مما رأيناه.



وينبغي أن ألفت الانتباه إلى أنني لا أتحدث عن الأحصنة في هذا المحيط، إذ إن القبائل البدوية يفضّلون الاحتفاظ بها. فقد جرت عادة هؤلاء القوم على بيع الأمهار الصغيرة بعد فطامها مباشرة، أو بعد عامين من ولادتها على أكثر تقدير نظراً لعصبية الأحصنة وحرارة دمائها، بالإضافة إلى أنها تظل معزولة عن أمثالها من الذكور منذ ولادتها، وفي الوقت نفسه محاطة بالأفراس، وهي أمور تجعل من الحصان حيواناً ذا خطر متسماً بسرعة الغضب، وقد يصبح يُخاف منه كما يُخاف من السبع حين تقترب من أحد أبناء جنسه. ولهذا السبب، فإن البدو لا يحتفظون بالذكور من الجياد، ويأخذون إناث خيولهم ليلقحها أحد الفحول المميزة الموجودة بحوزة القبيلة أو تلك التي يجدونها خلال تجولاتهم المستمرة.



وفي مسيرنا ذاك توقفنا للحظات عند اثنتين أو ثلاث من خيام علية القوم الذين دعونا للنزول إليهم ليقدموا لنا القهوة. وأنا يا من أصبحت فاقداً للحياء تعودت أن أطلب دائما ذلك الحليب الذي يطفئ العطش ويرطب حرارة الجسد.



في إحدى الخيام التي توقفنا عندها رأيت صقراً مدرباً على صيد الغزلان، وكان أول طائر عظيم أقف أمامه بإعجاب. وها هو ذا صاحبه يتركه فوق سبابة يدي اليمنى ويدعوني لرحلة قنص إذا ما كنا سنبقى لبعض الأيام. إن الفكرة لا يمكن لها أن تكون أكثر جاذبية لمن لديه مثلي هواية عارمة للصيد؛ لينقذني الإله من هذه الهواية المغوية! فقد أودت بحياة بعض المستكشفين الذين خرجوا وحدهم مُعرِّضين أنفسهم لأخطار ذوي السطوة الطامعين. إن الرغبة في حيازة ما يحمله المرء من أسلحة، والرغبة الطامعة في أيٍّ مما يمتلكه من أغراض، كلها أسباب تحث على الجريمة دون أدنى تردد.



إنه لا مجال للدهشة هنا حينما تلافيت عمداً عدم تقديم وصف في مذكراتي عن انضباط البدو.
وعندما انتهت الجولة التي قمنا بها بين أرجاء مضارب القبيلة، لم يكن ابن الزعيم مسروراً من نتائجها، مبدياً امتعاضه لما عايناه من عدد قليل من أفراس القبيلة.



وهنا قال للمترجم: إذا ما كانت المجموعة التي اخترناها تبدو لنا رديئة، فهناك فرس أبيه التي كان يمتطيها في تلك الجولة، وتحمّلت ذلك المسير الذي استغرق 12 ساعة منذ طلوع الشمس حتى غروبها، وكانت تتحمّل العدو دون طعام أو شراب. وهنا وجدت نفسي مضطراً لإطراء كل ما رأيناه؛ ولكن الشاب قد صعدت الذبابة إلى أذنيه، وما كانت هناك من وسيلة لإخراجها منها، ولا لإخراج فرسه مما هي فيه.



كانت الساعة حينذاك العاشرة صباحاً، وحينها تعرضنا لشمس شديدة حارقة، ولقد حاولت مرتين أو ثلاث مرات همز حصاني الصغير كي يسير على نغمة أو عَدْوٍ معين لمتابعة ما إذا كان سيتبعني؛ ولكنه لم يعبأ بما فعلت. ومرة أخرى حاولت أن أتباعد شيئاً فشيئاً بهدف أن أخرج هارباً صوب خيامنا في أول عاصفة تلفني، ولكن الأمير الأنوف، رابط الجأش قد فهم الأمر، فقال لخوسيه: إن النقيب يصنع ما نصنعه نفسه نحن البدو، كنا نخرج مجتمعين حينما نتجه إلى صفقة ما، ثم يعود كل منا بمفرده إذا كانت النتائج سيئة. وهنا ناداني خوسيه في الحال، وكان عليّ أن أتحمل مدة الساعة تحت حرارة الشمس الحارقة التي بلغت 48 درجة مئوية.




وبينما كنت أنا والطبيب البيطري نتابع معاينة المواشي، حضرت مجموعة كبيرة من البدو إلى خيمة القائد ليتفحص ما بهم من مرض، فهم يعتقدون بحسن نية أن كل الأوربيين يعرفون فن المداواة جيداً.


وهكذا فإن القائد الخامس وضابط الإدارة السيد فرنانديث توافد إليه جمع كبير من القوم للمعالجة حيث أخذ يصدر لهم وصفات كثيرة لما رأوه صعب التداوي. كذلك حضر زعيم القبيلة لاستشارة القائد علّه يجد وسيلة لعلاج آلامه وعرجه الذي يعاني منه في رجله اليسرى. وقد عَنَّ للقائد أن يخبره بأنني سوف أصف له علاجاً شافياً حيث إنني متخصص في هذا المرض وعلاجه. وحين وصلت ناداني بلقب الطبيب الخصوصي، وأن عليّ أن أذهب لكي أرى وأتفحص المريض القدير. وعندما أراني العجوز الطيب ساقه التي تؤلمه، وتفحصتها جيداً وبكل دقة كما لو كنت طبيباً ماهراً. كان الرجل المسكين يعاني من ورم في الركبة وتصلب في المفاصل، كما أن رجله توشك على الجفاف وحين عاينت المرض وقرر نوعية العلاج أمرت بإحضار ماء ساخن، وطلبت قطعاً من القماش النظيف غسلته بكل عناية، ثم دهنت ركبته بمرهم مسامي للدكتور ويندر (Dr.Winder)، كنا نحمله معنا في صيدليتنا الخاصة. ثم طلبت منه أن يستريح بضعة أيام، ولعله لم يكن بمقدور أشهر أطباء البلاط الملكي أن يفعل شيئاً أكثر مما فعلته، مع الفارق الذي يشهد لي بالأفضلية، وهو أنني لم أطلب منه مقابلاً لذلك. ولقد بات مريضي في غاية السعادة، ونحن دون ذلك المرهم المسامي الذي يمكننا أن نستخدمه في مناسبة أكثر ملاءمة.



تجدر الإشارة إلى أن الكاتب بلجريف (W.G.Palgrave) الذي سوف أتحدث عنه فيما بعد، قد ألمح إلى أن الذكاء الذي يتمتع به البدو أقل بكثير من ذلك الذي يتمتع به أي طفل في أوروبا.



إن حياة هؤلاء الناس لا بد أن تكون قصيرة جداً، وذلك بالنظر إلى عدد الأفراد المسنين القلائل بين هؤلاء القوم. ويعد مرض الدرن أبرز الأمراض التي تحل بهؤلاء الناس وأخطرها، وذلك لعدم وجود العلاج المناسب بصفة مطلقة.



إن مشاغلهم المعتادة تكاد تنحصر في الترحال والتنقل أو الحروب بين النبلاء الأثرياء. وكما يحدث في كل تكتلات الشعوب، توجد في هذه القبائل درجات اجتماعية مختلفة، أدناها تلك التي تقوم بعمليات الرعي، بوصفهم خَدَماً بالأجرة أو عبيداً لأولئك المقتدرين من هذه القبائل. هؤلاء يجتمعون خلال النهار تحت سقف إحدى خيامهم ممضين وقتهم في الجدال والحكايات التي تدور حول القصص والأساطير التي تتعرض لبطولاتهم ومآثرهم في الحروب والمعارك.



ومما يلحظ هنا أن النساء البدويات يرتدين عباءة زرقاء قاتمة للغاية، ويشددن محازم على أوساطهن، كما يضعن منديلاً من اللون نفسه معصوباً على الجبهة ويتدلى حتى الكتفين والظهر، على غرار ما تفعله المصريات، وتبدو النساء ذوات قوام ممشوق، ويرى من بينهن بعض الفتيات الشابات الجميلات، ولكن شفاههن السفلية تظهر موشومة بلون أزرق بحيث يعطي انطباعاً محزناً لنا، فنحن نفضل تلك الشفاة الناعمة الحمراء في النساء الجميلات.



أما فيما يتعلق بنسوة زعيم القبيلة وعلية القوم من البدو فما كن يظهرن لأحد، ويَقَرْن دائماً في خيام كبيرة على مقربة من خيمة وليهن. ومعظم النساء يعملن بغزل الصوف أو الكتان الذي يصنعن منه الأنسجة الخاصة بالملابس والخيام.



في الثانية ظهراً - أي في الوقت الذي كان رفقائي ينامون فيه القيلولة - كان هناك أمر أود فعله أنا، ما كان بإمكاني معرفة طعم النوم لأنني أكاد أتصبب عرقاً، وأسلّي نفسي بكتابة هذه الملحوظات والانطباعات وتسجيلها، وأرقب هؤلاء القوم عبر فتحة صغيرة في خيمتي.



إنهم يسقون مواشيهم ويحلبون شياههم وماعزهم، وهي المهام التي يبدي فيها الرعاة تمرسهم الجيد في مهنتهم، الأمر الذي لا يحلم أحد منا بأن يقوم به على الإطلاق.


وعلى مرمى بصري أشاهد أمامي قطيعاً من النعاج يصل عدده إلى 300 رأس ينتظر دوره للسقي. وهناك أربع نسوة يَمْتَحن الماء من بئر قريبة ثم يسكبنها في حوضين من النحاس الأبيض، فيشرب منهما ما يقرب من ثمانية رؤوس أو عشرة، بعد ذلك تُنهر هذه وتُبعد عن الأحواض بمجرد ضربها سطحياً على رقابها، ثم يُستبدل بها مبشارة أطراف أخرى من الأغنام تُعَدُّ كي تأخذ دورها في السقي، وهكذا تتكرر العملية بشكل منتظم.



وبعد أن تنتهي جميع المواشي من السقي تنتظم في طابور مكوّن من صفين متقابلين، فتبدو بينها شيئاً من الاتحاد والالتحام، فتخرج كل نعجة رأسها من بين أعناق ما يجاورها من نعاج بالطريقة نفسها التي تتشابك فيها أصابع أيدينا. وبعد أن تصبح المواشي في هذا الترتيب يبادر اثنان من الرعاة في كل جانب بحلب الأغنام في قدح من الخشب. ولا أحد – في واقع الأمر – يستطيع أن يتخيل الوداعة التي يحرزها العرب من حيواناتهم الأليفة.



إن المواشي التي تتصف بكثرة صوفها ويملكها البدو هنا هي من أصل خاص لم أرَه حتى اللحظة التي وصلت فيها إلى سوريا. إن ما فيها من صوف يبدو ناعماً وغزيراً جداً، ولكن ما يميز هذه النعاج حقاً هي تلك الأذناب التي تُعَدُّ مستودعاً للدهن، ويزداد حجمها ووزنها بشكل فائق، خصوصاً عندما تتوافر المراعي المغذية المناسبة. أما حين تقلّ المراعي فإن هذه الحيوانات تتغذى على الدهن المتراكم في أجسادها. أما الماعز فتبدو في شكل صغير، وجميعها ذات لون أسود، وتتميز بشعرها الطويل الزاهي الحريري، كما تتميز بطول آذانها المتدلية.



ويتبين مما ذكر أن العرب البدو هم في الأصل من مربي المواشي، إذ يقفون حياتهم دائماً لتربيتها والاتجار بها، ويبيعون من أنواعها الثلاثة: الجمال والخراف والماعز؛ أصوافها ولحومها في أزمنة وأسواق قائمة منذ مُدَد بعيدة. أما فيما يتعلق بالخيول أحصنة كانت أو أفراساً فإنهم يربونها ويقدرونها وكأنها شيء ضروري، ولا غنى لهم عنه في حياتهم المتنقلة والرعوية، ولكنهم لا يتخذونها بتاتاً مصدراً للثراء ولا سبباً للمضاربة، وفي مساء هذا اليوم بالذات أصبح بمقدورنا أن ندرك حقيقة هذا الأمر الواقع.



كانت الساعة تقترب من الثالثة عصراً حين كنا نجلس تحت ظل خيمتنا الكبرى برفقة زعيم القبيلة وبعض أعيانها نتفقد الأفراس التي رايناها صباح اليوم. وحول الساحة التي نوجد فيها جلست – حسب العادة – مجموعة من خمسين بدوياً لمتابعة عملياتنا.



وفجأة بدأت تتعالى فوق تلّ قريب منا أصوات مجموعة من الشباب دفعة واحدة، متكررة وبصورة إيقاعية، ظهر اثرها في أذني بهذه الصورة: أهو – أه .. أهو – أه .. أهو – أه ..!! ولم ينته بعد آخر المقطع حتى تكررت أصوات أخى بعيدة بالعبارات نفسها، وهكذا أيضاً ترددت الأصوات من جانب إلى آخر في المخيم، وأصبحت الأصوات تتردد كما لو كانت رجع صدى في كل الوادي.



لا زعيم القبيلة ولا الذين كانوا معنا بدرت منهم أدنى إشارة تدل على استغرابهم للموقف، وظلوا جميعاً في أماكنهم غير مكترثين لما يحدث، ولكن الذين أبدوا تطفلاً في الموقف بدؤوا يختفون من الساحة دونما عجلة تذكر بحيث خرجوا واحداً تلو الآخر. وقد أشار صاحب تلك الفرس التي كنا نتفحصها بحركة من يده إلى أنه سوف ينصرف؛ ولكن صوتاً صدر عن زعيم القبيلة أوقفه مكانه مع أنه لم يُبْد رضاه لهذا الأمر.



وأمامنا مر كالبرق فارس يحمل رمحه في صدر درعه، وخلفه ثان ثم ثالث، يظهر عليهم الحماس والتصميم نفسه. وفي ثوان قليلة، وزعوا المحاربين برماحهم الطويلة حول المخيم كاشعة أطلقت في الاتجاه نفسه. وقد أدركنا أن أمراً ذا خطر قد وقع فبدأنا نسأل زعيم القبيلة عما يحدث؟ فأجابنا: "إنه العدو على مرمى البصر". وعقب ذلك، وخرقاً لكل تقليد نهضت من مقامي متجهاً إلى البدوي الذي كان أمامنا فأمسكت بلجام فرسه ورأسها وأشرت إليه بيدي أن يقفز على متنها ويتوجه صوب ساحة الوغى؛ فَعَلَت ضحكاته وابتساماته وأخذ يضرب بيديه على صدره علامة على الشكر، ثم اختفى.



ومنذ تلك اللحظة تركنا مقاعدنا جميعاً دون أن نتوصل بعد إلى تقدير الموقف، أنظل متفرجين؟ أم مشاركين أيضاً في المشهد الذي يجري أمامنا؟!



يا لها من لحظة جميلة! يا لها من لوحة عجيبة! أو كما نقول الآن: يا له من فلم مشوق! ساد المخيم كله صمت مطبق. النساء والأولاد والرجال العُزّل ظلوا صامتين هادئين، ينظرون إلى المحاربين وهم ينطلقون كالسهام إلى مكان الخطر.



في دقيقتين فقط سرى ما يقرب من أربع مئة محارب في الاتجاه نفسه دون أن ينتظر أحدهم الآخر، متفرقين ومجتمعين صوب الهدف نفسه. إن خيال أي فنان لا يحلم بأن يرسم مثل هذه اللوحة وهذا العرض الكبير. ولقد كانت هناك لحظة شعرت فيها بأنني قد انتعشت بالحماس الذي أدخله هؤلاء الفرسان في نفسي، الذين خرجوا تلفهم سحابة بيضاء من الغبار كما لو كانوا طلقات بنادق. واسفت أنني لم أكن أحمل رمحاً كي أشهره على شاكلة أولئك الفرسان.



ومن فوق ربوة عالية كنت أرقب بناظور الرحلة التحركات التي تجري دون أن أبلغ مدى ما يحدث بعيداً عنا حيث تباعد الجميع تباعاً عن المدار الذي بلغته السحابات البيضاء التي بدأت تتلاشى بعيداً. ولقد تجمع حولي ما يقرب من عشرين رجلاً أبدوا دهشتهم وفضولهم حينما رأوني أوجه المنظار صوب الأفق البعيد، ومن خلفي أرادوا أن يدخلوا رؤوسهم كي يتمكنوا من الاستكشاف كذلك.



ومشفقاً على هؤلاء بما أرى لديهم من فضول وجهل ضعفت أمامهم فسلمته لمن هم أقرب إليّ. ما كنت سأفعله قط! ومثلما تتقاتل الوحوش على الفريسة فقد سقطت على الجهاز عشرون يداً في وقت واحد، متعاصرين ومتزاحمين لو لم أتدخل وسط هذا الزحام موزعاً لكمات ودفعات بكل ما أوتيت من قوة حتى تمكنت من استعادته. هؤلاء العشرون فرداً الهائجون، الذين بمقدور أضعف رجل فيهم أن يحطمني ظلوا ذليلين وخاضعين لما قمت به كما تجري السباع الضارية أمام سياط الإنسان.



وحين لم يعد يُرى شيء في الأفق سحبت نفسي من ذلك المكان ففتحت لنفسي طريقاً بين مجموعة المتطفلين الذين تعجلوا بتركي حراً وحيداً.


ولحسن حظ ابناء عشيرة السبعة، فقد ارتد أعداؤهم من قبيلة شمّر عن المكان حين علموا باكتشاف أمرهم. وسرعان ما تطاير الخبر بين القوم فهنأنا زعيم القبيلة على هؤلاء المحاربين الشجعان الذين يتزعمهم، فرد بقوله:" إن النساء لا يقبلن مضاجعة من لايكون متمتعاً بهذه الصفة من أزواجهن".
وقبل الغروب عاد الفرسان كلهم مجتمعين، يلحنون أغاني النصر التي أخذوا يكررونها بصوت واحد في صورة ترتيلية عالية. وهكذا وقعت الغنيمة التي بلغت (80.000) بعير في أيديهم دونما نقصان!!



ها هو ذا السبب والهدف الذي يحافظ من أجله عرب الصحراء على خيولهم.

وحين تحدثنا مع باشا القبيلة عن أصول إناث الجياد التي رأيناها، أخذ يبين أسماءها التي منها : صقلاوي، وحمداني، وكحيلان، وعبيان، وغيرها. كما أضاف إلى هذه الأسماء من الأصول المعروفة أسماء أخرى أظنها من أملاك أحد أصحاب بعض الأفراس التي أعطت شهرة في هذا الأقليم أو ذاك لهذا العدد الكبير من الجياد. وهو تقليد ينبغي ألاّ يصيبنا بالدهشة، فنحن في حديثنا عن الحصان الأندلسي نسميه باسم صاحبه أو مربيه، فهناك على سبيل المثال: كورباتشوس، روميروس، ثاباتاس، ميوراس، غريروس، ونحوها، وذلك نسبة إلى اشخاص يحملون هذه الأسماء ممن يربون الخيول.




وفيما يتعلق بعراقة الدم فليست كل الجياد تتمتع بهذا الشرف، وذلك طبقاً لأقوال البدوي العجوز. فحين تبلغ المهرة سن الثانية فإنها تُدرَّب على الجري ساعات كثيرة متتالية، حتى إذا ما أصابها الإعياء وتمرغت في الرمال، فإنه يُدني منها الشعير، فإذا ما اكلته في الحال، فهذا يعني أنها عريقة الأصل. أما إذا حدث عكس ذلك، فلن يكون بمقدورها إخراج صاحبها من مأزقه حين يهم بركوبها. هذه الحكم الرفيعة لدى العرب التي تأتي مزدانة بخيال لغتهم قد ملأت الغرب ونقلها إليه المستكشفون العلميون الذين خلقوا كل هذه الهالة التي هي نوع من الأكاليل المقدسة التي يحاط بها الجواد العربي.



وفي ص 182 وفي نفس السياق السابق قال مورس : إن التشدد الذي اتبعته اللجنة في البحث عن جياد ذات مواصفات معينة قد أسفر عن نتيجة مفادها أنه من بين ما يزيد على مئة فرس عايناها، ليس هناك سوى واحدة فقط هي التي تستحق السؤال عن ثمنها. وهذه الفرس بالذات هي نفسها التي كنا نتأملها في ذلك الوقت الذي حدث فيه الإنذار بالخطر بسبب هجوم أولئك الأعداء.



إن مالكها، وهو أحد أعيان القبيلة رفض أن يبيعنا إياها، ولكن زعيم القبيلة قد أجبره على ذلك. وما إن اتفقنا على ثمنها حتى دفع الضابط المكلف من بين أعضاء اللجنة الجنيهات الذهبية التركية لمالكها في كف يده، واحداً بعد آخر، وبدأ المترجم أيضاً في عدها بالطريقة نفسها. وقد قبل البدوي المال دون أن ينظر إليه، وفجأة أعاد يده، فأوقع كل ما فيها من مال على الأرض، وانصرف على مهل من ذلك المكان.



ولقد أكد الزعيم الذي تناول طعام العشاء معنا للقائد أن الفرس سوف تكون من نصيبنا على الرغم من معارضة مالكها. ولكن هذه المعارضة وبعض الكلمات الغامضة التي أدهشناهم بها حين رأوا الوزن الذي كانت حقيبة الضابط تزنه إذ كانت مليئة بالجنيهات الذهبية، كل هذا قد ولّد لدى اللجنة الشك وعدم الثقة بأن هؤلاء الغاضبين يعدون لنا واحدة من هجماتهم الشرسة.



هذا الشك وعدم الثقة شارك فيها أيضاً العريف المسؤول عن تمويننا، وذلك من خلال بعض المؤثرات التي لحظها، ما جعله يضاعف انتباهه.


بسبب هذه الأحوال، اتُّفق على أنه في منتصف الليل سوف نطوي خيامنا وسنغادر القبيلة دون أن نوضح ذلك لي فرد كان. اهـ .




غادروا قبيلة السبعة من عنزة، وبعد عدة أيام من التجوال وصلوا إلى قبيلة الفدعان من عنزة . ولعلي في مقبل الأيام اوافيكم بما كتبه مورس عنهم إن شاء الله .




















عرض البوم صور جلال الدرعان   رد مع اقتباس

قديم 03/07/11, (05:54 AM)   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
جلال الدرعان
اللقب:
مشرف منتدى الخواطر والقصص

البيانات
التسجيل: 17/12/10
العضوية: 6107
الدولة: الجبيل
المشاركات: 1,418
بمعدل : 0.29 يوميا
معدل التقييم: 43
نقاط التقييم: 541
جلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدود


الإتصالات
الحالة:
جلال الدرعان غير متصل
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جلال الدرعان المنتدى : منتدى التاريخ والتراث العربي
افتراضي رد: دراسة عن قبيلة عنزة Anza tribe bin Wael

بعض الملحوظات في عجالة :




1- الشيخ المذكور هو الشيخ فرحان باشا بن هديب شيخ الموايقة من السبعة . وابنه الأكبر هو برجس الذي تخرج من الكلية الحربية في اسطنبول برتبة نقيب (كابتن) حيث كانت الدولة العثمانية تريد أن تكسب ولاء القبائل . والشيخ برجس تولى المشيخة بعد وفاة والده عام 1324هـ/1906م .




2- خيال هذه الرحالة واسع (بالحيل) جدا عندما ذكر أن الغنائم التي عادوا بها السبعة من غزو شمر 80000 الف جمل . والغزو عادة يأتي من اجل المكاسب فإذا وجد حراسة أو مقاومة شديدة فإنه يطلب النجاة مثل ما فعل غزو شمر عندما هب وفي دقيقتين 400 فارس من السبعة لملاقاتهم .



3- لا يمكن لأي قوة مهما كانت جاهزة ان تنزل إلى الميدان في دقيقتين وفعلتها قبيلة السبعة . ولنفرض جدلا أن هذا الكلام من باب المبالغة ولنقل أنها 20 دقيقة !! ايضا في هذا الزمن لا يمكن لأي قوة أن تنزل إلى الميدان في 20 دقيقة وهذا مع سرعة الاتصالات .



4- ينسب الكاتب إلى نفسه قدرات هائلة، ويصور نفسه بأنه البطل الذي لا يقهر، كما يدعي أن الآخرين يهابونه بمجرد معرفتهم أنه أوروبي (من كلام محقق الرحلة).


5- يستغرب المرء كيف يصدر الكاتب هذه الأحكام الجائرة بحق أناس استضافوه وأكرموه، فشرب من قهوتهم وأكل من ولائمهم؛ بل وقدموا له يد المساعدة والإرشاد في أكثر من مناسبة. وعلى النقيض من ذلك نجد أن السيدة آن بلنت (1295هـ/1878م) وفي أحوال أصعب من الأحوال التي مر بها الكاتب، تنوه في أكثر من مناسبة بأخلاق هؤلاء القوم وحسن معاملتهم. انظر : قبائل بدو الفرات عام 1878م، ص 142- 145،351 وغيرها (من كلام محقق الرحلة).



6- خوفهم من غدر السبعة ليس له مبرر ابدا بل نحن من سن قانون الملحة وهي الضيافة فإن من طعم معنا او شرب فهو في حمايتنا ثلاثة ايام ونصف . والذي لا يعرفه مورس إنك إذا طعمت أو شربت مع أي فرد من عنزة فأنت آمن في جميع ديار قبيلة عنزة. وكذلك إذا أعطاك الأمان أي فرد من عنزة فأنت آمن في جميع ديار قبيلة عنزة، فإننا ولله الحمد يجير علينا أدنانا.



7- (ويجب) على القاريء الكريم أن يفطن إلى أن من كتب هذه النصوص هم رحّالة، وبعضهم يختلف معنا في أشياء كثيرة، ولا يؤخذ قوله على أنه آية منزلة لا ينبغي لنا أن نتقدم عليها أو نتأخر؛ بل هي نصوص قد يفتقد بعضها الدقة، وبعضها من خيال الرحّالة الواسع. والرحالة مثلهم مثل غيرهم، منهم من هو في أعلى الرتب العلمية والثقافية، وبعضهم لا يعدو كونه سائحاً سجل مرئياته ومشاهداته، ونظرته كنظرة الطير عندما يغدو صباحاً ويروح مساء، فإننا لو جمعنا ما رآه الطير لا نجده شيئاً ذا بال!! فهي نظرات سريعة لا تعطينا الصورة كاملة كما ينبغي. وبعضهم كان رحّالة متمكناً نقل لنا الكثير من الفوائد، وهؤلاء أيضاً مع ما في كتبهم من فوائد تبقى بعض نصوصهم محل نظر.




هذا ما تيسر من قراءة هذا المقطع من هذه الرحلة ومن لديه إضافة أو تعليق فليشارك به والحمد لله اولا واخيرا .




نقلها وعلق عليها : فايز الرويلي
20 / 11 / 1430هـ






الفدعان في رحلة أحمد مبروك (رحلة إلى بلاد العرب)



هو الدكتور أحمد بن مبروك ، عمل طبيبا بيطريا في الجمعية الزراعية الملكية بمصر ، وقد أرسل إلى مهد الحصان العربي في السعودية والبحرين والكويت والعراق وسوريا عام 1355هـ/1936م ، وذلك لجلب سلالات جديدة تضم إلى الموجود في الجمعية المذكورة .






يقول الدكتور أحمد مبروك في ص 74 : وقد قابلت الشيخ مقحم بن مهيد شيخ الفدعان يوم 3 سبتمبر 1936م في حلب . اهـ .



قلت : حصلت المقابلة مع الشيخ مقحم بن مهيد في يوم الخميس 17 جمادى الثانية 1355هـ الموافق 3 أيلول / سبتمبر 1936م . وهو الشيخ مقحم بن تركي بن جدعان بن نايف بن جغثم بن تركي بن مقحم من المهيد من ضنا محمد من قبيلة الفدعان من ضنا عبيد من ضنا بشر من قبيلة عنزة الوائلية .




والشيخ تركي بن جغثم يلقب بالمحيي ، وهو أول من نادى بالعشاء [مصوّت بالعشا] ، ولقب [مصوّت بالعشا] خاص بأسرة المقحم من المهيد ، حيث كان الشيخ تركي بن جغثم بن مهيد يأمر مولاه إذا جن الليل أن يوقد ناره وينادي بأعلى صوته : هلموا إلى العشاء . ومنها عرف بـ [مصوّت بالعشا] ؛ حتى أن الملك عبد العزيز سمع أحد مواليه ينادي بالعشاء فقال له : اسكت ! فقد سبقنا عليها ابن مهيد .




ولعلنا نعطي القاريء الكريم صورة عن قبيلة الفدعان .

يطلق على قبيلة الفدعان عدد من الألقاب : [بواجة الديار] و [حمران النواظر] وذلك لشجاعتهم وشدة بأسهم ، ولقب [شرابة المغر] ولهذا الأخير قصة وهي أن أحد الفدعان نزل عليه ضيف وبعد أن أدى له واجبه المعتاد رحل الضيف فحصل له بعد ذلك حادث اعتداء إما بالضرب أو القتل ليس عندي يقين في ذلك فطالب الفدعاني بحقوقه المعروفة وهي أن الضيف بحمايته وأن طعامه الذي قدمه لضيفه لم يهضم بعد وأراد أن يثبت لهم ذلك فشرب مادة يقال لها : [المغر] فلم تخرج من بطنه نهائيا إلا بعد ثلاثة أيام ونصف فأصبحت قاعدة [ للملحة] وهي حقوق الضيافة تقضي بها العوارف وهم قضاة البادية . ومنها عرف الفدعان بشاربي المغر [شرابة المغر] .




