غرقى وأموات بالجملة وجثث متفحمة
أُسر ضحايا الحوادث يبكون وحدهم
منقول
كل حادث يخلف وراءه أسرة ومشهداً حزيناً من البكاء والدموع وارملة ويتامى وامهات وآباء بقلوب منفطرة على فقد فلذات اكبادهم وربما نحن نطالع مثل هذه الفواجع لا نحفل كثيرا او نتصور حال الاسرة التي فقدت موتاها كيف صار حالها بعد فراقهم بل كيف تلقت نبأ الفاجعة وماذا حدث لاطفال وزوجات واباء واقارب الضحايا. هذه محاولة من «عكـاظ الاسبوعية» لمقاربة احزان بعض الاسر التي فقدت عزيزاً او اعزاء لديها وتصوير المشهد الدرامي لايام المأتم والعزاء ودعوة لمشاطرة البعض احزانهم مما يخفف من مصابهم تجسيدا وتكريسا للتكافل الانساني والاجتماعي في مثل هذه الظروف التي قد يمر بها أي واحد منا. «عكـاظ الاسبوعية» زارت اسرة ال سعد في (الاملاح) بمنطقة نجران بعد فقدها خمسة من افرادها في حادث تصادم بينما كانوا في طريقهم من نجران الى الرياض. رب الاسرة مروزق مبارك ال سعد تحدث الينا مختنق العبرات مستعيدا ذكرى الحادث الذي وقع لاسرته الشهر الماضي، توفي ابني الاكبر مبارك (30 سنة) وهو يعمل بالحرس الوطني في الرياض رحل ولم يمض على زواجه اربع سنوات الا انه لم يخلف ابنا يحمل اسمه. وتوفي ابني الاخر صالح (26 سنة) وزوجة اخي (موزة 40 سنة) وطفلاها عبدالمجيد 3 سنوات وبيان (5 سنوات) والمؤلم انها كانت في زيارة لأمها المنومة في مستشفى الملك خالد ولاننا لم نستطع اخبارها بوفاة ابنتها ما تزال تسأل عنها في كل زيارة: كيف حال ابنتي موزة وطفليها. واذكر اننا عندما ذهبنا الى موقع الحادث وقد خمدت النيران التي اندلعت من شدة الاصطدام وابلغت شقيق زوجة اخي بما حدث صمت من هول الموقف وسقط مغشيا عليه وحدث لي مثل ما حدث لشقيق زوجة اخي عندما اقتربت من السيارة وشاهدت المنظر حيث ظللت ابكي واصيح بصوت مرتفع حتى اغمي علي ولم اشعر بنفسي الا في صبيحة اليوم التالي وانا في المستشفى.
دفن سيارة الموتى
وهنا توقف مرزوق عن الحديث وخرج من المجلس ثم عاد بعد 20 دقيقة وعيناه محمرتان وهو يقول لنا «قلبتم عليّ المواجع» ثم استطرد حديثه قائلا استلمنا الجثث في ظهر اليوم التالي وطلبنا من صاحب مزرعة في الموقع الذي وقع فيه الحادث ان يساعدنا في دفن السيارة لأن قطعا من لحم المتوفين اختلطت مع مقاعدها!
وبعد انقضاء ايام العزاء اصبحت زوجتي (ام مبارك) تميل للجلوس وحدها وهي غير مصدقة ان ابنيها توفيا في الحادث وتسألني: هل صحيح ان مبارك وصالح توفيا؟
فأطيب خاطرها قائلا: الحمد لله على كل حال ادع لهما بالرحمة هذا قضاء الله وقدره.
ان اكثر ما يؤلمنا منظر زوجته وهي تتذكر ابنيها وتبكيهما حتى يغشى عليها حد الانهيار حتى انني في بعض الحالات كنت اقوم بنقلها الى المستشفى ومن ثم تنتقل الاحزان لبقية أبنائي الذين يهرعون لمساعدتنا فيصابون بحالات اشد منها خاصة البنات بل انها تستيقظ في منتصف الليل من نومها وهي تصيح وتنادي بصوت عال: يا مبارك يا صالح! فاقوم بتهدئتها حتى تعود الى نومها وفي معظم الاحيان اظل ساهرا حتى طلوع الشمس ثم اذهب للدوام وانا لم أهنأ بطعم النوم؟!
