لا أحد يختلف على فروسية وشجاعة الشيخ الفارس البطل ممدوح السطام ـ رحمه الله ـ ، كما لا يختلف أحد على أن هذا الفارس النبيل لم ينل حقه من الإشادة والتعريف ، وهو أحد أفرس فرسان قبيلة الرولة إن لم يكن الفارس الأول في زمانه ، وهو بلا شك أحد أفرس فرسان الجزيرة العربية من أبناء جيله ، غير أن وفاته المبكرة ، وازدحام تاريخ الرولة السياسي في تلك الفترة ، وصراع الإمارة الشعلانية مع آل رشيد في حائل ، كان سببا في عدم اشتهار هذا الفارس ، الذي كان مخلصا ووفيا لقبيلته ، وخصوصا شيخها الشهير الأمير النوري بن شعلان .
ولابد لنا في البداية أن نعرف بهذا الفارس الشهير فنقول :
هو الشيخ ممدوح بن سطام بن حمد بن نايف بن عبد الله بن منيف بن غرير الشعلان .
وهو يلتقي مع النوري بن شعلان في نايف ، وكلاهم ينتمي لفرع النايف من العبد الله من الشعلان ، وينقسمون عندما يتفرع النايف إلى الهزاع ( فرع النوري ) ، والسطام ( فرع سطام بن حمد ) .
وإضافة لهذا النسب الأبوي الرفيع من عائلة آل شعلان فهو أيضا عريق النسب من جهة الخؤولة والأمومة ؛ فأمه هي الشيخة الشهيرة تركية بنت جدعان المهيد ( مصوت بالعشا ) شيخ قبيلة الفدعان ( الروم ) إحدى أكبر وأشرس عشائر عنزة الوائلية ، وخاله هو : الشيخ الفارس الشهير تركي بن جدعان المهيد ـ رحم الله الجميع ـ وبهذا لا نستغرب هذه الشجاعة التي ورثها فارسنا الشهير من أخواله وأعمامه وهم من أعلام التاريخ الوائلي الكبير .
وأما ولادته فمن المرجح أنه ولد في ثمانينيات القرن التاسع عشر الميلادي ( تقريبا : 1883م ) ، وله الكثير من الإخوة والأخوات من الأشقاء وغير الأشقاء .
يقول ألويس موزل وهو يتحدث عن عائلة السطام :"
وتزوج سطام بن حمد عن حب تركية وهي من أسرة ابن مهيد التي انحدر منها شيخ مشايخ الفدعان وقد ولدت ولديه خالد وممدوح . وفي شتاء عام 1877م كان سطام قد أضحى شيخا عاما لمشايخ الرولة
""1".
ويقول ماكس أوبنهايم عن عائلة ممدوح :"
عرف سطام ، الذي حكم منذ أواسط السبعينات ، كيف يستخدم طريقته الرصينة للحفاظ على مصالح الرولة رغم تعاظم نفوذ الحكومة على البدو . وقد تلقى لقب الباشوية وبعض القرى هدية من السلطان عبدالحميد ، وقد زرته شخصياً عام 1899م في النقرة . مات سطام باشا في شتاء عام 1901م في فروع الوديان ، في منتصف الطريق بين دمشق ونجد ، تاركاً وراءه أربعة أبناء هم : مشعل ـــ أمه ثقلا بنت فايز بن جندل من شيوخ السوالمة( كانت متزوجة من هزاع عم سطام وأنجبت منه نوري فهو أخو مشعل لأمه). ـ خالد وممدوح ـ والدتهما تركية أخت شيخ الفدعان تركي ابن مهيد ، وطراد ـــ أمه من قبيلة السرحان ـــ ...
""2"
وقد ذكر أوبن هايم أيضا : أن سطام أنجب كل من كلا من :
1ـ مشاعل
2ـ شيما
3ـ طراد
4ـ ممدوح
5ـ خالد
6ـ مشعل
ومشاعل هي بنت تركية تزوجت أولا من محمد بن هزاع ( أخو النوري ) ، ثم من نواف بن النوري ، ثم من فارس بن فهد الهزاع . وأختها شيمة تزوجت أولا من نواف بن نوري ثم من فندي بن ملحم شيخ الحسنة.