ومن هذه القبيلة الوائلية العريقة خرج المثل : [عطية غبيني] . وابن غبين كان شيخ ضنا بشر من عنزة في زمنه وهو الذي قاد ضنا عبيد من ضنا بشر من عنزة في هجرتهم في بدايات القرن (13) الهجري أواخر القرن (18) الميلادي . ولم يرجع إلا ولد سليمان . وضنا عبيد كما هو معروف ثلاث قبائل : الفدعان والسبعة وولد سليمان .




و[عطية غبيني] كناية عن الهدية ذات القيمة والتي لا تقبل الرد في نفس الوقت . والقصة باختصار : إنه كان عند الشيخ حمدان بن عيد بن غبين فرس أصيلة فسمع بها ابن عريعـر حاكم الأحساء وشرق الجزيرة العربية في زمنه فأرسل أحدهم لأخذها بالحيلة أو بأي طريقة كانت فلم يستطع المندوب أخذها لأن الشيخ حمدان بن غبين كان حريصا عليها جدا وعندما طالت المدة اعترف المندوب بسبب مجيئة فقام الشيخ حمدان وأرسلها هدية لابن عريعـر . وفي رواية أخرى أن المندوب استطاع الحصول


عليها عندما كان مع ابن غبين في زيارة خاصة فأخذها وهرب فقال له ابن غبين : قل لابن عريعـر لا يقطع العاني . وعندما وصل المندوب بالفرس أخبر ابن عريعـر بالقصة فندم على ما كان قد بدر منه حيث أخذها وهي عزيزة عند صاحبها فقام بإرسالها إلى الشيخ حمدان بن غبين فلم يقبلها منه فحاول ابن عريعـر إقناعه بها فقال له الشيخ حمدان ابن غبين : هذه عطية غبيني . فصارت مثلا معروفا إلى اليوم .




رحلة يوليس اويتنج وهوبر من تيماء إلى تبوك ثم العودة
يوم الخميس الموافق 21- 2-1884م

في الساعة العاشرة ولم يكن معنا متاع كثير وكنا خمسة أشخاص هوبر وأنا والخادم محمود ونومان وعواد بن غنيمة شيخ الحجور وهي أحد فروع قبية الفقراء وقد كان يزمع الرحيل معنا ايضا ثلاثة أشخاص من الفقراء ولكنهم حين علموا أننا لن نعطيهم من متاعنا قرروا عدم مرافقتنا وكان مخططنا أن نسير عبر الطريق المتجه شرقا نحو جبل الطويل إلى أن نصل إلى تبوك لكن ذلك لم يتحقق لأن الشيخ عواد قال لنا : إن هذا الطريق يخترق أراضي قبيلة الشرارات المتعادية مع الفقراء مما يعني نهايتي فلن أسلك هذا الطريق حتى لو أعطيتموني حمل ذلولي ذهبا لذلك


قررنا السير عبر الطريق المتجهة نحو الشمال والشمال الغربي فانطلقنا جاعلين بقايا سور المدينة القديم الذي يمتد فوق هضاب رملية على يميننا باتجاه الشمال حيث السبخة وبعد ساعة مررنا بمركز حراسة قديم متهدم كما لاحت أمامنا من بعيد ملامح جبلين الى اليسار جبل الفروة والى اليمين جبل الضبع وفي الساعة الواحدة والنصف مررنا بمستنقع مائي يسمى خبرة الرولة ليس فيه أي نباتات وفي هذه الأثناء كانت الريح تئز بقوة آتية من الغرب وفي الساعة الثالثة والنصف خيمنا في شفا محجة 0





وفي يوم الجمعة اجتزنا سهل الجريدة ووجدنا بعض الأعشاب وأشجار الطلح وهناك أسرعنا بأعداد قرص جمر ثم ـاهبنا لمواصلة المسير وفي هذا اليوم استرحنا لوقوع هوبر من ناقته على الأرض وأقمنا في مخيمنا



وفي يوم السبت 23-2 لم أستطع النوم بسبب إحساسي بالغربة أم بسبب أكثاري من شرب القهوة وبينما كنا في الصباح نعد الخبز لطعام الأفطار قام الشيخ عواد بحلب الناقة لنا ثم انطلقنا بالمسير لمدة ساعة ونصف عبر سهل قليل النبات وارضه مملؤة باحجار غريبة منها ماهو شبيه بالجوز وآخرى سوداء أسطوانية الشكل إضافة إلى عدد كثير من الصفائح الحجرية المتىكلة بفعل التعرية وذكر لنا الشيخ عواد أنها تسمى (دودأيوب) وكان سبب التسمية أن أيوب عليه السلام حينما ابتلي خرجت الديدان من


جسمه فتحجرت مع مرور الوقت حينما وصلنا أعلى قمة هناك تمكنا من رؤية منظر شامل فأمامنا تمتد من الغرب سلسلة جبال عويرض وإلى اليمين باتجاه الشمال ترتفع قمة جبل عنز ورأس جبل أثلب وإلى الشمال منها تظهر قمم جبال وتر وشيبان وكذلك تعرجات حرة بني عطية وبينما نحن نسير لفت انتباهنا الشيخ عواد إلى آثار إحدى الحملات الهجومية التي تعرضت لها قبيلة الفقراء قبل خمسة أيام من جانب قبيلتي بني صخر والشرارات0 عندما وصلنا شعيب عناد وجدنا علفا جيدا للدواب , وبعد ذلك لم نجد أي شي ، وفجأة رأينا على الأرض أثار الخيل والجمال مما آثار مما أثار فزعنا واضحك الشيخ عواد الذي قال : هذه هي آماكن عنيبر التي نزح منها .راح عواد يقص علينا القصة تلو الأخرى ، مما جعلنا نسرع بالمسير إلى الإمام ، حيث كنا نسير بمعدل



7500 خطوة في الساعة ، وهذا ماجعل شداد جمالي يميل إلى الخلف ، فاضطررت إلى النزول عن الراحلة لتعديله، في هذه الأثناء تحولت الرياح إلى عاصفة ، وبينما كنا نسير وسط التلال الخالية من النباتات وصلنا أعلى قمة في الطريق أتاحت لنا رؤية منظر جميل ، فخلال ذلك الشعيب المملوء بحبات الرمل يمكن للمرء مشاهدة السهل الذي تتوسطه قلعة المعظم ببركتها والى جانبها شجرة الطلح الوحيدة ، وبعد نصف ساعة وصلنا القلعة واحتمينا خلف سورها المعاكس لاتجاه العاصفة القوية إما الجمال فقد سقناها بصعوبة عبر الدرج المرتفع إلى الفناء وأعطيناها العلف الذي جلبناه معنا . هنا رحب بنا قائد


القلعة – التي لم يكن فيها حامية – المدعو: سي محمد أبو عمر الشرقاوي وهو رجل كهل لطيف من فاس أحضره الأمير عبدا لقادر إلى هنا مثل سائر القلاع المغاربة عن طريق الحج وكانت له زوجتان وابنان وبرفقته صهره ورجل يدعى أحمد قدم لنا التمر والقهوة وفي المساء قدم لنا ألرز أما القلعة فقد بنيت سنة 1021هـ 1622م على شكل مربع منتظم الأضلاع وأبراج عند الزوايا تهدمت بعض قبابها ويتم إغلاق بابها بواسطة باب حديدي كبير وفي الفناء توجد قاعتان ذات أسقف مقببة وعدد من الغرف


المغلقة وإسطبل مفتوح ثم درج حجري يؤدي إلى الدور الثاني الذي يحتوي على المطبخ ومجالس الحريم وبين البرجين يمتد ممر ضيق كان يستخدم لأغراض دفاعية وفي الجهة الجنوبية يرتفع برج آخر للمراقبة والدفاع وفي خارج القلعة من ناحية الجنوب تمتد البركة بطول 60مترا وعلى جانبيها عمودان عليهما آثار كتابة تآكلت بفعل التعرية وفي الجهة الجنوبية توجد شجرة طلح واحدة 0 وبعد أن تناولنا الطعام بعد غروب الشمس أعلن أن هناك ضابطا تركيا قادما عبر طريق الحج للتفتيش وهو آت من العلا في طريقه هو الآخر إلى تبوك ومن أجل تحيته قام أحمد الذي يبدو أن خبرته العسكرية قليلة بحشو المسدسات القديمة وأطلقها في الهواء وهو يدير وجهه من الخوف إلى الوراء وسرعان ما ظهر



الضابط في الفناء وكان اسمه حسن آغا وهو قائد قلعتي تبوك وزمرد ومثله مثل جميع القادة على طريق الحج بين دمشق ومكة لديه منزل وعائلة في دمشق التي سيسافر إليها مدة ستة أشهر
وفي يوم الأحد 24-2-1884م بعد أن تناولنا القهوة مباشرة انطلقت قافلتنا نحن الخمسة على جمالنا وخلفنا ستة من الرجال ومعهم سبع مطايا وبعد ساعتين من المسير شاهدنا في أقصى وادي الرمامية بعض النقاط السوداء وحينما اقتربنا منها اتضح أنهم عرب المزايدة المنتمين لقبيلة بني عطية يسيرون برفقة بغاله وأغنامهم وكان من بينهم غلام أعمى أصيب بمرض قبيح شوه وجهه ولقد نزلنا عند الشيخ عايد أبو فحيمان حيث كان الخادم محمود يريد أن يشتري منهم السمن الذي نحتاج له جدا ولكنهم لم



يوافقوا لأن مالديهم قليل وحينما أغراهم محمود بطبق مليء بالتبغ لم يقاوموا ذلك ووافقوا على الفور وحيث أنه تم ذبح الذبائح لنا طالت إقامتنا عندهم وبدأنا بعدها بالتحرك شمالا ونزولا عند رغبة مرافقينا من البدو اضطررنا بعد ساعة من المسير إلى النزول عند بدو آخرين يقطنون وادي فسيح قدموا إليه منذ الأمس وهم من السعيد المنتمين ايضا لقبيلة بني عطية وبعد فترة من صولنا رأينا الدم على ميامين ورقاب جمالنا وعلى مؤخرتها فعرفنا على الفور أن هؤلاء المساكين حقا قاموا بذبح ذبيحة لنا كان هوبر يشكو من الآم في ظهره لذلك قررنا


عدم المسير وقد صعدت مع الشيخ عواد إلى هضبة اسمها الطويل وفي المساء قمنا بزيارة خيمة الشيخ هليل الذي نزل عنده حسن آغا مع رجاله ومن خلال الحديث تبين أن هليلا أكثر دراية من نومان ومن الشيخ عواد في معرفة الأماكن وأسمائها وفي هذه اللحظة نظرت ألى هوبر وبأشارة من أعيننا قررنا دون تردد سؤاله عما أذا كان بامكانه مرافقتنا خلال رحلتنا إلى تبوك ثم العودة معنا إلى تيماء فوافق فورا0



وفي يوم الإثنين انطلقنا وبدأ حجم قافلتنا يتزايد بالتدريج فعلاوة على الشيخ هليل وذلوله كان معنا أربعة من الضأن واثنان من الماعز أخذها الضابط التركي حسن آغا من مضيفيه ولا ندري هل دفع ثمنها أم أخذها مجانا أو قسرا وبعد المسير ساعة تجاوزنا جبل الخنزير منحرفين إلى وادي الصاني ولم يحل المساء إلا ونحن في قلعة الأخضر


وفي يوم الثلاثاء انطلقنا عند السابعة صباحا وكان برحلتنا حسن آغا وابنه كمال وبعد مسيرة ساعة استرحنا لنتناول وجبة الإفطار وبقينا نتسلق هضبة جرينات الغزال وهناك رأيت جبل المنبر وهو يقع في مقدمة سلسلة جبال شرورا وفي الجهة الغربية جبلا شيبان ووتار اللذين تعلو قمتيهما الثلوج


الكثيرة وف يوم الأربعاء مع شروق الشمس بدأنا المسير وقد شاهدنا قطعا حجرية ملونة تغطي الأرض وبعد ساعة ونصف خيمنا في وادي الأثل الذي تصب فيه أودية شيبان وتار وهو مكتظ برمال رمادية اللون واتجهنا باتجاه الشمال عبر مخيم بادية مهجور توجد فيه أكوام من فضلات الإبل وهنا سأل هوبر هليل فقال أنها مكان مخيم قديم لهم هنا0



وفي حوالي الساعة التاسعة اقتربنا من مرتفع مسطح يسمى شوهرا تعلوه هضبة مخروطية الشكل ولدهشتي رأيت هناك مجموعة كبيرة من المنازل الحجرية الصغيرة الحجم وحين اقتربنا تأكد لنا أنها مقابر قديمة لمدينة تبوك الواقعة على مسيرة تتراوح مابين 3-4 ساعات باتجاه الشمال0



وتبين من صغرها أنها أضرحة مقابر يتراوح ارتفاعها مابين 2-3 أمتار وتتناثر بشكل غير منتظم فوق السطح الذي تقدر مساحته بحوالي 3-4 كم مربع وليس عليها نقوش أو علامات تدلنا على ماهية تلك البنايات المشابهة للنواميس المعروفة في شبه جزيرة سيناء وكانت هناك بعض المباني الحجرية المندفنة تحت ركام الأتربة وفوقها العديد من الكسر الفخارية 0



ومن هنا انطلقنا مسرعين نحو تبوك التي كنا نشاهد معالمها منذ الصباح وقد كان يقع أمامنا في السهل ناحية اليمين مجموعة من جبال تسمى العريق 0 والى الشمال توجد غابة من أشجار النخيل وبينهما قلعة الحجاج المحاطة بمجموعة من بيوت الطين 0 وإلى الشمال جبل المنبر 0وهناك حوالي 50 منزلا من الطين في حالة سيئة ولا يستدل على أن مدينة تبوك قد لعبت دورا هاما في التاريخ العربي المبكر 0



يشير ذلك النقش المكتوب على قطعة من القيشاني فوق الباب إلى أن قلعة الحجاج بنيت أو جددت عام 1064هـ 1654م وهي تقع وسط بستان نخيل مهمل وفي منطقة ينهل ماؤها من عين جارية لاتصلح للشرب وفي فناء القلعة هناك بئر عذب تسحب منه المياه0
واثناء تناول القهوة أخذ الحديث مجرى ينم عن أننا الآن في وسط اجتماعي شبه متحضر حيث دار الحديث حول الأحداث في دمشق وشرق الأردن ومعان وحينما جاء الحديث عن وادي موسى والبتراء الواقعة على مقربة مناحاولت بصعوبة بالغة أن اكبح مشاعر


شوقي لرؤية عاصمة الأنباط وهي أمنية لم تحقق فالطريق إلى هناك يمر عبر مناطق سكنى الحويطات المتعادية مع قبائل رفاق رحلتنا:
فنومان من شمر والشيخ عواد بن غنيمة من الفقراء والشيخ هليل من بني عطية وفي هذه الأثناء ذكر لنا قائد تبوك أن الشيخ محمد بن عطية استطاع قبل أيام أن يوجه غارة موفقة على بعض أفراد قبيلة الحويطات سلبهم كل ممتلكاتهم ولم ينج منهم سوى ستة من الخيالة مثل ذلك يمكن أن يكون مصيري في حالة أي مواجهة مع قبيلة الحويطات خاصة وأنها تستعد للأخذ بثأرها وفي المساء عزف المغربي عبد السلام على قيثارته المغربية فقد كانت تا×ذ طابع الموسيقي الغربية على العكس من غناء البدوي الذي يتسم بطابع الحزن والرتابة0



وفي يوم الخميس كان مقررا أن نتجه الى تفقد اطلال مدينة تقع على مسيرة 2-3 ساعات باتجاه الغرب من هنا لكن هبوب الرياح العنيفة والباردة جدا جعلتنا نتراجع عن الفكرة وبدأنا ننظم يومياتنا حيث سيغادر حسن آغا ورفاقه يوم الغد إلى دمشق قمنا بكتابة رسالة ليأخذها معه الى محمد سعيد باشا رئيس قافلة الحج من دمشق الى مكة نشكره فيها على حسن استقباله لنا في القلاع الواقعة في طريقالحج



وفي يوم الجمعة توجهنا بعد الظهر الى جبل العريق ولم نكتشف أي اثر غير ماوجدناه من النقوش القديمة ورسمة صخرية لرجل يحمل أنواعا متعددة من السلاح وأخرى لفتاة منقوضة الشعر والى اليسار واليمين منها صورة لمقصين وفي اتجاه الغرب شاهدنا جبلا عاليا يتلألأ من سقوط الجليد عليه قال لنا هليل أن اسمه الدبغ 0



وفي يوم السبت بدأنا رحلة العودة إلى تيماء حيث انطلقنا مدة ساعة نحو الجنوب ثم استرحنا عند نبع يسمى الرائس وكانت هناك مجموعة من الأثل كونت شكلا بديعا فوق فتحتي المياه بصورة لم أشاهد لها مثيلا من قبل في رحلتي إلى جزيرة العرب ومن هنا اتجهنا مرة آخرى نحو مدينة الموتى شوهر حيث قمنا هناك بإجراء حفرية في برجين حتى اصطدمنا بالأرض الصخرية دون أن نتمكن من الحصول على معلومات عن الفترة الزمنية أو حتى صاحب القبر وكل ماعثرنا عليه يتمثل فقط في آثار أقدام ضبعة وبعض بقايا الطعام وانطلقنا نحو الشرق عبر وادي الأثيلي في وادي الغضى 0



وفي يوم الأحد أيقظنا هليل قبل الفجر لكي يبلغنا أنه سمع من الجنوب أصوات رغاء الإبل وسرعان ماركب ليأتي بالخبر اليقين قائلا أنهم قبيلته بني عطيه الذين جاءوا البارحة من الأخضر لكي يستقروا هنا فكان علينا أن نقبل استضافتهم لنا ونتجه إلى مخيمهم وفي طريقنا إلى هناك شاهدنا العديد من الأبل التي تم حلبها لنا بناء على أمر من هليل حيث قدم لنا الحليب الطازج ولم نصل المخيم إلا والنساء انتهت من نصب العديد من الخيام وقد اخترنا أحسن الخيام وتوقفنا عندها وبدأ الناس يتوافدون علينا لكي يرحبوا بنا أو على الأقل لكي يشاهدونا وكان علي مرارا أن أظهر هم صورة مفرج لأن الكل قد سمع عنها



ويرغب في رؤيتها وفي حوالي الظهر وصلت خيمة شيخ القبيلة ثم جاء بعدها بقليل واسمه صقر أبو علي وهو شقيق صديقنا القديم محمد بن عطية وقد عرفت للتو أن محمد بن عطية ليس هو شيخ القبيلة كما قيل لي رغم مايبدو عليه من مظاهر تخوله لزعامة القبيلة وعندما قمت لأتفقد ركائبنا اكتشفت أن شخصا منهم قام بقطع سير جلدي وحلقة معدنية من الشداد وسرقهما وبعد أن اخبرت الشيخ صقر بذلك انزعج كثيرا وردد قائلا ياللخجل ولكن ماذا يمكن للمرء لأن يفعل بمثل هذه الحالة فكيف يمكن معرفة السارق ومن ذا الذي يريد فضح سره000




وفي اليوم الآخر حضر محمد بن عطية وجلسنا معه ساعتين
وفي يوم الإثنين تابعنا رحلتنا إلى تيماء مع ان محمد بن عطية يقنعنا بالبقاء يوما آخر وأعطينا الشيخ هليل 8 مجيديات حوالي 30 ماركا نظير ماقام به خلال مرافقتنا وودعنا الجميع ولكن الشيخ هليل لم يقبل أن يتركنا وأصر على الرجوع معنا وإيصالنا حتى تيماء وقد مررنا بنفس طريقنا الذي سلكناه قبل أيام ووصلنا دود أيوب وبين مرافقينا يؤدون صلاة العصر أحضر لي سعيد حفنة من الأحجار الصغيرة ذات الشكل البيضاوي واللون البنفسجي وأخذنا منها ولاحظت أننا كاما اقتربنا من قلعة الأخضر قل العشب وذلك بسبب مرور بني عطية خلال هذه المنطة 0
وفي أثناء مسيرنا عبر الطريق قال لي الخادم محمود انتبه



أمامنا مراغة ولكني بسبب شدة الريح وعدم استيعابي لمصطلح المراغة التفت إليه وسألته عما يقول في هذه اللحظة بركت ناقتي فجأة مما جعلني أطير من فوق ظهرها بشكل قوس وأسثقط مسافة مترين فنهضت دون أن يصيبني مكروه وبدأت أضرب الناقة التي طرحت نفسها على الأرض وراحت تحرك جسمها ذات اليمين وذات الشمال مما أحدث أضرارا فادح في الأمتعة من خلال ضغطها عليها وعند الساعة الثالثة وصلت قلعة الأخضر والتي كتب عليها أنها شيدت في عام ـ 1522م ويتوسطها بئر يستخرج ماؤها الذي ينقل الى ثلاث برك مسورة في الخارج عن طريق ساقية يجرها حماران
ويوم الثلاثاء اشترى مرافقنا عواد خمس قطع قماش ذات لون أزرق غامق كلفت الواحد منها مجيدي واحد



وانطلقنا حوالي الساعة السابعة ونصف وكنا نريد أن نعبر وادي الصاني ولكن الشيخ هليل نصحنا بعدم المسير من خلاله دون أن يبرر السبب وقال يمكن أن يكون هناك قطاع طرق فقلت له أن نسير خلال تلك الأراضي واضعين البنادق بأيدينا ولكن الشيخ هليل انفعل فقال أن الصوص يكمنوا في مكان غير ملحوظ خلف قطع الأحجار البركانية الكبيرة ويتركوننا نسير إلى الإمام بهدوء ومن ثم يطلقون النار في ظهورنا كما اضاف أنه سمع أثناء وجودنا في تبوك أن حسن أبو ذراع ومعه ثمانية من أفراد قبيلة بلي يجولون في الأرض للبحث عنا كي يسلبوا كل شيء معنا


واتجهنا إلى اليسار ولقد كان محقا الشيخ هليل في مشورته حيث عرفنا ذلك في تيماء حينما وصلنا بأنهم كانوا يترصدون لنا 0
ويوم الأربعاء عند ذلك الطريق المنبسط لهضبة البياضية التي تركناها على يسارنا فضلات بقر الوحش وهو غزال أبيض كبير ذو قرون حادة وهنا للمرء أن يلاحظ آثار أقدام خيل قبائل


الحويطات وبني صخر المتحالفة حينما أغاروا على عنيبر بن عطية قبل تسعة أسابيع وسلبوه كل مايملك وأثناء الطريق توقفنا لعمل الخبز في منطقة يتكاثر بها نبات الكحلة الذي يسمى ايضا الرحيلة وقبل أن نقترب من جبل الفروة نزلنا إلى واد صغير يسمى وادي باؤود واجتزنا حتى وصلنا مدخل وادي حصاة القنيص وقد عانينا من شدة العطش فالقرب ليس فيها مايزيد على لتر واحد فقط إلا أننا لم نجروء على الذهاب لأحضار الماء


تخوفا من حسن أبو ذراع ولم يكن أمامنا إلا خيارين أما نقسمه بيننا او نستخدمه لصنع القهوة فاتفق الجميع على الأمر الثاني وبعد ذلك رقدنا ويد فيها سيف والآخرى بندقية ولقد تناوب رفاقنا البدو على الحراسة ليلا وأصبحنا بخير ولكن لاأدري هل هم لم يلاحظونا أم أنهم افتقدوا الشجاعة لمهاجمتنا0




وفي يوم الخميس 6-3-1884م يوافق اليوم عيد ميلاد حاكم بلادي الملك كارل فون فرتمبرج مما جعلني أتذكر وطني بقلب مفعم بالحنان والشوق ولكني رغم ذلك مضيت صامتا أقطع الفيافي تحت وطأة العطش وغترتي ملفوفة على فمي وخشمي أترقب فقط ظهور خبرة الرولة أمامنا ولكن الساعات تمضي والطريق يطول وصلنا إلى الخبرة لكننا لم نجد فيها الماء كما مررناها سابقا وسألنا نومان أن كان يوجد غيرها فأجاب بفظاظة إذا لم يوجد الماء في هذه الخبرة الكبيرة فالأمل ضعيف بوجود الماء في


مكان آخر وواصلنا مسرنا وبعد 8 ساعات ظهر أمامنا جبل غنيم الذي يرتفع شاهقا فوق واحة تيماء وحين بلغ قيظ الظهيرة أوجه صاح هليل فجأة هناك ماء أمامنا وتناولت الأناء النحاسي وقذفت نفسي من فوق ظهر الناقة وشربنا وملأنا القرب ثم جاء دور الجمال التي انطلقت تتزاحم حيث الماء وبعد أن شربت أطلقت عنان رؤوسها إلى السماء بكل سرور وأصبح علينا أن نصل تيماء قبل حلول الليل وأخذ نومان ينشد الأغنية تلو الآخرى ابتهاجا بقرب وصوله مسقط رأسه وعلى مسافة قريبة وجدنا برجا يسمى



القصير اكتشفت على سوره حجرا صغيرا مكتوبا عليه نقش عربي قديم فانتزعته وحملته كما شاهدت إلى جانبه ايضا حجرا آخرا نحت عليه مايشبه شخصين ممسكين بحراثة يجرها ثور للإمام وبعد أن حل الظلام بسلام إلى مقر عامل الأمير في تيماء عبدالعزيز العنقري الذي لم يتحمس لوصولنا ولم يسرع بالنهوض من مكانه لتحيتنا ولعله خلال فترة غيابنا حصل على خطاب تأنيب من أمير حائل ردا على الخطاب الذي بعثناه إليه نشكو فيه من سوء معاملة عامله بتيماء لنا 0 على أي حال أن صح ذلك فقد أدى الخطاب مفعوله حيث قام بأعداد وليمة تكريما لقدومنا 00




------- يتبع 8


















عرض البوم صور جلال الدرعان   رد مع اقتباس

قديم 03/07/11, (06:04 AM)   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
جلال الدرعان
اللقب:
مشرف منتدى الخواطر والقصص

البيانات
التسجيل: 17/12/10
العضوية: 6107
الدولة: الجبيل
المشاركات: 1,418
بمعدل : 0.29 يوميا
معدل التقييم: 43
نقاط التقييم: 541
جلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدود


الإتصالات
الحالة:
جلال الدرعان غير متصل
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جلال الدرعان المنتدى : منتدى التاريخ والتراث العربي
افتراضي رد: دراسة عن قبيلة عنزة Anza tribe bin Wael

ماقاله الرحالة ابتون عن قبيلة السبعة من عنزة


الرحالة روجر أبتون

ضابط في سلاح الفرسان البريطاني كتب مذكرات عن رحلته في البحث عن الخيول العربية عرفت بمذكرات الكبتن ابتون وله كذلك كتاب مشاهدات في بوادي العرب وفي هذا الكتاب كثيرا من أخبار فرسان البادية العربية وذكر في هذا الكتاب كثيرا عن قبيلة السبعة من قبيلة عنزة ومما قاله ابتون :



ومن السبعة القمصة والعبدة والدوام والموايقة والشفيع والمسكا وغيرهم والقمصة بينهم يشكلون مجموعة بدوية رائعة كثيرة الإبل والغنم وكانوا بقيادة الشيخ سليمان ابن مرشد الشيخ الكبير الذي يملك الصدق والصراحة وصاحب النفوذ والمكانة في البادية الشمالية بل أرشحه لأن يكون أقوى شيوخ القبائل هناك فهو الذي كان ينظم حركة وارتحال القبيلة وله علاقة حميمة مع جدعان ابن مهيد أمير الفدعان من عنزة .



ويقول ابتون في وصف الشيخ سليمان ابن مرشد :

كان سليمان ابن مرشد بلباس متواضع يدخن ويشرب القهوة والماء ويتناول التمر باستمرار لم يحلق شعره ولم أجد بدويا يحلق ذقنه أو يقص شعره الا في ظروف خاصة فمن يوم ولادتهم وحتى مماتهم شعورهم تنمو على الطبيعة ويجد الشبان الشعر على شكل ضفائر تتدلى على جانبي الجسم كعرف الفرس الأصيل ولا أجدهم يلبسون طرابيش الأتراك والرسالون من القمصة يشتهرون بتربية الخيول العربية الأصيلة فمنهم نواق صاحب الكحيلة النواقية السلالة المشهورة في ديار العرب .



ولحكمة في سليمان ابن مرشد كان على اتصال دائم مع ولاة الحكومة العثمانية لحل مشاكل قبيلته معها ولتدارس القضايا العامة في البلاد وقد سمعنا ان سليمان ابن مرشد كان من انصار قيام حكومة عربية تكون برئاسة شريف مكة ولصدقه لم يدع السبعة يبرمون أي صفقة مذلة للقبيلة مع الأتراك الا ان الأتراك سمو ابن مرشد عندما كان في ضيافة الوالي التركي حيث قدم له فنجان من القهوة فمات مسموما في الطريق وحصلت القطيعة بين السبعة والحكومة التركية وعين بدل منه الشيخ الفجيجي .



وذكر ابتون :

ان العبدة من السبعة خيامهم اقل من خيام القمصة ولهم نفس القدرة والأهمية والدوم من السبعة عددهم لايستهان به يقودهم الشيخ الفجيجي والفجيجي عقيد حرب معروف ويعتبر من أفضل القادة في بدو السبعة اما المسكة من السبعة فكانوا أغنيا بشكل ملحوظ ومن فرسان السبعة محمد بن كردوش ومحمد بن رجاء ويعد السبعة والعمارات والفدعان من ضنا بشر من قبيلة عنزة .



