استسهال الشعر
بقلم مصطفى معروفي
ــــــــ
ما يلفت الانتباه لدى القارئ المهتم وربما حتى القارئ العادي للشعر هو كثرة الشعراء و هو الشيء الذي في نظري يطرح سؤالين مشروعين وهما:
هل كل ما يكتب تحت مسمى الشعر هو بالفعل شعر؟
وهل كل من يكتب الشعر أو بالأحرى يجرؤ على كتابته هو بالفعل شاعر؟
الواقع ينفي ذلك ويقول باللسان الفصيح:
ليس كل هذا الركام الذي يسمى شعرا هو شعر حقا،وبالتالي فليس كل من تجرأ على كتابة الشعر هو شاعر بالفعل.
ذلك أنه من خلال نصوص كثيرة يصنفها أصحابها في خانة الشعر لا نكاد نعثر فيها على الشعر أو لا نعثر عليه إلا نادرا.و هو ما يفند الزعم القائل بأن الشعر هو أقرب ما يكون إلى نفس الإنسان و لذا يسهل قرضه مع أنه صعب وفيه مشقة ،وقد أشار الحطيئة وهو ما هو في الشعر بقوله:
الشعر صعب وطويل سلمهْ
ويروى عن الفرزدق وما أدراك ما الفرزدق أنه قال:
إن خلع ضرس أهون علي من قول بيت من الشعر في بعض الأوقات.
ولذا فنحن أمام هذه الكثرة الكاثرة من الشعراء والشاعرات نرى العارفين بالشعر والمخبّرين دروبه ينبهوننا إلى خطورة الأمر قائلين:
ليس كل ما يلمع ذهبا.
ويتساءلون إنكاريا مع عدي بن زيد:
أكل امرئ تحسبين امرأ
*ونار تَـوَقَّدُ باللـــيل نارا
أقول هذا وأنا أفرق بين الناظم والشاعر،وإنني لأزعم وأذهب في زعمي بعيدا فأرى أن حتى الناظم بالمعنى الحقيقي للنظم يندر وجوده.
إن الشعر يشكل إلى حد ما بالنسبة للإنسان حاجة جمالية أساسية ، وبناء عليه فنحن بين الفينة والأخرى نلجأ إليه إما قرضا وإما قراءةً وإما الاثنين معا، ونحن إذ نفعل هذا فلأننا لا نكاد نتصور الحياة بدون شعر إلا فلاة قفرا يصعب العيش فيها أو يستحيل.
ما يعنينا في الموضوع أعلاه هو التساؤل حول الانجذاب إلى الشعر كتابة.و ما مدى سلبية أو إيجابية هذا الانجذاب .فالشعر حاليا يمر بأزمة لا تتمثل في تحققه فقط و إنما في مدى الإقبال عليه من الجمهور حيث تلاحظ فتورا واضحا منه في هذا الإقبال وهو أمر لا بد من أن له أسبابه ودواعيه، و أعتقد أن بعضها يكمن في استسهاله من طرف كاتبيه لبضاعتهم المزجاة في مقومات الشعر.
إن الشاعر المحترق بجمرة الشعر هو الذي يعاني ويكابد في سبيل قرضه و تحقيقه ، و لا يراه أبدا أنه*"مسلك يقود الخطى سهل المنال قريب" كما يراه المبطلون بطبيعة الحال.
إن استسهال الشعر هبط به إلى الأسفل ، و من ثم حصل له انكماش لفائدة أجناس أدبية أخرى كالرواية مثلا.فمستوى رواجه وقراءته ضئيل جدا ، و مستوى تلقيه سماعا أضأل.
نتمنى أن ترفع حالة الاستثناء هذه على الشعر ليسترد مكانته الطبيعية بين الأجناس الأدبية الأخرى.