وقد بدت علامات النجابة ، والفروسية ، والشجاعة على ممدوح منذ أن كان فتى يافعا ، وهذا ما تنبأ به ابن عمه الأمير نوري الشعلان ، فقد ذكر الرواة : أن النوري بن شعلان طلب من ممدوح ـ وكان فتى يافعا ـ ذات مرة والمجلس عامر بآل شعلان والرولة أن يشعل له سبيله ، فقام ممدوح بشكل تلقائي فغرف بالمحماس ( أداة حمس القهوة ) كومة من الجمر ووضعها أمام وجه النوري ، وقاله له : أشعل !! فعرف النوري أن هذا الفتى سيكون له شأن وسيكون قوي الشكيمة.وقد أحب النوري بن شعلان ممدوح وطراد أبناء سطام محبة كبيرة ، وكانا يبادلانه هذا الحب والوفاء والولاء الكبير !.
والعجيب أن هذا الوفاء حصل على الرغم من حادثة النزاع الكبير بين النوري وفهد الهزاع من جهة ، وبين مشعل السطام الأخ الأكبر ـ غير الشقيق ـ لممدوح وشقيقه طراد !.
يقول أوبن هايم يسرد الأحداث بعد وفاة سطام بن شعلان شيخ الرولة : ". تولى مشعل ، الابن الأكبر ، الحكم بموافقة الحكومة ، رغم أنه تخطى أبناء هزاع ، سلف سطام : فهد والنوري .
كان مشعل يخيم حينئذ مع فهد ونوري ، فانفصل الآن عنهما ولازم زيد والمجول ، فخذي الشعلان ، اللذين دعما ترشيحه بقوة . وقد أخفقت جميع مساعي فهد ونوري لا جتذابه من جديد إليهما .
ذهب مشعل ، ذات يوم ، إلى دمشق لأمر يخص القبيلة ، يصحبه خمسة فرسان من الرويشدات ، فتبعه نوري برفقة اثني عشر محارباً إلى أن أدركه في اليوم الرابع عند الصيقل ، على مسير ست ساعات من الضمير . سقط مشعل في تبادل إطلاق النار الذي تم بين الجانبين ( 1902م ) ، فسارع نوري إلى العودة كي يستولي على المركب ، علامة المشيخة . لكن تركية ، أرملة سطام ، عارضته ، بدعم من زيد ومجول ، وأجبرته على الإنسحاب من المكان ، ثم سافرت إلى دمشق كي تعين ابنها خالد في منصب الشيخ . من جانبهما ، ذهب نوري وفهد إلى هناك لتمرير مطالبهما . فوض الوالي ـــ ناظم باشا ـــ متصرف حوران ـــ إبراهيم فوزي باشا ـــ البتّ في الأمر ، لأن الرولة كانت آنذاك في مقاطعته ، فنظم استفتاءاً بين قادتها في الجوخدار ، قرر تعين فهد شيخ المشايخ وألزمه بدفع 300 ليرة تركية سنوياً كتعويض إلى منافسه خالد ...
"."3".
مع العلم أن مشعل أيضا هو أخ للنوري من أمه كما مر معنا .
وبعد أن كبر ممدوح وبلغ أشده ، أصبح واحدا من أكثر فرسان الرولة الشباب طموحا ، وشجاعة ، وحماسا للإغارة ، وخوض الحروب خاصة مع قبيلة شمر ، لما كان النزاع على أشده بين إمارة الرشيد والشعلان في مطلع القرن العشرين !.
ويشاركه الفروسية عدد من أبناء جيلة من عائلة الشعلان أمثلا عذوب بن مجول الشعلان ، وسعود بن النوري ، وطراد السطام ، وفهد بن مشهور وابنه فرحان ، وعبد الله بن طلال الفيصل الشعلان ، وآخرين ..
غير أن ممدوح ـ وأخيه طراد ـ كانا ملازمين للنوري بن شعلان على وجه الخصوص ، أكثر من حاكم الجوف الفعلي الأمير نواف الشعلان ، وكان ممدوح يتنقل في الصحراء بصحبة مخيم الأمير نوري المهيب في شمال الجزيرة ، ويقاتل تحت رايته ، ولم يذعن لنواف إلا بموافقة أبيه ، وكان الخلاف على أشده بين النوري ونواف وقتها كما وصف موزل ذلك في رحلتيه الأولى والثانية !!.