ووصف الكبتن ابتون كرم وضيافة الشيخ ابن مرشد :

والان علي أن أصف مضافة سليمان بن مرشد فعندما قدمنا الى مضارب السبعة في البادية وجدنا رجالهم يروون الإبل من الآبار تحت حراسة كوكبة من الفرسان بينما وقفت النساء والأطفال يراقبون الغرباء القادمين الى السبعة بدهشة واستغراب فشربنا من ماء الآبار قبل أن نصل المضارب حيث كنا نشاهد على مدى الأفق الخيام السود تتوسطها خيمة الشيخ سليمان ابن مرشد انها خيمة كبيرة أكبر خيمة شاهدناها قد نصبت في البادية يتجمهر حولها خلق كثير وعندما اقتربنا منها استقبلنا في مقدمتها الشاب مشهور ابن مرشد على ظهر جواد ومن خلفه كان يمشي لاستقبالنا الشيخ سليمان ولما وصلنا فرح بنا الشيخ وقادنا الى مكان فسيح في الخيمة كان يجلس فيه الشيخ جدعان ابن فهيد شيخ الفدعان ومجموعة من الشيوخ فاحضرت الوسائد والشداد فورا وقدمت القهوة العربية وفقا لتقاليد ابناء الصحراء .



ولا أبالغ عندما أقول كان يجلس معنا بهدوء أكثر من مائة شخص قدمت لهم القهوة جميعا في خيمة كبيرة طولها مائة وخمسة وستون قدما مقسمة الى ثلاثة أقسام لقد وجدنا أنفسنا نجلس وجها لوجه مع أشهر قائد حربي في الصحراء هو الشيخ جدعان ابن مهيد فتبادلنا الأحاديث عن رحلتنا وعن الوجهة التي نريد الذهاب اليها وعلى الرغم من الجو الحار كانت النار مشتعلة في الموقد المخصص لاعداد القهوة .



وعندما وصلت أمتعتنا الى مضارب السبعة في قافلة منفصلة حدد رجال سليمان بن مرشد مكانا لنصب خيمتنا على أن لاتبعد كثيرا عن خيمة الشيخ .


مر من أمامنا مهر من الخيل لم نشاهد مثله في الجمال والروعة العنق مقوس دقيق الأذنين ممشوق القوام ويستحيل على اي فنان أن يصوره بريشته لجماله وتعدد مواصفاته .


كان المهر للشيخ جدعان ابن مهيد جلب اليه الشعير بنفسه في عليقة دس فمه فيها وعلقها في رأسه وربت على عنقه .


ولم تكن هذه الرحلة دون فائدة لقد شاهدنا الكرم العربي والسلوك العربي وأدب استقبال الضيوف فأداب السلوك وطريقة الاستقبال كانت بمنتهى الأدب والروعة




" نص رحلة البارون ادوارد نولده مبعوث روسيا إلى نجد عام 1893 م / 1310 هـ


(( 1 ) )

"" سرنا إلى كاف عبوراً بقرية أثرى كانت الأرض مرة أخرى تتشكل من نفس الصحراء الموحشة ويغلب عليها الطابع الجبلي الصخري الذي يتغير أحياناً إلى تلال ، وهذه المنطقة كلها تماثل أحد سهول قبيلة الرولة التي تشمل تقريباً نصف كل شمال الجزيرة العربية مابين دمشق وبغداد ، وكصديق شخصي لكبير مشايخ الرولة من عنزة الشيخ صطام ابن شعلان فلم أكن أخشى أي شيء من الجزء الأكبر من هؤلاء البدو ، ويقف صطام في قمة قوته على رأس خمسة عشر ألف مقاتل وهو عدد كبير جداً في الجزيرة العربية ، وللأسف علمت فيما بعد أن هذا العربي القوي والسامي قد قتل في صيف 1893 اثر عودته من رحلة الى القسطنطينية حيث تم استقباله هناك إستقبالاً حافلاً "" إنتهى كلامه .



(( 2 ) )

يتكلم عن الحيانية "" أما البئران الموجودتان في الحيانية فماؤهما طيب الطعم جداً ووفير وخاصة البئر الرئيسية الموجودة على بضع خطوات من باب القصر وفي الوقت الحاضر يصل عمقها من 140 إلى 170 متراً ، وهي مبنية بطريقة ممتازة بل بطريقة قوية جداً وذلك بقدر مااستطعت أن أرى بنفسي عن طريق إنزال عيدان كبيرة مشتعلة في سلة إلى عمق البئر ، وقد لاحظت أن أجزاء منها مبنية من الصخور الطبيعية ، وأجزاء أخرى مبنية من الحجار المنحوتة والمسواة في شكل مربعات ، وجدت الحيانية وزدحمة بآلاف الإبل التي يمتلكها الرولة الذين يستخدمون النفود كأرض رعي في فصل الشتاء اذ بإمكانهم سقي قطعان أبلهم من وقت لآخر من آبار الجوف وسكاكا والحيانية وجبة ، وهذا الوضع يجعل من الواضح ان ابن رشيد لم يكن يشعر أنه سيد النفود الوحيد "" إنتهى كلامه




الرحاله الاوروبي لويس موسيل( موسى الرويلي


يعد لويس موسيل من اهم الرحاله العلماء الذين رحلوا وجالوا في مناطق شمال الجزيزه العربيه وكانت مهماته العلميه تاخذ بعض الاحيان جوانب سياسيه ولكنه يعتبر بحق من الرواد الغربيين الاوائل الذين بغض النظر عن اهدافهم ادوا خدمات علميه جديره بالاحترام والتقدير وخصوصا فيما يتعلق بكتاباته التاريخيه وتحقيقاته الرائده فيما يتعلق بشمال الجزيره العربيه وتاريخها القديم .
ولد موسيل عام 1868م في جمهورية التشيك وبدات علاقته بالبلاد العربيه مبكرا حيث تم ارساله في بعثه دراسيه الى القدس في المدرسه التوراتيه ثم انقتل الى جامعه في بيروت التي انتقل منها الى التعرف على البلاد المجاوره مثل دمشق وتدمر وغزه.



تركزت اهداف رحلته الاولى على البحث عن القصور الامويه في صحراء الاردن ورسم الخرائط , اتم موسيل رحلته ونشر نتائجها في مجلدين وبعد ذلك اشتهر اسمه بين المستشرقين مما دعا وزير خارجية بريطانيالطلب موسيل تقديم مذكرة حول مسألة الحدود المصريه الفلسطينيه عام 1906م .



يذكر موسيل ان اكتشافاته مابين عام 1896م – 1902م قادته الى الحدود الشماليه لبلاد العرب والى الحدود الغربيه لبلاد العرب الصحراويه واثارة الرغبه لديه في الاستمرار في دراساته.
لذلك عقد النيه على التغلغل فيها والبقاء لوقت طويل لرسم خريطه جغرافيه لتحقيقاته التاريخيه ودراساته لحياة سكان هذه المنطقه.


وبما ان قبيلة الروله كانت اقوى القبائل في تلك المنطقه فانه حاول الحصول على حماية شيخ القبيله وتحقق مراده بعد ان حصل موسيل على حماية الشيخ النورى الشعلان واعتباره شيخا من شيوخ الروله تسمى باسم موسى الرويلي ورافق القبيله في حلها وترحالها ودرس عاداتها وتقاليدها وتنقل في كافة المناطق الشماليه الصحراويه فقام في عام 1908/1909م بالتجوال في المناطق اصحراويه لاكمال رسم خريطته للمنطقه فزار وادي السرحان والجوف وسجل احداثا مهمه حصلت في المنطقه في هذه الفتره.


وفي عام 1910م دعته الحكومه التركيه الى استنبول وعقدت معه مفاوضات للقيام برحله الى شمال الحجاز لمسح اجزاء اساسيه من خط سكة حديد الحجاز ومعرفة توجهات شيوخ القبائل السياسيه وبعد هذه الرحله توجه موسيل في عام 1912م الى منطقة وسط الفرات وجنوب الهلال الخصيب .


في عام 1914م بعد بدء الحرب العالميه الاولى قررت المانيا ارسال بعثه الى الجزيره العربيه للعمل على توحيد القبائل الموجوده بها والعمل على تكتلها ضد الانجليز واختير لويس موسيل رئسيا للبعثه.


ترأس موسيل بعد ذلك العديد من البعثات الغربيه للبلاد العربيه ونظرا لخدماته المتميزه عين عضوا في المجلس الشورى الامبراطوري واوكلت له مهمة تعليم الطلبه العثمانيين في المؤسسات النمساويه بصفته سكرتيرا عاما للجمعيه النمساويه للشرق وعبر البحار وفي عام 1920م انتقل موسيل الى براغ كأستاذ في جامعتها وتفرغ للعمل العلمي وبدأ بنشر اعماله واخبار رحلاته ( شمال الحجاز – الصحراء العربيه – وسط الفرات – تدمر – شمال نجد – قبيلة الروله ).


وكان محذرا من خطرا الصهيونيه التي كان ضدها خلال الحرب العالميه الاولى وقام بتأليف 13 كتابا ضمن سلسلة ((الشرق الجديد)) في الفتره من عام 1934-1941م ونال الكثير من التكريم وانتخب عضوا في المجلس الاسلامي الاعلى في القدس وتوفي عام 1944م.






يوميات الجزيرة العربية (1) ـ
«بنت الصحراء» تعشق تسلق الجبال الجليدية، «المس بيل» تترك للعالم 1600 رسالة وسبعة آلاف صورة نادرة..
جرترود بيل



وصفت جرترود بيل بأنها بنت الصحراء، وملكة العراق غير المتوجة فقد كانت امرأة من أكثر نساء عصرها نفوذاً في الامبراطورية البريطانية. فهي مغامرة، ومستعربة، وعالمة آثار، ومستشارة للملوك ورؤساء الوزراء، مقربة من السياسي المحنك ونستون تشرشل ورجل الدولة اللامع لويد جورج، والصديقة المخلصة لتي. إي لورانس (أو لورانس العرب) وجون فيلبي، والصديقة المفضلة لدى الكثير من القادة العرب.



لقد كتبت جرترود بيل ذات مرة تقول: «لحظات الابتهاج قليلة، مثل تلك اللحظات التي تأتي وكأنما يقف الانسان على عتبة رحلة غامضة» لقد كانت «المس بيل» كما بقيت دائما تحب الترحال والسفر. ففي سويسرا كانت تتسلق ذرى القمم الجليدية، التي لم يسبق أن اقتحمها أحد من قبلها، وفي تركيا تزور المعالم الأثرية البعيدة، وفي بلاد مابين النهرين تدرس العربية وتتربع علي سنم الجمل عابرة الصحراء. وعرفها العرب بـ «بنت الصحراء» وفي الحرب العالمية الأولى كانت تعد مصدراً حيوياً للمعلومات بالنسبة للانجليز لقد رسمت خرائط لمناطق صحراوية غير مطروحة حددت خلالها معالم آبار المياه وخطوط السكك الحديدية. واكثر من ذلك فقد كانت تخمن من هو الصديق ومن هو العدو بالنسبة للبريطانيين، وفي الخلاصة فقد كانت المرأة الوحيدة التي جندت عميلة للاستخبارات في المكتب العربي في القاهرة.


وظلت المعلومات المهمة التي تقدمها «المس بيل» عن العراق وايران مادة بالغة الاهمية خلال سنوات ما بعد الحرب. وعندما عين ونستون تشرشل وزيراً للمستعمرات في 1921 استدعى كبار مستشاريه في شئون الشرق الاوسط الى مؤتمر عقد في مصر لتحديد مستقبل بلاد الرافدين. ودعا للمؤتمر 39 رجلاً وامرأة واحدة هي «المس بيل» ولعبت دوراً رئيساً في رسم حدود العراق الجديد وفي اختيار حاكمها الأول، وهو الأمير فيصل وطوال سنوات كانت أقرب شخص إليه ومستشارة سياسية له، وهو المنصب الذي منحها لقب «ملكة العراق غير المتوجة».


لقد كتبت في احدى المرات تقول «لا آبه للاقامة في لندن على الاطلاق فأنا احب بغداد والعراق بأسره انه عين الشرق، ويثير فيّ أحاسيس كثيرة كل الاحداث تقع هناك، إن كل أجوائه الرومانسية تلمس شغاف قلبي وتغمرني» ولدت جرترود مارجريت لوثيان بيل في الرابع عشر من يوليو 1868 في واشنطن هول في مقاطعة دورهام بانجلترا بدأت تعليمها في البيت بعدها اخذت تحضر في ليدي مارجريت هول واصبحت أول امرأة تحصل على رتبة الشرف الأولى، وامضت زمناً طويلاً تدرس الظواهر الاجتماعية في لندن ويوركشاير، وأخذت تطوف ارجاء أوروبا، وقامت بزيارة ايران، واستمرت رحلاتها في جولتين حول العالم بين العامين 1897 ـ 1898والعامين 1902 ـ 1903 وكانت تعشق تسلق الجبال، واستغلت زيارتها لسويسرا في تحقيق تلك الهواية.


وادت معرفتها بالمنطقة الى تقديم خدماتها للاستخبارات البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية وخلال اقامتها في القدس في الفترة من 1899 الى 1900 تعلمت اللغة العربية، ودرست مواقع أثرية عربية عديدة، وشاركت في الحملة العسكرية البريطانية الاستطلاعية في البصرة وبغداد.


وعندما واجهت المرض والوحدة قبيل غروب شمس عمرها تناولت جرعة قاتلة من اقراص منومة، ورحلت عن عالمنا في 12 يوليو 1926 في بغداد بالعراق. وبعد مرور عام على وفاتها نشرت رسائلها التي يصل اجماليها الى 1600 رسالة موجهة لوالديها وللصحافة. وقد احتفظت بهذه الرسائل طوال رحلاتها فضلاً عن اغراض متنوعة.


كما التقطت نحو 7000 صورة خلال الفترة ما بين 1900 ـ 1918. وتعود اهمية الصور الخاصة بالمواقع الاثرية الى ان الآثار التي صورتها طرأ عليها منذ ذلك الحين بعض التغييرات، وبعضها اختفى الى الأبد.
على الطريق..


في السادس عشر من يناير 1914 كانت حملة استطلاعية تتجه جنوبا من دمشق نحو الجزيرة العربية وتوقفت ليلا. وانتهزت جرترود بيل آخر شعاع للشمس، وجلست بجوار خيمتها، وبدأت في تسطير مذكرات خاصة بالميجور تشارلز هوتهام مونتاجو دوتي ويلي، وهو شخص متزوج تعلقت به عاطفياً.


وفي صفحاتها رسمت صورة استثنائية وعجيبة لامرأة مستكشفة خلال رحلتها الأعظم. سيدة انجليزية عبرت حاجز النوع والقيود الاجتماعية للوصول الى قمة الشهرة في الشرق الأوسط. كما أنها احترفت علم الآثار، وأصبحت معلقة وخبيرة في الشئون العربية التركية. وغدت في عقد العشرينيات من القرن العشرين وزيرة مفوضة للشئون الشرقية لدى المندوب السامي البريطاني في بغداد. وفي اطار ذلك الدور تركت أثراً مهما في تشكيل العراق الحديث.


لقد احبت جرترود السفر والترحال كثيراً وفي 1913 شرعت في رحلة صعبة وخطيرة الى نجد، وهي منطقة لم يكن لها وجود على خارطة المنطقة الشمالية من الجزيرة العربية. واعتقد انها الى حد ما قادرة على رسم مقاربات جديدة لواحة حائل، في جبل شمر، حيث ستقوم بإجراء لقاء مع حاكم المدينة. لو أنها نجحت لكانت ألفت كتاباً حول المنطقة لدى عودتها الى بريطانيا، لكن حافزاً شخصياً أقوى كان يكمن وراء تلك المذكرات والرسائل التي يضمها الكتاب الذي نناقشه هنا.


لقد اصبح الشرق بالنسبة لجرترود ملاذاً وعشقاً، مفضلته على بريطانيا البرجوازية وعلى اسرتها وأصدقائها هناك. لقد عشقت الحرية وتاقت اليها في الجزيرة العربية. وسافرت عبر الصحارى لاستطلاع الشرق الغامض الذي كان مثيراً بالنسبة لكل اطفال العصر الفيكتوري من خلال اقاصيص ألف ليلة وليلة. لقد واكبها الحظ متمثلاً في قدرتها على الاستفادة من نماذج نساء فاتهن قطار الزواج في العصر الفيكتوري أولئك اللواتي استخدمن طاقتهن وذكاءهن لصياغة حياتهن المستقلة. لقد أمضت جرترود بيل سحابة عمرها في عالم الرجال، لكنها مع ذلك لم تفقد انوثتها واهتمامها بالملابس النسائية والاعتناء بحديقة منزلها.


ولاشك انها كانت تتساءل عن احوال من يعيشون في حائل عندما ظهرت أخيراً وسطهم في شتاء ولاشك ايضا ان المحيط الذي ولدت فيه اسهم في بناء ثقتها بنفسها، ولابد أنها 1914امتدحت جدها اسحق بيل لمكانته الرائعة في الساحة الاجتماعية.


في سن السابعة لم تكن جرترود قادرة على بلورة مشاعر محدودة تجاه زوجة ابيها الباريسية فلورانس أوليف التي انضمت في عام 1877 الى بيت العائلة وكانت تتسم بالصرامة التي تحاكي شدة المشد الذي كانت ترتديه. ولم تكن امرأة جميلة، لكنها كانت متقدة فكريا، واعتزمت ان تغذي عقل تلك الطفلة جرترود بمفاهيم الواجب والعناية بالمظهر، خاصة بعد أن سمعت انها فوضوية. ولم يكن من العدل أبداً أن تشن حربا ضد فلورانس بيل بأن تتهمها بأنها زوجة أب يخلو قلبها من الرحمة. كما تصور ادبيات العصر الفيكتوري امرأة الأب. وتركت فلورانس بصفتها كاتبة قصص اطفال قامت بدراسة عن العمال في مصانع بيل تحت عنوان «في مجالات العمل»، أثراً عميقاً على حياة جرترود الأدبية، وفي حقيقة الأمر فإن فلورانس بيل حملت علامات الكفاح من أجل المرأة منذ بداية حياتها، ولكنها لم تكن تؤثر اصطلاح مناضلة من أجل حقوق المرأة وليس من المبالغة افتراض ان اهتمام جرترود بيل بتعلم المرأة العراقية في العشرينيات من القرن العشرين ينبع من الفترة التي كانت تصطحبها فيها زوجة أبيها في جولاتها في منازل عمال الحديد والصلب، حيث كانت تقوم بإجراء لقاءات مع زوجات العمال. وعندما لاحظت المتاعب التي يعاني منها أفراد الطبقة العاملة كانت تنظم المحاضرات المخصصة للتوعية الصحية ولأساليب ادارة المنزل، فضلاً عن موضوعات عديدة أخرى.


في عام 1884 بعث والدها بها الى كوينز كوليج في لندن، ومن هناك كتبت رسالة تحبب لوالدها، الذي كان منشغلا بإدارة مشروعات بيل، واوضحت في رسائلها انها لم تخش اراء والدها، وبالمقابل كانت تعرب عن اشمئزازها من محاضرات زوجة أبيها الخاصة بسلوكها.
في كامبردج..


خلال هذه الفترة كانت التغيرات تسير بخطى حثيثة في مجال تعليم المرأة. ومنذ أن فتحت كامبردج أبوابها للنساء في 1863 كانت النساء بصورة روتينية يتحدين الافتراضات القائلة ان مستوى ذكائهن أقل من الرجال. ورأى اساتذة بيل في كوينز كوليدج املاً عظيماً في نشاطها المدرسي، وحثوها على مواصلة تعليمها الجامعي، لكن الجانب الخطير في تعليمها لم يكن جزءاً من الخطة التي اعدتها امنا لنا، كما تقول اختها غير الشقيقة مولي. في الحقيقة فإن معظم الفيكتوريين عرف عنهم خشيتهم على صحة الأنثى التي تعلمت، ووصلت لمستويات تعليمية جيدة، واعتقدت انها لن تكون أماً جيدة. ومع ذلك انتقدت مواقف جرترود بيل بلا شك، لان والدها نادراً ما كان يرفض تحقيق أي مطلب لها.
وامتلأت رسائلها الى أهلها بوصف مدهش لحياة الكلية. كتبت في احدى الرسائل تقول ان محاضراً اصيب بارتباك شديد بسبب وجود شابات في فصله «حتى انه وضعنا في مقاعد وظهرنا له .


وقد أكدت رسائل لاحقة تأثير الجامعة وبصورة خاصة النظريات الخاصة بالتطور السياسي باعتبارها عملية استمرار من المؤسسات الاولى الى المرحلة الأعلى للدولة. وهي فكرة كانت مهيمنة على ما يسمى بالمؤرخين المحافظين في العصر الفيكتوري.


وتركت الجامعة في نفسها إرثاً آخر ، وهو التدخين الذي اصبح عادة مستمرة لديها. وكانت تجري حول الحرم الجامعي بملابس رثة غير مهندمة، وهي طفرة سريعة في حياة ارتداء ألبسة الموضة واحدث الازياء. ما كانت فلورنس بيل لتفكر فيها ازاء تظاهرات التمرد هذه.


في نهاية عامين كانا حافلين بالسلوكيات غير التقليدية أو المنافية للعرف، عرفت أنها ستحصل على المركز الأول في التاريخ المعاصر، وهو انتصار للمدرسة ايضاً.
وغادرت جرترود الكلية وسط حفل صاخب يضم الجنسين من الطلبة. لقد كان التباين واضحاً ما بين الامكانات الجامحة للاستقلال، التي استمتعت بها في الكلية والاعمال الروتينية الهادئة التي لاشك انها عقلانية وحكيمة.


والحقيقة ان الحرية التي منحت للطلبة لا يمكن تطبيقها بصورة مماثلة في دار عائلتها ورحلة الى لندن تتطلب مرافقة ترعاها جيداً. فالنزهات في حدائق ومتنزهات لندن مع الرجال غير مسموح بها، حتى وإن كان الرجل والمرأة صديقين، وقد امضت بضع سنوات وهي تدرس الجيل الصغير من عائلة بيل، ولم تكن تريحها سوى الفترات التي كانت تقضيها في الخارج.


وفي صباح يوم حافل بالاحداث العام 1892 حمل البريد رسالة الى فلورانس بيل من شقيقتها ماري لاسل التي كان زوجها قد عين للتو في طهران وتساءلت: هل تسافر شقيقتي جرترود الى طهران للزيارة؟


واقسمت بيل أن هذا هو المكان الذي طالما تمنت رؤيته، وفي الحال طلبت قواميس باللغتين الفارسية والعربية. وفي ابريل صعدت الى قطار الشرق السريع وبصحبتها عمتها وابنة عمها فلورانس وخادمتين وتحرك القطار ببطء شرقاً إلى باريس، والى الضاحية المضاءة، وبعد ذلك الى الظلام.


صور فارسية..

بعد رحلة دامت أسابيع عديدة براً وبحراً لمحت عيناها تلك المدينة المسورة بجوار طيني والواقعة في منطقة شبه صحراوية. وكانت الحدائق تنبثق منها اعداد لا تحصى من الازهار والورود التي تفتحت واضفت على ذلك المشهد الصحراوي مظهراً غير عادي. ومن غرفة نومها كانت تسمع بوضوح الهنادل وهي تصدح. لن تغير هذا العالم رأساً على عقب بالنسبة لصبية لاتتجاوز الرابعة والعشرين ربيعاً وخلال النزهات اليومية التي كانت تقوم بها جرترود هي وابنة عمها كان بصحبتها سكرتير وسيم يدعى جيرالد كادوجان. ولم يمض وقت طويل حتى كانا يقرآن معا الشعر ويتجولان في العثور الصيفية، حيث كانا يأكلان الدراق والتين، ويتحدثان عن المستقبل، وما لبثا أن قررا الزواج.


وكما في السابق، تسرعت جرترود بيل في اتخاذ القرار وبداية تقبلت العرض، وبعدها بعثت ببرقية الى والديها فحواها موضوع عرض الزواج. لكن والديها لم يقبلا الفكرة، فقد علما ان كادوجان ليس سوى مغامر ربما يتطلع الى ثروة زوجته المقبلة. واستدعيت جرترود الى بريطانيا ولم يمض وقت طويل حتى كان القدر يرسم مصيراً ميلودراميا للخطيب. فقد اصيب بالحمى، ولم يلبث ان لفظ انفاسه الاخيرة.وشعرت جيرترود بالعزلة، ولكن حيويتها وعنفوانها الطبيعيين انقذاها في النهاية، واكتشفت ان باستطاعتها الكتابة. وفي 1894 ظهر كتابها بعنوان «صور فارسية» وبعد ثلاث سنوات كان قلبها لايزال يتوق لحدائق الورود الفارسية، ونشرت ترجمة قديرة لقصائد شاعر القرن الرابع عشر الشهير حافظ.وانسجم تمثيلها للحياة الفارسية مع الكثير من التفاصيل ذات المواقف المزدرية للغربيين ما يخص سكان المستعمرات في الخارج. ووصفت في «صور فارسية» طاعوناً اجتاح طهران خلال زيارتها لها في 1892 وكأنه


زائر يطرق كل باب، وقالت ان ابناء البلاد اصيبت حياتهم بشلل كامل. ولم يبذلوا اي جهد لعزل المرض أو دفن الموتى، تاركين المصابين في الشوارع يلغطون انفاسهم ويتسببون في نقل العدوى. وعزت هذا الاهمال الى ما اسمته بالقدرية الشرقية، ورأت انها تمنع الناس من القبض على زمام امورهم بأنفسهم.


وصورت جرترود ايضا الحياة الناهضة للشرق على أنها وجود مختلف تماماً وكثير الغموض وغير واقعي ويصعب فهمه وإدراكه في كل الاحوال. حياة رتيبة ولا يطرأ عليها أي تغيير من جيل لآخر، ولا تمثل اي سمة خاصة بما يكفي لترك انطباع يقتصر على تصور غامض لاسترخاء وكسل تحولا الى حالة ركود ونوم.


لم تكن الكتابة سلواها الوحيدة فقط بعد تجربتها الفارسية لانها في تلك الفترة بدأت سلسلة من حملات تسلق جبال الألب وفي 1902 نجت بشق الأنفس من كارثة خلال عاصفة عنيفة ضربت فينسترا هورن، تشبثت خلالها لجبل يربط رفاقها العديدين من الذين تمسكوا جميعاً بالمنحدر الجليدي. لقد كانت مغامراتها، بالطبع، وسيلة للتخص من الملك، ام تراها كانت مؤشراً لأمنية اخرى؟ ولم يكن بالمستطاع استبعاد فكرة السلوك الانتحاري في موت بيل الناجم عن تناول جرعة اضافية من الاقراص المنومة في بغداد في 1926. وبعيداً عن سلوكها المتهور احياناً والجريء، فمن المحتمل اكتشاف مؤشرات، على الرغم من ندرتها، تدل على حالات اكتئاب، وهو ما يكتشفه القاريء في ثنايا كتاباتها، وستكشف الايام المقبلة من حياتها ايضا، عن عواطف بريطانية تختفي تحت تلك الشخصية الهادئة ذات النمط الانجليزي. والحقيقة هي انها كانت تخفي شخصية ذات وجود انفعالي.
ظلال العنوسة..


في ذروة تلك الاحداث لم تكن العنوسة توفر الكثير من الرضا الانفعالي، وبعيداً عن مغريات وحسرات عطلات نهاية الاسبوع، حيث مداعبات مجموعة ذكية اضفت حرارة على جولات الجسر والصيد وبعض المواعيد العاطفية، وتركت بيل كي تتصرف وكأنها شخصية مصدر ولع بالنسبة لاقاربها الاصغر منها وتعثر على فتات الحياة الاجتماعية بين الاصدقاء المتزوجين، ولذلك فقد سعت الى القيام بمغامرات خارجية بعد أن أيقظت انوثتها في فارس! وبعد تجربة فينسترا هورن لاحظت بسرور «أتي زمن اعتقدت فيه انه كان لابد أن نلقى حتفنا»، وبدت بيل وكأنها ترى في الخطر نوع من الاثارة العاطفية.


وهكذا بينما اطل القرن الجديد على الرفاهية المستمرة لبريطانيا وامبراطوريتها المترامية وصلت جرترود بيل الى عقد الثلاثينيات وهي تبحث عن نفسها.
وبدأ السفر بالنسبة للنساء يشكل منحى جذاباً للثريات منهن لان توسع الامبراطورية البريطانية سهل تلك الرحلات، ومع قدوم عام 1900 اتخذت جيرترود دوراً جديداً، وهو شيء غير متوقع بالنسبة للنساء من طبقتها، ودمجت بين الرحلات المهذبة وشكل ظاهري من جمع المعلومات.
في ذلك الوقت اعتبرت الجاسوسية مهنة خسيسة، ولم يؤسس مكتب للخدمة السرية في لندن الا في 1908 عندما أثارت طموحات المانيا قلق البريطانيين.



وحتى ذلك الحين كانت وزارة الخارجية البريطانية تستخدم هواة يقدمون خدمات مجانية أو مغامرين يسعون للارتزاق، وهؤلاء جميعاً كانوا يبعثون بمشاهداتهم التي رصدوها في الخارج. وأفلح هذا النظام في الاقطار الاستوائية، حيث كان يتم تكليف ضباط انجليز بمهام عديدة الا ان اماكن معزولة قليلة السكان، مثل صحاري الشرق الاوسط، كانت تمثل بالنسبة إليهم صعوبات خطيرة. واستدعت المكانة التجارية لبريطانيا في الخليج، الذي كانت تندر فيه مكاتب ارسال البرقيات واستقبالها وكانت تستخدم فيه معابر الجمال بدلاً من الطرقات الممهدة، ولم يكن يتحدث العربية سوى النذر القليل من المسافرين الأجانب، الاستفادة من اهتمامات جرترود وقدراتها اللغوية.
ويرجح ان بيل كانت تدين بمكانتها كعميلة سرية، غير رسمية، للاصدقاء المخلصين للامبراطورية، مثل وزير الخارجية البريطاني ادوارد جيراي.