ضحايا غدير الصبايا
وفي حي الشرفة الشمالي بنجران ما زال الحزن يخيم على أسرة آل سويدان اثر فقدها سبعة من ابنائها غرقا بعد ان ابتلعهم (غدير الصبايا) واحدا تلو الاخر عندما تسابقوا لانقاذ طفل الخامسة الذي سقط في الغدير. ورغم مرور اسبوعين على دفن المتوفين الا ان الاسرة المنكوبة ما زالت تعيش حالة من الحزن الاليم على فقد ابنائها.
«عكـاظ الاسبوعية» زارت الاسرة في منزلها المشيد من الصفيح والهنقر لمشاطرتهم الاحزان في هذا الفقد الجلل وللوقوف عن كثب على احوالها بعد الحادثة الاليمة.
رب الاسرة حمد علي ال سويدان (60 سنة) تحدث بقلب حزين فقدت اثنين من ابنائي محمد (27 سنة) وصالح (16 سنة) اضافة لحفيدي محمد (5 سنوات) وهو ابن نجلي الاكبر الذي يقبع خلف القضبان في سجن نجران بمحكومية 8 سنوات الا ان امير نجران الامير مشعل بن سعود امر باطلاق سراحه لمدة ثمانية ايام حتى يتمكن من مشاركتنا العزاء.. ولكن بعد فقدي لولدي اصبحت في حيرة من امري فقد داهمني المرض قبل (5 سنوات) واصبحت اعاني من ضعف في عضلات القلب وانسداد الشرايين فكيف اعول اسرة مكونة من 15 فردا وقد رحل ابناي اللذان كانا يرعيان شئون الاسرة واسرة شقيقهم السجين وفجأة اصبحت انا المسؤول عن الاسرة واسرة ابني الاكبر الذي داخل السجن بعد ان فقدت شقيقيه خاصة ان له اربعة ابناء صغار وائل (8 سنوات) وفقة (6 سنوات) وخواطر (3 سنوات) وردينا (سنة ) اضافة الى زوجته ولا دخل لي سوى راتب الضمان الذي لا يغطي مصاريف اسرتي وأسرة ابني السجين.
ويضيف العم حمد في أسى شفيف ابني محمد 27 سنة لم يمض على زواجه سوى شهر واحد ثم يتوقف قليلاً كمن تذكر مستشهداً قبل ان يكمل: آخر مرة شاهدت ابني كان قبل اربعة ايام من وفاتهما حتى انني لم اتحمل استلام جثمانيهما من ثلاجة الموتى في مستشفى الملك خالد بنجران.. انني لن انسى هذه الفاجعة التي حرمتني لذة الطعام والشراب وسرقت النوم من عيني ما حييت.
وقال العم هادي آل سويدان (65 سنة) ابني الفقيد حمد عسكري بقوة نجران وقد رحل مخلفاً زوجته وطفلتين مرام ومنال قبل ان يؤمن لهم مسكناً فما زالوا يسكنون في بيت من «الهنقر».
يتذكر العم هادي ابنتيه سعدة ومغنية عندما حضرتا اليه للسماح لهما بالذهاب الى النزهة مع اشقائهما وعمهما وانه اعطى كل واحدة نقوداً الا انهما رفضتا اخذها تقديراً لظروفه الا انه اصر على موقفه وبعد وفاتهما وجد المبلغ في غرفتهما فلم يتحمل الموقف اثناء استلام جثمانيهما من المستشفى.
ويري العم مرشد آل سويدان (60 سنة) ان القدر كان اسرع من فرحه بزواج ابنه عبدالله (19 سنة) الذي غرق مع الآخرين في الغدير وما زال المشهد ماثلاً في ذهني وصراخ النساء في اذني ولا استطيع وصف الحادثة بأكثر من انها «فاجعة».
وكان اكثر ايلاماً لنا منظر الطفلة منال ابنة الفقيد حمد وهي تقبل صورة والدها المتوفى في الحادث وترفض ان تسلمها لأحد سواها قائلة: «هذا بابا الشرطي حبيبي هنا»!!.
مصرع عروسين
وداخل منزل اسرة العم علي بن احمد عطيف في قرية الحصامة التابعة لمحافظة احد المسارحة قصة اخرى لرجل فقد اثنين من ابنائه في اقل من شهر.