يقول موزل في رحلته الأولى ( 1909م ) ، وكان نواف يحارب في الجوف حامية آل رشيد ، وكان مخيم النوري بالقرب من سكاكا :" وفي المساء جاء الأمير ، وكان في لفهة ليخبرني بما حدث أثناء غيابي عنه ، فقال لي : " إن ممدوح بن سطام تزوج " ، وسألته " متى يتزوج ابنه سعود....
". "4"
يبدو أن ممدوح تزوج أحدى بنات النوري ، والحقيقة أن ممدوح لم يهنأ بزواجه ، حيث أنه قتل بعد هذا الخبر بسنتين ، ولا أدري هل دخل بزوجته أم لا ، غيره أنه من المؤكد أنه لم ينجب !,
ويمضي موزل في سرد بعض أحداث الحرب المفتوحة بين شمر والرولة في تلك الفترة ، والتي كان أحد أبطالها ممدوح السطام قائلا :""
كان يوم الخميس هو يوم الرحيل مرة أخرى ، وتقدمنا في اتجاه الشمال الشرقي من الساعة السادسة وأربعين دقيقة إلى الساعة الثامنة وأربعين دقيقة صباحاً . وفي يوم الجمعة واصلنا في نفس الاتجاه ، وقد تحركنا في السادسة صباحاً ، وفي الساعة الثامنة مرّ علينا اثنان من الصلب وأخبرا الأمير بأنهما شاهدا عشرين من الجمالة أتوا من الشمال الغربي متجهين إلى الجنوب الشرقي . اعتقد الأمير بأنها بعثة لابن رشيد ، يقودها أحد رجال حاشيته ، ولا بد من القبض عليها والاستيلاء على الرسائل التي تحملها . ومن الساعة الثامنة إلى التاسعة كمنا لهم في صمت شديد . وانطلق حوالي اثنين وثمانين جملاً بعد أن تزودوا بالماء والمؤن في اتجاه بعثة ابن رشيد ... في يوم الأحد غيرنا موضع نزولنا ( رحيل ) ، وبدأنا في السادسة صباحاً متجهين إلى الشمال الشرقي ، وبعد قليل انضم إلينا عذوب وممدوح وطراد وآخرون ، من الذين كانوا يلاحقون البعثة وحراسها من جماعة شمر ، وقال عذوب : " تجاوزنا البعثة ليلة الجمعة في اتجاه الجنوب الشرقي ، عند آبار " الشقيق " . وقد وجه لنا الشمامرة السؤال : من أنتم يا ها الجيش " .
وعندما تبينوا أنهم الرولة أطلقوا النار وولوا هاربين ، وأسرع الرولة يحيطون بهم ولأنهم يعلمون باستحالة الهروب فقد قفزوا من جمالهم واختبؤوا خلف شجيرات الغضبى ، وبعضهم سلم أسلحته ، وقد قتل منهم أربعة وجرح آخر جرحاً خطيراً . وآخر يدعى رجان ، استطاع الهرب لأنه كان ممتطياً جملاً سريعاً ، ولكن عذوب كان يريد ذلك الجمل فنادى على الشمري ليستسلم ويأمن على حياته ، ووعده بجمل آخر ، وكان عذوب راكباً جملاً سريعاً ، وكان يمكن أن يطلق عليه النار ويقتله ، أو يسبقه ، لكن رجان استجاب لنداء التحدي واستسلم فمنح بديلاً عن جمله المتفوق في السرعة جملاً مستهلكاً عجوزاً ، وفقد جماعة شمر جمالهم وأخذ الرولة الجمال والسلاح والمال والمؤن . وخوفاً من الموت عطشاً طلب الشمامرة المهزومون من أعدائهم قتلهم بالرصاص ، ولكن الرولة رفضوا ذلك باعتبار أن قتل الأعزل عار يسوّد وجوهم . وأخيراً علمت أنه لم ينج أحد منهم من مهالك النفود ، ولم يعد أحد منهم إلى جماعته . وعلق الأمير على ذلك بلا مبالاة ، عندما ناقشته فيه قائلاً : " إن رمال النفود تريد قرابين ، وها نحن نقدم لها القرابين
"."5"
ولعل من الصفات التي كانت قد حببت ممدوح للنوري تلك الجسارة والبسالة التي يملكها ، ومن ذلك أنه في أحد المعارك بين الرولة وشمر في النفود وكانت الرولة هي البادئة في الغزاة حيث أخذوا ماحصلوا عليه من الإبل ، ثم قفلوا راجعين لديارهم ومعهم سلبهم ، فلحقتهم شمر ،وبدأت المطاردة المعتادة في مثل هذه الغارات ؛ ولما أدرك ممدوح أن فرسان الرولة أقل من شمر ، وقد بدأوا في اللحاق بهم ، فتراجع بفرسه وبدأ لعبة الكر والفر مع مقاتلي شمر البواسل ، وراح يقاتلهم ويوقع منهم ، ويصاولهم ويشغلهم فإذا ابتعد قومه لحقهم وشمر خلفه وهكذا حتى استطاع اشغال شمر عن بقية قومه ، وكان هذا ديدنه في الكثير من الغزوات !.