وتؤكد الوثائق الموجودة قبل 1915 عندما انضمت رسمياً الى الاستخبارات البريطانية في المكتب العربي في القاهرة انها كانت تعمل بلا مقابل في قسم الاستخبارات التابع للادميرالية.
ولا يهم هنا سوى النذر القليل اذا كان هناك ميل لاطلاق صفة جاسوسة فعليه على جرترود ومنذ العام 1900 وحتى الحرب العظمى كانت تراقب نبض ما يسمى بـ «تركيا العربية» في خيام الشيوخ العرب النافذين وفي دواوين العثمانيين، حيث قضت هناك ساعات طويلة، وهي تحتسي القهوة، وتطرح الاسئلة، وتنظر بعين ثاقبة الى شئون الدولة. ووفقا للافكار الاجتماعية لذاك الوقت، لم يكن احد يشتبه في أن ضيفتهم الموقرة لم تكن سوى عميلة لحساب مكاتب الجاسوسية البريطانية.



وخلال حفل شاي لعلماء آثار من جامعة بريستول في دمشق في العام 1956 لم تثر اي شبهات حول امكانية تورطها في التجسس. بل على العكس فقد تركت انطباعاً لدى مضيفتها بأن سلوكها لا يتوفر الا لدى النساء المنحدرات من ارقى الفئات الاجتماعية.


الآثار والجاسوسية..
لقد اكتشفت ان اهتماهما بالآثار يوفر لها غطاء لوجودها في جنوبي مابين النهرين (العراق الحديث) حيث كان يتوافر مكتشفو آثار المان يقومون بأعمال الاكتشافات وطورت معرفة وخبرات جيدة في الهندسة المعمارية الاسلامية الاولى ونشرت نتائجها في كتب ومجلات تقنية.



في 1909 استفادت من اساليب الحفر الالمانية لدراسة موقع في الصحراء غربي الفرات بالقرب من بابل، ووصفت المكان بأنه ممتع، وطوال عدة سنوات انشغلت برسوماتها وصورها الفوتوغرافية وبذلت جهدها لترميم الموقع الذي اعتقدت انه من المساجد التي شيدت في اوائل مرحلة دخول الاسلام الى بلاد الرافدين.



وبالتأكيد فان الاحساس الرومانسي بالطبيعة المتحولة للزمان والعالم ايقظ فضولها ازاء الماضي المنسي، وكتبت في 1911 تقول «معظمنا كانت لديه فرصة كي نتعرف جيداً على موقع كان في الماضي مسرحاً لحضارة بادت، ومررنا بساعات من التخيل الذي لا طائل تحته، ولاستعادة مشهد الشارع والسوق والكنيسة والمعبد التي تقف دليلاً على الارض، وحتى انبعاث الألوف من المعضلات من دون حل، كنت اجد نفسي تواقة لساعة مجتزأة من التاريخ القديم، وقد يكون اشباعي في تلك الجدران التي هوت، وأطأ بقدمي صورة عالم ميت لا تمحى من الذاكرة ابداً.ودعت الصورة المتخيلة رومانسياً الى المقارنة بين الحاضر المؤسف، خاصة سلبيات ونواقص الادارة التركية في البلدان التابعة لها من الوطن العربي. فليست هناك حكومة مركزية في الصحراء ومن هنا ليست هناك سلطة مركزية للحفاظ على النظام. بل كانت الحروب بين العشائر هي أسلوب عيش وطريقة سفك دماء وفوضى لا تتوقف. اما السكان فهم يعيشون في فقر وجهل، وكتبت تقول ان موقف السلطان هو موقف اي غريب يحكم بحفنة من الجنود وبكيس خاو من المال وبتشكيلة من الرعية المعادية له والمعادية بدورها بعضها للبعض الآخر.



وبعيداً عن تحسين الوضع، فقد ضاعفت الاطاحة بالبيروقراطية الفاسدة في اسطنبول 1908، عن طريق النخبة المثقفة ذات العقلية الاصلاحية والضباط الأتراك الشبان. غضب العرب. وقد أكدت في كتابها على الحاجة الى ادارة بريطانية مماثلة لتلك القائمة في مصر.
وخلال رحلاتها في الشرق الأوسط، التقت بيل انجليزيين نشيطين سيؤدي مصيرهما الى حدوث تحول في حياة بيل. الاول سيقوم بتمهيد الطريق لها للارتقاء كنفوذ سياسي في العراق قبل أن يحقق شهرة بنفسه كظاهرة امبريالية في الشرق الأوسط وكأنموذج للقدرة على إثار الحيرة والفضول هذا الرجل هو توماس ادوارد لورانس، الابن الثاني غير الشرعي لبارون ايرلندي فقير ومربيه كانت ترعى اطفاله وقد هرب الاثنان الى اكسفورد، واتخذا لقب لورانس اسماً لعائلتهما وهكذا فقد منحا هذا اللقب لابنهما، الذي اصبح اسمه فيما بعد «تل» و«لورانس العرب» والطيار «روس» والجندي «شو» وهو ارباك مؤثر في الهويات واصبح تل وجرترود صديقين بعد لقائهما الاول في موقع اثري في جنوبي تركيا العام 1911 وتلاقيا في اطار يقين مشترك حول مصير الامبريالية البريطانية في الشرق الاوسط.



اما العلاقة القدرية بالشخص الثاني فقد بدأت في قونية، حيث توقفت هناك لجمع رسائلها في طريق العودة الى بريطانيا آتية من سوريا في 1906. وحدث ان كانت تلك الفترة غير مستقرة، بالنسبة لحظوظ بريطانيا في الامبراطورية العثمانية وقونية عاصمة سلجوقية قديمة كانت مفصلاً مهما لخط سكة حديد بغداد برلين وكان الاتراك منحوا شركة نقل السكة الحديد العمومية الارض على طول امتداد الخط الحديدي وحقوق التنقيب عن الآثار.
وبهذه الطريقة شدد السلطان قبضته على الريف العربي واحكم سلطته على الجيش المتمركز بعيداً عن اسطنبول.
واستخدمت المانيا بدورها التنقيب عن الآثار، بين امور اخرى، لادخال النفوذ الالماني والثقافة الالمانية الى المنطقة والمنقبين عن الآثار كوسيلة لتوفير المعلومات لألمانيا.



وقامت بيل بزيارة القنصل البريطاني في قونية ونظر اليها بحاجبيه البارزين اللذين شعرت انهما مفتاح للطبيعة الغامضة. كان الرجل ويدعى تشارلز (ديك) دوني ويلي اصلع وبشارب مسترسل وفي عمرها بالضبط، وهو حصيلة تعليم من وينشستر وساند هيرست، وكانت اسرته من ريف سافولك، وكان عمه هو الرحالة العظيم تشارلز دوتي. وكان كل منهما يعرف الاخر حسب شهرته. فقد عرفها من خلال كتبها. اما هي فقد سمعت بالأوسمة التي حصل عليها نتيجة لجولاته في الصين وجنوب افريقيا. وفي قونية استقبلا لفيفاً من الضيوف على مائدتهما، وكانت بيل بينهم وفشلت في ملاحظة تحكم مضيفتها بزوجها.


ومع اندلاع حرب البلقان في العام 1912 ارسلت عائلة دوتي ويلي الى اسطنبول لمساعدة الصليب الاحمر البريطاني على تنظيم الوحدات الطبية للعناية بالمصابين الاتراك. وفي اوائل العام 1913 عاد ديك وحيداً الى شقة العزوبية في شارع هاف مون في لندن انتظاراً لتكليفه بمهام اخرى وجدد هو وجرترود تعارضهما. ولو كانت بيل روائية لاستطاعت اكتشاف حبكة مألوفة تصلح لقصة ميلودرامية اثناء غرامها بديك، وسرعان ما انجذبا الى بعضهما بسبب شعور كل منهما بالوحدة وايماناً منها بأنه يمكن ان يكون شريك حياتها المثالي. ومرة ثانية كما حدث معها قبل 20 عاماً اصبحت متيمة حتى النخاع. وكما حدث في السابق فإن الوضع كان مستحيلاً. وكتبت بيل لصديقة قبل مغادرتها الى البلاد العربية في نوفمبر 1913 تظنين ان الاصح بالنسبة لي ان اجرب وأجد المخرج» ولا شك فإنها ستجد في الصحراء مواساة لها. وكذلك فإن تزايد رفض العرب للحكم التركي كان اغراء جديداً يضاف لحياتها.ومرة ثانية فإن الاندماج مع الحياة السياسية العربية برحلة الى حائل عرضت عليها طريقة مثالية للخروج من الازمة. وعملت من كل النصائح


واصرت على تنفيذ خططها الخاصة. وقال صديقها وزميلها في التنقيب عن الآثار ديفيد هوجارت: كانت لها اسبابها لتعرف بأن مشروعها لن يلقى دعماً من كل من السلطات العثمانية او الممثل الرئيسي لبريطانيا العظمى في تركيا. وشكل ذاك الحافز الاضافي للمحظور جاذبية اكبر للرحلة».


في خريف ذاك العام كتب ديك قائلاً «عزيزتي .. اريد رؤيتك لكن ذلك لن يتحقق مالم يشأ الله. عزيزتي.. اتمنى لك اسعد الحظ في مغامرتك، واتمنى ان تكون الامور سهلة.. ربما نلتقي يوماً ما».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ

يوميات الجزيرة العربية (2) ـ
جيرترود تبدأ أولى مغامراتها في أعماق الجزيرة العربية، أسيرة حائل تقطع رحلتها وتعود لبغداد بوسام ذهبي..


كانت برودة الطبع جزءا لا يتجزأ من الثقافة البريطانية الأدواردية لفترة ما قبل الحرب العالمية الاولى وفي الحقيقة فقد كانت تتجه جرترود الى عالم تكتنفه الحرب القبلية ومكان تجرأت على الدخول اليه حفنة من الغربيين وحدث ذلك فقط عندما كانت المهام المهمة تفرض عليهم ذلك.


الحرب القبلية المتأججة في نجد كانت حربا بالنيابة تخوضها قبيلتان رئيسيتان نيابة عن تركيا وبريطانيا في العام 1913. وكانت تركيا تخلت منذ امد بعيد عن هيمنتها على نجد، واحد الاسباب لذلك كانت المناوشات الدائمة بين البدو للهيمنة على المنطقة. ونجحت عائلة آل سعود في بسط نفوذها على أجزاء واسعة من المنطقة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر ونجح آل سعود في تأسيس عاصمة دولتهم في الرياض.


في الوقت الذي طلب من بيل اختراق نجد كان آل سعود قد سيطروا على الجزيرة العربية وهرع الكابتن وليم شكسبير من قاعدته في الكويت الى الرياض لمناقشة مضاعفة الدعم البريطاني. وكان يأمل في الحيلولة دون اندلاع حرب قبلية واسعة. وما يدعو الى السخرية ان شكسبير قتل بعد 15 شهرا خلال معركة كان يخوضها فرسان آل سعود. وفي خريف العام 1913 كان الوقت عصيبا بالنسبة لامرأة حزمت امتعتها واستعدت الى رحلة لعبور اعماق الجزيرة العربية.


والحقيقة ان الليدي آن بلنت كانت المرأة الوحيدة التي قامت بزيارة حائل قبل بيل بثلاثين سنة. وكانت قد جاءت الى الجزيرة العربية لشراء خيول عربية.


وكان تشارلز دوتي عم ديك دوتي العالم الجيولوجي قد غادر دمشق في اوائل سبعينيات القرن التاسع عشر في قافلة حج في جولة استغرقت عامين بين سوريا وصحراء الجزيرة العربية وقام خلالها بزيارتين لحائل وكتبت الليدي بلنت ودوتي عن تجربتهما في الجزيرة العربية وعكفت بيل على قراءتهما بالحماس نفسه الذي اظهرته في استطلاع الاثار الاسلامية القديمة.


واتسم كتاب دوتي «الصحراء العربية» بالاسلوب الغريب ووصف تي اي لورانس اللغة بأنها شديدة جدا في كلماتها وجملها حتى انها ارادت قارئا نزيها» اما بالنسبة لبيل فقد تحول الكتاب الى مصدر لايحاءاتها ومرشدا، وفي احدى الفقرات لم يكن دوتي واثقا في انه سيلقى الترحيب المناسب. ويقول في هذه الفقرة «جلست.. في وسط حائل.. وفي غضون ذلك كانوا يتناقشون ربما حول حياتي هناك وراء الجدران الطينية للحصن».


وافترضت الليدي بلنت انها وزوجها سيحظيان بالاحترام المناسب بسبب وضعهما المرموق وانتمائهما لطبقة نبيلة بريطانية. ولكن بعد سوء فهم صغير مع حاكم حائل لاحظت في كتابها الحج الى نجد» انه «كان درسا وتحذيرا، درسا بأننا ـ الاوروبيين ـ لا نزال بين الاسيويين وهو تحذير بأن حائل لاتزال عرينا للاسود، على اننا لحسن الحظ كلنا اصدقاء للاسود». جرترود بيل من جهتها لم تعترف قط بأنها تخشى من أي اسد.


رهينة في حائل..
اكتست دمشق بحلة الخريف وبدت بلون واحد واستدعت بيل اصدقاءها وتجولت في اسواق المدينة لشراء اغراضها ولابتياع الجمال من اجل الرحلة المهمة.
لقد كان تنظيم القافلة فناً بحد ذاته وعرضا مكلفا ايضا. ونصحت جرترود باصطحاب 16 جملا في رحلتها وكان الجمل الواحد يكلف 16 جنيها استرلينيا بما في ذلك المحمل وكان لابد ان تحسب انها بحاجة الى الطعام وخصصت 50 جنيها استرلينيا لذلك و50 جنيها للهدايا مثل العباءات والكوفيات والقماش القطني.


كانت القافلة صغيرة بالمقارنة مع قوافل التقليديين او قوافل الحجاج، وحزمت بيل ايضا وسط حاجات السفر طقما من الصحون ومشغولات فضية واقمشة كتانية وأعمال شكبير الكاملة وكتبا اخرى. وحملت معها ايضا خيمة ومغطسا للاستحمام وعدستي تصوير ومنظارا ومساحيق تجميل وادوية لكل الحالات الطارئة وحملت معها كرسيا يمكن طيه ومقعدا ومسدسات واجهزة مسح زودتها بها الجمعية الجغرافية الملكية.


كان هناك عنصران حيويان لنجاح اي رحلة استطلاعية. اولهما وجود قائد للقافلة وطاقمه. واحتاجت جرترود بيل لاستئجار نحو سبعة رجال، ولسوء الحظ فان خادمها فتوح الذي جاء من حلب لاصطحابها في الصحراء اصيب بالحمى، وخشية التأجيل قررت ان تغادر بدونه على ان تلقاه لاحقا في عمان.


وانتهى بحث بيل عن مرشد ذي خبرة بعشاء في احد مطاعم دمشق في اوائل ديسمبر عندما التقت برجل يدعى محمد المعراوي واستأجرته.


وجاء محملا بأرفع التوصيات وأكثر من ذلك فقد كان يعرف أمير آل رشيد التي كانت تأمل ان تلتقيه. واصبح المعراوي جزءا حيويا من طاقمها باعتباره قائدا للقافلة.


وتأكد من ان الرجال يعرفون اتيكيت الشرطة الشخصية وادب السلوك والمجاملة عند البدو وكانت لديه كل اصناف الخبرة في مواجهة المخاطر وقاد القافلة على دروب الصحراء الرملية، واراضي الحماد في البادية السورية وصحراء النفوذ التي لم توضع لها اي خرائط والحواجز الجبلية المكونة من الكثبان الرملية الحمراء العالية التي يصعب المرور عبرها وهي التي تفصل نجد عن سوريا.
والماء كان يوازي ذلك اهمية لبقاء القافلة على قيد الحياة والحقيقة ان صحراء نجد، مقارنة ببيئة جنوب سوريا ذات البيئة المعتدلة، لم تكن تنبئ بوجود اي مياه او خضرة باستثناء تلك الاعشاب التي تنمو بعد هطول الامطار وبالكاد توجد اي تجمعات بشرية حيث يمكن العثور على الغذاء والعلف. ومن الارث الذي خلفه الرومان في سوريا التي كانت تابعة للامبراطورية الرومانية تلك الحصون العسكرية عند مصادر المياه المهمة في الصحراء.


وحتى وان كانت اثار متفتتة فانها لا تزال تقوم بوظيفتها كمراكز للتجمع لأي شخص يعاني العطش، وتمثل طرق القوافل سلسلة مترابطة من الطرق التي تربط بئرا بالبئر الذي يليه على الدرب وهي نسخ مبكرة للطرق الرئيسية المعاصرة، ومع الاتجاه لمسافات ابعد جنوبا تنتهي تلك الدروب الى لا شيء او الى العدم.


وأخذا بالاشاعات المتناقضة حول حالة الحرب القبلية قررت بيل الخروج من دمشق في صبيحة يوم الثلاثاء السادس عشر من ديسمبر العام 1913. ووضعت اخر رسائل ديك دوتي في سلتها. وحتى وان احرق جميع رسائلها فانها اثرت الاحتفاظ برسائله. يتساءل دوتي في احدى رسائله يا ليتنا نكون رجلا وامرأة كما خلقنا الله ونكون سعداء، اعلم ما تشعرين به وماذا ستفعلين ولماذا لا تفعلين ولكنك مع ذلك لا تزالين لا تعلمين وفي ذاك الطريق يكمن شيء عظيم ورائع، ولكن بالنسبة لك فان ذلك يشكل كل انواع المخاطر».
وما ان خرجت من دمشق للقاء مجموعتها عند نقطة الانطلاق رأت «المشمش ملفوفا بالورق الذهبي والذرة يخرج من بين الاكمام الورقية الخضراء تحت اشجار الزيتون الوارفة الظلال بينما المزارعون يجنون موسم الزيتون». كانت الايام الاولى للرحلة الشتوية مضطربة. وغذت القافلة سيرها على طول الارض البركانية الباردة ونادرا ما التقت بأي انسان او شيء يتنفس.



ولكن سماع حركة او رؤية سحابة دخان عند خط الافق كان سببا لاثارة الاهتمام او القلق اذ ان اي عابر للصحراء يخشى الآخر.
وعزز توقعها طلق ناري مر من فوق رأسها في صبيحة ذات يوم وجاء رجل ممتطيا فرسا من وراء كثب رملي ودار حول فريقها وكأنه رجل مسه جنون، مجردا سيفه من غمده محاولا ان يسلب رجالها من مسدساتهم وذخيرتهم.



ولولا ظهور اثنين من الشيوخ الودودين لكانت عادت ادراجها من حيث اتت. وافادت هذه البداية التي كان طالعها السوء فقط كتذكير بأن البدو ورغم كل التزامهم بقواعد النبل والشرف ينشأون وهم يعتبرون ان الغزو هو نشاط طبيعي. لكن في العموم فان الفضل يعود الى توظيف وسطاء قبليين جعلوا المسافرين يأمنون الكمائن او حتى القتل.



وتابعت القافلة سيرها في منتصف ديسمبر تحت المطر والضباب..
وأمضت المجموعة مساء اعياد الميلاد في حلقة مهجورة وهي قصر بوركو وهو موقع مجهول يمكن ان تكون اثاره رومانية، وتحولت الآن الى ركام من الصخور الداكنة المصطفة على طول حافة حفرة مائية، وكانت تلك الليلة ذات جمال خاص، فضوء النجوم يغسل اثار برج داكن ويحوله الى مصدر لراحة النفس وكان مخيمها يلفه الهدوء.
وفي صبيحة اليوم التالي نهضت بيل باكرا دون اسف على ضياع فرصة الاحتفال بعيد الميلاد في موطنها وطفقت تتجول بين الاثار وتقيس وتصور..



بدأ العام الجديد بتوجسات جديدة، استدارت نحو الشرق حيث تقع محطة زازا لسكة حديد الحجاز، حيث خططت للقاء فتوح. وأملت ان تتجنب الالتقاء بالجنود الاتراك يقومون بدوريات في المنطقة وكان موقف البدو تجاه الاجانب وديا بصورة عامة اذا كانوا بصحبة ادلاء او مرشدين ولكن لم يكن المسئولون الاتراك ليوافقوا على مرورهم دون تحقيق.
في المقام الأول كان السلطان زعيما دينيا لكل المسلمين. ولم يكن الاتراك يسهلون النفاذ والمرور عبر الاقاليم الصحراوية. وكان الحاكم العام للمدن المستقرة يتمتع بامتياز حرمان المسافرين من أي حق في المرور، واما بيل فقد كانت كلها أمل بأن تزحزح اي احد عن موقفه اذا ألح في طلبه ان يرى اوراقا لا تحملها او ليست بحيازتها ولسوء الحظ، فلدى عودتها الى مخيمها بعد ان احضرت فتوح وجدت ثلاثة جنود في انتظارهما وما لبثت ان احصت عددا اخر من الجنود الخيالة الذين كانوا يتجهون اليها.



كان مشهدا محيرا فقد طارت البرقيات الى اسطنبول فيما يخص المرأة الاجنبية. وتعامل معها المسئولون الاتراك المحليون برفق وهم لا يعلمون ما اذا كانوا سيرجعونها من حيث اتت ام يسمحون لها بمواصلة طريقها. واما هي فقد كانت واثقة انه لو غادرت بدون ان يؤذن لها فان الجنود الاتراك لن يوغلوا وراءها عندما تواصل السير في عمق الصحراء.



وفي عصر ذات اليوم وخلال فترة توقف حضرت بيل عرسا وشاهدت وكلها دهشة الضيفات يرتدين الالبسة المزركشة ويرقصن على انغام الموسيقى التي كانت تصدر عن جهاز الاوكورديون بينما كان اخر يقيس الوقت بحركات نظامية مستخدما عصاتين. بعد ذلك اخذت الى بيت اخر حيث كانت العروس مغطاة وبقيت قابعة في الداخل بعيدا عن الاحتفالات اذ حسب العادات فان العروس لم تكن لتظهر الا عندما يهبط الظلام.



في تلك الليلة بالذات وقعت بيل وثيقة يتبرأ فيها كل شخص من مسئولية سلامتها وفي صبيحة اليوم التالي غادرت عمان وهي تشعر بأنها طليقة حرة. وكتبت تقول انها شعرت بالراحة لأنها اصبحت الآن خارج نطاق القانون.
وكانت الصحراء تمتد امامها متثائبة وعلى امتداد البصر لا عوائق فيها لكنها تحمل في طياتها اشياء قد تثير الفزع في النفس. وفتحت بيل دفتر ملاحظاتها، وهي غير قادرة حينها على الاتصال بدوتي وبيلي وبعد ان بعثت برسائلها الاخيرة الى بقية العالم، وبدأت ملاحظاتها اليومية الخاصة بديك عن الليالي المختلفة.



واستخدمت ملاحظاتها اليومية المختصرة لانعاش ذاكرتها بأحداث الرحلة العادية وكأصوات طلقات الرصاص التي قد تعكس نوايا خبيثة لقبيلة معادية او شجيرة صحراوية مزهرة او بركة مليئة بالماء. او تصف له السماء الصافية ليلا والمتلألئة بالنجوم. وقد حولت هذه الصور الدقيقة الى حكايات ترقى لأعظم ما كتب في ادبيات الرحلات والسفر.في الليل وبعد نصب الخيام وربط الجمال وتناول طعام العشاء كانت تنضم الى الرجال فتجلس أمام نار تحضير القهوة لسماع الحكايات والسير الماضية عن المعارك او الاحداث المشهورة في التاريخ وقصص ابطال العرب الذين يقدمون صورة صادقة عن العرب.



ولا شك ان بيل كانت تفضل صحبة الرجال اينما كانت. فقد كانت تقاسم اهتماماتهم وافكارهم ولم تدع ان النساء كن يلفتن انتباهها في العادة. ولا غرابة، في ضوء طبيعتها المغايرة، ان تنضم الى الحملة المناهضة لحق المرأة في الانتخابات في انجلترا. وفي الجزيرة العربية كانت تجلس لفترات طويلة في ركن الحريم البدو وهو المكان المخصص للنساء. وخلال الاسبوع الاخير من يناير عام 1914 عندما حلت ضيفة على مخيم عشيرة الحويطات سجلت بعض الاحاديث مع نساء العشيرة.



واسرت اليها النساء بمشاق الحياة بعد ان لمسن فيها تعاطفا واذنا مصيغة لهن. فهن كن يعشن حياة الترحال ويتناولن وجبات طعام تقتصر في الغالب على التمر والحليب ويعانين من الجوع في ايام الشتاء القارصة وكانت مهامهن تقتصر على رفع الخيام ونصبها وملء الماء واعداد الطعام. ويجمعن روث الجمال لاستخدامها في اشعال النار ودائما يتحملن مشاق ومعاناة تربية الاولاد.
وسجلت بيل بعضا من اللقطات للنساء للاحتفاظ بالصور في ارشيفها الخاص. وعلى الرغم من حقيقة ان صورها كانت بصورة عامة وصفية وليست مركبة كما يمكن ان يتوقع الانسان ازاء الوثائق المعدة بالمقام الاول لاغراض الاثار، الا انها كانت تمتلك عينين ثاقبتين للتكوين وامكانات جمالية لتفعيل الانسجام ما بين الابيض والاسود.



وفي احدى صور حريم شيخ الحويطات في طور الطبق كان هناك توازن ما بين ألبسة النساء الداكنة وبقع الضياء ويقف ثقب في اقصى وسط الخيمة مقابل الاشرطة المنخفضة للنسيج الخاص بقطع الخيمة الداكنة. وكان على اليسار يتوارى رأس شيخ القبيلة وتظهر ثيابه المتطورة مختلفة عن زي الحريم ويقف الشيخ دافعا بعباءته جانبا ليكشف حزامه المشغول بالوانه الجميلة. وتظهر هذه الصورة الحياة الضيقة للمرأة البدوية. اما الشيخ فقد بدا غير مقيد بحدود عبر الابعاد الضئيلة للخيمة بينما تجلس النساء القرفصاء على جانب واحد يحملقن بالعدسة الى ما لا نهاية.



مضى على بيل الآن ثلاثة اشهر وهي في رحلتها، ولا تزال تسجل مذكراتها اليومية حول الاراضي التي تعبرها والعشائر التي تلتقيها. ولا شك ان تلك الملاحظات كانت مهمة جدا بالنسبة للجغرافيين مسئولي الحكومة الذين لم يطأوا هذه الارض قط وقد ملأت مياه الامطار الحفر الارضية بالمياه على طول الطريق، وهو مشهد لابد انه فتنها وملأ قلبها سعادة. لكن بدلا من ذلك بدأ اكتئاب يحدق بروحها لانها شعرت بوحدة سريعة واحست في اعماقها بأن اللعبة لا تستحق تلك الجهود. ودعتها واقعيتها الى التفكير بأن اليأس في تلك اللحظات لم يكن فقط بدون جدوى بل خطرا ايضا.



لو انها تلقت رسائل من ديك وواكبتها في الصحراء فلا شك ان مزاجها الكئيب كان تلاشى وارتفعت معنوياتها. لقد كتب لها ديك في نهاية ديسمبر يقول «لقد منحتني حياة جديدة لقد اعطيتني المفتاح الى قلب» على الرغم من ان لدي اصدقاء بعضهم من النساء وحتى زوجتي فقد خرجوا من الحديقة التي تجولنا فيها لقد تنبهت الى العالم وشعرت بالوحدة ولجأت الى الاحلام والفلسفة وعشق الموت الصامت».


ووعد ديك بيل، وهو يتأمل اثناء وحدته، التي كان يقضيها عشية عيد رأس السنة مع والده في الريف، في خيالاته، ان «اجلس معك في خيمتك وعندما تجلسين على صهوة الجمل وترحلين سأترك قلبي بجوارك».


في اواسط فبراير دخلت بيل ذلك الجزء المعزول وغير الوارد على الخريطة في منطقة النفوذ حيث قامت باجراء بعض القياسات الطبوغرافية المهمة، وعند الظهيرة في التاسع عشر من فبراير قررت حرف طريقها قليلا نحو الاتجاه الجنوبي الشرقي وعندئذ واجهت اول اختبار للتحمل وهي في مواجهة رياح عاتية. ورأت مشهدا مفزعا مجسدا بالعزلة وارض ايباب تتناثر فيها الصخور الداكنة وتنساب على جانب دربها. وصرخ احد الرجال قائلا «يا الهي ان هذه جهنم بعينها».



ولعبت هذه الجغرافية الكابوسية دور المقدمة لاحتجازها في حائل والذي دام نحو احد عشر يوما.
في الخامس والعشرين من فبراير قادها احد المضيفين ويدعى ابراهيم الى مساكن في العقد الصيفي عند السور الجنوبي للبلدة. ولم يتجاوز عمر الامير السادسة عشرة ويعد الحلقة الاخيرة الضعيفة في سلسلة من الامراء الذين لقوا حتفهم.


وكان غائبا في احدى حملات الغزو ضد جيرانه رفض ابراهيم تقديم اي تطمينات حول الموعد الذي يمكن للضيفة ان تغادر المكان فيه.