يروي عطيف كان ابني محمد 24 سنة في زهو الشباب الا انه اصيب بسكتة قلبية مفاجئة اثناء قيامه بخدمة العملاء في احد البنوك بصامطة فعم الحزن الاسرة خاصة شقيقه الاكبر حسن الذي كان يستعد للزواج ما جعله يؤجله شهراً كاملاً.
وبعد ثلاثة اسابيع من الحزن المستمر بدأ حسن الذي يعمل بالقوات البحرية يتأهب لاستكمال مراسم زفافه واثناء خروجه مع عروسه لاستكمال شراء بعض لوازم الفرح داهمتهما شاحنة مسرعة تسببت في احتراق سيارته ووفاته مع زوجته معاً!.
كان ذلك قبل ثلاثة ايام فقط من حفل الزفاف لتصبح هذه الايام الثلاثة المتبقية على الفرح ايام حداد وحزن عم كافة ارجاء القرية.
المصيبة هدت كاهلي وبوفاتهما انهد ركنان من اركان اسرتي فقد كانا يسدان احتياجاتها وانا لا املك سوى راتبي التقاعدي ومنزلاً بالايجار وتراكمت الديون حتى بلغت اكثر من 200 الف ريال نصفها لزواج حسن يرحمه الله. ويزيد في ألمي ان امهما ترفض اخراج ملابسهما من خزانة المنزل وهي تعيش على ذكراهما صباح مساء وتأمل في ان تلقاهما في جنة الخلد.
وأملي ان يتم توظيف احد الاشقاء الثلاثة المتبقين حتى يتمكن من الوفاء باحتياجات الاسرة الضرورية ومساعدتها في تسديد الديون المتراكمة.
افتقد خمسة في لحظة واحدة
وفي لحظة واحدة فقد العم جامع الدعدي خمسة من ابنائه (4 بنات وولد) لم يكن يفصلهم عنه سوى دقائق قليلة حين يجتمعون على وجبة الغداء بعد عناء يوم دراسي ورحلة يقطعونها يومياً ذهاباً واياباً الا ان الخبر وقع عليه كالصاعقة عندما ابلغوه بتعرض ابنائه لحادث مروري على مسافة 5 كيلومترات فقط من منزله كان مشهداً مؤلماً وهو يتفقد ابناءه الذين تفحمت اجسادهم حتى انه لم يتمكن من تمييز ملامحهم وهو الذي طالما احتضنهم ولاعبهم!.
«عكـاظ» زارت منزل الدعدي الواقع ضمن الاسكان الخيري بقرية ملكان وقد بدا حزينا شديد التأثر على فقدان ابنائه قائلاً هناك شاهدت ما لم يشاهده انسان آخر فالنيران حرّقت اجساد ابنائي ولم استطع التعرف عليهم عدا بنت واحدة قذفتها السيارة بعيداً عن موقع الحادث.
يقول الدعدي: وفاة هذا العدد من اسرتي احدث لي شرخاً كبيراً واصبحت اشعر بفراغ كبير بعد وفاتهم فقد كانوا يملأون عليّ حياتي ولكن عزائي عندما اكتشفت ان ابني سرور تغيب عن الذهاب الى المدرسة واخاه الذي رافقهم صباحاً الى مكة تخلف عن العودة لارتباطه بالدراسة في الفترة المسائية انها المرة الوحيدة التي تمنيت فيها لو ان جميع ابنائي غابوا عن المدرسة في ذلك اليوم!!.
غرق ثلاثة اشقاء
ويروي ظافر بن سعيد الاحمري قصة غرق ثلاثة من ابنائه الخميس قبل الماضي في تجمع للمياه بخميس مشيط ما زالت صور اولادي الثلاثة لا تفارقني وهم يغرقون ويصيحون.
اما والدتهم واخوتهم الباقون ما زالوا يعيشون الحزن ففي كل مرة نجتمع فيها حول المائدة، وما ان يوضع الأكل حتى تنتهي دموع والدتهم وهي تنظر الى اماكنهم الشاغرة حول المائدة فتبكي وتصيح حتى يغمى عليها ولدى مشاهدتها يبكي الجميع ولا نستطيع مواصلة طعامنا ومن كثرة تفكيري في حالة اسرتي ومطالبها اصبحت لا أنام الليل.
23/05/08, (01:05 PM)
اخبار الجمعة 18/05/1429هـ ) 23/5/2008
العرض العادي