وقد عرف ممدوح بنخوته الشهيرة وفيها كان يصرخ في المعارك قائلا :"
أنا ممدوح راعي العليا..! ياخوف من حكي باكر !! " .
ومما يؤكد على شهرة هذا الفارس ، ومضاء سيفه عند الأعداء ما ذكره المؤرخين والرواة حول قصيدة تذكر ممدوحا ، وشجاعته ، وهي أبيات لشاعر من قبيلة منافسة كان مجاورا لقبيلة الرولة ، ومن خلال تواجده عندهم عرف فرسانهم ، ومواطن قوتهم ، وعندما عاد إلى جماعته ومضت فترة من الزمن قدر له الغزاة مع فرسان قبيلته على الرولة ، وقد تمكنوا ـ في غفلة من الرولة ـ من أخذ بعض الإبل ، وفي طريق عودتهم شاهد ذلك الشاعر وسم الشعلان شيوخ الرولة على تلك الإبل ويسمى "الرديني" فأسقط في يده ، وداخله رعب شديد ، فهرع إلى عقيد الغزو وأشار عليه : أن يتركها وشأنها ، ولكن العقيد رفض ، فقال الشاعر هذه الأبيات يحذر القوم من ممدوح بن سطام الشعلان ، وقد حصل ماكان يخشى منه حيث لحق بهم ممدوح وأعاد الإبل واستأسر القوم ومن تلك الأبيات مايلي :
يافاطري لو هني بالهنايا
،،،،،،،،،،،، من بدل الثايات بأم الشنيني
ابعد عن اللي يذبحون الشفايا
،،،،،،،،،،،،، اللابة اللي ياسمون الرديني
وان لحقت بممدوح ذيب السرايا
،،،،،،،،،،،،، ودلت ترثع به مع الفازعيني
زبن الطحوس اللي يدينه ونايا
،،،،،،،،،،،، انا أشهد أنه طيب الطيبيني
والله فلا نرجي ولا به رجايا
،،،،،،،،،،،،،،، لتفرس معارتنا ضباع سنيني
"6"
ولا أدل على فروسية هذا الرجل ، ومكانته عند الرولة قاطبة ، من حادثة القبض على الأمير نوري الشعلان ـ غدرا ـ من قبل السلطات العثمانية في العام (1910م )"8" ، وقد حكم عليه بالإعدام ، وفي تلك الفترة العصيبة ، قال الأمير نوري الكثير من الأشعار التي يتحسر فيها على نفسه ، وينخى أبنا ء عمومته وقبيلته لنصرته ، وقد كان ممدوح حاضرا في الكثير من هذه الأشعار .
يروى الأديب الشيخ منديل الفهيد في كتابه قائلا :"...