ومضى اسبوع وكانت صديقاتها الوحيدات هن الحريم التي اصبحت واحدة منهن صديقة حميمة لها. كان اسمها تركية لانها تنحدر من اصول تركية، واتسم حديثها بنوعية قريبة الشبه بأحاديث شهرزاد، لقد روت وبمناسبات عدة قصة حياتها. لقد اختطفت عندما كانت صبية صغيرة وبيعت في سوق النخاسة وما لبث الحاكم ان زوجها من رجل طيب. وكان من مهامها ان تنقل الى فاطمة جدة الامير كل ما كان من الممكن ان تعرفه عن بيل. وبقيت تلك العجوز الغامضة مختبئة في مكان ما وسط الحريم ولكن جرترود شكت، كما شك احد العبيد ويدعى سعيد، بأنها كانت السلطة القوية وراء الأمير.



في احدى الليالي الحالكة الظلام غادرت بيل برفقة العديد من العبيد عبر ازقة حائل الضيقة لزيارة القصر. واستقبلها ابراهيم في قاعة فسيحة تمتلئ بالسجاد وتتناثر فيها الارائك هنا وهناك.


وكانت جرترود منشغلة بالاستمتاع في الاصغاء الى قصصه حول تأسيس امارة «آل رشيد» واخيرا وبعد تدخل اثنين من الزوار وتوصية تركية بها عند فاطمة ابلغها سعيد بأن قافلتها حرة في المغادرة. وما لبث ابراهيم ان قضى نحبه طعنا نجنجر فيما يبدو ان السبب هو خلاف بينه وبين فاطمة حول مصير السجينة. لقد بقي سؤال يعذبها وظل بدون اي اجابة: هل حياة بيل في خطر؟ في بغداد في نهاية مارس


حزمت مذكراتها الخاصة بديك وبعثت بها اليه في اديس ابابا حيث كان يمثل بريطانيا في لجنة ترسيم الحدود الجنوبية لاثيوبيا. ورد على تلك المذكرات بحماس شديد فقال: «عزيزتي لقد قرأت مذكراتك عن الرحلة باهتمام شديد وبالطبع ستكتبين عن هذه الرحلة النادرة لانها تمثل بطولة عظيمة. بالنسبة لي فهي عمل رائع وتم تأديته بصورة ممتازة وتم التغلب على المصاعب والمخاطر».



وعلى الرغم من مديح ديك فقد وجدت ان بقية الرحلة كانت مملة وتحملت الرحلة غربي بغداد بفارغ الصبر، وعندما وصلت في النهاية إلى دمشق في مايو لم تكن بعد واثقة من الانجازات التي حققتها بل كانت منهكة بالكامل. وحتى بعد ان نشدت الراحة في منزل صديقاتها ازعجتها احلام صور جمال مضطربة وهي تجري على غير هدى في الصحراء.
على الرغم من منح الجمعية الجغرافية الملكية


البريطانية لبيل ميدالية ذهبية بسبب الانجازات التي حققتها فان اي معيار للنجاح في اي نوع من الرحلات كان ينطبق فقط على الرجال. ولم تكن هناك اي ميداليات مخصصة للنساء على أنهن بطلات. ولكن وفقا لأي معيار حازت بيل على هذا اللقب. فقد سافرت الى اماكن بعيدة ومعزولة ومجهولة وحافظت ظاهريا على اعصابها في لحظات حالكة وفي المواقف العصيبة. وحظيت باحترام فريقها وحصلت على معلومات حول الجزيرة العربية اثبتت انها ذات قيمة بالنسبة لبلادها في وقت



















عرض البوم صور جلال الدرعان   رد مع اقتباس

قديم 03/07/11, (06:22 AM)   المشاركة رقم: 11
المعلومات
الكاتب:
جلال الدرعان
اللقب:
مشرف منتدى الخواطر والقصص

البيانات
التسجيل: 17/12/10
العضوية: 6107
الدولة: الجبيل
المشاركات: 1,418
بمعدل : 0.29 يوميا
معدل التقييم: 43
نقاط التقييم: 541
جلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدود


الإتصالات
الحالة:
جلال الدرعان غير متصل
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جلال الدرعان المنتدى : منتدى التاريخ والتراث العربي
افتراضي رد: دراسة عن قبيلة عنزة Anza tribe bin Wael

الحرب.
ومن الناحية الشخصية فقد ارضت حاجتها للعمل وتعرفت على دوافعها ومشاعرها.


ولكن شيئا واحدا لم يتغير.. توقها واشتياقها لديك. ولدى عودتها الى انجلترا في يونيو العام 1914وبينما كان الريف الانجليزي يغط في هدوئه الاخير، نحت مشروع وضع كتاب عن الجزيرة العربية جانبا وكان دوتي ويلي لايزال بعيدا في اديس ابابا. وكتب دوتي في احدى المناسبات يقول: «ماذا افعل لاراك تجلسين قبالتي في هذا البيت الذي تحيط به كله اجواء العزلة».



لم يكن مفاجأة اندلاع الحرب في ذاك الخريف، وسألته «هل تعلم ماذا سيحدث في هذه الحرب؟
اعتقد انه ستحدث نكسة ولا اعتقد ايا من الطرفين المتحاربين سيفوز طريق مسدود، شجاعة عقيمة وجهد خاسر».


لا شك فأن تشاؤمها كانت له مبرراته ففي اكتوبر من عام 1914 اجتاحت القوات الالمانية اراضي بفلاندرز وتم توجيه قوة استطلاعية بريطانية لعرقلة تقدم الالمان في ايبريس لكنها ابيدت بالكامل.


وتراكم عدد المصابين على مراسي السفن وفي محطات القطارات في بولون حيث نشطت بيل وعدد اخر من متطوعي الصليب الاحمر الذين عملوا ليل نهار وهم يسجلون قوائم بأسماء الجرحى والموتى ويعدون تقارير لارسالها الى وزارة الحرب البريطانية. وبينما كانت زوجة ديك في فرنسا ايضا تقوم


بتنظيم المستشفى العسكري كان هو يكتب الى بيل.
في يناير 1915 تلقت بيل برقية تقول ان ديك سيغادر اديس ابابا ويتوقع ان يصل الى مرسيليا في التاسع من فبراير. لقد التقيا وافترقا فدوتي ويلي ذهب الى الحرب تلاحقه رسائل جرترود المترعة بمشاعر الاشتياق التي كتبت على خلفية الانباء المفزعة الاتية من جبهات القتال دون ان تلوح في الافق أية بوادر لنهايتها.


كتبت جرترود يوم السابع من مارس 1915 تقول: اجلس مع وحدتي وحيدة معك ووحيدة على الرغم من ذلك، اجتاحتني هذه المشاعر كأمواج البحر. اغمر نفسي بتأثيراتها لفترة ولكني لا ألبث ان اطفو لأعوام على الذكريات وعلي اصداء جملة واصعد الى السطح لألتقط مشهدا عبر تلك اللحة المريرة ويعلق بصري بأرض فردوسية حيث اوقن انني سأفوز هناك وانني لا شك سأفوز، تلك الارض افكر وافكر بها ولا ادري ماذا سيكون مصيرها عندما اصل اليها.في التاسع من مارس 1915 كتبت بيل تقول وقد ملأها


الشوق اليه «اه يا ديك ارجوك ان تكتب لي. اثق واؤمن انك ستكترث بي دعني اقف وقامتي منتصبة عندئذ سيغفرون لي ولك، كل اولئك الاناس الذين لهم صلة بنا سيغفرون لنا. ولكن انت من ينبغي ان يقول ذلك وينبغي ان تقولها الآن، ولست انا، اما انا فلن اقولها لأحد».


ثم يوم العاشر من مارس 1915 خاطبته قائلة: «ابلغك اقدس واعمق اسرار حياتي، وهي ما تكشفت لي اخيرا بعشوائية، اصغ الي، اقول لك باجلال بأن الثمن لم يكن كبيرا بالنسبة لتلك الساعات التي قضيتها معك، نقول ان العاطفة المتأججة ستأكل نفسها. ستنام ولكن بين جوانحي سيخفق لك القلب. هو شعوري الحالي الذي اعيشه في كل لحظة.


ثم في 12 مارس 1915 قالت له «لقد عشت ساعات عظيمة يمكنني ان اموت عليها وانا سعيدة ولكنك انت، لم تحصل على ما كنت تتمناه».
وما لبث ديك ان اجابها على تلك الفورة العاطفية بما لا تتمنى: «اما بالنسبة للأمور التي ذكرتها عن المستقبل في اماكن بعيدة، فهي ضرب من الحلم، حلم امرأة لا غير، ينبغي ان نسير على طول


الطريق، ان ذاك الجنون هو للشعراء والحالمين ليس لنا الا بما يقاس وفقا لاحلام المحبين. تلك امور لا يستطيع الانسان ان يتناولها بالجدل. فهي مشاعر تنمو كالليل ولا تلبث ان تغمرنا.
واحسب انك لا تعجبين بمنطق الفلسفة او ان تكوني فيلسوفة، واعني ان اللذة هي اللذة وليس الخوف والشك والتردد ليست سوى طريق شائكة تقفز منها السعادة واللذة.


جاءتها هذه الرسالة ردا على خطابها المفعم بالحيوية في الخامس عشر من ابريل ورجاها ان تكف عن تلك المشاعر المنغمسة بالاشتياق لأن روحه ستكون في ذاك العالم البعيد اشد حزنا. ولكن ما يثير السخرية ان زوجته هددت بطريقة مماثلة انها ستلجأ الى فورة المشاعر تلك ان هو غادر هذه


الحياة.وفي العشرين من ابريل كتب لها يقول «غدا سأستقل سفينة انزال من الناحية السياسية، وحتى من الوجهة العسكرية، اعتقد ان هناك فرصا عديدة جدا، فاذا فشلنا ستكون هناك كارثة سياسية».
وفي السادس والعشرين وبعد ان قاد كتيبة انزال على الشاطئ اصيب دوتي برصاصة في رأسه ولفظ انفاسه على الفور على مرتفعات مطلة على


جاليبولي، ومنح وسام فكتوريا ولم تكن جرترود تعرف انها تكتب رسائلها للريح وواصلت الكتابة حتى تلقت نبأ مصرعه.




يوميات الجزيرة العربية (3) ـ
الحكومة العثمانية تخلي مسئوليتها والإنجليز ينفضون أيديهم، مغامرة خارجة على القانون تعبر الرمال وصولاً إلى صحراء النفوذ..


لم يمض وقت طويل حتى تلقت جرترود رسائل ديك الذي لقي مصرعه في جاليبولي. ولاسدال الستار على ذلك الفصل في حياتها تأكد لها انه من الضروري ايجاد وسيلة كي تنسى الماضي.في نوفمبر عام 1915 تم تعيينها في المكتب العربي في القاهرة، وهي وكالها تم تأسيسها لجمع وتوزيع المعلومات الاستخبارية عن الشرق الاوسط.



وفي غضون ذلك كانت القوات البريطانية تحارب على جبهتين صحراويتين، وقد تزعزعت خطوط الاتصالات على جبهة دجلة من قبل عشائر آل رشيد وتعرضت للتهديد أيضاً على جهة قناة السويس حيث كانت القوات التركية مكونة من مجندين عرب. في مارس 1916 ونتيجة لتدخل لورانس انضمت لهيئة موظفي السير بيرسي كوكس المسئول السياسي الاول في العراق. وفي العام نفسه اصبحت سكرتيرة كوكس للشئون


الآسيوية، وهي اول امرأة تعمل في خدمة التاج البريطاني. واصبح الشرق منزلها وموطنها الدائم لتصهر جاذبيتها العميقة للجمال الخشن، للارض واناسها، باهتمامها بالسياسة.


وتبرز انشطة عدة تأثير بيل ونفوذها في العراق. ففي عام 1920 تم تأسيس اول مجلس عربي برئاسة نقيب جيلاني وحسب رأيها فإن ذلك كان نموذجاً لقدرتها على ممارسة سلطتها من خلال تقديم الاقتراحات.


وفي صيف العام 1921 ساعدت على تنفيذ السياسة البريطانية عن طريق اقناع القبائل العربية بضرورة التصويت لفيصل رفيق لورانس في سنوات الحرب وعندما بات ملكاً للعراق وعد العرب بالحصول على الاستقلال.


ثالثاً، بصفتها الصلة الاستخبارية بين بغداد ولندن، فقد كان صوتها هو الذي تحدث لحكومتها حول التطورات السياسية في العراق. وبأوامر من السير كوكس قامت بترسيم الحدود المتنازع عليها بين العراق والسعودية والكويت. واخيراً قامت بانشاء المتحف الوطني للآثار واختارت افضل القطع الاثرية من مواقع اثرية مختلفة وافتتح بعد الحرب العالمية الاولى ومنحت العراقيين سياقاً جديداً لفهم ماضيهم. وضم المتحف ايضاً مجموعتها الشخصية التي تضم آلافاً عدة من الكتب، وهي اداة لا تقدر بثمن من أجل اعمال البحث في الادب والتاريخ العربي.



والواقع ان التاريخ ليس لطيفاً مع اولئك الذين تفشل تجاربهم وفي العام 1923 بدأت بيل بالتشكك في النوايا البريطانية في العراق. وكانت المشاعر القومية العربية اخذة في النمو في تلك الفترة. وباتت من حقائق الحياة في العراق. ولم يكن الملك يحظى بأي شعبية كما لم تول القبائل العربية اهتماماً كبيراً في المؤسسات الاجنبية. وبذلت بيل جهداً كبيراً لاقناع الوفود العراقية


للموافقة على تصويت عصبة الامم على منح بريطانيا حق الانتداب على العراق. ولكن مملكة العراق لم تعمر طويلاً فقد سقط النظام الملكي على اثر انقلاب عسكري في العام 1958، ربما للافتقار إلى نموذج افضل للحكم. واستمر الحكم الملكي سبعة وثلاثين عاماً قبل ان يتقوض وسط ألسنة اللهب.


لقد تجمعت الموضوعات الرئيسية في حياة جرترود وهي الانجذاب إلى رجال غير عاديين والمخاطر وحبها وعشقها للحاية السياسية ومواهبها الادبية الذكية في كتاب مذكراتها العربية. لم تسرد هذه المذكرات توقها للحرية الشخصية وتصميمها القوي في التغلب على العقبات بل تحيي إلى درجة غير عادية معبراً إلى العالم المجهول.ولو ان روح بيل ترفرف فوق أي مكان فلا شك انها قد تشعر بالراحة عندما تعلم ان كتابها حول الجزيرة العربية قد نشر في النهاية.


يوميات دوتي ـ 1914
عدت اليوم إلى الصحراء واثناء توجهي مررت بمحطة (جيزة) زيزا توقفت وسألت ما اذا كانت رسائلك المفقودة قد وصلت هناك بمحض الصدفة. لكن لم توجد هناك اي رسالة وعبرت خط السكة الحديد الصيفي الذي يربطني هنا بالعالم الخارجي، قطعت ذلك الخط الضيق ومن الآن لن استطيع ان اسمع منك ولا من اي شخص آخر واكثر من ذلك هل تعلم أنني خارجة على القانون.


لقد ابلغني السفير لويس موليت انني اذا مضيت في طريقي إلى نجد فإن حكومتي تغسل يديها مني وقد قدمت اخلاء مسئولية للدولة العثمانية قائلة انني سأواصل طريقي متحملة المخاطر ذاك هو الثمن الذي دفعته لانني احتجزت في الجيزة (زيزا). ونظراً لانني أسافر بدون حارس فإن الحماية البريطانية ليس لها قيمة كبيرة في هذه الاراضي الكاحلة.
ولا اعتقد، اذا ما تعرضت للسلب وسرقت مني حوائجي الخاصة، ان ويلي تيريل سيسير جيشاً لاستعادة حاجياتي الشخصية.



لم ابتعد كثيراً عن عمان حتى وصلت إلى مزرعة فيها بعض المسيحيين، وهي لا تبعد سوى 3 ساعات عن محطة جيزة إلى الشمال في ذاك المكان الذي احتجزت فيه وخرج جميع اصدقائي الذين عرفتهم قبل 9 سنوات لاستقبالي وقضيت الليل معهم. لقد كان مضيفي رجال عراض المناكب ضخام الاجسام وخشنو الاصوات مستعدين لتحدي جميع الصعاب التي تعترض طريقهم.في صبيحة اليوم التالي ارسلوا معي فارسين لرفقتي وعادا إلى المزرعة وأكملت طريقي حيث امضيت ساعتين قبل الوصول إلى مخيمي. وما إن جاء صباح اليوم التالي حتى بدأت الرحلة إلى نجد.



يناير18
امضينا يومين رائعين ونحن نغذ السير في اراضي شمر وبدأت حقيقة اجد متعة في الرحلة. ولابد ان اقول لك الآن ان الجزء الاول في الرحلة لم يرق لي سوى بصورة ضيئلة حتى انني كنت على وشك ان اعود. فهناك البرد الشديد القارس وغياب فتوح ويجتمع امر على آخر ليكون جبل من الآفات والشرور. لم اكن افعل شيئاً سوى التفكير بينما كانت عنياي تستديران دائماً إلى الخلف. ولكن بعد ان مضى يومان على الرحلة فصلت نفسي عن المدنية ولكنني شعرت انني القيت عن كاهلي كل الاعباء. ولم اعد افعل شيئاً الآن سوى النظر إلى الامام حتى الغد وحتى اليوم الذي يليه.



وفوق كل شيء استمتع في كل لحظة وهي تمر ولابد ان توثق معرفتك بأعضاء الرحلة. وبداية هناك محمد المعراوي الكبير في السن رفيق السيد كاروثر. ففي شبابه كان يركب الخيل مع الرجاجيل من امثال محمد آل رشيد وفي الايام الأكثر حكمة كان يشتري ويبيع الجمال من نجد لكنه الآن يعيش سنوات عجافاً ويتقبل اية اعمال وضيعة يمكن ان تعرض عليه. وهو يعرف العرب في اي مكان حط فيه. الآباء والاجداد لجميع الشيوخ، الاصدقاء منهم والاعداء.



وكانت حكاياته حول الحرب والمغامرات لا تنتهي سواء اثناء الركوب او الاستراحة حول موقد النار في الليل. وكان الشخص الثاني في القافلة سليم ابن شقيقه، الرجل الثاني الذي اعتمد عليه. كان يعتني بي ويساعد فتوح وهو ابن العاصمة. لقد كان خادماً ممتازاً، متعلماً وحسن السلوك.



ويأتي بعده علي وهو شاب شجاع كالأسد وفي ساعات الخطر كان يبدو رابط الجأش لا ترتعش فرائصه. لم يغادرنا قط على عكس ثلاثة من العجيلات استأجرتهم لقيادة الجمال. كان هؤلاء مترددين في الذهاب معي او العودة. واخيراً قرروا العودة ولحسن الحظ فقد جاء شخص آخر هنا، وهو من دمشق وابن شقيق محمد وكان كنزاً فعلياً وهو سعيد وكان على رأس قيادة الجمال. ولم يبد عليه انه يبالي وقام بعمله كرجل.


ومن ثم فقد كان هناك زنجي رافقني منذ البداية ويدعى فلاح. وبداية كان مسئولا عن الرعي فقط لكنه يعمل الآن في خيمة الرجال وهو دمث الاخلاق يحبه الجميع واخيراً هناك فتوح وهو البداية والنهاية لكل من معي وكانت عيناه تراقب الجميع على الرغم من انه لم يرفعهما عني.


وفي الوقت الراهن لدينا رفيقان شيراري وهو لم اره كثيراً والضحاري وصياح وهو الاكثر عذوبة بين جميع رفاق السفر. فقد كانت لغة هؤلاء عذبة وواضحة وينتمي هؤلاء إلى قبيلة الصخور وكان هذا الاخير يوفر لي كل المعلومات حول القبائل.
واخيراً حل برفقتنا الليلة الماضية ضيف شاب


ينتمي إلى الصخور وهو ابن عم هثمل الذي نحن بصدد الذهاب اليه وانضم الينا هو وعبد له واقام معنا الليلة الماضية. وابدى رغبة قوية في صحبتنا حتى نهاية العالم. وفي صبيحة اليوم التالي مضى لحاله. واليوم عبرنا منطقة تفصل البحر الميت عن مياه سرحان. وهي منطقة صخرية كانت تمتليء بالنوق وهي ترعي وتملكها قبيلتا الجبور والصخور ووصلنا إلى وادي جداف وإلى القصر الاموي في طوبة الذي التقطت له صوراً كثيرة.


وتناولت اول طعام لي في الهواء الطلق. خيمنا في الواقع داخل اطلال القصر واليوم نحن في ضيافة الملوك وشعرت بالفرحة كوني متلقية لهذا الكرم. بعد ثلاثة ايام غيرنا طريقنا لانه على ما يبدو ان هذه البقعة في البلاد لا تتلقى اي مطر وقررنا ان هثمال لابد انه تحرك شرفاً وخشيناً اننا لو تحركنا إلى مضاربة في هلبة الا يكون هناك والا نجده ولا شك اننا سنقاسي لو ابتعدنا عن آبار مياه الهوسة دائمة المياه، خاصة واننا بدأنا منذ الليلة نشعر ان مياه الشرب بدأت تنضب ولا مياه دائمة طوال العام سوى مياه الهوسة.


واحمد الله اننا تخلصنا من هضبة تمتليء بحجارة الصوان. ونظرت عبر منظاري المكبر ورأيت جروف ثور الطبيق إلى الجنوب (جبل طبيق) وانحدرنا إلى واد فسيح وانطلقنا نحو الجنوب الشرقي.
ورأينا على الرمال آثاراً لجمال وعرفنا ان العرب لابد انهم من حولنا وقال: «الليلة سوف نسمع كلامهم». ويبنما لم نعرف من هؤلاء فعلاً قمنا بالاتجاه إلى كتف الوادي وعسكرنا في منخفض من الارض بحيث لا يرى احد نيران موقدنا وعندما استقربنا الحال صعدت انا وعلى وصياح إلى هضبة مجاورة لاستطلاع المناطق المحيطة بنا ودفعتنا الجرأة إلى صعود مرتفع اعلى حيث اطل على مشهد عظيم.



في الاسفل كانت تقع منحدرات رملية في منخفض «الجارة» ويتفرع إلى الجنوب والغرب فيما تتناثر التلال والجروف المتفتتة وكانت الرمال التي تتقاذفها الرياح تصعد إلى سفوحها.


واخذت اتعجب عن الاسباب التي تجعل الانسان يعجب ويمتليء قلبه بالسرور لرؤية هذه المشاهد. وتبقى الحقيقة ان الانسان يسر لهذه المشاهد. فلو كنت هنا لاعجبت بهذا المشهد مثلي تماما.


في اليوم التالي ما لبث صياح ان صرخ على علي: «يا علي هناك دخان». وما ان قطعنا شوطاً حتى قال احد سائقي الجمال: «حظها حلو» وشمت الجمال رطوبة الارض وما لبثت ان عثرت على الماء حتى ارتوت بينما تركنا الرجال يملؤون القرب الجلدية وما ان ارتوت الجمال حتى شرعنا انا ومحمد وعلي وصياح ثانية سعياً للعثور على مصدر النار. وانتهى بنا الامر إلى عدد قليل من الرعاة وتأكد لنا اننا وصلنا مراعي الحويطات وشعرنا ان مضاربهم لن تكون بعيدة عناً.


وتقدم الينا الرعاة ليزفوا لنا النبأ والحقيقة ان الصخور كانوا قد اتجهوا شرقاً. اذن لن يكون باستطاعتنا رؤية هثمل ولاناسه.
وجاءت مغادرتهم على عجل بعد حادث مؤسف ادى إلى مصرع احد رجال الحويطات ويبدو ان صياح احس بالقلق خاصة وانه ينتمي إلى الصخور. واتجهنا جنوباً حيث هناك احد شيوخ الحويطات ويدعى حارب وغطت السهل، بدءاً من الخبرة حيث ارتوت الجمال وسقينا، نباتات قصيرة وفي جهات كثيرة كانت خضراء. وكانت خضرتها التي لم تعتد عليها أعيننا لفترة طويلة مذهلة وبراقة وفشلنا في العثور على حارب في تلك الليلة، بل عثرنا فقط على آثار اقدام.


في ذلك اليوم تحركت مضاربه لكن كان هناك بعض الحويطات بالجوار وقاموا بزيارتنا. وبالامس لحقنا بحارب ووجدناه يخيم في منطقة التلال. واستقبلنا بود وترحاب كبير حتى انه رحب بصياح على الرغم من ان ضيوفا من الضمور قاموا الليلة الماضية بمهاجمة مضارب الحويطات وقتلوا نحو 3 رجال وفقد احد رجالهم ولجأوا إلى هثمل.
حدث كل ذلك ليس بعيدا عن المكان الذي خيمنا فيه. ونحر حارب خروفاً من اجلي وفي الليل كنا نتناول العشاء ووصل عندئذ ضيف آخر هو محمد ابوتايه ابن عم الشيخ «العود» وهو شخص يتسم بضخامة جسمه الصلب كالحجارة واوضح ما فيه عيناه الثاقبتان على نقيض شخصية البدوي نحيل الجسم. بدت عيناه قلقتان لا تعرفان الاستقرار وبداية تحلى بالادب الجم ولكن الحديث اتخذ منحى غريباً عما اذا كنت حصلت على اذن من الحكومة، ام لا وما اذا كان البدو يحبون رؤية الاجانب في ديرتهم.
عند هذا الحد نهضت وتوجهت إلى سريري تاركة الأمر لمحمد المعراوي ليهديء الامور. وهو ما فعله


بنجاح كبير. ولكن العرب انخرطوا في نزاع وصياح حول شأن يخصهم هم والقيت بنفسي في السرير وانا اصغي وكلي قلق وخشيت انهم يتعاركون مع صياح الرجل الطيب. ولكن هذا القلق تبدد في الصباح. فلم يكن ذاك الصياح سوى امر عادي على الرغم من الضجيج الهائل الذي كان يصدر عنهم في


الليل.امضيت اليوم مع الشيخ حارب ولم يكن هناك ماء سوى تلك البركة اسفل منا وتبعد 3 ساعات سيراً وكان علينا ملء قربنا الجلدية قبل ان نواصل الطريق. وتحدثت إلى حارب وشربنا القهوة وتحدثنا ثانية والتقطنا صوراً وبدا النهار طويلاً ومنحت ريشاً وبيضة نعام كهدية.


اريدك ان تعلم ان السمات التي تتطلبها الحاجة عند السفر بين العرب ليست الشجاعة بل الصبر وهو ما افتقر اليه كما تعلم. ولكنني تعلمت هذه السمة من قبل انتهاء هذه الرحلة وفي هذا الصباح تجمع رفيق جديد لنا والشيخ حارب وشقيقه وابن عمه ابوتايه، وهو الشخص نفسه الذي جلب لي بيضة النعامة، في خيمة الرجال وحذروني من ان الطريق محفوف بالمخاطر.



غادر الحويطات الديرة وتوجهوا غرباً لقد كانت صحراء قاحلة ولكنها ملك للغزاة من امثال الهيثم والغجر والعطية. وكانت نصيحة الجميع ان اتجه شرقاً إلى وادي سرحان وبعدها شرقاً. ولو انني وافقت شقيق حارب فإن عواد سيراني آمنة وفي سلام في الوادي. واكثر من ذلك فإن رجالي كانوا يتوجسون ضيفة من الاتجاه على الطريق الجنوبي حتى علي لم يخف توجسه ولم لم اتبع تلك النصيحة لكان ذلك ضرباً في الجنون.



انطلقنا اليوم مع شقيق حارب عواد كرفيق درب وسرنا فوق التلال الرملية ووصلنا إلى خيمة ابوتاية الضخمة. وعلمنا انه غير موجود لانه يقوم بغزو الشمر. ولكنني توقفت مدة نصف ساعة حيث شربت القهوة والتقطت بعض الصور لخيمته ونسائه خاصة شقيقته الحسناء علياء وتلقينا النبأ بأن قبيلة الرولة يخيمون في غرب سرحان.


ولم يكن يعنيني نبأ أين يقيمون مضاربهم ولكن كان يعني ذلك الكثير بالنسبة لعواد لان اي رجل في الرولة سنلتقي به سيقوم بذبحه دون تردد ولو للحظة. وبات رفيقنا عديم الفائدة واسقط بأيدينا.


واتجهنا إلى طريقنا وتناقشنا حول ما يمكننا عمله وفي النهاية ارسلناه إلى خيام محمد التي كانت قريبة منا حتى يرسل لنا بديلاً.

وما لبث محمد ان جاءنا نفسه ومعه عواد وآخرون من بيت الشيخ وحملوا لي حملاً صغيراً مرقطاً بالابيض والاسود وكان علامة على الصداقة الحميمة لكنني لم اكن اتحمل فكرة نحره وفي الوقت ذاته لا يمكنني حمله مثل اوزة بايرون. كما جلبوا لي جلد نعامة جميلاً ملوناً بالابيض والاسود ايضاً. وكان يرغب محمد في البقاء حتى اليوم التالي لكنني آثرت الانطلاق لانني اقمت ما يكفي هنا.



لم تكن تلك الايام التي قضيتها في مضارب الحويطات مضيعة للوقت. لقد تعلمت الكثير عن الصحراء وقاطنيها وكان محمد يحتفظ ببعض الظباء الصغيرة في خيمته، تلك المخلوقات الصغيرة والجميلة الفاتنة. وكان محمد يمثل قبيلته لدى الحكومة فهو شيخ «الذويلة» ويسلم ضريبة الجمال إلى قائمقام معان.



لقد ادى خط السكة الحديد (خط الحجاز) إلى وصول الحكومة إلى كل القبائل. لكن قبيلة الرولة بقيت مستقلة، وسأرى هؤلاء عما قريب بدون ادنى شك في طريق العودة وكذلك نجد. وما ان حل الصباح حتى انطلقنا ثانية ومعنا رفيق جديد. ولا شك اننا كنا نبعد عن حائل مسيرة عشرين ليلة.



