حقيقة الغضب وعلاجه
الإنسان في حياته اليومية سواء كان في أسرته أو في مجال عمله يتعرض لكثير من المشكلات الحياتية سواء كان ذلك من خلال طبيعة عمله أو من خلال احتكاكه وتعامله مع الآخر، ولقد صدق المولي الكريم في قوله تعالي: لقد خلقنا الإنسان في كبد أي في شدة وعناء من مكايد ومكابد الدنيا، فهو يكابد محناً من الأمراض، ومصاعب في النفس والمال، وصعوبات في تعامله مع الناس إما قسوة منهم أو سوء فهم له، وصعوبات بسبب تعارض المصالح بينه وبين غيره، وبسبب السعي للحصول علي بعض مكاسب الحياة.. كل هذا يؤدي به إلي حالة من الانفعال النفسي والتوتر العصبي.. ولا يمر هذا الانفعال بسلام ولكن يؤدي إلي نتائج سيئة علي صحة الإنسان، فإن ذلك يسبب..
أولاً: زيادة في إفراز الغدة الكظرية، فيفرز الكورتيزون والارديتالين مما يسبب أمراضاً بدنية ونفسية.
ثانياً: يرتفع ضغط الدم
ثالثاً: يهبط افراز الانسولين ويفرز الجليكاجون مما يرفع السكر بالدم.
رابعاً: تحدث نوبات قلبية، وقرحة المعدة، وتهيج القولون وبعض الأمراض النفسية.
من هنا تأتي الحكمة عندما جاء رجل إلي رسول اللَّه - صلي اللَّه عليه وسلم، وقال: يا رسول اللَّه علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر عليَّ فأنسي.. فقال له رسول اللَّه صلي اللَّه عليه وسلم: (لا تغضب).. والحديث لا ينهي عن الغضب كلياً ولكن التحذير والنهي من التمادي في الغضب.
إذا اعتري الإنسان حالة وموقف دفعه إلي الغضب فليتوقف عن الكلام وإذا كان واقفاً فليجلس، وليشرب قليلاً من الماء، وليتوقف عن العمل والكتابة وهذا ما يسمي بتشكيل السلوك، وهذه المراحل من الاسترخاء العضلي والنفسي تمنح الإنسان فرصة لمراجعة النفس ومحاسبتها.
والاغتسال بالماء يزيل الغضب لذا قال رسول اللَّه صلي اللَّه عليه وسلم (إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)، لذا فتكرار الوضوء مع كل صلاة كفيل بأن يجعل الإنسان في حالة سلام وأمان مع نفسه والمجتمع المحيط به.
لذلك فتارك الصلاة والعياذ بالله عصبي ومتكبر لا يحترم كبيراً وليس له عزيز.
لأن للصلاة آثاراً شفائية علي النفس والجسم منها، أن المصلي يندمج مع المجتمع بروح الألفة والمودة، ويتمتع بعاطفة حب الآخرين وعدم الاستعلاء عليهم، ولايشعر بالوحدة والعزلة عن الناس والغربة الاجتماعية، والصلاة تربي في النفس روح الانتماء إلي المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان، لذا روي عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلي اللَّه عليه وسلم قال: قم فصل فإن في الصلاة شفاء.
إن الرجل كثير الغضب والانفعال يثبت للآخرين ضعفه واختلال مزاجه النفسي، ودائماً متوجس خيفه من غيره لتزاحم الوساوس في نفسه ويشعر بالغربة وهو بين الناس، ولن يخرج من هذه الحالة إلا بإشاعة الحب والود بينه وبين الآخرين، فيستعيد ثقته بنفسه وثقة الآخرين به.
وهناك الغضب المشروع والمحمود حينما تنتهك حرمات الله وتفقد القيم الأخلاقية وينقلب ميزان العدل، وتتفشي السلبية والانهزامية بين الناس، فهنا علي المسؤول أن يغضب ويروع الآخرين حفاظاً علي نفسه وعلي المجتمع المحيط به، لأن المسؤولية تبدل أطوار النفوس.