وبهذه المناسبة قال النوري يخاطب ابنه نواف حاكم الجوف وابن عمه ممدوح بن سطام وهما بالجوف قائلا :
ياطير يامشرف التلة
،،،،،،،،،،،، سلم على حاكم الجوف
والقلب يشكي من العله
،،،،،،،،،،،،، كنه على القبر مزفوف
ممدوح لي عقدة حله
،،،،،،،،،،،،حيثك على الغوش بك نوف
البارحة العين منشلة
،،،،،،،،،،،،،،،،،، كن الرمد لايفه لوف
مالي معلل حذا الدلة
،،،،،،،،،،،،،، والحبس مظلم ولا اشوف
بس السناقي له سلة
،،،،،،،،،،،،،،، عقب الصطر صابني خوف
". "7"
ومن قصائد الأمير النوري التي يذكر فيها ممدوح أيضا ، وكان في حال عصيبة وكدر إذ يقول :
ياراكب من عندنا فوق مرزام
،،،،،،،،،،،،،، تجفل إليا شافت خيال الرجومي
أمه شرارية وابوه لبني لام
،،،،،،،،،،،،،،،، يشدا ظليم روح العصر يومي
عليه من يوصل كلامي من الشام
،،،،،،،،،،،،،،،،،، يلفي لشيخ والنشاما ركومي
يلفي على ممدوح من نسل سطام
،،،،،،،،،،،،،،،،، اللي على قالت رفيقه يقومي
حلياك مثل الحر للصيد لطام
،،،،،،،،،،،،،،،،، تاخذ بثاري يابعيد العلومي
لوا هني من قلط الريش قدام
،،،،،،،،،،،،،،، وبنا بيوت الحرب مثل الحزومي
وإليا كدوا ربعي تقل عسكر انظام
،،،،،،،،،،،،،،،،،، بطرافهم مثل رعيد الغيومي
"9".
كما قال الأمير نوري وهو في سجن الأتراك في قصيدة أخرى :
البارحة نوم الملا يايجيني
،،،،،،،،،، والعين عيت تقبل النوم ياسعود
صبر جميل والله المستعيني
،،،،،،،،،،،، اللي جابوني بالأمانات واعهود
ياراكب من فوق طلق اليميني
،،،،،،،،،،،، ماوصفوا مثله من الجيش مشدود
يسبق شريط التيل للمنتويني
،،،،،،،،،،،،، وإلى شبكته بالرسن يطلب الزود
وش علمكم ياربوعنا مرتخيني
،،،،،،،،،،،،،،،، لومي على خالد وممدوح وحمود
مشرف ومتعب هرجهم مايجيني
،،،،،،،،،،،،،،،، ياطراد أنا قلبي من الهم ملهود
نخيتكم ياطراد فك السجيني
،،،،،،،،،،،،،،، كيف انحبس وعيال وايل تقل طود
وين الرفاقه وين حبس الكميني
،،،،،،،،،،،،،،،،،،، عاداتكم يا عزوتي نطحة الكود
"10"
وفي ممدوح يقول الباحث الأستاذ عبد الله زايد الطويان :"
شيخ الشيوخ : هو ممدوح بن سطام بن شعلان ، لقب بشيخ الشيوخ لأفعاله المجيدة ونجداته العديدة للغير ، فها هو الشيخ الفارس النوري الهزاع يطلب نجدته ويقول :
ممدوح لي عقدة حله
،،،،،،،،،،،،،،حيثك على الغوش بك نوفي
البارحة العين منشله
،،،،،،،،،،،،،،، عود الرمك نايفه نوفي
مالي معلل حذا الدله
،،،،،،،،،،،،،،، والحبس مظلم ولا شوفي .
وممدوح هذا من أشجع شيوخ الشعلان وأبرزهم لكن دنياه لم تمهله قتل شابا في معركة قبلية
....". "11"
وممدوح لم يكن شجاعا مقداما فحسب ، بل كان من كرماء قومه من الشعلان ؛ وفي ذلك يقول الأديب الراحل محمد الخالد الشرعبي يذكر ممدوح :"
وقد أنجب سطام عدة أبناء كان أبرزهم ممدوحاً الذي سيرد له ذكر بالشجاعة والكرم والسخاء حتى أنه ذبح لضيوفه جميع ما يملك من الضان فعاتبته أمه بذلك الأسراف وكان جوابه لها مفحماً عندما قال لها : من قال لك أن تسميني ممدوحاً إشارة إلى صفته بالكرم الذي يتحلى بها ,
قتل قبل أن يتزوج وقد استفزعه النوري بن شعلان ليسترجع له حلاله عندما شعر النوري بالضيم من ابن أخيه فارس بن فهد بن هزاع الشعلان واتهمه بقتل والده وكان النوري حينذاك في سجن الأتراك بهذه القصيدة والتي تعتبر دلالة تاريخية على مكانة ممدوح المرموقة وشجاعته النادرة .