تخطينا التلال ووصلنا إلى حافتها الجنوبية حيث تنحدر سريعاً لتصل إلى تلال صغيرة حمراء تبدو بلا نهاية وتتبعها امتدادات لا حدود لها من الرمال تنتشر امامنا بلا نهاية. وعند سفح جبل طبيق قمنا بضرب خيامنا وبدا النهار قصيراً. وعند العصر تسلقت تلالا رملية وكانت السماء مغطاة بالسحب وداكنة ولكن عن بعد كانت الكثبان الرملية الصفراء تتلألأ تحت وهج الشمس بينما تضفي التلال الحمراء لوناً ودفئاً على المشهد.وبدت مناطق مهجورة واعتقد ان احداً لن يستطيع العبور هنا والعودة كما اتى. ولم تكن تلك الامتدادات


الصفراء صحراء بل كانت مليئة بالاعشاب. ففي هذا الفصل من السنة تزدهر بالنباتات وتصبح جنة بالنسبة للقبائل التي تقوم بنصب خيامها فيها، وهي ممتازة ايضاً بالنسبة لجمالنا وحملنا مياه لمسيرة ثلاثة ايام وشربنا ايضاً عند آبار حيزان (بئر حيزان).


















عرض البوم صور جلال الدرعان   رد مع اقتباس

قديم 03/07/11, (06:26 AM)   المشاركة رقم: 12
المعلومات
الكاتب:
جلال الدرعان
اللقب:
مشرف منتدى الخواطر والقصص

البيانات
التسجيل: 17/12/10
العضوية: 6107
الدولة: الجبيل
المشاركات: 1,418
بمعدل : 0.29 يوميا
معدل التقييم: 43
نقاط التقييم: 541
جلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدود


الإتصالات
الحالة:
جلال الدرعان غير متصل
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جلال الدرعان المنتدى : منتدى التاريخ والتراث العربي
افتراضي رد: دراسة عن قبيلة عنزة Anza tribe bin Wael

يبدو ان الامير ليس في حائل ولكنه يخيم إلى الشمال مع قطيعه من الجمال.
وخشيت ان يكون ذلك متعباً بالنسبة لي وكنت اتمنى التعامل معه بدلا من التعامل مع وكيله وتشير التقارير ايضاً انه ابلغ جميع رجاله بأنني قادمة. ولا اعلم اكان ذلك للترحيب بي او لتوقيفي. لا اعلم ولم اعلم ايضاً ما اذا كان ذاك النبأ صحيحاً ام لا.
13 فبراير 1914 قطعنا مسيرة يومين في صحراء النفوذ ولانزال نخيم وسط رمالها. لا تزال الرحلة بطيئة صعودا وهبوطا عبر التلال الرملية، لكنني احببت ذلك. فالنباتات كانت ممتعة كما ان التلال الرملية كانت ممتعة أيضاً وعند انتصاف النهار امس وصلت إلى مرتفع وصعدت اليه بدون عناء شديد ومن القمة رأيت اول جبال نجد وعرنان وإلى الغرب ارتفعت التلال فوق تيماء وانتشرت من حول القفار الرملية.
ولدى هبوطي علمت ان احد جمالي اصيب بمرض وانه تخلف مسيرة عشر دقائق. وعدت انا ومحمد والفتى الزنجي (فلاح) لنرى ما يمكننا عمله له ولكن ما ان وصلنا اليها حتى كان في النزع الاخير.
وقال محمد «لقد مات». وقلت «هل ننحره لقد كان الافضل» ورفع سكينه قائلاً «بسم الله والله اكبر» وذبحه وطوال الطريق كانت الارض تمتلئ بآثار ابقار وحشية، وقد رأى الرفاق 3 بقرات لكنهم لم يقتربوا منها.واتجه الرفاق لرؤية من هناك وعادوا ومعهم عودة بن هبرون وهو شيخ العويجة.
واعرب عن استعداده لصحبتنا وبدا شخصاً مستساغاً ومقبولاً.وصلنا مساء الى بئر، وهي من الآبار النادرة عند حافة النفوذ وتوجهت لرؤية السقاية. ولم تكن بئر حيزان سوى منخفض شديد محاط بالتلال الرملية شديدة الانحدار وكذلك فالبئر ذاتها عميقة جداً، وقال الرجال إنها من صنع الأولين بمعنى اجدادهم الاوائل وبالطبع فلم يكن اي بدوي اليوم يستطيع حفر مثل هذه البئر في الصخر وبناء جدار جاف من حولها.ولكن من يقول كم عمر هذه البئر؟ لا توجد هناك اية اثار دالة على تاريخها الا الرمال والحفرة السحيقة. ورأينا عدداً من العرب يسقون جمالهم وهم من قبيلة العنزة من العواجي كانوا يضربون خيامهم بالقرب منا. شاهدت هؤلاء العرب يعملون بجد كبير والتقطت لهم صوراً وتركوني دون ان يتحرشوا بي على الرغم من ان احدهم لم يشاهد اوروبياً من اي نوع.
وبداية احتج واحد او اثنان منهم على التصوير ولكن الشمري في صحبتي طمأنهم وواصلت عملي بسلامة. ومضينا في مسيرتنا يومين اخرين عبر النفوذ لأنه قيل لنا ان الطريق هو الاكثر اماناً وقد امتلأت برغبة الا اتوقف الان الا بالقرب من حائل. كانت مسيرتي نحو جبل ميسمة الذي لا يبعد سوى مسيرة يوم عن ابن الرشيد.
وكنت اود ان انتهي من هذه المغامرة بخاتمة مثمرة لأننا اصبحنا الان في رعاية الله وحفظه فقط.
16فبراير 1914
عانيت من نوبة شديدة من الاكتئاب اليوم ونبع هذا الشعور من شكوكي العميقة ما اذا كانت كل تلك المعاناة والرحلة تستحق تلك المكابدة. وبدأت اتساءل ما هي الفائدة التي سأجنيها من كل ذلك ولا ادري ما هو العرض الذي سيقدمه آل رشيد لي عندما اصل، واشك ما إذا كانوا سيسمحون لي بالسفر الى بغداد فلم تعد لهم السلطة القوية التي كانوا يتمتعون بها فيما مضى.والطريق الى بغداد كانت مطروقة كثيراً فيما مضى. والحقيقة ان الرحلة الى نجد بمقياس اي فائدة حقيقية او اي اضافة حقيقية للمعرفة لم تكن لتضيف الشيء الكثير. وبدت تلوح لي الحقيقة بوضوح ان ذلك هو كل ما كنت استطيع تحقيقه. هناك طريقان لمرحلة مفيدة الى الجزيرة العربية.
احداها هي طريقة «الصحراء العربية» اي معايشة الناس هنا والعيش مثلهم لشهور واعوام معهم. وبهذه الطريقة يمكنك تعلم شيء ما هنا. والواضح بالنسبة لي انني لم اكن استطيع القيام بذلك.اما الوسيلة الاخرى فهي طريقة ليخمان، اي ان تعبر هذه الفيافي وبيدك بوصلة من اجل رسم خارطة وليس لشيء اخر. والنتيجة الختامية هي كما اعتقد لابد انني اكثر نفعاً اذا ما عملت في وظيفة في بلدان اكثر مدنية حيث اعرف ما انا فاعلة، وكيف ادون تجربتي.
ولو كان هناك اي شيء يستحق التسجيل فلن تجده او تصل اليه. والواقع ان كل مشاهداتي على الطريق سواء قابلنا قبيلة معادية او كان الطريق شحيحاً وليس فيه ماء أو اي شيء من هذا القبيل لم تكن تستحق العناء والذكر. بئران كما اشرت من قبل، وفي الحقيقة لا استطيع التفكير بأي شيء اخر.
قبيل الغروب وقفت على قمة تلال رملية ورأيت اطراف الامطار وهي تغسل عرنان وتغادر جبل ميسمة. بعدها تسير الغيوم مسرعة فوق الرمال ومرة ثانية كانت الامطار تحيط بنا وتبللنا. ولم نعد نخاف الان من نقص الماء.
24فبراير1914
أصبحنا اليوم على مشارف حائل وكان من الممكن ان أواصل رحلتي ولكنني آثرت ارسال اثنين من رجالي في صبيحة اليوم الباكر وهما محمد وعلي وأقوم في هذه الاثناء بضرب خيامي خارج البلدة، ورغم الارهاق فإن اقامة مخيمي فوق جبل كان شيئاً جذاباً. تسلقت الصخور وعثرت على زهور في شقوق الصخور، وهو ليس بالشيء الكثير، ولكنه منظر أخاذ بالنسبة للعيون في هذه البقعة.
وفي اليوم الثاني والعشرين وقعت أعيننا على أول قرية بعد «جيزة» وتبعد عنا مسيرة خمس أو ست ساعات وشاهدنا حقلاً أو حقلين من الذرة وبعض أشجار الأثيل في احد وديان النفوذ.
وخرج الرجال شاهرين بنادقهم وهم يظنون اننا غزاة، ولكن عندما اكتشفوا اننا لسنا مصدر ايذاء أو ضرر عادوا ادراجهم وجلبوا لنا قربة جلدية مملوءة باللبن الممتاز.وبالامس مررنا بقريتين أخريين. ومن احداها كانت هناك أشجار الخوخ، كم كان مشهداً جميلاً وخلاباً! واليوم وصلنا الى مشهد جبل عجا الجرانيتي الداكن وحططنا رحالنا في سهل حائل. وكنت من مرتفع اشاهد أرض وأبراج وحدائق حائل والسفيلي وهي تنبسط أمامنا وكلها ذكرت في كتاب «الصحراء العربية» وأحسست كما لو انني كنت أقوم بنوع من الحج وأقوم بزيارة أماكن مقدسة. وكلما كنت أشاهد المزيد من هذه الاركان كنت أشعر بقيمة الانجاز الذي حققته في هذه المرحلة، ولكن أليس ممتعاً انه كان علينا ان نعبر أراضي نجد بتلك السهولة، كما لو اننا كنا نتنزه في البيكاديللي.
2مارس1914
استقبلت في حائل استقبالاً حافلاً وخرج العبيد يرحبون بي وجاءوا راكبين للقائي وطمأنوني ان ابراهيم وكيل الأمير مسرور جداً بزيارتي، والتففنا حول سور البلدة ودخلنا من البوابة الجنوبية وليس بعيداً من مدخل البوابة، مشينا الى فناء فسيح لمنزل بناء محمد بن رشيد لقضاء الصيف فيه.وفي هذا المكان تقع منطقة ضخمة كانت فيما مضى بساتين وحقول ذرة ولكنها الآن أصبحت متروكة بدون سقاية أو زراعة. استخدم الحجاج من فارس في الماضي هذا المكان للاقامة فيه وحط رحالهم.وما ان رحل عني الرجال للعناية بالجمال والاهتمام بالخيام حتى ظهرت سيدتان، كانت الأولى أرملة عجوزاً تدعى لولوة وهي ناظرة تتولى الاشراف على المنزل وتقيم في هذا المنزل مع عبدة تلازمها وابن الأخيرة.
أما السيدة الاخرى فقد كانت مرحة وتعدى تركية وهي شركسية تخص محمد الرشيد وهي المحظية لديه. وأرسلت من القصر لاستقبالي واضفاء البهجة على قلبي، وهو واجب كانت تتقن القيام به، وعند العصر حضر ابراهيم (الوكيل) وكله أبهة وترتسم على وجهه ابتسامة عريضة، كان ذكياً ومتعلماً بصورة مبهرة وبقي معنا حتى صلاة العصر، وعندما خرج أبلغ محمد المعراوي استياء العلماء من وجودي هنا!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ

يوميات الجزيرة العربية (4) ـ
حائل الشمرية وتاريخ حافل بالصراعات، الرحلة إلى كربلاء والنجف.. طريق المخاطر..
في اليوم التالي على قدومها حائل ارسلت جرترود الى ابراهيم رسالة مفادها انها ترغب في ان ترد له زيارته ودعاها كي تحل عليه ضيفة بعد هبوط الظلام فأرسل لها مهرة وزوجين من العبيد. توجهت على مهرتها عبر الظلام والشوارع الفارغة واستقبلت في الروشان الكبير التابع للقصر.
والروشان مكان عظيم ورائع ترفعه أعمدة حجرية عظيمة يغطيها سقف هائل مرتفع وطليت الجدران باللون الابيض والارضية بالجص الابيض الذي رصّ جيدا حتى يظن من يراه انه صقل جيدا وكانت بصحبة كثيرين.. تقول جرترود: جلسنا جميعا على اطراف الجدار على السجاجيد والوسائد. وكان مكاني الجانب الايمن بجوار ابراهيم وتحدث عن تاريخ شمر بصورة عامة وعن آل رشيد على نحو خاص. وعرض ابراهيم الكثير عن التاريخ أما أنا فقد كنت اصغي باهتمام. وبينما كنا نتحدث كان الصبية من العبيد يطوفون علينا بفناجين الشاي والقهوة وفيما بعد جلبوا البخور والعطور وطافوا به علينا ثلاث مرات.
ولم يكن ذلك سوى علامة على أن الاستقبال قد انتهى ونهضت وغادرتهم.
وبعدها تتالت الأيام متعبة مرهقة خالية من أي شيء يمكن القيام به. وفي احد الايام ارسل لي ابراهيم مهرا وطفت به حول البلدة وزرت احد بساتينها، وهي جنة فاكهة ناضجة في البرية. وبعثت تركية الشركسية ورائي في اليوم التالي وجلس معي عبيدي الاثنين وكانا يجلسان ويحكيان لي القصص عن الغزو وعن الافراح في الايام المثيرة ايام عبدالعزيز ابن شقيق محمد.
وجاء رجالي لينقلوا لي ثرثرات الأهالي. وأخيرا ارسلت في طلب نوقي التي كان ينبغي ان اطلبها قبل أيام لو لم تكن بحاجة ملحة الى الراحة. ولا استطيع منحها المزيد من الراحة لأنني اصبحت مفلسة وجلبت معي رسالة توصية لآل رشيد من وكيلهم في دمشق ورفض ابراهيم الاعتراف بالرسالة في غياب الأمير.
ولو لم أبع بعض متاعي لكنت اصبحت الآن بدون أي نقود للمغادرة. وسرت الشائعات تقول ان وراء كل احتجازنا وعدم السماح لنا بالمغادرة هي جدة الأمير فاطمة التي ترتعد فرائص ابراهيم منها. والحقيقة فان قتل انسان في حائل لا يزيد في خطورته عن اهراق حليب وليس هناك احد من الشيوخ يستطيع ان يشعر ان رأسه ثابت فوق كتفيه.وفي غياب الامير تستلم هي زمام الامور والمال. وطلبت ان تسمح لي باللقاء بها ولكنها لم تصغ لطلبي قط, لكن لعلها لا تملك من كل ذاك النفوذ شيئا.
ولا اخفيك انني كنت اعيش ساعات من الحيرة والقلق. فالحرب كانت مستقرة من حولنا. والأمير يقوم بغزو الجوف الى الشمال من حائل.
كما ان ابن سعود يحشد قواته في الجنوب ويظن انه يعد لغزو الامير. فلو ان ابراهيم اختار احتجازي ومنعي من المغادرة حتى عودة الأمير (وهو ما كنت اخشاه) فان وضعي هنا سيكون غير مريح.
وأمضيت ليلة طويلة اضع في رأسي خطط الفرار اذا تدهورت الامور.
على اي حال فقد كان لدي صديقان نافذان في حائل وهما شيخان في العنزة كان يأمل آل رشيد ان يتم لهم استعادة البلدة بمساعدتهما. لم أرهما ولم يتجرآ على زيارتي ولكنهما اعربا عن احتجاجهما ضد المعاملة التي تعرضت لها. وأدين لمساعدتهما لحقيقة ان ابن عمهما كان معي وهو «علي الساعي» الذي جاء معي قبل ثلاث سنوات عبر الحماد.
وفي الامس طلبت الاجتماع الى ابراهيم واستقبلت مرة ثانية في الليل في القاعة العليا للقصر وأبلغته انني لن ابقى هنا لفترة اطول وان احتجاز المال الخاص بي تسبب لي في حرج شديد وينبغي الآن ان اطلب منه رفيقا للذهاب معي الى مضارب العنزة.
تميز بالادب الجم وطمأنني ان الرفيق جاهز ولم يبد انهم يعتزمون وضع اي عقبات في طريقي. وكانت خطتي هي اختيار افضل نوقي وان اخذ معي فتوح وعلي والصبي الاسود فلاح للذهاب الى النجف واما الشاميون فطلبت منهم العودة الى دمشق بضعة ايام اخرى وبعد سينضمان الى اية قافلة متجهة الى المدينة وهي رحلة تستغرق عشرة ايام. ومن المدينة سيستقلان القطار الى دمشق.
ونظرا لأنني لم أكن امتلك المال فان الحل الوحيد هو التوجه الى بغداد لكن ما كان يطمئنني انني لن اتمكن من القيام بنشاط آخر بعد ذلك في العام الحالي. ولن اتمكن من السفر جنوبا من هنا فالقبائل هناك مستقرة والطريق مغلق وقد سمعنا ان ابن سعود استولى على الاحساء وطرد القوات التركية واعتقد انه من المرجح ان يتجه للاستيلاء على حائل، واذا لم ينجح الامير في غزو حائل (الجوف) فان مستقبل شمر سيكون حالكا في الحقيقة.
ويقوم المسئولون الاتراك بتغذيتهم بالسلاح وقد توجهت قافلة الى مدائن صالح لجلب السلاح. ولكنني اعتقد ان نجم ابن سعود يسير الى التألق. واعتقد انه اذا تحالف مع ابن شعلان (رولا عنزة) فان ابن رشيد سيصبح بين فكي كماشة او بين السندان والمطرقة. واشعر كما لو أنني اعيش فصلا منتزعا من صفحات ألف ليلة وليلة خلال الاسبوع الاخير.
فها هي المرأة الشركسية والعبيد والشك والقلق وفاطمة تحيك المؤامرات وراء جدران القصر. وها هو ابراهيم تعلو وجهه ابتسامة بينما عيناه تنتقلان من هنا لهناك في حيرة وارتباك فيما تنتظر كل البلدة ان تسمع عن مصير الجيش الذي غادر مع الامير لغزو الجوف، اما من جهة الاحساس الروحي ان المكان يعبق برائحة الخطر.. فمنذ ان كان خليل هنا احتكم آل رشيد فيما بينهم بحد السيف. وكل الحكايات والقصص التي يتداولها الناس الملتفون حول موقدي تدور حول القتل كما ان المكان يهمس لك برائحة الاغتيالات. لا شك ان اعصابك ستتلف وأنت تنتظر بين الجدران الطينية اليوم تلو الاخر واحمد الله لقد بقيت متوترة الأعصاب وساهرة في ليلة واحدة فقط.
مارس1914
لم تكن تلك الاوضاع سوى مشهد هزلي وهي بالفعل كذلك ولا استطيع ان اجد تفسيرا لكل ذلك فمن يستطيع ان يغوص في اعماق ادمغتهم. في الثالث من مارس ظهر العبد سعيد في الصباح الذي يتمتع بأهمية كبيرة وكان بصحبته شخص اخر وابلغني انه لا يمكنني السفر ولن يستطيعوا اعطائي أي مال حتى يصل مراسل من قبل الأمير.
وقمت بارسال رسائل فورية الى اعمام علي واستؤنفت المقاومة مرة ثانية بشدة اكبر وفي اليوم التالي جاءت كلمة من أم الأمير تدعوني لزيارتهم في ذلك المساء. ذهبت وأنا أركب ناقتي بوجل عبر الشوارع الصامتة التي لا يضيئها سوى ضوء القمر وأمضيت ساعتين مع نساء القصر.
أتخيل أن هناك أماكن مميزة يمكنك ان ترى فيها الشرق نقيا في عاداته التي توارثوها عبر قرون طويلة وقرون وأظن ان حائل هي واحدة من تلك الاماكن. وها هي اولئك النسوة ملتفحات بالاقمشة الحريرية الهندية ويزين جيدهن وآذانهن بالاقراط المجوهرات ويطوف حولهن القيان ولم يكن هناك اي شيء حولهن لا يشي بأنهن لا ينتمين لأوروبا أو لسن اوروبيات.وكنت امثل الاستثناء بعض النساء في منزل المشيخة كن جميلات خاصة والدة الامير التي كانت فاتنة جدا. وامضيت اليوم التالي حبيسة وحدتي. ولعلك تفهم لقد كنت سجينة في هذا البيت الفسيح الذي قدموه لي. وجاءت اليوم دعوة من صبيين وهما أبناء عم الامير. ودعيت لزيارتهما في بستانهما. وتوجهت الى البستان بعد صلاة الظهر ومكثت هناك حتى العصر.ومرة ثانية كانت الاجواء شرقية وممتعة وكان هناك خمسة اطفال وجميعهم ابناء عمومته يرتدون جلاليب ذهبية مطرزة وبدت عليهم الرزانة والهدوء. واخذوا يحدقون بي وكان مضيفاي، وهما صبيان لا يتجاوز اعمارهما الثالثة عشرة والرابعة عشرة، قد بدت على وجه احدهما ملامح البشاشة فيما بدت ملامح وجه الاخر فاقدة كل انفعال وقدم لنا العبيد الشاي والقهوة والفاكهة.
بعد ان تجولنا في اركان البستان وابلغني الصبيان بكل حذر اسماء كل الاشجار، جلسنا ثانية وشربنا المزيد من القهوة والشاي.
ومرة ثانية اعربت عن رغبتي في مغادرة حائل ومرة ثانية قوبلت بردود سلبية: لن اغادر ما لم يصل رسول الامير.
ولم اكن اعرف او اي شخص اخر متى يحضر الرسول. ولم اكن ادري ايضا ماذا يخفيان وراء اجابتهما. وجاء سعيد الينا بعد العصر وتحدث الي الصبي الكبير بحدة اكبر، لكنه انهى الحديث سريعا بالوقوف ومغادرة المكان. واعتقدت انني كنت متسرعة جدا ولكن اقول لك الحق فانني شعرت بالحيرة بعد ساعة جلبت نوقي وعند حلول الظلام جاءني سعيد ثانية ومعه كيس من الذهب واذن كامل بالتوجه الى اي مكان اشاء ومتى اشاء، ولا استطيع التخمين لماذا الآن بالتحديد وافقوا على السماح لي بالمغادرة وليس من قبل.
ولكن في كل الاحوال فقد اصبحت الان حرة طليقة وبت وقلبي مطمئن بل أخذ يدق من الانفعال.