لقد وصف الشيخ ممدوح بن سطام بن شعلان بالشجاعة والفروسية , وكان يذكر دائماً من قبل الشعراء والأمراء بآن واحد , وهذا ابن عمه الشيخ النوري بن شعلان يفتخر به وبشجاعته ويطلب منه الأخذ بثأره حيث كان قد حكم عليه الأتراك بالإعدام بسبب ابن أخيه , فارس متهماً إياه بمقتل أبيه فهد بن هزاع الشعلان .
ياراكبا من عندنا فوق مرزام
،،،،،،،،،،،،،،تجفل اليا شافت خيال الرجومي
.....................
ولما قتل الشيخ ممدوح بن سطام بن شعلان اهتزت لقتله أركان البادية , وكان من أعظم من رثاه أحد رجاله الذي صعق عند سماعه الخبر , فجادت قريحته بهذه الأبيات الثلاثة التي لها من معاني الوجد والأسى ما تلمسه فيهن :
جعل الحيا يسقي فروع السطيحة
،،،،،،،،،،،،،،، ويسقى شفايا وادي فيه ممدوح
شيخ الشيوخ اللي لربعه منيحه
،،،،،،،،،،،،،، وما هو من اللي شوفته بس للروح
وليتي حضرت الشيخ وانطح نطيحه
،،،،،،،،،،،،،،،،، ويا ليتن مع ذبحة الشيخ مذبوح
إنه يتمنى أن يكون حاضراً تلك المعركة حتى يدافع عن الشيخ ممدوح ويموت معه , وهذا دليل وفاء ما بعده وفاء , وهذه دلالة على فروسية وكرم ذلك الشيخ ..
" . "12"
ولأن هذا الفارس الفريد قتل شابا ، فلابد لنا أن نأتي على نهاية حياته بهذه السرعة ، فليس في حياته غير قصة شاب شجاع ، قضى نحبه في ميدان المعركة ، وهنا لابد لنا أن ندع ألويس موزل ، يذكر لنا كيف سقط ممدوح صريعا في أرض المعركة ، في العام (1911م ) ، ومن المفيد هنا أن نذكر أن نهاية هذا الفارس الشجاع جاءت متزامنة مع نهاية " الفرسان الثلاثة " !! ؛ الذين كانوا هم أبرز فرسان الرولة في تلك المرحلة ، ولذلك سندع الحديث لموزل الذي فجع أيما فجيعة ، وهو يستخبر عن هؤلاء الفرسان الثلاثة الذين كانوا من أعز أصدقائه في زيارته الأولى عام (1909م ) ، حيث يقول في رحلته الثانية في شتاء (1915م ) بعد أن التقى بالنوري بن شعلان :" بين الساعة 50 : 10 والساعة 30 : 11 من يوم السبت 26 ديسمبر 1914م عندما استأنفنا مسيرتنا قابلنا جماعات كبيرة وأخرى صغيرة من البدو المرتحلين والذين أفادونا بأن الأمير النوري ابن شعلان سوف يضرب مُخيمه شرق خبرة الهجم ....................
من اتجاه الشرق كانت تُسمع أصوات طلقات نارية تُطلق على فترات متقاربة ، والتي كانت تدُل على أن أبناء العائلة الحاكمة كانوا يصوبون نحو هدف ما . كانت خيمة الأمير النوري ابن شعلان منصوبة في حفرة صغيرة للدرجة التي لم نستطع أن نراها حتى الساعة 10 : 3م . لم تكد تظهر إلينا متفحصين في استغراب . فجأة صاح المملوك عليَّ : (( الشيخ موسى ؟! )) واندفع لملاقاتنا وقاد راحلتي إلى الجانب الأيسر من الخيمة . لم أكن قد ترجلتُ بعد عندما وقف الأمير أمامي وجذبني إلى ذراعيه واحتضنني وقبلني على الخدين وكأنني شقيقة . خلفه كان يقف الأمير نواف الذي مدّ كلتا يديه نحوي ، ثم تبع ذلك صف طويل من أصدقائي القدامى المخلصين ، والذين احتضنتهم جميعاً وقبلتهم على خدودهم قبل دخولي الخيمة . أجلسني نواف بينه وبين والده ، وانهمرت من كل جانب التحايا والاستفسارات عن صحتي .
لقد شعرت براحة وحرية كبيرة بين هؤلاء الناس الطيبين للدرجة التي اعتبرتُ فيها نفسي في موطني وبين أشقائي .
تفحصت المجتمعين باحثاً وسطهم عن أصدقائي الحميمين الثلاثة عذوب ابن مجول ، وممدوح بن سطام ، وسعود ابن الأمير النوري . ولم أرهم بين الحضور استفسرت عن مكانهم .
" لقد ذهبوا ( راحوا ) " قال الأمير . عذوب ، كانت قد نُهبت منه عدة قطعان من الجمال بواسطة شمّر عند موردّ مياه القصايم ، فقام باعتراض المغيرين ، واسترد الحيوانات ، ولكنه أصيب بطلق ناري فخر صريعاً في الحال . رجع فرسه بسرجٍ خال مُلطخ بالدماء . " وأين قضى ممدوح نحبه ؟ "
(( كان قد تولى غارة ضد شمر . وقد استدار حول النفوذ من الجانب الغربي والجانب الجنوبي ، ووجد شمر وولد سليمان عند آبار بيضاء نثيل ، فاستولى على اثني عشر قطيعاً من الجمال ، وبينما كان هارباً بها إلى ناحية الغرب هاجمه العدو ، الذي كان يحتل أغوار المسمى ، فسقط ممدوح قتيلاً في ممر العاه . أما الناجون من الغارة فقد وصلوا إلينا عندما كنا نخيم عند جبل العمود .
(( وأين فقدت سعوداً ؟ )) (( لقد سقط نتيجة غدر ، قتله الكلاب ، الذين ينبح على رأسهم ابن جازي عند مدخل وادي ناعم في وادي السرحان شمال قرية قراقر الصغيرة . كان هناك مع ستة من الفرسان يرعى قطعاناً من الجمال ، عندما أقبل عشرة أشخاص يركبون على جمال وحيا هؤلاء سعود ومن معه موضحين بأنهم تحت إمرة الشيخ عودة أبو تايه وهو صديق لنا . وبما أن ملابس حويطات أبو تايه تشبه ملابس حويطات ابن جازي فقد صدقهم سعود في الحال ودعاهم إلى الانضمام إليه حول النار . قام الراكبون بإنزال سُروج جمالهم وحملوا السروج إلى صخرة مجاورة : حيث تظاهروا بإشعال نار .
فجأة ودون سابق إنذار تناولوا بنادقهم وأطلقوا النار على سعود ورفاقه ، وفي الحال كان سعود وأربعة آخرين يخرون قتلى . الاثنان الآخران أنقذا نفسيهما بالاحتماء وراء أجمة ( رتم ) وأسرعا في طلب نجدة . حاول الحويطات الهرب ولكن فرسان الشعلان على صهوات الخيل سرعان ما لحقوا بهم ـــ عندما رأوا أن لا أمل لهم في النجاة ، قفزوا من على ظهور جمالهم واختبأوا في الدغل المكشوف الواقع في وسط وادي السرحان . احاط المطاردون بالدغل وأشعلوا العديد من النيران ، وظلوا يرقبون الرجال طوال الليل . في صباح اليوم التالي توسل الحويطات طالبين الرحمة ، لكن الفرسان قاموا بشد وثاقهم ، واخذوهم إلى الموضع الذي لطخه دم سعود وذبحوهم الواحد تلو الآخر مع وضع رؤوسهم إلى القبلة ، وهي الطريقة التي يُذبح بها الضأن . إنهم يستحقون ذلك جزاء على خيانتهم .