لم اغادر حائل سوى في الثامن من مارس. وطلبت ان اتجول في المدينة والقصر في عز النهار وحصلت على طلبي الذي حرمت من حق الحصول عليه سابقا. لقد منحت الحرية كاملة في تصوير أي شيء أشاء وهو ما اسعدني جدا لقد كان الجميع يبتسمون ويبشون وكنت افكر طوال الوقت بخليل يأتي الى هنا لتناول قهوته. لقد كان مشهد البلدة والناس مذهلا بصورة غير عادية ولم يخالجني أي شك ان القصر يحتفظ بكل دقائق وسمات القصور العربية الصميمة والعريقة التي بنيت واستمرت في شكلها منذ عصور الجاهلية.
واخذت اقول: انشاء الله سيأتي يوم وتشاهدون صوري. وأثناء عودتي الى بيتي تلقيت رسالة من تركية، صديقتي القوقازية، تدعوني لتناول فنجان شاي معها في منزلها.
وذهبت اليها والتقطت صورا لحائل من فوق سطح منزلها وودعتها بحرارة. وكان ذاك الوداع الاخير ما عدا الذكريات التي بقيت عالقة في ذهني. وفيما كنت عائدة الى منزلي تجمهر الناس لرؤيتي.
وهكذا انتهت زيارتي الغريبة لحائل بعد احد عشر يوما من الاحتجاز الذي يرفع الانسان الى درجة التمجيد. اردت بعدها ان اشق طريقي الى النجف عبر طريق الحج القديم «درب زبيدة» ولكن عند فجر صباح مغادرتي جاءني عبد من القصر، رجل صبغ لحيته بالحناء وبعينين سوداوين مخيفتين، واحضر لي رسالة كان محتواها في رأيي لضمان سلامتي وهي تعبر عن قلق الامير علي، وكانت تحثني على اتخاذ الطريق الغربي لأن الطريق الشرقي «خلاء» اي خال من القبائل وتتعرض للغزو من قبل اعدائهم وقبلت بذلك، رغم انه لم يكن لدي اهتمام كبير بذلك وتساءلت عن غرضهم من ذلك.
وعلمنا لاحقا ان رجال شمر كانوا منتشرين على طول الطريق الشرقي ويعني ذلك ان الطريق الشرقي كان آمنا كأي طريق اخر وتخيلت انهم يريدون ارسالي الى الامير، واصدروا اوامرهم وهم واثقين انه في الطريق الغربي، كما تبين لاحقا فانني كنت سألتقي به حتما لو اوخذت «درب زبيدة» وعلمنا من العرب انه كان امامي وعندما وصلنا الى المكان الذي توقع مرشدي ان يكون فيه الامير كان قد اتجه شرقا للتو.
ان اتباع مثل تلك النصيحة كان يشبه اتباع جرادة واعتزمت الا اغير طريقي من اجله وفي النهاية لم اره، ومن اليوم الثاني من مغادرتي لحائل التقيت برسله الذين استوقفونا وحيونا وقالوا ان الامير يتوقع رؤيتي، وابلغوني انه استولى على الجوف وانه طرد الرولة دون ان تطلق رصاصة واحدة وبعد يومين جاء «رجاجيله» الى مخيمنا عند المساء وهم في طريقهم الى حائل وأبلغونا الاخبار ذاتها حول الجوف مع الكثير من التفاصيل حول الاستيلاء عليها.
عبرنا النفوذ خلال اربعة ايام مرهقة، وطوال الطريق كان الاقحوان يتناثر على امتداد السهول المنبسطة. واتبعنا طريقا لم يساورني اي شك انه قديم مستهلك ومطروق عبر الرمال.
بعدها خرجنا الى سهول عظيمة غطتها الورود ايضا. وامتلأت الصحراء بهجة في هذا الوقت من السنة حيث تزهر كل الاعشاب البرية.
كنا نمشي نحو 15 ساعة يوميا ولا نقطع خلالها مسافات طويلة لكننا كنا مرهقين جدا حتى اعماق الروح في هذا الايقاع الرتيب حتى انني كلما حططت رحالي مع هبوط الظلام كنت اشعر بالنصب وبالدوار. وعلى أية حال لابد ان اشعر بالسعادة للوصول الى مناطق مدنية مرة ثانية، ولاخذ راحة ليوم او اثنين.
قبل يومين تخليت عن مرشدنا من حائل واستعنا بشمري اخر. وهذا الرجل كان قد رافق الامير في حملته الاخيرة. وامضى اليوم الاول وهو يروي لنا بالكامل ما حدث دون ان يأخذ في الحسبان انني علمت بتفاصيلها قبل يومين وابلغنا بها كما ابلغ بها العالم.
توقفت على بعد مسافة قصيرة من قرية محصنة تبعد مسافة قصيرة عن الجوف واجبرتنا حامية ابن شعلان على التراجع وتغيير الطريق. والآن سأحكي لك فكرة عامة عن سياسات العرب :
فقد منحتني حائل انطباعا مشؤوما لا يعجبني حكم النساء العبيد ,<<الحملة غير الناجحة ضد ابن شعلان ومحاولة تغطية اثارهم بتقارير زائفة لم تؤد الى تعديل او تغيير رأيي.>> اعتقد ان نجم آل رشيد بدأ يأفل فلم يبق منهم راشد على قيد الحياة فالأمير نفسه لا يتجاوز السابعة عشرة من عمره ومعظم الآخرين ليسوا سوى اطفال ولذلك فان الاسرة تحاول الكفاح بقوة للبقاء.
ولم أرى زامل شقيق ابراهيم والمستشار الرئيسي للامير ولكن كما اتخيل فهو لا يمتلك الكثير من الذكاء.وليس هناك بينهم شخص له هيئته واعتقد ان لا مستقبل بات لابن سعود.
واذا كان هذا صحيحا فقد سمعنا انه طرد الاتراك من الاحساء، فهو خصم منيع لا يستهان به، ولكن الشمر الذين خلفوا حكما دام 80 عاما كانوا يقومون ببعض الغزوات. فلو ان ابن سعود وجه ضربة حاسمة فان جميع العنزة كانوا تقاسموا الغنائم وكانت حائل قد خصصت لهم، لا ادري كيف يبدو ابن سعود. في المرة المقبلة ستكون رحلتي مخصصة له وقد ارسيت خططي لتنفيذ ذلك.
اليوم وصلنا الى حدود شمر ونزلنا ضيوفا على قبائل الشيعة في النجف وامضينا ساعة مهمة في خيمة الشيخ وما كان واضحا ما اذا كان سيرحب بنا او يقضي علينا. واخيرا وبعد القيام بالكثير من الدبلوماسية مال الميزان لصالحنا ونصبنا خيامنا بالقرب من خيمته ووعد في صباح اليوم التالي انه سيزورنا بدليل. هؤلاء الناس ليسوا بدوا ولهم سمعة مخيفة ولكن ما ان توصلنا الى تفاهم معهم وأكلنا الرطب والسمن في خيمة الشيخ اصبحوا ودودين وامضوا كل فترة العصر حول خيامنا. كما ارتدوا افضل ثيابهم وقاموا برقصة غريبة قادها السيد المعمم بقماش اخر في حين كنت اقوم بتصويرهم. وانشدوا تحية لسيدهم.
الى بغداد..
كيف كانت طبيعة تلك الايام التي توجهنا فيها الى النجف. لقد كانت من اصعب الايام التي واجهناها في رحلتنا كلها وانا مستعدة ان اقسم على ذلك. وفي اليوم التالي شرعنا في رحلتنا ورافقني اثنان من المرشدين، ولم نر في طريقنا اي مضارب وكان الطريق خلاء، اي خاليا من اي انسان. وبعد ان مشينا ساعتين في اليوم التالي رأى هذان قطعانا وخياما واسقط في ايديهم من شدة انفعالاتهم.فهل سيكون هناك من رجال العشائر من يمكن ان يقتلوهما ما ان يروهما، ام ان ذلك لن يكون حقيقيا؟ انتظرنا في منخفض وذهبا لاستطلاع من يكون اصحاب تلك المضارب.
فقد قمنا بذلك غالبا. وفي تحليل لمشاعري توصلت الى استنتاج بأنني بت اخاف في هذه الاوقات. لا شك ان ذاك هو الخوف وهو التململ الحرون للدفاع مثل اي فرس جديد على الفروسية يتململ من اللجام ولا يلبث ان يتخلص منها فورا.
كما تعلم هذه المشاعر تشبه اضطرابات النبض ويقوم بها احد خيولي في الوطن وهو فرس جامح جدا. وتجتاحني من ثم مشاعر الرغبة في ان اكون آمنة في الساعة التالية. نعم انه الخوف ما المتعة في ان اكتب لك تفاصيل ذلك. حسبي انك لا تعرف اضطرابات النبض في الدماغ، ولكن ما هو الغريب هو انني اشعر بمتعة عندما يتملكني ذلك الشعور، مثيرا، ويشعر كل شخص وكأنني اتخيل او احلم.
كفى الآن خوفا فليس هناك وقت للخوف فقد عاد المرشدان ومعهما فارسان وكانا من بني سلامة، العشيرة المتحالفة مع بني حسن، وكانا يرغبان المجيء معنا. ولم يكن هناك من شك ازاء مشاعر بني حسن، فلم يكن الرجلان يرغبان في مواصلة الرحلة معنا. وواصلنا رحلتنا مع الفارسين في بني سلامة طوال 6 ساعات وفجأة رأينا اغناما.
وقلت: لا اعتقد ان ذلك يثير اي مخاوف؟ ولكن كان ذلك يثير مخاوف حقيقية فقبل ساعة فقط كانا يقولان انهما سيواصلان الرحلة معنا لكنهما قالا انهما لن يستطيعا الاقامة في مخيمنا في تلك الليلة.
وكررا كالعادة عبارة غامضة تعني في الصحراء «بدهم يذبحونا» وعند رؤيتهم للفخ قال «بدهم يذبحونا» فهل نخيم هنا ام نواصل رحلتنا ونبحث عن الخيام.المشكلة حلت بعد مشاهدتنا لخيامنا وهي في منطقة قريبة واصبح الامر مؤكدا انهم سيروننا. وينبغي علينا مواصلة الطريق وقد اصبحنا شواخص بارزة، فنحن على الجمال في محيط يتكون من حمير فقط. لأن هؤلاء العرب ليست لديهم جمال، فالجمال تخص البدو فقط. وهؤلاء لديهم اغنام ويحملون خيامهم على الحمير.
ففي حال رؤيتهم لنا فسنكون وليمة غزو صغيرة للبدو او حفلة صغيرة لتجار قادمين من حائل. وفي كلا الحالين سيقومون بذبحنا اذا تمكنوا منا. بعد ذلك اقنعنا احد فرساننا «وكان مترددا» في ان يسير نحو الخيام، ولحقنا به ببطء، ولم اكن اخشى أي شيء في ذلك الوقت لأنني بدأت اصاب بالملل.
هبط الرجل عند الخيمة واخذ يحاور صاحب الخيمة عندما رأى اننا تقدمنا على الفور لنصب خيامنا وكنا على خير ما يرام وعاد الرجل ليقول انهم الغزالات. ونظر علي وانا كل في وجه الاخر وقلنا «الحمد لله».
فالغزالات يتميزون بالقوة اكثر بكثير من الاخرين واذا حصلنا على دليل منهم فاننا عندئذ سننعم بالسلام. وسارت الامور على هذا الشكل وحصلنا منهم على دليل رائع وكان اسمه داوي وكان دليلا لآل رشيد عندما كانوا يحضرون الى النجف لشراء الرز. وهو رجل معروف وشجاع وصامت وله لحية مجعدة ووجه دقيق ورائع. لقد وجدنا لؤلؤة وسط الوحول، وهو حظنا الذي كنا نواجهه دائما. فرغ منا الماء الذي كنا نحمله، وهذه الليلة الخامسة التي كنا نحمل فيها الماء ونتقصد في شربه.
لم استحم منذ فترة طويلة وكانت حالتي مفزعة وفي اليوم التالي كان علينا ملء قربنا الجلدية. وفعلنا ذلك من برك راكدة ذات رائحة مقززة في هوة كبيرة. وهنا وجدنا عددا من العرب يقومون بملء الماء. وعرضوا على داوي بعض المال لاغرائه كي يتركنا ولكنه رفض. وفي غضون ذلك فان اولئك كانوا مرحين معنا وقمنا بتصويرهم.
وواصلنا رحلتنا واختفى أي اثر للناس. وفي اليوم التالي وصلنا الى «درب زبيدة» الطريق الرئيسي في الصحراء من حائل وكان هو الطريق الذي كنت ارغب في اخذه وشعرت اننا اصبحنا في سلام، ولكن الخطر كان دائما قريبا كما يقولون.
وفي العصر قابلنا جمهورا كبيرا من العرب قادمين من النجف وفي خلال فترة قصيرة كنا محاصرين كانوا شديدي البنية وخرج معظمهم، وهم يرتدون عمائم خضراء، علينا من كل حدب وصوب وامسكوا بجمالنا وارادوا ان يقعدوها ولكن داوي صرخ بأعلى صوته، وفي لحظة تغيرت الأمور «هل هو السيد الذي يستولي على الذلول».
وكانت هذه الناقة واحدة من النوق التي تحمل متاعنا وابتعد السيد وعبرنا الى طريقنا. وما ان عبرنا حتى قال «يا علي كانوا ينوون تشليحكم. ألست ابن العراق؟» .
لم تكن تلك النهاية وانحرفنا عن الطريق الرئيسي واتجهنا الى مكان يعرف باسم عين السيد في اليوم التالي وما ان استدرنا الى الخلف حتى شاهدنا قافلة ضخمة على الطريق الذي خلفناه وسمعنا بعدها اطلاق نار في الوادي الكبير الذي ابتعدنا عنه، وبعدها شاهدنا رجالا يلحقون بنا يعدون على ظهور الحمير. ولم يكن من المفيد الابتعاد دون ان نعلم مرادهم، وجعلنا داوي يترجل ويمضي اليهم ليتحرى مرادهم. بعد ان اعطيناه بندقية لقد جرت الامور كالعادة لقد كانوا هم الخائفون، لقد ظنوا اننا غزو وكان لديهم خراف في الوادي، اما الطلقات فقد كانت للممازحة ورأيت انه على ما يبدو ان اعدادهم كانت اكبر.أنزلنا متاعنا وضربنا خيامنا، ولم يكن الرجال يشعرون بالسعادة لكن النوم غلبني، وكنا في ذلك اليوم قد مشينا احدى عشرة ساعة ولذلك ما ان وضعت رأسي على الوسادة حتى اغمضت عيني واعتقدت انهم ان ارادوا ذبحنا في تلك الليلة فان ذلك سيكون نصيبنا، لكنهم لم يفعلوا ذلك وكنا نبعد 3 ساعات عن عين السيد وتبعد عين السيد 6 ساعات عن النجف.
وكانت فيما مضى تسمى قرقسية وقرب هذه القرية انتصر المسلمون على جيش كسرى. وفر كسرى الى كتيسيفون وهزم هناك ثانية الى ان انتهى. وفي القرقسية تغير وجه التاريخ.
كانت رغبتي ان اتفحص المكان جيدا واضافة الى ذلك قد تكون هناك اثار قديمة، وكنت متأكدة من وجود حصن هناك وقرية ومن الاراضي الفسيحة المنبسطة شاهدنا القرية والاثار وقطعان الاغنام ولكننا في هذه المرة لم ننتبه حتى مرت رصاصة بين سيقان الجمال. لقد سمعنا الرصاصة بين سيقان الجمال. لقد سمعنا الرصاصة فعلا وجاءت من احد الرعاة، كانت رصاصة تحذيرية بلا ادنى شك ولم تكن مصوبة جيدا. وأنخى داوي جمله في الحال حتى لا تكون الرصاصة الثانية صائبة، وامتشق بندقيته وهرول لايضاح الموقف.
كان اثنان او ثلاثة رعاة مع القطيع، اصاب علي الغضب وتساءل «هل يأتي العدو في وضح النهار ام يزحف على الارض في منتصف الليل؟» واذا كنتم خائفين فان العادة هي اطلاق رصاصة فوق رؤس الراكبين للتأكد مما اذا كانوا اصدقاء أو اعداء». واعترف الرعاة بأنهم خالفوا العادات والتقاليد ولم يطلق علينا احد رصاصا الا مرة واحدة قبل وصولنا لعين السيد وكانت الطلقة بعيدة جدا ولم يكن هناك سوى نبع كبير ومرتفعات القرية القديمة وتلالها الصغيرة وقلعة وليس من شك ان كل شيء قديم هنا.
لكن لم يمض على بناء القرية أكثر من ثلاثمئة عام. واعني انني لن اذهب الى النجف بل اسير عبر الصحراء الي كربلاء وألمس الحضارة هناك واتجنب بذلك الطريق المهلك والصعب من النجف الى كربلاء.كان رجالي مضطربين بسبب التجارب التي مروا بها في الايام القليلة الماضية، ولم يعد هناك أي سبب وجيه لعبور الصحراء ثانية ولذلك تخليت عن موقفي وتوجهنا الى النجف واصبحنا قادرين على رؤية القباب المذهبة وهي تلمع في الافق وقررنا نصب خيامنا قبل الوصول الى البلدة.
لقد خيمت في النجف مرة، ولم يكن الوضع مشجعا، فلم يكن هناك مكان مناسب لنصب الخيام، كما ان المكان يعج باللصوص كما لا يوجد مكان مناسب لضرب الخيام بجوار البلدة لأنها مليئة بالقبور، لكن لا تتوفر هناك اشجار تتيح الفرصة للجمال لتناول الطعام قبل التوجه الى النجف، وهي تقع على مسيرة 3 ساعات.
ولذلك فقد خيمنا عند حدود الاشجار في الساعة الواحدة في السبخة وهي اراض ملحية تنمو فيها اشجار النخيل وكانت اراضي قبيحة يمتليء فيها الذباب الرملي ولم استطع النوم بسبب ذباب الرمل وشرعت ادون ملاحظاتي طوال ساعتين ووضعت خلالها عناوين مغامراتنا وعندئذ طرأ على ذهني ان اذهب واسأل علي ما اذا كنا في امن وسلام في هذا المكان وينبغي ان اذكر انه اختار المكان بنفسه.
وتبين لي انه مثلي لا يظن اننا في مأمن على الاطلاق وابعد ما يكون المكان عن كونه آمناً، لقد كنا قريبين جدا من الطريق وفي الليل لا يعرف هؤلاء الملاعين ان معنا ذوي، ومختصر الحديث فإن علي كان يشعر بالقلق وهكذا وبعد تبادل اطراف الحديث كنت افكر انه من السخف ان نتعرض لحادث ونحن على مقربة من النجف، وخلال نصف ساعة كنا جمعنا متاعنا ووضعنا طعامنا الذي كنا طهوناه وشرعنا في رحلتنا ولم يتبق سوى ساعة وربع الساعة على موعد مغيب الشمس، لقد كان حادثاً سخيفاً لم يستخدم فيه التعقل والحكمة، لكن علي وفتوح شعرا بفرحة غامرة ازاء القرار الذي اتخذته ووصلنا قبيل الغروب الى قرية صغيرة ذات اكواخ وزراعة، كانت تمتد حقول الذرة على مد النظر والقنوات المائية التي لا يمكن الاستغناء عنها، وربما تكون بلا جسور وقد ننزلق فيها ونتعثر بسبب هبوط الظلام، توقفنا ونصبنا خيامنا قرب القرية، وكان مكاناً آمناً في النهاية، ونهض فتوح بعد منتصف الليل وركب الى النجف بصحبة دليل لتوفير عربة لي، وقررت عدم عبور الطريق الرئيسي وتبعنا فتوح في الفجر، ووصلنا الى النجف بسلام، بعد ذلك لم نعثر على فتوح وبحثنا عنه في كل انحاء البلدة، ذهبت الى السوق واكتشفت انه استأجر العربة ورحل بها قبل وقت قليل وبحثنا ثانية وذهبنا الى السوق وكان جميع الناس لطفاء وفي النهاية علمت انه ذهب الى المصلى المرحلة الاولى على الطريق.
لم اكن اعرف ما هي دوافعه، ولكننا اضعنا 3 ساعات في الحر والشقاء، اشتريت برتقالاً تلك الفاكهة اللذيذة اكلت 6 برتقالات على التوالي وامتطينا جمالنا وشرعنا في الرحلة على طريق المصلى وبعد ساعة عثرنا على فتوح. ساخنا ومغطى بالاوساخ، ايها المسكين العزيز ويعتريه ضيق شديد وكان عائداً ادراجه للبحث عنا، ترك العربة وكانت عربة بريد ولم يكن يفترض ان نتوقف لاحد في المصلى ولم يكن يثق ماذا كانت ستنتظر ولكنها انتظرت ووصلنا المصلى في الساعة الواحدة وكنت خيمت هنا قبل ثلاث سنوات وحياني الكثير من معارفي، رتبنا حوائجي في عربة البريد وصعدت بدوري اليها في النهاية وانطلقت العربة وكانت الطريق تستغرق 6 ساعات للوصول الى كربلاء مع تغيير حصانين للعربة وجاءنا الدرك وتحدثوا الينا اثناء تغيير الخيول، وكان يوجد في كل نقطة بريد من 3 الى 4 درك. وشعرت بالراحة لرؤيتهم وتحدثت معهم عن مساويء العربان على الطريق وكيف ان تفكيرهم وحياتهم هي حمل البنادق والمسدسات والسكاكين واطلاق النار.
لقد وقعت الفوضى ثانية فلم يعد من الممكن السيطرة على القبائل، فالجميع مسلحون ورأيتهم يمتشقون البنادق في اسواق النجف تركيا تتحرك ولكن بدون اي نتيجة وقد اتينا الى الجانب المظلم من القمر، واصبحت الامور ميئوسة، وقد ارسلوا والياً جديداً للتو الى هنا واسمه جاويد لعلك تعرفه؟ ويقال انه الجنرال الوحيد الذي لم يهزم في حرب البلقان قط ولا اعتقد انه سيسعى الى زرع مخافة الله في قلوبهم، وكانت عربة البريد تعرضت للسطو قبل اسبوع او اثنين وتم الاستيلاء على 4000 من اموال الحكومة ولم تكن عربة بريد النجف قد تعرضت للسطو من قبل وصلنا الى كربلاء تحت جنح الظلام بعد مواجهة بعض المشكلات مع قنوات الري.
وتحدثت على قنصلنا في النجف ويدعى محمد حسين خان وهو هندي ضئيل الحجم، استقبلني بحرارة ودعاني لوجبة عشاء شهية واعد لي عربة للسفر الى بغداد


