لم يختلج صوت الأمير على الإطلاق أثناء وصفه لمقتل صديقه عذوب ، ونسيبه ممدوح ، وابنه وفلذة كبده سعود قائلاً : " ماذا يُمكنك أخي أن تفعل تجاه إرادة الله ؟ إن ثلثينا نحن الرجال يفارق هذه الحياة غصب . ولا يوجد أي امرئ من الثلث المتبقي من لا يحمل جراحه وأحزانه . هكذا كان يا موسى من قبلنا ، وهكذا سيكون الأمرُ من بعدنا . يا الله ! يا رحيم ..
"."13"
نعم لقد كانت هذه النهاية الحزينة هي آخر فصول حكايتنا مع هذا الفارس النبيل ، وقد خلد عواد الشبيبة أحد موالي الشعلان ، هذا الفارس بقصيدة تعتبر من عيون الرثاء في الجزيرة العربية ، وقد جاء فيها :
ياعين كفي دمعتك ياقميحة
،،،،،،،،،،،،،،، ماعد لك من باقي السهر مصلوح
برق يلوح وشاق عيني لميحه
،،،،،،،،،،،،،،، بخشوم غر بالسما بس له ضوح
عسى الحيا يسقي جناب السطيحة
،،،،،،،،،،،،،،، يسقي شغايا وادي فيه ممدوح
شيخ الشيوخ اللي لربعه منيحه
،،،،،،،،،،،،،،، ماهو من اللي شيخته بس للروح
مجرب كل سمع في مديحه
،،،،،،،،،،،،،،،اللي لجمعات الطوابير ذابوح
مضاربه باهل السبايا مجيحه
،،،،،،،،،،، من غالطه بالطيب غادي ومفضوح
عزي لمن مثلي همومه مشيحه
،،،،،،،،،،،،،،، وقلبه على سردال الابطال مجروح
القلب عيا لا يطيع النصيحه
،،،،،،،،،،،،،،، جاوبت قمري الحمايم على النوح
ليتي حضرت الشيخ وانطح نطيحه
،،،،،،،،،،،،،،، او ليتني مع ذبحة الشيخ مذبوح
"14"
السطيحة : منطقة تقع في جهة الغبرب الشمال من ضلع المسمى ، وقبر الشيخ ممدوح في ريع الاه عند قطعاء ممدوح وهناك يجثم قبر ممدوح الشعلان شاهدا على الحقبة الذهبية لقبيلة الرولة .
نعم هذه هي حياة الفارس ممدوح بن سطام الشعلان ـ رحمه الله ـ فهل نلام في الحديث عنه ، أو في أن نخلده بهذه الأسطر ....!
إنه لشرف لي أن أكتب عنك أيها الفارس النبيل ...
بقلم المهلب الرويلي ..
28/4/1431هـ
المراجع :
1ـ أخلاق الرولة وعاداتهم . ألويس موزل . ترجمة وتعليق . د. محمد بن سليمان السديس . الطبعة الثانية . مكتبة التوبة
2ـ البدو . ماكس .أوبنهايم .
3ـ نفس المرجع .
4ـ الرحالة الأجانب في شمال الجزيرة العربية( رحلة موزل الأولى 1909م ) . د. عوض البادي .
5ـ نفس المرجع .
6ـ الكنز المختار من القصص والأشعار لقبيلة الرولة وغيرهم . إعداد وتأليف هزاع مناحي الحمادي .
7ـ الرحالة الأجانب في شمال الجزيرة العربية( رحلة موزل الثانية 1915م) . د. عوض البادي .
8ـ من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية ، قصص وأشعار . منديل من محمد بن منديل آل فهيد.
9ـ الكنز المختار من القصص والأشعار لقبيلة الرولة وغيرهم . إعداد وتأليف هزاع مناحي الحمادي .
10ـ قطوف الأزهار . ابن عبار .
11ـ الحاوي للألقاب والعزاي . عبد الله زايد الطويان .
12ـ البادية بين أصالة الحاضر وعراقة الماضي . محمد الخالد الشرعبي
13ـ الرحالة الأجانب في شمال الجزيرة العربية( رحلة موزل الثانية 1915م) . د. عوض البادي .
14ـ من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية ، قصص وأشعار . منديل من محمد بن منديل آل فهيد.
منقول / للفايده مع بعض التعديلات المفيده للموضوع
25/04/10, (02:57 PM)
ممدوح بن سطام الشعلان شيخ الشيوخ وأشجع الفرسان!!
العرض العادي