عرض البوم صور جلال الدرعان   رد مع اقتباس

قديم 03/07/11, (06:28 AM)   المشاركة رقم: 13
المعلومات
الكاتب:
جلال الدرعان
اللقب:
مشرف منتدى الخواطر والقصص

البيانات
التسجيل: 17/12/10
العضوية: 6107
الدولة: الجبيل
المشاركات: 1,418
بمعدل : 0.29 يوميا
معدل التقييم: 43
نقاط التقييم: 541
جلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدود


الإتصالات
الحالة:
جلال الدرعان غير متصل
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جلال الدرعان المنتدى : منتدى التاريخ والتراث العربي
افتراضي رد: دراسة عن قبيلة عنزة Anza tribe bin Wael

يوميات الجزيرة العربية (6) -
حشد من المخاطر عند كل منعطف، عشرة أيام في الطريق الطويل عبر بادية الشام
على الرغم من اننا كنا نبعد نحو ست ساعات أو أكثر عن أبو جير، فإن سحابة داكنة من الدخان الاسود كانت ترتفع في الأفق امامنا، والى هذا الاتجاه وجهت بوصلتي، ولم أعد أشعر بالانزعاج، ارجوك، يا عزيز، حاول أن تفكر بي كبطلة، بغض النظر عن كل المضايقات لم يكن ذلك انسانيا، ولذلك خذ الامور كما هي عليه وعلى أي حال فإنني اشعر بالراحة عندما اشكو لك.
عصفت الرياح الليلة الماضية الساعة الثامنة، موحية بالجنون، وتراكمت علينا الرمال ولكن بفضل معجزة ما ثبتت خيامنا بالارض، ولكن الرياح هدأت في النهاية، واصبح الجو اكثر برودة واغتسلت وآويت الى السرير، والحمد لله انني نمت. اليوم كان الطقس حاراً، ولكنه اقل تسببا في الازعاج. مشينا غرباً لمدة ست ساعات، ووصلنا الى مكان مشهور جداً، كما يقول العرب واسم المكان «ويزة» وهو مكان فريد من نوعه عبارة عن حصن صغير تحول الى ركام كنت خططت لالتقاط الصور له، وعلى بعد مئة خطوة تقع حفرة صخرية عظيمة في الأرض، هبطنا نحو مئة قدم، ودخلنا ممراً صخرياً ملتويا ومليئا بالمنعطفات وزودنا جيداً بالشموع، ومشينا بكل جرأة عبر هذا الشرخ في الصخر. واحيانا كانت الطريق تؤدي الى قاعة فسيحة أو تصبح منخفضة فنجبر على السير زحفاً، وننبطح على الرمال، وفي النهاية وصلنا الى بركة ماء نقية، وباردة، يغذيها نبع في الصخور.
وخضنا في الماء، وملأنا كل قربنا الجلدية وقد تركنا شموعاً على طول طريق الممر الصخري، ولكن المكان كان غريباً، وكأنه بوابة، واطل علينا في النهاية ضياء النهار، ولم نشعر بأسف لرؤيتنا ذلك الضياء الطبيعي ثانية وقال: فتوح «هه هـ هـ هذا ضياء الدينا من جديد!» وعدنا ادراجنا الى عالم الانسان، حاملين معنا كنزاً هو المياه النقية، الباردة. وأمضينا تحت الارض قرابة ساعة. وكانت في القلعة بئر معدة جيداً، ولكنها طمرت ويقال انها تقع فوق ذلك النبع تحت الارض، ولابد ان ما يقولونه صحيح، وان القلعة تحمي المياه، وهي قلعة كالقلاع المنتشرة في البادية السورية. ولابد ان اطبع الصور عندما أعود. لا يمكنني تأريخ تلك القلاع، وهي تتراوح ما بين القرن التاسع الى القرن الرابع عشر الميلادي وهو افتراض، واقسم كل واحد من الرجال انه لن يذهب الواحد فيهم لوحده داخل المغارة خشية ان يضل طريقه، حتى لو مات الواحد منهم من العطش. عدوان يجمع ضريبة الاغنام للحكومة، وقد ارتفعت الضريبة العام الحالي من 3 قروش الى اكثر من 4 قروش علي سليمان مسئول عن الطريق من هنا الى الفالوجة، وفي طرق الجزيرة فإن شيوخ الشمر هم المسئولون.
17ابريل1914
اليوم الطقس بارد بالمقارنة بالأيام الماضية واستفدنا من الحالة الجوية الرائعة، ومشينا اكثر من عشر ساعات من دون ان نصاب بالانهاك. ووصلنا الى الجزء المضجر من الصحراء. عتبات منحلة تودي بنا الى نجد عال اعتقد اننا خلفنا حرارة بلاد ما بين النهرين، وتبدو السماء على وشك ان تمطر، في كل الاحوال فإن المطر سيغرقنا لاننا هبطنا الى منطقة منخفضة. وتحت الخيام لم تكن سماكة الخيش كافية. اليوم لاحظنا وجود آثار لسنابك الخيل على الرمال وكانت حديثة. وقال عدوان انهم فرسان من شمر الجزيرة بينهم وبين العنزة عداوة. وهم يأتون الى الرافدين للبحث عن خصومهم. لم أشعر بالاضطراب ولا بالضيق لاحتمال ان يكون هناك غزو طالما عدوان معي. فهو رجل ينتمي لبيت شيخ دوليم العود، وهو قريبه وموظف في الدولة مهمته جمع الضرائب عن المواشي، من الصعب العثور على دليل اكثر ضمانا وطمأنينة منه. فعندما أفترق عنه تبدأ الكوميديا والمفارقات، ولكن ربما لا يحدث ذلك فالشامية آمنة بالكامل. وفي كل الاحوال لا أشعر باضطراب على الاطلاق. لقد قمنا بزيارة اماكن اسوأ من هذه وخرجنا منها سالمين وبصحة جيدة.
وحل بي تعب الرحلة كلها واصبحت لا أكثر من الكلام خلال الرحلة، وحالما كنت اتحدث كان عدوان يقابلني بابتسامة وبأجوبة ملاطفة. احب سكان الصحاري هؤلاء، فهم فجأة يصبحون جزءا من حياتك ومستقبلك، وبعد ذلك تغادرهم فماذا يعلق في ذاكرتهم فيما بعد؟ اعتقد أن لديهم ذاكرة جميلة وممتعة عن الخدمة يحتفظون بها وحميمية تلك الايام القليلة التي امضوها معي في الرحلة. فأحد الأدلاء الذين رافقوني موجود هناك عند الطرف الآخر من النفور، وهو قال مرة عند موقد النار في مضرب خيام كنا اقمناه «في كل السنين التي سنأتي خلالها لهذا المكان سنقول: هنا اتينا معها، وهنا اقمنا الخيام معها. سيكون شيئاً نتحدث عنه: غزوك! سنسأل يوماً عن الاخبار وسنتحدث عن رحلتك وسنبلغ الناس بأنك اتيت الى هنا».
أتوقع انهم سيفعلون ذلك وهذا ما جعلني تواقة بشكل مثير الى ألا يتحدثوا عن شيء سوى الامور الطيبة التي حدثت لانهم سيحكمون على كل شعبي وعرقي عن طريقي أنا. تلك الذكرى غالباً ما تحكم على الكلمات المتسرعة التي أنطق بها، عندما أكون مرهقة واشعر بالغضب او الملل يا إلهي كم كنت اشعر بالممل والغضب والارهاق في بعض الاحيان. واحاول التذكر ماذا سيقولونه عن أساليبي في التصرف معهم! لقد كان الدوليم يقضون صيفهم على الشاطيء، لكن بعضهم الآخر يقضون الصيف عند الآبار في أبو جير وفي الثيميل وفي أصيلة وفي عين الارنب وفي اماكن اخرى. لقد اعتاد علي سليمان على الغزو خلال حياة والده اما الان فقد اقلع عن تلك العادة، فلم يعد يغزو. لقد كان عدوان يغزو شمر الجزيرة السورية لأن هناك عداوة بين قبيلته وشمر وسألت عدوان: «هل كنت تجد متعة في الغزو؟ هل كنت تجد متعة في مباغتة العدو؟ رد قائلا: اي والله! وقال عدوان عبدالله آل رشيد كان مرة في عانة وتزوج امرأة من هناك، وانجبت له ولدا ولايزال من انحدروا من نسله هنا في عانة. لقد كانت ليلة سيئة.
18ابريل1914
كانت وهاد الحماد متعبة ومنبسطة، وهي منبسطة على حد النظر مع ارتفاع بمقدار خمسة أقدام فوق السراب الذي يمتد لأميال بعيدة، وبعد ذلك يهبط كلما اقتربنا وجلسنا في حماد ثانية ولا يعلو الحماد عن الاراضي السابقة سوى خمسة اقدام. وشاهدنا آثار قصر آميج، وهي قلعة تقع على اليمين وبعد قليل تنحدر الارض باتجاه طريق البريد الذي لم يعد يستخدم باعتباره كذلك، ولم يعد هنا بريد صحراوي. وهنا التقينا بأحد افراد العنزة من العمارات، وتقصينا منه الأخبار.. ماذا يحدث في البادية السورية؟ لقد كان الغزو، كما ظهر من آثار سنابك الخيول في الامس، وكما خمنا، كان الشمر قد استولوا على 40 جملاً هذا الصباح، وولوا فارين، لكنهم لم يلمسوا احداً منا، اعتقد انني اشعر بالسعادة لانني لم اشهد غزوا خلال رحلتي، وتوقعت ان فهد بك شيخ العمارات العود، الذي كنا نأمل في رؤيته والحديث معه ليس موجوداً هناك، لقد كان موجودا لكنه من المرجح جداً أنه غادر، كما هي عاداتهم. لكن هناك ابن عمه، وهو يخيم في مكان ليس بعيداً عن موقعنا. غادرنا عدوان لرؤيته ربما نأخذ دليلاً من العنزة، اذا نجحنا في الحصول على واحد منهم، لم اكن اكترث كثيراً بمصاعب البادية السورية، لكن كان من الأفضل عدم التعامل معها بهذه الاستهانة وكان لابد من التعامل معها بالاحترام الذي تستحقه ومن الواضح انه لابد من الحصول على دليل من العنزة. لاشك انك تعي ما انا مشغولة فيه؟ انه نصف الطريق القديم من دمشق الى الفرات وهو الذي أبحث عنه، واتبعت النصف الثاني من مهيوير الى الفرات. كان ذلك في عام الثلج. سنصل الى المهيوير غداً. اما الطريق الى الغرب فلم أكن اعرفه. لكنني سمعت عن وجود موقعين اثريين صغيرين هناك وهو ما كنت اطمح الى رؤيته. سرنا بخطوات سريعة اليوم ولساعات طويلة. نجحت في النوم على ناقتي، وهو ما لم أفعله من قبل نصف ساعة كاملة قضيتها نائمة على ظهر ناقتي. شعرت باعتزاز عندما استيقظت ونظرت الى ساعتي. لم تكن هناك أي متاعب في الطريق، لأنه كان طريق البريد الذي يتجه بخط مستقيم الى المهيوير وإلا ما كنت نمت. ابن شعلان كان يقوم بالغزو وكذلك فهد بك كان يفعل ذلك ايضاً، آمل انهما سيسعدان بغزو كل منهما الآخر ولا يلتفت احدهما الينا.
وقال الرجل من العنزة ان الشيخ فهد بك كان يغزو ولد علي بينما ابن شعلان كان يغزو السباع لكنه لم يستفد من الغزو. وعاد الآن الى مكان قرب الجوف. اما الرولة فهم يغزون شمر نجد، واستولوا على الكثير. حاولنا استئجار الرجل كي يأتي معنا كدليل، لكنه رفض المضي معنا بشروطنا. وغادرنا عدوان لرؤية جدعان ابن شقيق الشيخ فهد، ولكنه ليس جدعان الذي رأيته قبل خمس سنوات في الجزيرة جدعان الذي أعرفه توفي. لقد كان على ما أظن ابن عم الشيخ فهد.
19ابريل1914
عاد عدوان متأخراً الليلة الماضية ومعه وعد من الشيخ جدعان بأنه سيمنحنا دليلاً، وكل ما تمنيته قال انه مستعد لتقديمه لي. ولكن هل احضر اليه لرؤيته في الصباح؟ هذا ما فعلته وذهبت على استحياء وعدم رغبة، لرؤيته في الصباح لأنني لم أنم كثيراً وبدت الأميال العشرة الإضافية مرهقة (كانت مضاربه لا تبعد سوى خمسة أميال فقط). ولكن ماذا سأفعل هنا؟ خرجنا نعدو تاركين الرجال والجمال الاضافية تذهب بحالها على الطريق وبينما كانت الشمس تصعد الى كبد السماء وصلنا الى مضارب جدعان الممتدة، وكانت الخيام كلها متقاربة من بعضها لأن العمارات كانوا فزعين من غزو الأمس. وهرع رجل الينا، واوضح لنا الموقف :
لقد تابعوا غزو الشمر واشتبكوا معهم، واستولوا على 10 من جيادهم، وقتلوا جوادين، وأصيب احد المغيرين برصاصة وذبحناه. وتساءلت «هل بقي زملاؤه لدفنه؟» وطرأت على خاطري صورة ذاك الرجل ذبيحاً في عراء الحماد. واجاب «لا والله تركوه حتى تأكله الكلاب». لم أدرك ما يقوله. فلم أتخيل ما يقول.. وهو أن الذبيح يظل ملقى في العراء حتى تأتي الكلاب في النهاية وتنهش لحمه. فتنهي المهمة. لقد كان جدعان ينقل مضاربه جلسنا داخل خيمته وشربنا القهوة في حين كانت النسوة تحمل النوق. واعتقد ان العمل سيسير بصورة سرمدية وبلا نهاية وبدت الأحاديث بطيئة ومملة وكنت مثقلة بالشقاء والمتاعب والافكار السوداء. وحسبت الأمر وكأنه مسيرة طويلة بلا نهاية، وباتت روحي غير قادرة على تحمل كل ذلك. وتساءلت ما إذا كنت خائفة، وتساءلت عما إذا كان ينبغي عليّ أن أصرخ من الارهاق وان أترك دموعي تنساب في موقد القهوة.
يا عزيزي ديك، لا تكشف هذا الامر لأحد، ان سمعتي كرحالة ستتضرر ولكني لا يضرني أن أروي لك ذلك، لانني اعرف انك مررت مثلي بمثل هذه الظروف الحالكة. عندما يكون كل الذي يقوم به الانسان يبدو مجرد عبث أو تفاهة وشقاء. عندئذ نظر جدعان إلي وقال «لا تقلقي فإن كل شيء سيسير وفق ما تشائين ويشرفنا ان نكون في خدمتك!».
كان جدعان رجل مروءة ولطف اما بالنسبة للعرب فهو صاحب همة. حصلت على دليل يدعى «عاصف» واعجبت به. سيأخذنا الى بوهارة بالقرب من تدمر، اذا رغبت في ذلك واعتقد أن تلك العقبة الثانية التي سنتحملها. وبهذه المرحلة كان عليّ وداع عدوان، وقمت بذلك على استيحاء لأنه كان رفيقاً رائعاً طوال الطريق، وأحببت وجهه الباسم، وجهه الجميل جداً، وهو ما يجعل الانسان يشعر بالفرحة عند النظر اليه. قبل يدي وأسرع في طريقه. وجاء دورنا لجمع النوق والركوب والانطلاق بسرعتنا القصوى، ولكن على الرغم من كل تسرعنا فقد كانت الطريق تبعد 11 ساعة. طريق طويلة بالنسبة إلينا، وبينما كنا نقترب من وادي حوران الكبير فاجأنا شخصان يركبان جملين. واخرج فتوح وعاصف بندقيتيهما ولقماهما وجاءنا الرجلان غاضبين، وهما يطرحان الاسئلة، ولكن كل شيء كان على ما يرام، وكانا من رجال ابن مجلاد، وهما من فخذ آخر من العنزة، واصبحا صديقين، حالما اكتشفا انه لا خوف يخشى منا، واقمنا مضاربنا على مرمى حجر من مياه المهيوير العذبة الطيبة وها قد جاءنا ضيف راكبا الجمل ينبغي ان اذهب لأرى من هو. انه عجوز مصاب بالصمم، يعرج، وعليه اثمال بالية، وهو ينتمي الى فخذ آخر من العنزة، من السويلمة، ويسعدني انه وكل ما جلب معه لن يقم في خيمتي، في هذه الليلة باردة والممطرة.
في خيمة جدعان، كانت هناك ظبية، احضروها لي، ووضعوها في حجري، حيث نامت وهي ملتفة على نفسها، كقطعة العاج، نامت، كما لو ان احاديثنا البطيئة قد خدرتها. وخلال ذلك مضيت اقلب بصري في أعين الرجال الذين تحلقوا حول ركوة القهوة، واتذكر وجهي القلق، معتقدة انه من بين كل اولئك الرجال لم يكن أحد يخلو قلبه من الخوف، باستثناء تلك الظبية الصغيرة التي خلدت للنوم في حجري، وعلى ركبتي، تلك الثقة الصغيرة النائمة كانت تشحن نفسي بالشجاعة.
لقد كان العجوز يبحث عن مهرة شاردة بالقرب من حمض، وقد ضاع هو الان بعد المهرة وها هو يبحث عن عشيرته.
وكان عدوان قبل أن يغادر قد صلى في خيمة جدعان وتحدث مع الأخرين عن حياة الشقاء التي يعيشها البدو، وعن الخوف والجوع. واتفق المتحدثون على ان افضل شيء هو العيش مثل فهد بك، الذي يأخذ أتاوة من الجميع.
20ابريل1914
هطلت امطار غزيرة جداً الليلة الماضية، امطار الشتاء، وليست امطار الربيع، واسرع الرجال لحفر أخدود حول خيمتي، واحتملت الخيمة، ولم تسمح لاي نقطة مطر بالدخول الى خيمتي، واليوم تراجع ميزان الحرارة وسجل عشرين درجة مئوية. مبارك هذا التغير وتبعاً لذلك تحسنت أحوالي، وينتظر اليوم وهم شديد للغاية. عندما نزلنا الى بركة المهيوير النقية التي اعتقدت انها نبع كانت قد جفت . لم تكن سوى شق مليء بالماء. لقد كانت هناك مياه في سهل حوران لكن يا لهذه المياه! كانت رائحتها فظيعة بسبب الجمال حفرنا جورا على حافة عالية من الرمال، فاكتشفنا وجود مياه فيها، وملأنا قربة او اثنتين من المياه العذبة التي تكفينا لمواصلة الطريق لاغراض الشرب، وهي كافية ليومين، لقد كانت البادية السورية مليئة بالجمال، وكأن جمال العالم اجتمعت هنا، والقطعان الاعظم هي للعنزة بعد ان عبرنا وادي حوران، وخرجنا ثانية الى المستويات العظيمة خرجت امامنا تعدو بالألوف وهي ترعى، كانت أشبه بنهر بطيء عظيم، أعشق رؤية الجمال، ومن حين لآخر كان الرعاة يمرون بجوارنا، ويتواصل مرور القطيع نصف ساعة ويعرف الرعاة منا الأخبار لقد كان عاصف حريصاً على أن يروي لهم كل شيء وانني مقبلة من حائل، فينفعلون ويثور فضولهم فيقولون: «والله!» إنه كالطائر الذي يزف البشارات. ويثرثر بلا نهاية أو يغني. وعلق بعض هؤلاء الرفاق الذين لم تدم رفقتهم اكثر من نصف ساعة على صغر حجم قافلتنا فقلت: «تكفينا القافلة بهذا الحجم» واكد احد الرجال «اتمنى لكم السعادة وافضل حال!» واسمع الان انني في الصحراء ثانية مع أناس صحراويين حقيقيين «البدو» الذين لم يعرفوا حياة الاستقرار. لكن تلك هي المرة الاولى التي اكون فيها وحيدة معهم من دون ان يكون هناك احد معين لي، ففتوح هنا غريب، كما انا غريبة مع هؤلاء الرجال وكان علي ان اتكلم مباشرة بنفسي من دون اي وسيط يعجبني ذلك، ويعجبني ان اؤدي الدور بنفسي، وحتى الان سارت كل الامور على ما يرام. ولا عجب ان عاصف اصبح وكأنه واحد منا منذ البداية وبحماس، وقد وعدته نصف وعد، ان أخذه معي الى انجلترا لابحث له عن وظيفة راع هناك. وعند العصر ما لبث الحماد أن انتهى، وكلها خطوات مشيناها ووصلنا الى جوف جارا.
انت تعرف معنى جوف، اليس كذلك؟ انها الارض الواطئة المنخفضة) عند حافتها القينا مضاربنا، بعد يوم من المسير، وكان يوماً قصيراً أقل من العادة وباتت النوق جائعة ومنهكة. وفي هذا الليل جاءنا ضيف آخر، وهو متوجه الى فهد بك انه يمكن ان يأخذنا الى جارا، ولكني لا أهتم بذلك لان لدي دليلا جديداً. كل قطعان العنزة هذه تعني اننا لا نزال في امان شديد في الوقت الراهن حيث تنتشر خيام العنزة في كل مكان.
22ابريل1914
كنت منشغلاً امس مع شيخ ومع المطر وحدث انهما تزامنا معا، الشيخ كان فهد بك، ولكن علي أن ابلغك من هو، اقول لك ان قبيلة العنزة الجنوبية تتبع ديرة ابن سعود، اما العنزة الشمالية فهي تنقسم الى شقين احدهما يحكمه ابن شعلان والثاني ابن هذال. وهو يقيم مضاربه في السهل تحت جرف صخري منخفض يطوق الجارا. وأحصيت نحو 150 خيمة قربه وهناك اعداد مماثلة من الخيام خلف الاطراف العشبية التي تنتشر الى منتصف الطريق على طول جارا. ويلاحظ أن مضارب العشائر تحتل مساحة واسعة من الارض وبينما يقرفص راكبوا الجمال وينيخون نوقهم الذلول أمام خيمتي منهم يترجلون ويدخلون دون ان ينبثوا ببنت شفا ليتناولوا العشاء وينامون، هكذا انحنت ناقتي امام مضافة الشيخ فهد بك بجوار خيمة تقديم القهوة وتقدمت الى الخيمة، وجلست بجوار الموقد. وتلقاني بلطف ابوي، واحببت ان اكون بجواره. انه رجل بلغ السبعين من عمره على ما اعتقد، مركز قيادته يقع بالقرب من كربلاء، حيث يمتلك بساتين التمر، ولكنه يخرج الى الصحراء مع جماله وعشيرته كل سنة. اما ابنه متعب فهو يتولى عمليات الغزو، ونشر سجاداً جميلاً، جلسنا عليه واستند الى سرج جمل اما صقره فكان يقف على منقلة مرتفعة خلفنا بينما كان كلبه السلوقي يقف بجوار الصقر تحدثنا وشربنا القهوة وذهبت بعدئذ الى خيمة الحريم، وقمت بتحية احدث زوجاته رأيت صغرى ابنائه، بعد ذلك توجهت الى خيمتي حيث تناولت الطعام وركبت ناقتي وأخذت اعدو ولم يبق بيني وبين الآثار سوى مسيرة ساعة، وكانت مختلفة عن أي اثار اخرى رأيتها في الشامية لقد كانت بلدة بحالها، تخيل! بلدة في قلب البادية السورية، ولكنها بلدة كانت ذات طابع بدائي اصيل جداً.
وهي تقع فوق جرف على نوع من شبه جزيرة تشكلت بواسطة وادي حلقوم الملتوي العريض وكان الطريق الوحيد إليه من المستوى الاعلى عنقاً ضيقاً كان محصناً بجدار برجي، وثانية اقول ان كل شيء كان من النمط البدائي وكانت كل الآثار مدمرة. وعلى أي حال فها هو جدار وأبراج تحرس الطريق الى مساحة غير منتظمة من أكوام حطام الآثار غير المنظمة الشكل. وكانت هناك آبار مياه غير محدودة في اسفل الوادي، وكان الطريق اليها درجاً ضيقا يتجه الى اسفل الجرف، ولا استطيع ان احدد عمرها وليست لدي أي فكرة عنها. ولكن أليس ذلك يثير الفضول؟ ورسمت خارطة وصورت بوابة الجدار، ولا اشك انني كنت اميل الى وضع خاطرة لشبه الجزيرة التي تقع عليها البلدة ولكن في هذه اللحظات تتكاثف سحب داكنه حالكة اللون وكان واضحاً ان لدي الوقت الكافي للوصول الى خيمتي قبل أن تهطل هذه الغيوم برداً ومطراً. والواقع اننا وصلنا قبل أن تهطل زخات كثيفة وقبل أن تتساقط موجات من البرد. وعندما انتهى المطر ارسل الشيخ فهد اليّ يقول انه يأمل ان يأتي لزيارتي. وجلس في خيمتي طوال ما تبقى من المساء. وقدم لنا العشاء هناك في خيمتي. وصراحة فإن العشاء الذي قدمه الشيخ فهد كان الافضل الذي قدمه لي شيخ عربي. وتناولنا العشاء وهبط المساء وعادت الامطار لتهطل من جديد وكنا لانزال نتحدث عن احوال الطرق ومستقبل تركيا وعن اصدقائنا في بغداد حتى غادرني في النهاية في الساعة الثامنة وآويت الى الفراش. وفي صبيحة هذا اليوم، شربت القهوة معه ومع ابنه متعب، وغادرت وسط بركاتهم التي انهالت عليّ وبموجب نصيحة من الشيخ فهد اصطحبت دليلاً آخر هو رجل من الرولة، من عشيرة ابن شعلان الذي صادف أنه موجود في خيام فهد. وهكذا اصبحت آمنة من كل العنزة ولكن البادية حتى بوخارا كانت خلاء وخاوية على الرغم من انني احببت الخلاء. واحب الصحراء لأخلو لنفسي لا أنكر انه ليس هناك امان كامل فيها. وانخفضت الحرارة جداً هذا الصباح واحسسنا بالبرد في اسناننا وهبت عواصف ممطرة عظيمة من حولنا وكانت تدفعنا لشدتها من حين لآخر وصارعنا الريح والبرد والمطر طوال ثماني ساعات ونصف الساعة وعبرنا جارا ووصلنا الى اكثر الاجزاء عزلة في البلاد حيث لا تتوفر فيها التلال الا بنسب قليلة. وكنت متعبة ومنهكة جداً، وخلدت الى النوم لمدة ساعة. الان اصبحت افضل وجاءنا اثنان من الصلوبا هذه الليلة مع حميرهم وخرافهم، اتعلم من هؤلاء؟ قبيلة الصيادين والحدادين غريبة الاطوار، وقد حيكت حولهم الحكايات والقصص الكثيرة.
وفي الصباح خاف الرويلي الذي جاء معنا كدليل وآثر العودة من حيث أتى، وقال انه يخاف طوال الطريق، ويرغب في العودة الى عشيرته، اعتقد أن الرياح والامطار لم ترقه، وثبطت عزيمته، وقلنا له انه من العيب ان يحنث الانسان بوعوده ويتخلى عمن وثقوا به، فعاد عما كان قد عقد العزم عليه واتوقع انه ندم على ذلك، وخلال الليل عصفت ريح هوجاء وتساقط المطر مع الريح واذا كان البدوي يرتجف في هذه الاجواء فإنني احبها، ولا شك في ان هذه الامطار ستؤدي الى انتشار الاوراق والاعشاب الخضراء من جديد، لا أحد يحب الريح ونمت على الارض. تذكرت ذلك، وتساءلت ما اذا كان شعري سينظف يوما ما، لقد اصبح لون شعري رماديا من شدة الغبار لقد مضت علينا عشرة ايام بعد مغادرتنا بغداد ولاتزال امامنا الطريق طويلة ولكنني آمل ان تكون نهاية الطريق.


















عرض البوم صور جلال الدرعان   رد مع اقتباس

قديم 03/07/11, (06:29 AM)   المشاركة رقم: 14
المعلومات
الكاتب:
جلال الدرعان
اللقب:
مشرف منتدى الخواطر والقصص

البيانات
التسجيل: 17/12/10
العضوية: 6107
الدولة: الجبيل
المشاركات: 1,418
بمعدل : 0.29 يوميا
معدل التقييم: 43
نقاط التقييم: 541
جلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدودجلال الدرعان مـــبــــدع بـــلا حـــدود


الإتصالات
الحالة:
جلال الدرعان غير متصل
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جلال الدرعان المنتدى : منتدى التاريخ والتراث العربي
افتراضي رد: دراسة عن قبيلة عنزة Anza tribe bin Wael

من مذكرات (فريدريك روزن )قنصل المانيا في بغداد سنة 1898م

يقول فيها انه أراد زيارة كربلاء..ويقول إثناء سيرنا بهرنا منظر عدد كبير من الجمال البيض ترعي في السهل . وهذا الجمع غير الاعتيادي من الجمال كان سببه وجود " فهد بك " الرئيس الأكبر لبدو ( عنزة ) في المنطقة

ويقول فريدريك ... وتترحل ( عنزة ) في امتداد الأراضي علي الضفة اليمني من الفرات ....بيمنا ( شمر ) تسكن الجزيرة بين الفرات ودجلة ...وهي عدوة العنزة ...

كما يقول .....كانا بطبيعة الحال نتطلع رؤية ( فهد ) الذي سمعنا عنه كثيراً من القصص والأوصاف فوجدناه جالساً في مضيفة وهي خيمة – أو بالاحري سقف خيمة مصنوعة من شعر الماعز الأسود .يسندها عمود أفقي يمكن تطويله بحسب عدد( الضيوف )...
ولقد كان مضيف فهد بك يمتد أكثر من 30 ذراعا وعرضه 5 اذرع فقط ، وتحته كان يجلس القرفصاء صفان من أبناء الصحراء الذين كان من بينهم فهد بك كمضيف لهم ، وفي نفس الوقت كان يقضي بينهم .

وحين أعلن القواسون الذين كانوا برفقتي قدومي ، نهض لاستقبالنا وقادنا إلي خيمة تركية صغيرة بيضاء ، فرشت حالاً علي الجانب الضليل منها السجاد لنجلس عليها معه ، وأمر بإحضار عدد من سروج الجمال المزينة بمسامير ذهبية توضع في جوانبها لنسند إليها أيدينا ،

وقد جلب انتباهي أن فهد بك لم يكتفي بقبول لقبه << بك >> التركي فقط ، بل كان يحرص كثيراً علي التحدث بالتركية إلي خادمة الخاص. وفي محادثة معنا تكلم العربية فقط .. وقد أبدي آراء صائبة وسال أسئلة وجيهة جداً ..وبعد أن أستفهم عن معدل النفقات السنوية للقنصلية الألمانية ببغداد ... كانت النتيجة التي خرج بها انه لايجد فيها من الفوائد مايعادل كلفتها ولم أكن قادرا علي دحض حججه .

وبعد أن قدم لنا وجبة من اللحم ...تمشينا خلال مضاربة وأبدينا إعجابنا بأبله ، وكانت من جنسين مختلفين : ( الذلول ) هي الإبل الراكضة ، و ( الإبل ) وهي التي تحمل عليها ... انتهي كلام فريد ريك



في البدايه إليكم بعض ماقاله الكولونيل سانكي في قبيلة عنزة



في 25 تموز من عام 1857 ارسل القنصل سكين في المدينه الى السفير في الاستانه والى وزارة الخارجيه تقريرا ورد اليه من الكولونيل سانكي عن حالة البدو والباديه ، سأذكر ماكتبه الكولونيل سانكي عن قبيلة عنزة.
يقول سانكي :

((إن عرب عنزةم فرسان ممتازون ولديهم أحسن الخيول في العالم . وهم لايستعملون اللجام ولا الركابات بل يركبون على سرج غير محكم الرباط . يعتمدون على خيلهم ويقدرونها ويعزونها ولا يحبون ان يتخلو عنها . ويقال ان الخديوي عباس باشا في مصر دفع اموالا طائلة ثمنا لافراس من عنزة . ان احتمال هذه الحيوانات لامر عجيب فقد عرف عنها انها تجري ثلاثين ساعه دون توقف او استراحة . ولما كان الاتصال بالبدو ممنوعا من قبل السلطة التركية , وهم لايفلحون ولا يحرثون الارض , فانهم لذلك لا يشترون الشعير لخيلهم , وليس عندهم لها إلا العشب اليابس من نبات الشيح , وهم يعتمدون في طعامهم على حليب الابل ويعزو البدو قوة عظامهم الى ذلك . وان قليلا منهم يستعمل البنادق فسلاحهم المحبب هو الرمح الذي يصد اي سياف من اعدائهم)) .
======

أهم مافي المحفوظات الملكيه المصريه من الاخبار عن البدو في الصحراء نشرها الدكتور أسد رستم في اربع مجلدات بأرقم
متسلسله تبعا لتاريخ ورودها ابتداء من سنة 1230هـ \ 1816 م حتى 1255 \ 1839 م :


* رقم 47 من مجهول الى محمد علي باشا يذكر له ان عرب عنزة تعتذر عن تقديم العدد المطلوب من الجمال لاجل الحملة على الحجاز ، ويعود مندوب العزيز خائبا 11 رمضان 1231 \ 1816 .

* رقم 1790 من ابراهيم يكن باشا إلى ابراهيم باشا عن عرب عنزة واعتدائهم على حجاج ايران وتعيين محمد بك رئيسا على عشيرة الموالي 16 ربيع الاخر 1248 \ 1832 .

* رقم 2977 من مجهول الى ابراهيم باشا يرفع الى مقر القيادة العليا بيانا بأخبار عنزة واحوال قبائلها الذين اجتازو نهر الصحراء . غير مؤرخ ولكنه ورد في الوثائق تحت سنة 1248 \ 1832 – 33 .

* رقم 3893 من محمد منيب بك ( قائد ألاي الفرسان الحادي عشر ) الى ابراهيم باشا يذكر فيه ان عرب صفوق ( شيخ شمر ) وعربان عنزة يتقاتلون في صحراء النفود 2 شعبان 1250 \ 1834 – 35 .

* رقم 5502 من محمد شريف باشا الى ابراهيم باشا عن عرب السلوط ومسيرهم الى اللجاه وأن عددهم بين 250 و 260 وأنهم يخشون سطوة عنزة ولهذا فهم لايغادرون اللجاه فإذا نزلو على ابار القسطل فإنهم يتسلطون على الطرق البريه وهو يتطلب ارسال قوة من الفرسان للمحافظة على الطريق 1254 هـ .

* رقم 5781 من محمد بك ( معجون اغاسي ) الى ابراهيم باشا ويرفع الى الاعتاب العسكريه أنباء القبائل البدويه في جهات الجزيرة العربية فيفيد ان الشيخ صفوق الجربا ( شيخ شمر ) وجميع رجاله وعرب الفدعان قاموا من رأس البليخ بالقرب من الرها ... وإن عربان السبعه وجماعة من العشائر نزلوا في مكان يقع بين عانه وجب دخينه 21 صفر 1255 \ 1839 – 1840 .

* رقم 5950 من محمد بك معجون اغاسي الى ابراهيم باشا يرفع الى مقر القيادة العليا خبر قيام عشائر صفوق والفدعان والسبعه على العشائر الشامية فيه خبر الموقعه التي دارت بين "ماوى" ( كذا ) وجماعته من جهة وبعض هؤلاء العربان من جهة اخرى ويفيد انه يدرس امكانية الزحف عليهم . وعلى ظهر هذه الرسالة العبارة التالية : " اذهب واضرب " 24 جمادى
الاولى 1255 \ 1839 - 40 .

* رقم 1951 رسالة اخرى تحمل التاريخ نفسه من محمد بك الى ابراهيم باشا يذكر فيها : ان عرب عنزة اغارو على قافلة
بغداد بينما كانت سائرة في طريقها الى هناك .


من وثائق وزارة الخارجيه البريطانيه عن البدو ، مما نقله المؤلف من اللغه العربيه الى اللغه الانجليزيه وفي الوثيقه الثانيه وهي الكتاب من القنصل الى حكومته يخبرها فيه عن تنقل بعض من قبائل عنزة ، وتاريخه تشرين الاول 1835 , يلحقه بعد اكثر من شهر بكتاب اخر تاريخه 3 كانون الاول 1835 الى وزارة الخارجيه يذكر فيه ان عرب عنزة هم في نزاع مع قبيلة شمر , وان الوادي هو الحد الفاصل بين القبيلتين تستقر قبيلة عنزة في الجانب الأيمن وتستقر شمر في الجانب الأيسر .ويشير في الكتاب نفسه الى ان قبيلة عنزة هي اقوى قبيله في الباديه وهي اكثر القبائل حبا للحرب والغزو , وقد اخذت بالفعل تقوم بالغارات على المناطق المتاخمه للباديه بين شمال اليادية والطريق الى أواسطها وهي على اتفاق مع الوهابيين .

وكتب القنصل في 17 ايلول 1841 مشيرا الى ان قبائل عنزة اخذت تتسرب باعداد كبيرة الى تخوم الوديان , وأنه باشرت هجوما على حدود البادية بقوة من نحو ستة الاف رجل , فسيرت السلطة لإخضاعهم جيشا على رأسه احمد باشا , فاحتك بهم
في جبول , ولما أطلق عليهم اول قنبلة من مدفع هربوا وعبروا الفرات , غير انهم عادوا يتسللون بأعداد كثيرة وعبروا إلى قلب الصحراء , وتقدموا الى شرقي جنوب الوديان , وشرعوا يحتلون مناطق كانت تحتلها قبائل اقل بئسا ومكانه منهم تخضع للباشا , ولهذ اخذت القبائل الضعيفه تنسحب امام عنزة وتلتجىء الى الاراضي القريبه من المدينه لحماية نفسها من عنزة . ويخشى القنصل من كتابه ان تتقدم عنزة اكثر قرب المدينه ويمتد تقدمها في اول الربيع فيصعب على الباشا صدها , وبالتالي يهددون خط المواصلات بين المدينه وبقية المناطق . بل ربما يهددون ايضا الخطوط البريه الأخرى.
ويزعم ان هؤلاء البدو ( عنزة ) سينتشرون في كل جهه ويضطر الفلاحون الى ان يهجروا مزارعهم ويهربوا من امامهم
ويصبح الموسم فريسه سهله للبدو ( عنزة ). ويذكر ان المكاريه انفسهم اخذوا يمتنعون من تأجير جمالهم لنقل الحاجيات
خوفا من البدو الذين اخذوا بالفعل يهددون الطريق العام بين بقية المدن, وقد قتلو بعض المسافرين , وسلبوا اخرين
واصبحت الطريق غير امنه .

ثم يكتب القنصل في 21 تشرين الثاني 1867 ان الوالي هو جودت باشا , وكتب في 3 كانون الول 1867 أن ألفا من
الفرسان البداة هاجمو في 29 تشرين الثاني عرب الرعية ( أي أصحاب الغنم ) , قرب قرية قيارة (حافر) وهي على خمسة وعشرين ميلا شرقي تواجدهم , ونهبوا ألف رأس من الغنم و ثلاثين فرسا , وقتلوا سبعة رجال وجرحوا اثني عشر رجلا .
وكان قائد الحملة الغازيه ابن مرشد رئيس القمصة وهم فرع من عرب السبعه , وهم من عنزة ولم يجرح من الغزاة سوى عبد اسود للشيخ , وقد رجع مع سيده . وهكذا فإن المصاريف التي تتكبدها الدولة لشراء الهجن و البغال لحمل المحاربين
الموكلين لصد هجمات البدو لم تنفع شيئا . وقد سار نحو خمسين فارسا بقيادة نايف بن حجي بطران لقتال بن مرشد فردهم
خائبين لا جئين الى حصن في قرية مجاورة ..................

وكتب في 4 تشرين الاول 1854 يخبر عن كمين أقامه البدو من عرب السبعه لجماعة من جند يوسف باشا غير النظامي
قرب تديف , وأنه قتل في تلك المصادمات شيخ تديف ورئيس الجيش وجرح كرد يوسف أغا , ووصف كيف تم الكمين بنزول بعض البدو وانسحابهم , ثم مهاجمة المتعقبين لهم من قبل الكمين وفتكهم بهم , وأشار الى فشل حملة يوسف باشا
المذكورة ...........

وفي 18 اذار كتب قنصل جديد وهو مستر نيوتن واستلم العمل بعد مستر سكين , واول كتاب منه في شيء عن الباديه
وعلاقة الانجليز بها ارسل في 17 اب 1875 , وفيه يذكر عن رحلة له الى الباديه لشراء الخيل . وهو كتاب طويل يذكر فيه محاولة الاتراك اخضاع البدو ويتحدث عن انشاء ادارة حكوميه في المدينه منذ ست سنوات مستقله عن الرئيسيه وذلك لارغام
البدو الرحل على الاستقرار و التحضر بحيث يصبحون مزارعين وحراثا يحرثون الارض ويستغلونها . وقد افلحت الادارة
بحمل بعض فقراء البدو بطريق الاقناع على ذلك , ولكنها حين اخذت تعمد الى القوة فشلت , واصبح الكل بدوا , وهم يعارضون جمع اي ضريبه او زكاة منهم ويقولون ان الارض ارضهم قبل ان يظهر الاتراك , وان الباديه لم تفتح ولم تخضع من قبل . ويذكر في كتابه هذا ان جدعان شيخ الفدعان بعد موت عمه دهام اصبح شيخ الخرصة
والشيخ الاخر هو سليمان بن مرشد وزعامته على قبائل السبعه وكلا الشيخين قدير وذكي . ويقدر عدد اتباعهما بنحو اربعين
الفا من العائلات , ويستطيعان ان ينزلا في اي لحظه في الميدان بقوة تناهز عشرة الاف فارس منتخب ويتركان نحو نصف
هذا العدد في المضارب لحمايتها او للنفير اذا لزم الامر . ويذكر ان عدد جمالهم وغنهم مدهش , وقد عددت حول مضرب من مضارب القمصه مؤلف من مئة خيمه نحو عشرين الف جمل بوجه التقريب , وهي اذا ثمنت بثمن بخس اي بنحو خمس
ليرات للجمل الواحد تكون كل عائله كأنما هي تملك ألف ليرة انجليزيه هذا عدا الخيل وعدا الغنم التي عددها اكثر من الجمال .

وكتب في 3 نيسان 1869 يقول ان في اليوم الذي عادت فيه الحملة ظهر جدعان وهو من الزعماء الثائرين في قرية حافر
على بعد 25 ميلا من المدينه , ومعه تسعمئة فارس , وتهدد السلطه بكتاب يقول فيه انه سيمحق المقاطعه من طرف الى طرف
وان كان باستطاعهم ان يردوه فليفعلوا . فعادت الحملة الى الباديه للتصدي له , ولكن جدعان كان في هذه الاثناء قد نهب 15000 نعجه من عرب التويمات والبوخميس , وهما عشيرتان من عرب الحديديين المخلصين للحكومه والموكلين بغنم الفلاحين والمزارعين وسكان المدينه . ونهب ايضا 30 خيمه من التويمات , و20 من البوخميس , وهاجم عشيرة اخرى واخذ خيلها ونقودها . واسر اربع من شيوخ بدو شمر ومنهم عبدالكريم الذي كان في خدمة السلطه , وفي الوقت نفسه ظهر زعيمان
من شيوخ العجاجره وهما طلال بن حماجم وخريمس واقتربا من جوار المنطقه ومعهما 350 فارسا فنهبوا 2350 نعجه من قبيلة القيار مما يخص اهالي المدينه .


















عرض البوم صور جلال الدرعان   رد مع اقتباس

إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
شركة استضافة: استضافة رواد التطوير
الساعة الآن (07:22 PM)


مايكتب في هذا المنتدى لايعبر بالضروره عن وجهة نظر ادارة الموقع وانما يعبر عن وجهة نظر كاتبه